عرضت لجنة السينما في مؤسسة شومان مساء اليوم الثلاثاء الفيلم الفرنسي «بييرو المجنون» للمخرج جان لوك غودار المولود بالعام 1930 والقادم الى صنع الافلام بعد ممارسة للنقد السينمائي، واتجه الى تحقيق الافلام التسجيلية في الفترة 1954 - 1958 من بينها فيلم «العملية بيتون» عن احد السدود بالقرب من جنيف، حيث كان هو واحدا ممن شاركوا في تشييد السد، بينما تناولت سائر افلامه التسجيلية الاخرى موضوعات روائية بسيطة، وظهرت من خلال بداية نبوغ مبكر في اسلوبية سينمائية خاصة قادت الى اصطلاح على تسميتها «بالموجة الفرنسية الجديدة في السينما» وبصحبته زملاء آخرون من المخرجين الشباب اتجهوا الى السينما بعد الكتابة النقدية عن سينما عالمية وفرنسية.
كان انتقال غودار الى اخراج الافلام الروائية
الطويلة بفيلم «حتى آخر نفس» في العام 1960 ويعد ذلك بداية لنشاط وفير في
مواجهة
العديد من المشكلات كشفت عنه افلامه اللافتة: «نهاية الاسبوع»،
«المعرفة المرحة»،
«كل
شيء على ما يرام». يضيف الى ذلك اجراء العديد من المقابلات مع شخصيات حقيقية او صدور تعليقات تلقائية عنها، مثلما هو مع المخرج الاميركي صمويل فوللر، وكذلك نجد في فيلمه مقتطفات مطولة من قراءات المخرج المفضلة في ادب لوركا. عدا عن هذا محاكاة المخرج الساخرة للاساليب المتنوعة في عالم الاعلانات وعناوين الصحف الرئيسية وثمة سمة اخرى تتكرر في اسلوبه وهي توجيه الحديث مباشرة الى الكاميرا كما في حديث ثلاث شخصيات على التتابع في تقديم انفسهم في لقطات مقربة ويندر ان يشعر المتفرج بالاحساس بان ثمة حوارا حقيقيا بين الشخصيات او انها تتبادل بالفعل الافكار او المشاعر فيما بينها. يشتمل فيلم «بييرو المجنون» على قصة حبيبين رومانسيين جان بول بلمندو وآنا كارينا يعتزم بطله خلال تواجده في حفلة من حفلات الطبقة الراقية التخلي عن فكرة زواجه من احدى الايطاليات الثريات، ويغادر الحفلة مع فتاته ذات الشخصية الغامضة، كان قد تعرف عليها واحبها منذ سنوات قليلة ويسير كلاهما باتجاه جنوب فرنسا، في غمرة من الاحداث الناضجة بالعنفوان والتوق الى حرية غير آبهة بالمسؤولية القانونية والضوابط الاخلاقية والانسانية، والتي تقترب من عالم العنف المستلهم من حياة فتاته الخاصة وشقيقتها. وما ان يكتشف بطل الفيلم انه نفسه كان ضحية خدعة من فتاته حتى يقوم بطلي وجهه بألوان الطلاء ويربط عدة اصابع من الديناميت كحزمة حول رأسه ويشعل الفتيل ويعقبه انفجار هائل لنهاية تجسدها كاميرا المخرج باستعراض أفقي وبطيء لمشهد البحر بسائر صنوف جمالياته باشارات ودلالات عن معنى الحب الذي كانت تعرضه مشاهد الفيلم وحوارات ابطاله والتي تتراوح ما بين الحديث عن زرقة البحر، والورود والطموح والأمل وتفاصيل الاشياء البسيطة في حياة مجتمع الاستهلاك التي لا تمنح الانسان السعادة الحقيقية او الشعور بخصوصية الذات وهويته في مسعى دائم بالخروج من مأزق العزلة والانزواء والوحدة. فيلم «بييرو المجنون» احد ابرز الاعمال السينمائية في قائمة افلام جان لوك غودار الى اليوم، لما يعكسه من تطور فني وفكري ومعالجة بارعة بمفاهيم حياتية لم يسبق للسينما العالمية ان تناولتها بمثل هذا النوع من ادارة الممثلين، والتحكم في عناصر الفيلم ولم يتعرض مباشرة الى القضايا الملحة باستثناء تلك الاشارة الى حرب فيتنام في مشاهد من الجريدة السينمائية والتي يشعر من خلالها بطله بالملل او في تلك الوقفة الادائية لبطليه امام جمع من السياح في تقديم فصل تمثيلي وكأنهما امام خشبة مسرح. ويلتحم البناء الدرامي باسلوب الاخراج، ويبدع غودار في توظيف مفردات اللغة السينمائية التي يختارها في كل عضوي متجانس اهمها التكوين وحركة الكاميرا والصوت والالوان والمونتاج واعتبر الفيلم مدرسة متكاملة في صناعة الفيلم السينمائي الذي لا زال يدرس في الكثير من المعاهد والجامعات المتخصصة. جريدة الرأي في 27 يناير 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
عرض في مؤسسة شومان بعمان: "بييرو المجنون" لجان لوك جودار ناجح حسن |
|
المخرج الفرنسي جان لوك جودار أثناء تصويره لفيلمه "كل شيء على ما يرام" عام 1968