جديد حداد

 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

سارق الفرح

( 4 )

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

(سارق الفرح ـ 1994) فيلم زاخر بالشخصيات الثانوية الكثيرة، والتي تعيش على هامش المجتمع.. شخصيات انتقاها وصاغها عبد السيد بصدق، راصداً تأثيرات هذا الواقع عليها وعلى تطور علاقاتها.. شخصيات شديدة الإنسانية لا تعيش الفراغ، ولكنها تجد نفسها في مواجهة واقع أليم وخانق.. شخصيات تتجاوز الحزن دوماً وتلهي نفسها بحالات الفرح.

وفي البدء لابد من الإشارة الى خصوصية هامة تميز أفلام عبد السيد، ألا وهي الفترة الزمنية التي تدور فيها أحداث فيلمه، فهو حريص في غالبية أفلامه على أن يحدد تلك الفترة الزمنية بيوم واحد أو أسبوع مثلاً، ويلقي بشخصياته ويتركها تواجه مصيرها في هذه الفترة بالذات. فهو مثلاً في فيلمه (البحث عن سيد مرزوق) يتناول رحلة بطله خلال يوم واحد من حياته. وفي (أرض الأحلام) يتابع التحولات الاجتماعية والنفسية لشخصياته في الأربع والعشرين ساعة ما قبل السنة الجديدة . أما في فيلمه (سارق الفرح) فالفترة الزمنية تمتد الى أسبوع، وهي المهلة التي أعطاها والد أحلام لعوض لجمع ثمن الشبكة والمهر.

عبد السيد في (سارق الفرح) يقدم لنا سيناريو شيق وجذاب، حيث كان دقيقاً وذكياً في اختياره لشخصياته وأحداثه. ونجح في تقديم سيناريو خلاق تختلط فيه الواقعية بالكوميديا السوداء بالفنتازيا الساخرة، في انسجام مذهل ومدروس، يجعلنا نتعايش مع مجمل المشاهد. كما أنه نجح ـ الى حد كبير ـ في صياغة حالات وأحداث تتناسب وشخصيات الفيلم، صاغها بشكل بسيط وعميق في نفس الوقت. فبالرغم من كل هذا الفقر والحزن الذي يحيط بتلك الشخصيات، إلا أننا نراها تتجاوز فقرها وأحزانها، وتتصرف أحياناً بشكل عبثي كاريكاتوري ساخر. وهو ـ بالطبع ـ شكل يمليه عليها الموقف ويتناسب ومنطق الشخصية. فمثلاً مشهد تقدم عوض لخطبة أحلام، ورد فعل كل منهما إزاء عدم موافقة والد أحلام على زواجهما. حيث نراهما يبكيان كالأطفال، وذلك للضغط عليه في تغيير موقفه هذا، والموافقة على الزواج. إنه حقاً مشهد كاريكاتوري غير واقعي، ولكنه يؤدي في النهاية الى النتيجة المطلوبة، بغض النظر عن بعده عن الواقعية.

وأمام سيناريو خلاق كهذا، لمسنا إخراج قوي ومتماسك، يسيطر فيه عبد السيد على مجمل أدواته الفنية والتقنية، ويديرها على أكمل وجه. فالصورة في (سارق الفرح) قوية وشاعرية معبرة تحرص على إعطاء تكوينات جمالية للكادر، تصاحبها موسيقى جميلة معبرة تعتمد نفخات الناي الحزينة في أغلب الأحيان، مع مونتاج متناسب، ساهم في تألق الشخصيات وانسجامها مع الأحداث. وقد ساهمت هذه العناصر جميعها في خلق مشاهد معبرة وجميلة كثيرة ستبقى في ذاكرة المتفرج مدة طويلة. أما التمثيل، فعبد السيد يعيد تشكيل الممثل من جديد ويستخرج منه طاقات أدائية مذهلة. فهو هنا يقدم للسينما المصرية ممثل جديد وموهوب، في دور عوض، وليس بغريب في أن يصبح اسم ماجد المصري نجماً لامعاً في سماء الفن في التسعينات. كما أن عبد السيد قدم الفنانة عبلة كامل في دور جديد عليها.. دوراً فاجأ به الجميع، عندما استطاع أن يستخرج منها طاقات أدائية مذهلة.

ثم لابد لنا من الحديث عن ذلك المزج والانسجام المدهش الذي خلقه عبد السيد فيما بين الأغاني ـ التي كتب كلماتها بنفسه ـ والمواقف والأحداث الدرامية. إنه حقاً مزج جميل وتجسيد غير تقليدي، فهو هنا يقدم شكلاً جديداً للأغنية السينمائية.. شكل بسيط وسريع ومعاصر، استخدم فيه الأسلوب العبثي الفنتازي الغير واقعي في توصيل أفكار الكلمات البسيطة.

وختاماً.. لابد من القول بأن داود عبد السيد بفيلم (سارق الفرح) يؤكد مجدداً بأنه واحد من قلة مخرجين، يصنعون سينما متجددة ومنطلقة الى آفاق فنية رحبة. مواصلاً البحث عن صيغة غير تقليدية لمعالجة الواقع.

 

أخبار الخليج في

24.03.2019

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004