جديد حداد

 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

عودة مواطن

( 2 )

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

(عودة مواطن) الذي قدمه المخرج محمد خان عام 1986، فيلم متكامل من الناحية الدرامية، حيث يقدم لنا شخصيات مرسومة بعمق ومدروسة بعناية وحذر، ويتابع تطوراتها النفسية بشكل مقنع ليس فيه أي ابتذال أو تجن. كما إن الحدث الدرامي اكتسب قدرا من الجاذبية الشعرية. ورغم بطء السرد الدرامي للفيلم إلا أن ذلك لم يؤثر على سير الحـدث وأهميته. كما إن السيناريو ابتعد عن الأسلوب التقليدي في بناء الشخصيات والأحداث، وقدم أسلوبا جديدا إلى حد ما على السينما المصرية وعلى المتفرج العربي. وقد حرص المخرج محمد خان على وضع شخصياته في أماكن تصوير مناسبة تماما مما كان له تأثير كبير علي واقعية الأحداث وصدق الشخصيات، خصوصاً بيت العائلة بديكوراته البسيطة. كما يؤكد خان قدراته الفنية في اختيار زوايا الكاميرا وحركتها وتجانسها مع الضوء واللون، ومقدرته علي إعطاء الصورة دورا مميزا في التعبير الدرامي التأملي العميق. ويكفى للاستشهاد بذلك المشهد الذي يدخل فيه شاكر البيت وقد اصبح شبه مهجور بعد تفكك العائلة .. يتنقل شاكر بين حجرات البيت- والكاميرا تلاحقه وترصد تحركاته- حيث يتوقف أمام الصور التذكارية للعائلة، ويمعن النظر طويلا فيها وكأنه يقارن بين الأمس واليوم، بين اللحظات السعيدة التي جمعت أفراد العائلة وبين هذه المرحلة حيث التفكك والانفصال. تتابعه الكاميرا وهو يواصل تنقله بين الحجرات الخاوية والصامتة والخانقة، ليصل إلى النافذة ويفتحها وكأنما يتأكد من وجود الهواء بالخارج. بعدها يلقى بجسده على السرير وهو في حالة إعياء تام نتيجة إحساسه بالحزن والمرارة والفشل. انه مشهد قصير موجز ولكن علي جانب كبير من الأهمية حيث يختصر فيه محمد خان كلاما كثيرا يمكن أن يقال مستخدما فيـه الصورة فقط كنموذج للتعبير الدرامي بعيدا عن ثرثرة الحوار. 

يتحدث محمد خان عن فيلمه هذا فيقول: (لو نظرنا لهذا الفيلم بعمق اكثر سنجد انه فيلم موجه إلى الطبقة المتوسطة بلوم وعتاب. يقدم الفيلم شخصيات جميعها سلبية ما عدا الشاب الجامعي الذي يلجأ إلى طريق لا يدري مدى صحته، لكن ربما أوصله إلى الحل.. لكن لمـاذا يـزدحم الفيلم بالشخصيات السلبية؟ من اجل أن يكون المتفرج إيجابيا، هدفه كان تحريك المتفرج من الطبقة المتوسطة خاصة، وإدانة سلبيته وعدم فعاليته، يقول له يجب أن تكون فاعلا ولا تكتفي بالفرجة من داخل البيت.. هذه هي قيمة الفيلم !!) *15

كما يتحدث مشيراً لشخصية شاكر، فيقول: (ماذا فعل هذا الرجل للآخر؟.. لا شيء.. لقد بقى مشلولاً في المطار، لأني أردت أن تأتي الإيجابية من المتفرج !!) *16

وأخيرا لا نغفل الإشارة إلى أن (عودة مواطن) فيلم هادئ وعميـق يتنـاول النـواحـي الحساسة في المجتمع بشكل جميل وصادق وغير مبـاشر، ويقوم بتشريح نماذج بشرية في إطار واع وعميق محملاً بواقعية شاعرية تهزنا من الأعماق.

 

أخبار الخليج في

16.02.2018

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)