لاندري كيف يكون حال السينما العربية المُعاصرة بدون مساهمة «فرنسا» بإنتاج الكثير من أفلامها، والتعريف بها، وبمخرجيها، وفي الوقت الذي تعتبر «فرنسا» بأن إنتاجاتها المُشتركة مع السينمات الوطنية الأخري هي جزءٌ من سياستها الثقافية المُوجهة للخارج، فإنها لاتُغفل أبداً الدور الذي تلعبه في إثراء الحركة السينمائية الفرنسية، وتحقيق تعددية فكرية وجمالية عبر السينما، واستقطاب المُبدعين وأفلامهم لتنشيط الدورة السينمائية، وجعل «فرنسا» واحدةً من القوي الثقافية الفاعلة في مواجهة محاولات السينما الأمريكية الاستفراد بالأسواق العالمية. «معهد العالم العربي»، ومنذ تأسيسه، يعي المهام التي أُوكلت إليه كمؤسسةٍ ثقافية عربية/فرنسية، ويتجسّد ذلك من خلال نشاطاته العديدة، الدائمة والمُؤقتة، وبالإضافة لـ«بينالي السينما العربية» الذي تنعقد فعالياته مرةً كلّ عامين، ويقدم في برامجه خلاصة الإنتاج السينمائي العربي، الوطني والمهجري، فقد حرص قسم السينما علي الحضور الدائم لها من خلال التظاهرات النوعية التي ينظمها. وخلال الفترة من 3 يناير وحتي 28 مارس من العام الجديد، يقدم برنامجاً حافلاً تحت عنوان «الفرانكفونية، والسينما العربية»، ومن خلاله يتخطّي الاحتفاء إلي التعريف، والتذكير بأفضل إنتاجاتها خلال الخمسة والعشرين عاماً الماضية، والتركيز علي العلاقات الاستثنائية التي تربط فرنسا مع العالم العربي في أحد جوانبها الأكثر أهمية: «الفرانكفونية». ويعود ظهور هذا التعبير إلي عام 1880عندما استخدمها الجغرافي Onèsime Reclus ليصف بها التجمّع اللغوي والثقافي الذي شكلته فرنسا مع مستعمراتها في ذلك الوقت، وقد تخطّت اليوم هذا النعت الاستعماري، وبدأت تشير إلي حقيقتين مختلفتين، ولكنهما متكاملتان: في معناها الأكثر اتساعاً، هي تجمّع يشمل كلّ النشاطات للتعريف، ونشر اللغة الفرنسية، وقيمها المُتداولة، بغضّ النظر عن البلد الذي تجري فيه. وفي المعني المؤسّساتي والإداري، هي تشير إلي التنظيم الدولي الذي يجمع 56 دولةً وحكومةً اختارت الانضمام إلي معاهدتها. ولكن، تُعتبر العلاقة المُشتركة بين فرنسا والسينما العربية أكثر شباباً، وتعود إلي 35 عاماً مضت. كانت البدايات الأولي مع محاولات التعريف بها، وتقديمها للجمهور الفرنسي، وكان من الطبيعي وقتذاك بأن تحظي الأفلام المغاربية علي أهمية خاصة، مقارنةً مع إنتاجات المشرق العربي، سرعان ما تحوّل هذا الفضول الخجول إلي المساهمة الفعّالة في إظهار بعض الأعمال السينمائية إلي النور من خلال الإنتاجات المشتركة، ومن دون حالة الودّ هذه، ماكان لبعض العلامات الوضّاءة في السينما العربية أن تجد طريقها إلي الشاشات. ومازلنا نتذكّر جميعاً النجاحات التي حققتها أفلام مثل : «حلفاوين، عصفور السطح» (1990)/«فريد بو غدير»، «البحث عن زوجٍ لامرأتي» (1993)/«محمد عبد الرحمن تازي»، «الضوء الأسود» (1994)/«محمد هوندو»، «صمت القصور» (1994)، و«موسم الرجال» (2000)/«مفيدة تلاتلي»،.0وحتي «علي زاوا، أمير الشوارع» (2000)/«نبيل عيوش». وتُعتبر هذه التظاهرة «التكريمية» و«الاسترجاعية» فرصةً لمشاهدةٍ أولي أو ثانية لأفلامٍ اعتبرناها في وقتها فاتحةً لسينما عربية جديدة : «مختار» (1968)/«صادق بن عائشة»، «السُفراء» (1976)/«الناصر قطّاري»، «سجنان» (1974)/«عبد اللطيف بن عمار»، «الأيام الأيام» (1978)/«أحمد المعنوني»، و«غداً» (1971)/«إبراهيم باباي»، «حرب البترول لن تقع» (1975)/«سهيل بن بركة»، «شمس الضباع» (1977)/«رضا الباهي»،.مروراً بفيلم «ظلّ الأرض» (1982)/«الطيب الوحيشي»، «بيروت اللقاء» (1981)/«برهان علوية»، «عرائس من قصب » (1982)/«جيلالي فرحاتي»، «ليلي والذئاب» (1984)/«هاني سرور»، «العبور» (1982)/«محمود بن محمود»،.وحتي إنتاجات العشرية الأخيرة من القرن الماضي، وبداية القرن الحالي: «ناديا الفاني» (2002)، «صندوق عجب» (2002)/«رضا الباهي»، «غناء الناعورة» (2002)/«عبد اللطيف بن عمار»،«فاطمة» (2002)/«خالد غربال»، «الساتان الأحمر» (2002)/«رجاء عماري»، «الأرض المجهولة» (2002)/«غسان سلحب»، و«المدينة» (2002)/«يسري نصر الله». حتي نهاية التسعينيات، كان للسينمائيين المغاربة السبق في الحصول علي المساعدات العينية والمادية لإنجاز أفلامهم، عندما بدأ الاهتمام يتوجّه نحو سينمائيي المشرق العربي، وبعد «يوسف شاهين»، شاهدنا أفلاماً لـ«رضوان الكاشف»، «أسماء البكري»، «عاطف حتاتة»، و«يسري نصر الله». وقد اتفق معظم نقاد السينما علي اعتبار الأفلام العربية التي ساهم الإنتاج الفرنسي بإنجازها علي أنها من العلامات المهمّة في تاريخ السينما العربية، وأشاروا إلي دورها في التعريف بها علي الساحة العالمية من خلال العروض التجارية، والتليفزيونية، ومشاركاتها في المهرجانات المُختلفة، والعروض الثقافية. وقد سمحت لمخرجيها بحريةٍ ماكان لهم الحصول عليها لو تمكنوا من إنجازها بإنتاجٍ وطني خالص، كما مكنتهم الميزانيات المُزدوجة، وإمكانية إنجاز العمليات المخبرية للصورة والصوت في أوروبا من تقديم درجة من الإتقان لم يكن من السهل الحصول عليها في المُختبرات العربية. ولكن، أهمّ من الجانب الشكلي والجمالي لهذه الأفلام، تُعتبر جرأة المضامين التي عالجتها من أهمّ الإيجابيات التي حصل عليها المخرجون وأفلامهم، فقد تطرّق هؤلاء لموضوعاتٍ تمسّ كلّ جوانب الحياة في المجتمعات العربية: قوانين الطلاق في الشريعة الإسلامية : «البحث عن زوجٍ لامرأتي» (1993)/«محمد عبد الرحمن تازي»،.وحتي الموضوعات الأكثر حساسيةً مثل المثلية الجنسية: «باي باي سويرتي» (1998)/«داود ولاد سياد».. بيع المتعة الجسدية للسائح الأجنبي: «بيزنس» (1992)/نوري بوزيد. التصالح الاجتماعي بين فئات المجتمع بكلّ أطيافه ودياناته : «حلق الوادي» (1996)/فريد بوغدير. تحول المجتمعات العربية إلي نظامٍ خدماتي : «شمس الضباع» (1977)/رضا الباهي. العلاقات العاطفية قبل الزواج، وإشكالية العذرية: «فاطمة» (2002)/خالد غربال. التمرّد علي السلطة الذكرية، ودور المرأة في المجتمعات العربية: «ليلي والذئاب» (1984)/هاني سرور، «عسل ورماد» (1996)/ناديا فارس، «موسم الرجال» (2000)، و«صمت القصور» (1994)/مفيدة تلاتلي، «الساتان الأحمر» (2002)/رجاء عماري، «بنت فاميليا» (1997)/نوري بوزيد. أحلام الهجرة : «الأيام الأيام» (1978)/ أحمد المعنوني، «ظل الأرض» (1982)/الطيب الوحيشي، «غداً أحرق» (1998)/محمد بن إسماعيل، «السيدة»(1996)/محمد زران.. والهجرة الداخلية : «وغداً» (1971)/براهيم باباي، «لالا حبّي» (1996)/محمد عبد الرحمن تازي، «عرق البلح» (1998)/رضوان الكاشف، «العبور» (1982)/محمود بن محمود،.0ومصاعب الحياة في فرنسا، وحياة المهاجرين الجدّد : «السفراء» (1976)/ناصر قطاري، «المدينة» (2002)/يسري نصر الله. تعقيدات الحرب اللبنانية تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً: «البيت الزهري» (1998)/خليل جريج وجوانا حاجي توما، «أشباح بيروت» (1998) و«الأرض المجهولة» (2002)/غسان سلحب، «بيروت اللقاء» (1981)/برهان علوية، «قصة عودة»(1994)/جان كلود قدسي، «ظل المدينة» (2000)/جان شمعون، «غرب بيروت» (1998)/زياد دويري. استرجاع ذكريات الطفولة، وارتباط الشخصي بالعام : «صندوق عجب»(2.2)/رضا الباهي، «حلفاوين، عصفور السطح»(1990)/فريد بوغدير. التقارب مابين الشرق والغرب : «كونشرتو درب سعادة» (1995)/أسماء البكري. دخول المعلوماتية إلي حياتنا اليومية: ناديا الفاني. البحث عن الجذور بالعودة إلي الوطن الأم : «ابنة كلثوم»(200)/مهدي شاريف. قضية الفساد، وسيطرة الشركات الأجنبية علي الاقتصاد الوطني: «حرب البترول لن تقع» (1975)/سهيل بن بركة. محاولة التأقلم والتصالح مع العادات والتقاليد: «كسوة، الخيط المفقود» (1997)/كلثوم بيرناز، والتمرد عليها : «عرائس من قصب» (1982)/ جيلالي فرحاتي. لقد جاءت اختيارات هذه التظاهرة لتقدم للمتفرج العربي والفرنسي أفلاماً أصبح من النادر مشاهدتها خارج إطار التظاهرات المُتخصصة. كما تُعتبر نموذجاً مثالياً للتعاون مابين الشمال والجنوب، ونافذة مشرعة للإطلالة علي ثقافتين مختلفتين، ومحاولة التقريب بينهما، بدون أن تطغي الواحدة علي الأخري. هذه العلاقة التي بدأت يوماً احتلالاً وحروباً، ومن ثمّ نضالاتٍ من أجل التحرّر، تخطّت في لحظاتٍ تاريخية مرحلة الاعتراف بالآخر واختلافاته، نحو الإعجاب، والافتتان، ومن ثمّ العلاقات المُشتركة، حتي اليوم الذي أثمرت عن جيلٍ سينمائي جديدٍ بدأ يشق طريقه في قلب الصناعة السينمائية الفرنسية نفسها، مُستوحياً موضوعاته وأفكاره من ثقافتين مختلفتين لإنجاز سينما ذات نكهةٍ جديدة. جريدة القاهرة في 10 فبراير 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
35 عاماً من العلاقات السينمائية بين فرنسا والعالم العربي: "الفرانكوية" غزو سينمائي فرنسي للسينما العربية.. لا يجوز مقاومته صلاح سرميني |
|