جديد حداد

 
 
 
 

من ذاكرة السينما..

عفواً أيها القانون

( 2 )

 
 
 

جريدة

أخبار الخليج

 
 
 
 
 
 

إذا كانت نادية حمزة قد طرحت اسمها بشكل تجاري مباشر في فيلمها الاول (بحر الاوهام ـ 1983)، ونادية سالم قد أشارت الى موقفها الايجابي من الثقافة الوطنية في فيلمها (صاحب الادارة.. بواب العمارة ـ 1984)، فان إيناس الدغيدي قد قدمت نفسها بشكل لافت للنظر لجرأة الموضوع الذي تناولته في فيلمها (عفواً أيها القانون - 1985).

بداية اتصال المخرجة إيناس الدغيدي بعالم السينما كان عام 1971، عندما دخلت معهد السينما وتخرجت منه في عام 1975، والتحقت في البداية بقسم الانتاج. وأثناء دراستها بالمعهد اشتغلت كمساعدة مع كبار المخرجين المصريين، أمثال: صلاح أبوسيف (الكذاب، السقامات)، كمال الشيخ (على من نطلق الرصاص)، هنري بركات (أفواه وأرانب)، كما عملت كمساعدة مع العديد من المخرجين الشباب لمدة عشر سنوات، وآخرهم كان يوسف فرنسيس في فيلمه (عصفور من الشرق). بعدها باشرت بالإعداد لفيلمها الاول والذي عثرت على فكرته بالصدفة أثناء قراءتها لكتاب صغير لضابط شرطة (نبيل مكاوي) كان قد سجل فيه تجربته الشخصية كضابط. عندها أصرت على تطوير هذه الفكرة وتقديمها في أول افلامها. فبدأت مرحلة التحضير الاولى مع السيناريست إبراهيم الموجي. وأثناء مرحلة التحضير تحدثت المخرجة مع بعض أساتذة القانون للاستشارة، فوجدت البعض منهم يعترض على هذا القانون مثار النقاش في الفيلم، ويطالب بتغييره ، مما أعطاها دافعاً قوياً باستمرار في تنفيذ الفيلم بعد ان مانت خائفة ومترددة قليلاً.

تقول إيناس الدغيدي: (...وجدت ان وراء القصة قانوناً لم أكن أعرفه تماماً مثلما لا تعرفه ملايين النساء مثلي. لقد كان الموضوع كله مفاجأة لي، فأردت ان أفاجئ به الجميع كي يعرفوا بان هماك قانوناً ينتمي الى محاكم التفتيش التي تم إلغاؤها منذ عهود بعيدة، المهم انني شعرت بالظلم الكبير الواقع تجاه المرأة فأردت تصحيح الاوضاع المائلة...).

الفيلم في فكرته وموضوعه يبرز ذلك التناقض الموجود في القوانين الوضعية التي تحكم مجمل العلاقات الاجتماعية من خلال التفريق في الحكم بين الرجل والمرأة. ففي قضية معينة يصدر الحكم على المرأة بالسجن خمسة عشر عاماً مع الشغل والنفاذ، باعتبارها جناية، بينما يكون الحكم في نفس القضية على الرجل بالسجن شهراً واحداً مع إيقاف التنفيذ باعتبارها جنحة فقط.

وتكمن أهمية الموضوع الذي طرحه الفيلم ليس من منطلق الدعوات السطحية لمساواة المرأة بالرجل، بل من منطلق التشريع والعدل في الاسلام، وهو بالتالي لا يهدف الى المساواة فقط، بقدر ما يهدف الى محاربة الجريمة ذاتها وحماية المجتمع من أضرارها، بغض النظر عن إذا كان المجرم رجلاً أم امرأة.

ان المخرجة التي شاركت في كتابة الرؤية السينمائية والسيناريست ابراهيم الموجي قد اتبعا عدة وسائل للوصول الى الهدف الذي يسعى اليع الفيلم، لكنهما لم ينظرا بعين الاعتبار الى بعض الاخطاء البارزة التي حواها السيناريو. فاعتراف الزانية بواقعة الزنا علناً في المحكمة والملابس الداخلية التي أحضرتها الشرطة لزوجها لهما كدليل إثبات قوي لم يستخدمهما السيناريو في الدفاع عن المتهمة، دون إعطاء مبررات مقنعة لذلك.

نجح السيناريو في تقديم نموذج الرجل الشرقي الجاهل غير المثقف (فريد شوقي)، والذي يحمل في أعماقه مفاهيم وموروثات دينية ودنيوية خاطئة، غير انه لم ينجح في إنهاء الفيلم بشكل مناسب. فالفيلم انتهى فعلاً بعد النطق بالحكم في المحكمة وخلوها تماماً إلا من المحامية المحبطة أمام خسارتها للقضية، فالمشاهد التي تبعت ذلك لم تعط أي إضافة لفكرة الفيلم الرئيسية.

ومثلما نجح الفيلم، نجحت المخرجة في قيادة فريق العمل من فنانين وفنيين بشكل ملفت، وقدمت فيلماً جيداً يطرح قضية جريئة جداً من خلال الصراع بين الشريعة والقانون والمجتمع. وبالرغم من ان الفيلم يعالج قضية الزنا، إلا ان المخرجة ابتعدت عن الاسفاف والابتذال وقدمت مشاهد الفراش بين الزوجين في لقطات قصيرة وعابرة، وكذلك لقطات الجنس بين الزوج وعشيقته كانت سريعة إلا ان المتفرج استطاع الحصول على المقصود في كل لقطة وكل مشهد دون الحاجة الى مشاهد جنسية صارخة ومبتذلة.

المخرجة إيناس الدغيدي في فيلمها الاول، استطاعت تفادي أخطاء فنية كثيراً ما يقع فيها المخرج في أول أعماله، كما قدمت أسلوباً بسيطاً تقنياً وتجنبت إبراز تكنيك جديد كان بالإمكان ان يخدم العمل بشكل أفضل. وقد تأثرت المخرجة بثلاثة اتجاهات سينمائية عايشتها وتفاعلت معها أثناء عملها الطويل كمساعدة. لذلك لم يكن من الصعب في أول تجاربها الاخراجية ملاحظة ملامح من واقعية صلاح أبوسيف، وذلك في مشهد تهجين الثور والبقرة في الريف. ومن رومانسية بركات في المشاهد الغرامية. كذلك تأثرت بإيقاعية ورشاقة كمال الشيخ في مشاهد إطلاق الرصاص والانتقال الى المستشفى. صحيح بان التأثر بمن سبقونا ليس عيباً في حد ذاته، وإنما كان على المخرجة ان تتخذ لفيلمها الاول أسلوباً محدداً تنفرد به عن غيرها لإبراز شخصيتها السينمائية المستقلة.

 

أخبار الخليج في

22.08.2019

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004