جديد حداد

 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

سارق الفرح

( 3 )

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

الحديث عن شخصيات فيلم (سارق الفرح ـ 1994) للمخرج داود عبد السيد، حديث ذو شجون.. فبعد أن تعرفنا على شخصية بطلا الفيلم (عوض) ماجد المصري، وعلاقته بـ (أحلام) لوسي.. نتعرف هنا على شخصيات أخرى مهمة في الفيلم.

فشخصية نوال، تظهر فجأة في حياة عوض، تلك الفتاة التي تبيع الهوى للطلبة والمراهقين في مقابل مبلغ تتعيش منه. وهي شخصية نمطية ذات بناء متماسك، صاغها عبد السيد بذكاء، وقامت بتجسيدها عبلة كامل بشكل مذهل، لتكون بمثابة المرفأ الآمن الذي يرسو فيه عوض لاسترجاع أنفاسه وقوته، ومن ثم مواصلة الركض والبحث عن منفذ جديد يجمع منه ثمن المهر والشبكة. فهي بالنسبة له كل شيء، يقضي معظم وقته معها، ويراها أكثر مما يرى حبيبته أحلام. صحيح بأنه لا يميل لها عاطفياً، إلا أنها أصبحت تشكل الكثير في حياته. وتتألق شخصية نوال أكثر، عندما تشعرنا بفظاعة الواقع القذر التي تعيش فيه، ومدى اشتياقها لأية فرصة تنتشلها منه. فهي إنسانة قبل أن تكون بائعة هوى، وهناك ظروف ـ لا يتعمق السيناريو في كشفها ـ أبرزها الفقر والتشرد، أدت بها الى هذا المصير. لذلك نراها لا تفوت الفرصة في التقرب من عوض، وتفسر وجوده في حياتها على أنه اهتمام شخصي بها، وتترك مشاعرها تنساق وراء شخصية عوض. إلا أنها تكتشف زيف هذه المشاعر عندما يعترف لها بأنه يحب أحلام ولكنه لا يستطيع أن يتزوجها بسبب قلة المال، لذلك نراها قد آثرت أن تنسحب من حياته بهدوء، بعد أن تركت له مبلغاً من المال يساعده في إتمام زواجه من أحلام.

كما أن عبد السيد اختار أن يبدأ فيلمه بشخصية القرداتي عم ركبه (حسن حسني)، ذلك الأعرج الذي تعدى الخمسين من عمره. ولم يأتي هذا الاختيار عشوائياً، بل لأن هذه الشخصية تشكل نافذة حقيقية، تؤدي بنا الى دواخل الشخصيات الأخرى، نظراً لخبرته في هذه الحياة بحكم سنه، وفهمه الواضح للواقع المحيط به.. شخصية مركبة ترتبط بعلاقات متنوعة مع الآخرين، وتدخل في صميم مشاكلهم. وهي بالرغم من موتها ـ في الربع الأخير من الفيلم ـ إلا أن فعلها الدرامي وتأثيرها على الأحداث يظل يسري في روح الفيلم وشخصياته. فهي شخصية ذات أبعاد ومقومات درامية فلسفية فطرية، ساهمت في توضيح بناء الفيلم الاجتماعي وتوضيح الكثير من الأبعاد الاجتماعية والنفسية التي تقوم عليها بقية شخصيات الفيلم.

فعم ركبه هذا، نراه يهيم بحب رمانة (حنان ترك) أخت أحلام، إلا أنه يخجل من الإفصاح عن حبه هذا، وذلك لإحساسه بالفرق الواضح بينه وبينها. وحتى عندما يبوح بسره هذا، وهو في لحظة صفاء وتجلي، الى صديقه عوض، نرى صديقه هذا لا يستوعب هذا الحب ويبدأ في الضحك والسخرية منه. لذلك فهو يكتم حبه هذا لنفسه، ويكتفي بمتابعة رمانة عن بعد، يساعده في ذلك المنظار الذي بحوزته، في تقصي خطوات رمانة. وفي أكثر من مشهد تتوضح أكثر شخصية عم ركبه، وتتوثق علاقته بمن حوله وبالمتفرج أيضاً. فمثلاً مشهد طلوع الشمس في الفجر، يشكل رؤية فلسفية وفنية، ونحن نرى عم ركبه وهو يهز الدف ويناجي الشمس بأن تطلع، داعياً أن تتحقق أحلامه، في يوم كهذا.

وتتألق شخصية ركبه هذا في مشهد رومانسي شاعري يعد من بين أجمل مشاهد الفيلم. ففي إحدى الليالي القمرية، يصادف أن يشاهد عم ركبه حبيبته رمانة في فرح بنت الجيران، فيبدأ في الدق على الدف بعد أن شاهدها تهم بالرقص. ويزداد المشهد حرارة وتألقاً وعم ركبه في نشوة لا تعادلها نشوة، وهو يرى حبيبته ترقص على ضربات أصابعه بالدف، وتتلوى أمامه بقوامها المياس الى أن ينهكها التعب فتتوقف. لينسحب هو بعد ذلك شارد الذهن في ملكوت أحلامه وهيامه وعشقه، فتتبعه رمانه التي شعرت بهذا العشق الذي يختزنه ركبه تجاهها. يبتعد عن ضجة الفرح ليختلي بنفسه مع زجاجة الويسكي، وفجأة يرى أمامه رمانة بشحمها ولحمها، وكأنه مازال يعيش في أحلامه، وبعد أن يكتشف حقيقة ما يراه وتلامس أصابعه وجهها وجسمها، ينطلق فرحاً ويتمنى الطيران في تلك اللحظة غير العادية، من غير أن يدري بأن الموت ينتظره على حافة الهضبة. 

 

أخبار الخليج في

11.03.2019

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004