جديد حداد

 
 
 
 

رؤية..

ثمة أحلام تتراءى لي

 
 
 
 

مجلة

هنا البحرين

 
 
 
 
 
 

يتحدث المخرج السويدي الكبير "أنغمار بيرجمان" في مذكراته "المصباح السحري"، فيقول:

ثمة أحلام تتراءى لي باستمرار، وأكثرها مرتبط بأجواء المهنة.

أرى نفسي واقفاً في الأستوديو على وشك إخراج مشهد ما والجميع موجودون بانتظاري: الممثلون، المصور، المساعدون، عمال الكهرباء والكومبارس. ولسبب ما لا أستطيع أن أتذكر نص السيناريو الذي يجب تصويره اليوم فاسترق النظر إلى دفتر ملاحظاتي حيث لا أجد فيه سوى خطوط مبهمة. فألتفت إلى الممثلين وأحاول خداعهم بالحديث عن الوقفات أثناء الحوار، ثم أستدير ناحية الكاميرا وأقرأ خطا ما، وأعيد قراءته ثانية بهدوء.

الممثل ينظر إلي بارتياب لكنه يطيع تعليماتي. أنظر إليه عبر الكاميرا فأرى نصف وجهه وعيناً واحدة محدقة. هذا غير صحيح، وألتفت إلى "سفن نيكفست" الذي ينظر عبر محدد اللقطة، يضبط البؤرة ويختبر الزوم. وفي هذه الأثناء يختفي الممثل ويقول أحدهم إنه ذهب ليدخن سيجارة.

ألاحظ صعوبة إضاءة المشهد، وأرى وجه "سفن" غير المقنع ولكن بتهذيب. إنه يكره الإضاءة القوية فوق الرؤوس والأخيلة المزدوجة.

آمر بإزالة الحائط بحيث نحرر أنفسنا ويصبح بامكاننا تصوير المشهد من الجانب الآخر. لكن أحد المساعدين يقول إن إزالة الحائط سوف تستغرق ساعتين من الزمن، لأن هذا الحائط بالذات هو حائط مزدوج ومرتبط بحائط آخر ثقيل يصعب تحريكه، وربما تسبب تحريكه بانهيار الديكور كاملاً. أبدي تذمري بكلمات مبهمة، وأحس بالأسى لأنني أنا من أصر منذ البداية على ربط الداخلي بالخارجي.

أمر بتحريك الكاميرا إلى الباب وأنظر من خلال محدد اللقطة. ان الكومبارس يخفون الممثل، يجب أن يتحرك إلى اليمين حتى تمكن رؤيته، لكن فتاة السكريبت تشير وبلياقة إلى أن الممثل قد تحرك إلى اليسار في اللقطة السابقة.

الهدوء يسود الأستوديو. الجميع ينتظرون بصبر ولكن دون ملل. أحدق بيأس من خلال محدد اللقطة فأرى نصف وجه الممثل وعينه. وللحظة أعتقد أن هذه اللقطة ستكون مدهشة وستحظى باعجاب وتقدير النقاد العالميين، ثم أعود وأرفضها.

وفجأة أجد الحل: لقطة مع حركة كاميرا.. يجب أن تتحرك الكاميرا حول الممثلين وتجتاز الكومبارس. إن تاركوفسكي يحرك كاميرته باستمرار في كل مشهد ويطير بها في كل إتجاه. كنت أعتقد إنها تقنية كريهة لكنها ستحل جميع مشاكلي. ويمضي الوقت.

 

هنا البحرين في

30.03.2005

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)