ينمو السيناريو باكتمال الشخصيات وتصاعُد الأحداث، وانتهاء
المسودة الأخيرة بعد تقييد الرقم عليها عندما تكون جاهزةً بيد
مَن يوصلها إلى الشاشة مراهنًا على إبقاء المشاهد مستمتعًا من
بداية العرض وحتى نهايته، والخروج بالمتعة المنشودة التي جاء
من أجلها، ولذلك يجب على كاتب السيناريو العناية بكل كلمة في
تفاصيل السيناريو ضمن الأسطر والورقات، والعودة مرارًا
وتكرارًا للوصول إلى النسخة النهائية دون ملل أو كلل.
إن كتابة السيناريو متعة تسبق مشاهدة الفيلم، فالكاتب يتمثل
الفيلم أمامه، ويُعيد صياغة المَشاهِد، ويجوّد في كل مرحلة،
وهذه المتعة من الممكن أن تكون فردية، ولكن متى ما كانت ثنائية
أو أكثر، فالأمر يزداد متعة، فالعملية أشبه بإرسال الكرة في
لعبة تنس الطاولة، وهذا ما يُمكن ممارسته فردًا بثني طاولة
التنس، وجعل الجهة المقابلة خصمًا ترسل إليه الفكرة ويعود
ثانية، لتعيدها بعددٍ أنت مَن يُحدّده بنهاية الكتابة.
لا شكَّ أن الأمر سيزداد متعة بوجود مقابل، تتسابق معه على رمي
الكرات وردِّها، والتفنن بكل حركة تذهله، وتفاجئه، وتنير له
مساحة؛ ليزداد حيوية تكون شريكًا فيها دون شك، فالكتابة إرسال
شرارات تضيء، وتزداد ضوءًا متى ما كان المقابل يمتلك مادة
قابلة للاشتعال، ليزداد الوهج، وتنير صفحات السيناريو بنمو
الشخصيات والأحداث .
يضرب بليك سنايدر صاحب كتاب «إنقاذ القطة»! مثالًا بفيلم علاء
الدين عام 1992 لوالت ديزني، مشيدًا بكفاءة تيري روسيو، وتيد
إليوت في كتابة السيناريو، متعجبًا من أنهما أقل من يحصل على
المديح والثناء، وهكذا دائمًا الفوز للعمل، ومَن يصنعه ضمن
جوقة الثناء بلا شك، وإن اقتنصت أغنية «A
whole New World»
أعظم البريق بجائزة الأوسكار، فهذا البريق صنع للفيلم مكانته،
وبقي في الذاكرة، ولم يكن لولا اكتمال الفيلم والعشرين كاتبًا
ما بين كتّاب للقصة، وأربعة منهم لكتابة السيناريو منهم: تيري
روسيو، وتيد إليوت، بالإضافة إلى رون كليمنتس، وجون موسكر،
وهذا نموذج للعب بأربعة لاعبين محترفين.
إن صناعة الفريق في الكتابة على غرار لعب التنس بزوجين
متقابليْنِ يزيد الأمر حماسًا وديناميكية، وخاصة وقت التخطيط
الذي يسبق الكتابة، فالأمر يحتاج إلى كيمياء بين أعضاء الفريق
الواحد، ومثله في الفريق المقابل، وتناغم فيما بينهم في توزيع
الأدوار، ودخول كل واحد منهم في الوقت المناسب لإنقاذ الكرة من
السقوط على الأرض، فكل واحد -سواء في كتابة السيناريو أو في
اللعب الذي جعلناه تقنية مماثلة نقيس عليها للتقريب- تقع عليه
مسئولية التحرُّك والتفاعُل، وتقاعس أي واحد، من شأنه عرقلة
سير العمل، أو على أقل تقدير بث الخمول في الفريق.
وما دام السيناريو مهمة كتابية؛ فالورق أو الآلة الكاتبة في
السابق، أو الكمبيوتر والأجهزة اللوحية في الحاضر أصدقاء
الكاتب وأعوانه في مهمته، فالسيناريو مهمة كتابية يقوم بها
واحد من الفريق أو كلهم معًا وفق المهام الموزَّعة في مراحل
الكتابة ابتداءً بالفكرة أو وفق نموذج بليك سنايدر للوقفات
الخمس عشرة، أو بأي نموذج يتفقون عليه، فالمهم في نهاية المطاف
المخرجات، والمراحل التي تسبق ذلك في التخطيط الذي يسبق
التدوين، وهذا ما أشار إليه سنايدر في ضرورة توفر السبورة التي
يعدُّها من أكثر المعدّات الحيوية التي يحتاج إليها كاتب
السيناريو، والتي تنبه لها بعد كتابة عدد من السيناريوهات دون
الاستعانة بسبورة، فالأمر كما يراه قبل ذلك «تجلس وتبدأ في
الكتابة، وتترك المشاهد تتوالى كيفما أرادت»، ولكن بعد أن رأى
السبورة وأدرك أهميتها؛ لم تفارقه قط، واستخدمها لزيادة فعالية
حصيلة عمله.
إن هذه الفعالية هي ما عايشتها شخصيًّا، ورأيت أثرها عيانًا
عندما كانت جدران مكتب ورشة الكتابة مدهونة بمادة بلاستيكية
تجعل منها سبورة، فأنا وشركائي في الكتابة كنا أشبه ما نكون في
سبورة نسكنها، وانقطعنا طوال مدة الكتابة في هذا المكان،
وامتلأت الحيطان بشخصيات المشروع الذي نعمل عليه، فننام ونصحو
ونحن بجوار شخصيات الفيلم، والكيمياء التي بيننا جعلت المهام
ميسرة، ففي أحد حوارات أندري تاركوفسكي عن مراحل الكتابة يذكر
آلية عمله مع كونشالوفسكي في أثناء الكتابة، وحديثه معه عن
المحتوى، والحوارات، والوضع، دون أهمية من يكتب، فالكتابة
بينهما كانت بالتناوب، وعند انتهاء المسودة الأولى، تبادلا
النسخ فيما بينهما، وكل واحد منهما أضاف عناصر دقيقة على
الآخر، وتكررت هذه العملية مرارًا وتكرارًا، ومع مرور الوقت
اعتادا هذا النظام لدرجة أنهما عملا معًا، وكان الواحد منهما
يملي على الآخر حتى أنجزا العمل معًا.
إن هذا المستوى من التناغم ؛ هو الكفيل بإنجاز عمل وفق رؤية
الفريق سواء تشكل من اثنين أو أكثر، فالمحصلة إنجاز يجير
للجميع، فالفارق بين لعبة التنس والكتابة أن الأولى تنتهي
بخاسر، وأما الثانية ففوز يقيّد للكل، فأغنية «A whole New World
» ما هي إلا صوت الكاتب/ الكُتّاب حين يغني
للأميرة التي تشاهد عالمه وهو يطير بها ببساطه السحري الذي
صنعه بكلماته، فيستطيع القول بكل جسارة: «أستطيع أن أريكِ
العالَم: مشرق، متلألئ، رائع». |