جديد حداد

 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

الطوق والإسورة

( 2 )

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

يحدثنا فيلم (الطوق والإسورة) عن تلك الأسرة الريفية الفقيرة (بخيت البشاري، حزينة، فهيمة) والتي سافر ابنها للسودان ومنها لفلسطين أثناء خدمته بالجيش، فهم ينتظرونه متصورين أن الحل كله في عودته، وهو لا يعود.. يموت الأب وتتزوج الأخت من حداد عاقر (أحمد عبدالعزيز)، وبعد اجتهادات عديدة من الأم تذهب بابنتها إلى المعبد (وهي عقيدة غريبة هناك، واقعها أن رجلاً يقوم بإخصابها فيه).. وتموت الأخت بحمى النفاس بعد أن تضع طفلتها "فرحانة". وتكبر فرحانة حاملة معها سمات التخلف لرمز هام يفتح آفاقاً واسعة للتأمل في كل مقومات ذلك المجتمع وما يمكن أن يولد منه. وبعد ربع قرن يعود الابن الضال مصطفى، لتنكشف من خلاله، حقيقة هذا المجتمع المجدب العاجز عن الإخصاب، حيث نراه في النهاية بثور ويحطم كل شيء.. لينتهي عاجزاً عن فعل أي شيء.

يقول خيري بشارة عن فيلمه: (...الخصوبة هي قلب الموضوع.. نحن غير قادرين على الإخصاب.. لست معنياً أساساً بالعادات والتقاليد بقدر ما أنا معني بالتركيبة العقلية أو الذهنية.. أنا معني بالخصوبة وعلاقة ذلك بالفاعلية والقدرة على التغيير. فالفيلم يتحدث عن فقدان الخصوبة الإنسانية...).

ولكي يؤكد خيري بشارة رؤيته هذه فهو يلجأ إلى تجسيدها في أكثر من موضع وبأشكال مختلفة. فنحن نصادف حالة العجز هذه، سواء جنسياً أو اجتماعياً، عند الحداد العاقر، عند مصطفى الذي يطلق زوجته الشامية لأنها لم تنجب له ابناً، وهو العاجز أيضاً عن فهم ما يدور حوله، نصادفها أيضاً عند الأم حزينة العاجزة عن إنقاذ حفيدتها، وعند ابن الحداد العاجز عن امتلاك فرحانة فيقتلها، عند المدرس العاجز عن تغيير الخطأ.

فيلم (الطوق والإسورة)، بشكل عام، لا يعتمد على الحبكة الخيط الدرامي الواحد، وإنما يعتمد أسلوب التفاصيل والمواقف والحالات العديدة، وبذلك لا يهتم بعرض تطور الشخصيات وتصوير مراحلها التاريخية، حيث أن القصد من الامتداد الزمني ليس رواية تاريخ بقدر ما هو تجسيد لامتداد سيكولوجية الشخصيات ووعيها ومواقفها، وبالتالي نجد بأن الشخصيات والحالات تتكرر أو بمعنى أصح تتناسخ في شخصيات وحالات أخرى.

ففرحانة هي امتداد لأمها فهيمة وليس هناك مجال للمصادفة أن تمثل الدورين ممثلة واحدة (شيريهان)، وأن تموت الشخصيتان بعد ظهور علامات الخصوبة عليهما. كذلك مصطفى الذي نجده امتداداً لأبيه العاجز والمقعد (يمثل الدورين عزت العلايلي أيضاً)، فمصطفى في النهاية يصل إلى نفس الحالة التي وصل إليها أبوه. وهناك أيضاً ابن الحداد الذي يشكل امتداداً لخاله، فكلاهما انتهى بفعل عنيف، الخال حرق زوجته ونفسه وابن الأخت قتل فرحانة.

هذا التكرار أو التناسخ في الشخصيات إنما يعبر عن حالة الثبات في المجتمع وتوارث القيم والمفاهيم المتخلفة. ثم أن الفيلم بما يقدمه من أفكار وشخصيات لا يطرح حلولاً بل يقدم وجهة نظره القاسية معتمداً على ذكاء المتفرج في اكتشاف الخلل والسعي لتغيير تلك البنية المركبة التي أفرزت وضعاً ونظاماً كهذا.

وبعيداً عما ذكرناه عن الطرح الفكري، فالفيلم يقدم مستويات فنية راقية في مجمل عناصره، حيث نجح المخرج في إدارته للممثلين واستطاع أن ينتزع منهم طاقات أدائية مدهشة بدون استثناء. كما برع مدير التصوير طارق التلمساني في تجسيد جماليات بصرية رائعة جاءت كنتيجة حتمية للاختيار الموفق لمواقع التصوير وزوايا الكاميرا وحركتها. أما بالنسبة للمخرج خيري بشارة، فقد نجح في تحقيق إيقاع بطيء وهادئ يتناسب وموضوع الفيلم وزمانه.

وأخيراً، لا بد من القول بأن (الطوق والإسورة) فيلم سيظل علامة هامة ليس بالنسبة لمخرجه وحسب، وإنما بالنسبة لتاريخ السينما المصرية.

 

أخبار الخليج في

28.01.2018

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)