جديد حداد

 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

عودة مواطن

( 1 )

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

منذ فيلم (مشوار عمر) والأفلام التي تلته، بدأ الاهتمام بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية يتضح أكثر لدى المخرج محمد خان. فها هو في فيلمه التالي (عودة مواطن) ـ الذي قدمه عام 1986 ـ يتناول ظاهرة اجتماعية تعتبر من الظواهر الهامة التي شهدها المجتمع المصري خلال العقدين الأخيرين، ألا وهى ظاهرة السفر للعمل في الخارج. وهى قضية شغلت ومازالت تشغل قطاعا كبيرا من أفراد المجتمع المصري، خصوصا الطبقة الفقيرة والمتوسطة والساعية اكثر من غيرها لتحسين مستواها الاقتصادي والمعيشي. علما بأن هذه القضية قد أحدثت خلخلة في كيان البيت المصري على المستوى الاجتماعي والمستوى الأخلاقي أيضا، وذلك لبروز المزيد من التطلعات لتحقيق المزيد من الأمان الاقتصادي. 
إن محمد خان والسيناريست عاصم توفيق، في فيلهما هذا يقدمان إدانة لأفراد الطبقة المتوسطة ومثقفيها كما يدينان ظروف المجتمع وتحولاته وذلك من خلال تناول شريحة من المجتمع تتمثل في عائلة شاكر (يحيى الفخراني). 

يبدأ الفيلم بعودة شاكر إلي وطنه وعائلته بعد غربة دامت ثمان سنوات محملا بأحلام كثيرة عن الاستقرار ولم شمل العائلة من جديد وتعويض إخوته عن غيابه الطويل عنهم. لكنه يصدم كثيرا بما حدث حوله من متغيرات وتحولات علي صعيد الأسرة والمجتمع بشكل عام. فأفراد الأسرة الأربعة كل منهم يعيش عالمه الخاص والمعزول عن الآخـر ويعيشون حـالة من الاغتراب الشديد رغم وجودهم تحت سقف بيت واحد. 

فالأخت الكبرى فوزية (ميرفت أمين) كانت ترعى شئون البيت في غياب شاكر لكنها بعد عودته تنجح في تحقيق حلمها القديم بمشروع مصنـع حلويـات، وتنخرط في عالم التجارة مستقلة بعالمها وشخصيتها كسيدة أعمال وتعيش بمفردها. والصغرى نجوى (ماجدة زكى) خريجة الجامعة تعمل مضيفة في أحد الفنـادق مستقلة بشئونها وشخصيتها، وتخطط للزواج من أحد زملائها في العمل رافضة لأي تدخل من أحد في خصوصياتها. أما شقيقاه، فالأول إبراهيم (أحمد عبد العزيز) يعيش حالة اكتئاب اثر انتظاره الطويل لقرار توزيع القوى العاملة بعد تخرجه من الجامعة ويحاول التغلب على هذا الانتظار بلعب الشطرنج وابتلاع الحبوب المهدئة ليعيش في حالة من الغيبوبة الدائمة توصله لمرحلة الإدمان وتعاطى ابر المخدرات يدخل على أثرها المستشفى. أما الأخ الأصغر مهدى (شريف منير) الطالب الجامعي فهو يتخذ من هواية تربية الحمام ستارا لنشاطه السياسي في أحد التنظيمات السرية إلى أن ينكشف أمره ويعتقل. 

وأمام كل هذه التحولات يقف شاكر مذهولا وهو يرى تفكك الأسرة وانهيار القيم العائلية ويعيش حالة من اليأس والحزن الشديدين لمجرد إحساسه بأنه المسئول عما حدث لإخوته وشعوره بالعجز عن فعل أي شيء إيجابي. 

نحن في (عودة مواطن) أمام شخصية غير قادرة علي التآلف مع الوضع الجديد والسائد في المجتمع. فبالإضافة إلى التحولات التي أصابت أفراد أسرته يصطدم شاكر أيضا بتحولات المجتمع ككل، حيث بروز أخلاقيات وسلوكيات جديدة أثرت فيه شخصيا وأدت إلى فقدانه لعمله وحبيبته وشقته. إننا أمام شخصيـة ضعيفة وعاجزة وسلبية رغم محاولاتها لأن تكون إيجابية في مواجهتها لكافة هذه الظروف المستجدة، فنرى شاكر على استعداد لتقديم كل أمواله التي عاد بها من الخارج في سبيل تحقيق ذلك، غير أن الأموال ليست هي الحل ولن تكون، فهو أمام غول كبير اسمه مجتمع ما بعد الانفتاح، والحل لابد أن يأتي بشكل تراكمي من المجتمع نفسه إضافة إلى التكوين السيكولوجي والضعيف أساسا لشخصيـة شاكر، وهى شخصية غير قادرة على اتخاذ موقف متشدد من بعض ما يدور حوله، فهو رغم دراسته للقانون إلا انه يخاف الشرطة والمحاكم ويميل إلى معـالجة مشاكله بعيدا عن كل تلك القنوات لذلك يكون قراره بالسفر مرة أخرى إعلان عن عجزه عن مواجهة الظروف الصعبة المحيطة به، وغم إحساسه بأن المسئولية الملقاة على عاتقه كبيرة هذه المرة. فإخوته اصبحوا بحاجة إليه اكثر من أي وقت مضى. هذا الإحساس يجعله مرة أخرى يقف عاجزا عن الحركة في المطار، فلا هو قادر على السفر والهروب من المشاكل والمسئولية ولا هو قادر على البقاء ومواجهة كل تلك الظروف. 

يتحدث محمد خان عن فيلمه هذا فيقول: (لو نظرنا لهذا الفيلم بعمق اكثر سنجد انه فيلم موجه إلى الطبقة المتوسطة بلوم وعتاب. يقدم الفيلم شخصيات جميعها سلبية ما عدا الشاب الجامعي الذي يلجأ إلى طريق لا يدري مدى صحته، لكن ربما أوصله إلى الحل.. لكن لمـاذا يـزدحم الفيلم بالشخصيات السلبية؟ من اجل أن يكون المتفرج إيجابيا، هدفه كان تحريك المتفرج من الطبقة المتوسطة خاصة، وإدانة سلبيته وعدم فعاليته، يقول له يجب أن تكون فاعلا ولا تكتفي بالفرجة من داخل البيت.. هذه هي قيمة الفيلم !!) *15

كما يتحدث مشيراً لشخصية شاكر، فيقول: (ماذا فعل هذا الرجل للآخر؟.. لا شيء.. لقد بقى مشلولاً في المطار، لأني أردت أن تأتي الإيجابية من المتفرج !!) *16

وأخيرا لا نغفل الإشارة إلى أن (عودة مواطن) فيلم هادئ وعميـق يتنـاول النـواحـي الحساسة في المجتمع بشكل جميل وصادق وغير مبـاشر، ويقوم بتشريح نماذج بشرية في إطار واع وعميق محملاً بواقعية شاعرية تهزنا من الأعماق.

 

أخبار الخليج في

03.02.2018

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)