فاز فيلم “طيارة من ورق” للمخرجة اللبنانية رندة الشهال بجائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان البندقية السينمائي الدولي للعام ،2003 ويأتي هذا الفوز بعد عام واحد من حصول فيلم “يد إلهية” للمخرج الفلسطيني إيليا سليمان بجائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان كان السينمائي لعام ،2003 وفوز هذين الفيلمين لمخرجين عربيين قد يوحي بأن السينما العربية الجديدة باتت متطورة “سينمائيا” إلى درجة تؤهلها للحصول على الاعتراف العالمي، مثلها في ذلك مثل السينما الصينية والسينما الإيرانية، اللتين حصدتا الجوائز الرئيسية في المهرجانات السينمائية الدولية خلال السنوات العشر المنصرمة، وأبهرتا عشاق السينما في العالم الذين اكتشفوا في السينما الصينية والسينما الإيرانية ميزات إبداعية كثيرة في مجالي الإخراج والسيناريو خاصة، إضافة إلى تمتع كل منهما بمواصفات أسلوبية تعكس الأصالة الوطنية النابعة من تراث ثقافي فني عريق. فيلم “طيارة من ورق”، مثله مثل فيلم “يد إلهية” من إنتاج مؤسسات فرنسية بالدرجة الأولى، والإنتاج في عرف صناعة السينما يحدد جنسية الفيلم، وبالتالي فإن اعتبار ان هذين الفيلمين ينتميان إلى السينما العربية يصبح أمرا منطقيا ومشروعا فقط نتيجة كون مخرجيهما عربيين ولأن موضوعهما والقضايا التي يثيرانها ترتبط بطريقة أو بأخرى وبشكل خاص بالصراع العربي - “الإسرائيلي”، إضافة إلى البيئة وأماكن التصوير العربية وطاقم الفنيين والتقنيين والممثلين العرب، ما يبرر قيام المؤسسات الفرنسية، وقد تسهم معها مؤسسات أوروبية أخرى، بتمويل أفلام لمخرجين عرب بشكل كامل، هو أن موضوع الصراع العربي - “الإسرائيلي” بات قضية عالمية والاهتمام به يحتل حيزا كبيرا في أوروبا المعاصرة. والى حد ما يمكن النظر الى الجوائز التي منحت للفيلمين من منظور الاهتمام الأوروبي بالموضوع وطريقة عرضه ومعالجته في كل من الفيلمين، وهي طريقة ومعالجة تجدان قبولا أو رضى لدى الأوروبيين، وقد تجدان قبولا ورضى عند بعض النقاد والمثقفين في الأوساط العربية، ولكنهما من ناحية ثانية، قد يواجهان بعض التحفظات أو حتى الاعتراضات من قبل أوساط عربية، وهي تحفظات واعتراضات يمكن إدراجها، بخاصة من ضمن جهود مكافحة التطبيع وواقع الحال أن الفيلمين تعرضا في الأوساط الإعلامية العربية لكلا الحالتين: الرضى والقبول من قبل الكثيرين، والتحفظ من قبل البعض. فيلم “يد إلهية” يعتمد الأسلوب الذي اتبعه المخرج إيليا سليمان في فيلمه “يد إلهية” على التعرض لبعض نواحي واقع الشعب الفلسطيني بصيغة روائية كوميدية نوعا ما وعرضها داخل الفيلم مع المشاهد الغرائبية والمتخيلة. إيليا سليمان هو المخرج الفلسطيني من أبناء الأرض المحتلة منذ عام 1948 ولكن فيلمه “يد إلهية” أنتج بتمويل فرنسي وبإسهام من بعض الجهات الأوروبية (والذي حاز جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي لعام 2002). يمزج الفيلم بين التوثيق لبعض نواحي الحياة اليومية في مدينة الناصرة والمطعمة بمشاهد تعكس واقع الاحتلال في الضفة الغربية، عبر قصة تحكي عن صعوبة اللقاء بين شاب من الناصرة وحبيبته المقيمة في رام الله بسبب ظروف الاحتلال وحواجزه التي تمنع المواطنين الفلسطينيين من التنقل بين المدن وممارسة حياتهم اليومية بشكل طبيعي. ولأن الفيلم من إخراج مخرج فلسطيني (على الرغم من الجنسية “الإسرائيلية” المفروضة عليه) ولأن موضوعه يرتبط مباشرة بالقضية الفلسطينية، يبدو لنا من المهم التدقيق في هذا الجانب منه المرتبط بموضوعه الحساس والراهن، بخاصة وأن الجائزة التي حصل عليها ترافقت مع ضجة دعائية وأصداء إيجابية أسهم في نشرها نقاد عرب وأجانب. الفيلم، من ناحية معالجته لموضوع القضية الفلسطينية بالذات، لا يقول الكثير ولا يتعمق فيما يقوله. بل ان ما يطرحه الفيلم في محصلته النهائية يوحي بموقف سلبي وساخر من الفلسطينيين وبإحساس عبثي واضح بقدراتهم على إدارة الصراع مع العدو الصهيوني ويؤكد على الموقف السياسي الملتبس من القضية الفلسطينية، من ناحية ثانية (وبرأيي، فإن هذا كان سببا رئيسيا في الحماس الغربي للفيلم والذي ساعد على منحه الجائزة). وما يميز الفيلم بشكل خاص يكمن في أسلوبه الإخراجي الذي يتسم بالحداثة، المتأثر فنيا بإنجازات سينما المؤلف في أوروبا، لكن هذا الجانب الفني من الفيلم ليس ما يهمنا هنا. يبدأ الفيلم بمقدمة هي بمثابة مشهد دخيل من حيث البنية السردية على أحداثه نرى فيه أطفالا فلسطينيين يطاردون “بابا نويل” في ضواحي الناصرة ويرمونه بالحجارة وهو بدوره يهرب منهم فتتساقط منه الهدايا فلا يكترثون بها. ثم يتوقف “بابا نويل” أمام كنيسة أثرية تقع على قمة تلة ليتبين أنه مصاب بطعنة خنجر. هكذا يظهر الأطفال الفلسطينيين منذ البداية في صورة شريرة. ينتقل الفيلم بعد ذلك مباشرة إلى مدينة الناصرة ليقدم، من خلال مشاهد متناثرة نماذج بشرية تصور سكان الناصرة من خلال مواقف وحالات فيها الكثير من العبثية والسخرية وتعكس موقفا سلبيا منهم. وهذه بعض الحالات والمواقف الدالة في الفيلم: يقود أحد سكان الناصرة سيارته صباحا في شوارعها ويرد على تحيات العابرين بشتائم صريحة. رجل عجوز يخرب دوما حفرة عند منعطف زقاق ضيق ردمتها البلدية كي لا تتسبب في وقوع السيارات فيها. الجيران يتبادلون رمي القمامة في باحات البيوت. سائقو السيارات يركنون سياراتهم في الشوارع الضيقة غير عابئين بكونها تسد الطريق أمام غيرهم. مرضى القلب يتجولون في ردهات المستشفى وهم يدخنون بشراهة مفسدين الهواء من حولهم. شباب يقفون بلا معنى قرب موقف للحافلات لم تعد تمر الحافلات فيه منذ زمن طويل. تحتل المشاهد المتتالية التي تصور الحياة اليومية في مدينة الناصرة من زاوية كاريكاتورية ناقدة جزءا من مساحة الفيلم يغطي ثلثه تقريبا. ومقابل هذه المشاهد التي تعطي انطباعا سلبيا عن أهالي الناصرة أشخاصا وسلوكيات، لا يوجد ما يدل على أي عنصر إيجابي في شخصياتهم وفي سلوكهم اليومي. تم تصوير هذه المشاهد بطريقة واقعية شبه تسجيلية. لكن هذه المشاهد الصادمة في مضمونها النقدي، على ما فيها من عنصري المفاجأة والإثارة بالنسبة للجمهور، لم تكن هي التي تسببت في صيحات الإعجاب بالفيلم. وما تسبب في إثارة الإعجاب بالفيلم من قبل النقاد العرب والغربيين بخاصة كان مجموعة مكونة من أربعة مشاهد، شكّل كل منها ما يشبه الذروة، ويمكن استنادا إليها ومن خلال تحليلها قراءة هذا الموقف العدمي العبثي الذي يتضمنه الفيلم من القضية الفلسطينية: في المشهد الأول تمر شابة فلسطينية قرب نقطة مراقبة للجيش “الإسرائيلي” فيتسبب مجرد مرورها هذا في تفجير مركز المراقبة. في المشهد الثاني يلقي بطل الفيلم عبر نافذة سيارته حبة مشمش كان يقضمها نحو حاجز للجيش “الإسرائيلي” فتنفجر الحبة في الحاجز مثل قنبلة. وفي المشهد الثالث نرى بطل الفيلم ينتظر داخل سيارته عند حاجز تفتيش “إسرائيلي”، ينفخ بالونا وهو داخل سيارته عليه صورة لعرفات فتنتفخ الصورة مع انتفاخ البالون، ثم يطلقه في الهواء ليطير مخترقا الحواجز محلقا فوق القدس ليهبط أخيرا فوق المسجد الأقصى بعد أن يكون قد تسبب في إرباك الجنود. وفي المشهد الأخير الرابع نرى الفتاة الفلسطينية وقد تحولت إلى مقاتلة “نينجا” تتصدى لجنود الاحتلال وتهزمهم وفي خلفية المشهد علم فلسطين. تتسم هذه المشاهد بأنها تعرض انتصارات متوهمة وغير حقيقية، حيث نرى في ثلاثة من المشاهد، الأول والثاني والرابع، أفعال مقاومة بطولية يمكن لها أن تثير الحماس اللحظي لكنها في واقع الأمر مجرد تجسيد لأحلام اليقظة، أي ان ما يحصل فيها غير حقيقي ووهم يحصل في الخيال. أما مشهد “بالون” عرفات فلا يبتعد كثيرا عن هذا الوهم، على الرغم من أن احتمالات طيران “البالون” الواقعية ممكنة، وذلك بالنظر إلى طريقة إخراج المشهد التي تدل على أن الحدث فيه من نوع أحلام اليقظة. مشهد طيران “البالون” وصورة عرفات المنفوخة عليه يشكل من حيث مضمونه رمزا ملتبسا، يمكن تأوليه إيجابا كما يمكن تأويله سلبا فيما لو نظر إليه كمشهد منفصل عن سياق. لكن السياق في الفيلم بمجمله، بما يتضمنه من بطولات متوهمة، يدل على موقف سلبي وعدمي فيما يخص الفلسطينيين. وتشكل هذه البطولات المتوهمة نقيضا لواقع الحال المتضمن أفعال مقاومة بطولية حقيقية عنوانها الانتفاضة الفلسطينية، جرى تجاهلها من ضمن البنية السردية والدرامية للفيلم. في المشهد الأخير من الفيلم يجلس بطله الفلسطيني (يلعب دوره مخرج الفيلم نفسه) إلى جانب والدته في مطبخ المنزل، يراقبان طنجرة ضغط يتصاعد منها البخار وكأنها على وشك الانفجار. ويمكن تفسير صورة طنجرة الضغط على أنها معادل رمزي لأوضاع شعب يعاني من احتلال قاس منذ اكثر من ثلاثة عقود. ولكن، هذا المعادل الرمزي بدوره يناقض واقع الحال ويتجاهل أن الانفجار قد حصل. يتضمن الفيلم بالمقابل نقدا لسلطات الاحتلال “الإسرائيلي”. لكن هذا النقد ليس نقدا جذريا للاحتلال بل يتعلق بممارسات من نوع إقامة الحواجز وسوء سلوك وأخلاق الجنود “الإسرائيليين” وإساءة معاملة الفلسطينيين عند هذه الحواجز. ومن ضمن النقد غير الجذري ثمة مشهد ساخر، يشير إلى غربة “الإسرائيليين” عن مدينة القدس، تسأل فيه سائحة أجنبية جنديا “إسرائيليا” يقود داخل القدس سيارة عسكرية فيها أسير فلسطيني عن موقع المسجد الأقصى، فلا يعرف ويستنجد بالأسير الفلسطيني الذي يدل على الجهة وهو معصوب العينين. لو وضعنا النقد الموجه لكلا الجانبين في كفتي الميزان لبانت لنا ضخامة حجمه وثقل وزنه بالنسبة للفلسطينيين وصغر وخفة وزنه بالنسبة ل “الإسرائيليين”، وهذا النوع من النقد المتحيز موقف أوروبي بامتياز. فيلم “طيارة من ورق” قبل “طيارة من ورق” بنحو أربعة أعوام أخرجت رندة الشهال فيلم “المتحضرات” والذي نالت عليه جائزة منظمة اليونسكو. ولكن رندة الشهال رفضت الجائزة واستهجنتها علنا لأنها منحت لها مناصفة مع فيلم لمخرج “إسرائيلي”. كان موضوع فيلم “المتحضرات” (وهو أيضا إنتاج فرنسي) يدور حول الحرب الأهلية في لبنان، وهو موضوع بحد ذاته لا يستدعي أي قلق مسبق أو حساسية متوجسة. وهذا ما لا ينطبق على فيلمها “طيارة من ورق” المرتبط موضوعه مباشرة بالصراع العربي - “الإسرائيلي”، والذي يمكن تشبيه البحث والغوص فيه بعملية السير في حقل ألغام، بخاصة وان جزءا أساسيا من الحبكة فيه يدور حول عاطفة حب تجمع، ولو عن بعد، بين صبية لبنانية ومجند “إسرائيلي”. وهكذا، بطبيعة الحال، لم يسلم فيلم “طيارة من ورق” عند عرضه في مهرجان القاهرة السينمائي من بعض الأراء المتحفظة، على الأٌقل، على هذا الجزء من حبكة الفيلم، على الرغم من أن الفيلم بالمقابل، حظي بالكثير من المقالات من قبل نقاد وصحافيين عرب والذين أشادوا بالفيلم سياسيا وفنيا. تجري أحداث الفيلم في قرية حدودية مفترضة تقع بالقرب من الحدود اللبنانية - “الإسرائيلية” وتضم سكاناً عرباً من الطائفة الدرزية، وهي قرية تم تقسيمها مع سكانها إلى قسمين بفعل الاحتلال “الإسرائيلي”، قسم يعيش في لبنان والقسم الآخر يضم أقاربهم الذين يعيشون ضمن دولة “إسرائيل” (والوضع برمته مستعار للفيلم من وضع سكان هضبة الجولان الدروز). من المعلوم ان الدروز في كلا الجانبين المفصولين عن بعضهما بالأسلاك الشائكة وحقول الألغام وبالعسكر، يسعون جهدهم للحفاظ على أواصر القربى، ويقيمون صلات مباشرة في ما بينهم عبر مكبرات الصوت. سينمائيا، هذا الوضع، بحد ذاته، يحتوي على إمكانات درامية متنوعة ومؤثرة، كما انه يتيح المجال لتقديم مادة سياسية عميقة المضمون. من داخل هذا الموضوع العام يروي الفيلم حكاية الصبية لمياء ذات الخمسة عشر ربيعا، والتي تلهو قرب الشريط الحدودي باللعب بالطيارة الورقية مع أخيها الأصغر، المقيمة في الجانب اللبناني، التي يقرر أهلها تزويجها من قريب لها يقيم في الجانب “الإسرائيلي”. وهي تذعن عن غير رغبة منها وتعبر الحدود وحيدة في ثياب العروس. وحين تلتقي بزوجها تتمنع عليه وتعلن له أنها لا تحبه ولا تريده. ولا يعترض الزوج على ذلك بل يعلن لها تفهمه وانه مثلها تماما لا يحب ولا يريد. عند نقطة الحدود ثمة برج مراقبة. ودائما يجلس فيه جندي “اسرائيلي” بعينه يراقب الجانب الآخر، يستمع للأحاديث من خلال مكبرات الصوت ويدون التقارير حول ما يرى ويسمع للقيادة العسكرية. وهذا الجندي الذي كان يراقب لمياء وهي تلهو بالطائرة الورقية، صرخ محذرا إياها من الألغام عندما غامرت واخترقت السياج الحاجز لاستعادة طائرتها، والذي شاهد لمياء وشاهدته بدورها في أثناء عبورها عروسا أولا داخل “إسرائيل”، وخروجها عائدة إلى لبنان بعد تطليقها، هو الذي ستحبه لمياء وسيحبها، وهي ستعيش علاقة الحب ضمن أحداث متخيلة (او أحداث يختلط فيها الخيال مع الواقع) ستفضي بها الى العودة من وطنها وعبور الحدود إلى “إسرائيل” والرجوع مجددا للقاء الجندي “الإسرائيلي” في الجانب المحتل لتلاقي حتفها في انفجار لغم حدودي. يحتمل الفيلم، مثله مثل أي فيلم او أي عمل إبداعي آخر، العديد من التأويلات المختلفة التي قد يتوصل إليها المتفرج بجهوده الذاتية ونتيجة عوامل عديدة ذاتية في أساسها، ثقافية معرفية أو حسية شعورية، تؤدي به إلى اجتهادات خاصة، وهي تأويلات تبدو له سليمة تماما طالما أنها نتجت عن تفاعله ووعيه الخاص به (هذا وضع تعترف بمشروعيته بعض النظريات النقدية الحديثة التي تعنى بآليات الاستقبال الأدبي والفني والتي تتجاوب مع مقولة الناقد الفرنسي رولان بارت عن “موت المؤلف” وتقر بأن العمل الإبداعي هو، في نهاية المطاف، القارىء أو المتفرج). لكن المشكلة الحقيقية في تأويلات من هذا النوع تكمن في كونها ذاتية وليست موضوعية، بخاصة أنها تتجاهل البنية الدرامية وما تنتجه هذه البنية من علاقات دلالية، وهي لهذا لا تكون صادقة. يبدأ فيلم “طيارة من ورق” بقضية كبرى ترتبط بالاحتلال الصهيوني الذي فرق بين أبناء الوطن جغرافيا وعجز عن التفريق بينهم روحيا، لكن الفيلم سرعان ما ينحرف تدريجيا عن هذه القضية الكبرى ليعالج قضية صغرى بالمقارنة مع القضية الأساسية فتتراجع قضية الوطن والشعب لمصلحة قضية فرد. وحسب البنية السردية للفيلم تنحرف القضية السياسية عن مسارها لتصبح قضية عاطفية، وبدلا من مشكلة شعب يريد التحرر، تطفو على السطح مشكلة فتاة تريد التحرر من التقاليد التي تمنعها من حب من تريد وتفرض عليها الزواج ممن لا تريد، وهي مشكلة كان يمكن معالجتها بعمق وشمولية أكبر فيما لو جرى ذلك ضمن موضوع ملائم. ويبدو لدى التدقيق في تفاصيل الفيلم انه يعاني من الارتباك في تحديد أهدافه او ما يريد قوله، ويعجز عن إيجاد صلة حقيقية متبادلة ومتفاعلة ما بين الخاص والعام.. هذه هي الإشكالية الكبرى التي تعاني منها بنية الفيلم، والتي تتفرع عنها بالضرورة إشكالية رئيسية أخرى: كتب الكثيرون في محاولة لتبرير العلاقة بين لمياء اللبنانية الدرزية والجندي “الإسرائيلي” وإبعاد أي شائبة تطبيعية عنها، يقولون ان الجندي درزي أيضا وأن الدروز في “إسرائيل” يساقون للتجنيد مثل اليهود، فهو “جندي” في الجيش “الإسرائيلي” رغما عن انفه. لكن هذا التبرير (غير المقنع واقعيا)، لا يجد سندا حقيقيا له من داخل بنية الفيلم. ذلك ان واقع أن هذا الجندي درزي يتم التعريف عنه في الفيلم بخطاب مباشر لجمهور المشاهدين وحدهم، ولمياء ليست من هذا الجمهور، بل هي واحدة من شخصيات الفيلم وهي بالتالي لا تعرف أنه درزي ولم يذكر لها أحد من داخل الفيلم انه كذلك. هو “منطقيا” و”عمليا” مجرد جندي “إسرائيلي” يتمركز فوق برج مراقبة، أي أنه جندي عدو بالضرورة، وهي بدأت تميل إليه عاطفيا قبل أن تعرف أي شيء عنه سوى أنه جندي. هذا وان حقيقة أن الدروز العرب في “إسرائيل” يخضعون للتجنيد مثل اليهود (في حين يستثنى المسلمون والمسيحيون العرب) هي حقيقة من خارج الفيلم وليس من داخله أي أنها غير متضمنة في بنية الفيلم، وبالتالي لا يعلم بها إلا جزء من المشاهدين المعنيين مباشرة بالموضوع في حياتهم اليومية لأنه يرتبط بمشكلتهم السياسية (بخاصة العرب واليهود) في حين أنها حقيقة مجهولة بالنسبة لباقي المشاهدين في العالم (ومنهم الأوروبيون) والذين قد لا تعني لهم شيئا حتى ولو علموا بها مسبقا، وبالتالي فإن هذا الجزء من محاولة تبرير العلاقة في وسائل الإعلام العربية يفتقر إلى المصداقية أيضا. فوز فيلم “طيارة من ورق” بجائزة لجنة التحكيم من مهرجان سينمائي أوروبي يجب ألا يغطي على الحاجة للتمعن فيه وفي ما يطرحه، وذلك ليس استنادا إلى النوايا الطيبة المعلنة من قبل مخرجة الفيلم، بل بالعلاقة مع نتيجته النهائية كما تحققت ضمن بنيته وليس من خارجها. حريدة الخليج في 12 يناير 2004
|
فيلمان عربيان يفوزان في مهرجانات أوروبية: "يد إلهية" و"طيارة من ورق" سينما الحب والسياسة بقلم: عدنان مدانات |
|