في سابقة هي الأولى من نوعها يجري باستديو مصر تصوير أول فيلم إنجليزي بعنوان “في الظلام” إنتاج شركة “اكسير” الإنجليزية المالكة لاستديو مصر.. بلغت تكلفة الفيلم ثمانية ملايين وخمسمائة ألف جنيه مصري، وقد صور بأكمله في الاستوديو في أحد القصور بالمنصورية ومدينة الأقصر، وهو من إخراج الأمريكي الإنجليزي الأصل “دوج ميلسون” صاحب تاريخ طويل كمدير للإضاءة والتصوير لكثير من الأفلام السينمائية اشهرها فيلم “الصدام الأزرق” وهو من الأفلام التي أحدثت ضجة عندما عرض في صيف 2002 . تدور أحداث “في الظلام” حول طفل كفيف يتمتع بذكاء خارق، ووالداه على درجة عالية من الثراء، أنفقا أموالا طائلة لكي يسترد ابنهما بصره دون جدوى وبعد معاناة يعيشها الأب يقرر العودة إلى موطنه مصر ويتفرغ لابنه الكفيف الذي لم تفلح أمواله في أن تعيد إليه بصره، ومن خلال أحداث يعيشها الطفل مع طبيبه الخاص الذي يرتبط به يعود إليه بصره. الفيلم يصور الصراع بين ما هو كائن متمثلا في المال وما هو غير كائن ومتمثلا في السعادة. البطولة لجوليان ساندز وانالديس وهنري أين ودانيال واليامز ويشاركهم من مصر النجم جميل راتب الذي يلعب دور الطبيب المعالج للطفل اندرو، ومدير التصوير طارق التلمساني ومهندس الديكور صلاح مرعي. وبعيدا عن السينما الأمريكية التي غزت عقل المشاهد في جميع أنحاء العالم حتى جعلته يعيش في عالم محدود بمحدودية شاشة العرض وهي لا تعترف بالمشاعر والأحاسيس الجميلة معتمدة على الإبهار وخلق حالة متصلة من الزيف ساهم فيها فن الجرافيك دون قصد. وأثناء التصوير التقت “الخليج” بالمخرج دوج ميلسون لنتعرف إلى تفاصيل الفيلم، وسألناه: لماذا اخترت مصر لتصوير فيلمك الجديد؟ فقال: اولا بطل الفيلم إنجليزي من اصل مصري، وقد تعرض لأحداث غريبة في إنجلترا فهو رجل أعمال نجح نجاحا مذهلا وقرر أن يعود إلى موطنه مصر بعد أن فقد ابنه الوحيد بصره.
- نعم المشاهد في جميع أنحاء العالم يفتقد دفء الأحداث والمشاعر الجميلة التي تتسلل إليه من خلال كادرات جميلة تحمل مضمونا إنسانيا وهذا ما يحتاج إليه العالم أجمع الآن.
- لا، هذا فيلمي السادس، أشهرها “الصدام الأزرق” كما عملت مديراً للتصوير في عشرات الأفلام بهوليوود.
- جدا، فلديكم طبيعة غير موجودة في أي بلد في العالم تحمل نوعا من الدفء ويكفي أننا صورنا الفيلم بين أحضان الأهرامات.
- بالتأكيد عندما كنت في “كان” شاهدت “المصير” ليوسف شاهين فأنا أعتبره مخرجا عالميا من طراز خاص يتميز بالاندفاع الشديد في كادراته.
- هذه أول مرة أتعرف إليهما، لكنني شاهدت لهما أعمالا كثيرة قبل التوقيع على العقد وعندما بدأنا العمل سويا تأكدت انهما على درجة عالية من الاحتراف ولهما رؤية فنية وإبداعية.
- ألعب دور أم لطفل كفيف، تعيش معاناة من نوع خاص حيث تملك المال إلا انها لا تستطيع أن تفعل به شيئا لابنها الوحيد الذي فقد بصره، فالفيلم حالة إنسانية من نوع خاص.
- نعم، فالمرأة في العالم كله تعيش معاناة واحدة ولكن تختلف أشكالها من مجتمع لآخر فالمرأة في المجتمع الإنجليزي تفتقد الدفء والمشاعر الجميلة في ظل إيقاع حياة سريع.
- أعتقد إلى درجة كبيرة وقد آن الأوان أن تحمل السينما مضامين كثيرة لكل من يبحث ويتسبب في عدم الاستقرار في العالم كله، لسبب بسيط أن الإنسان يبحث عن الآمال بطبيعته.
- لا أعلم عنها شيئا ولكن شاهدت بعض الأفلام الإيرانية وأعتقد انه بها شيئا جديدا وتحمل فكرا وفلسفة خاصة.
- طبعا هناك اختلاف كبير فنحن مجتمع يحافظ على التقاليد الإنجليزية ويهتم بأشياء تمتد لسنوات، ولكن السينما الأمريكية موجهة لناس غير الأمريكان باختصار هي سينما تجارية.
- ليس كل ما ينتج في أمريكا يؤثر فينا، فسينما الخيال والفضاء والخرافات لا تشغلنا لأننا مازلنا مجتمعا له خصوصيته، السينما عندنا تعيش المشاكل الخاصة للمواطن الإنجليزي.
- أوافق بشرط أن يكون على غرار فيلم “عمر المختار” فهو فيلم رائع وبه إنتاج قوي ومتميز. ومن النجوم المصريين الذين شاركوا في هذا الفيلم الفنان الكبير جميل راتب، وكان لنا معه هذا اللقاء على هامش التصوير:
- المخرج دوج ميلسون فقد عرفت انه شاهد لي أعمالا كثيرة في سنوات مبكرة من عمري على المسرح الفرنسي وكان معجبا بي حتى فوجئت به يتحدث معي من خلال الشركة المنتجة فوافقت بالفعل، أما عن دوري فهو طبيب يحمل معاني إنسانية سامية ومشاعر جميلة، وهو طبيب يرتبط به الطفل الكفيف فتعمل هذه المشاعر فعل السحر ويستعيد الطفل بصره.
- إلى حد ما حيث إنني سأشارك في عرض “البؤساء” على مسرح “الكوميدي فرانسيز” في الصيف المقبل فأنا ممثل محترف واعشق التمثيل أيا كان موطنه.
- بكل تأكيد المسلسل تجربة جميلة وخرج بصورة رائعة ولكن كنت أتمنى أن يعرض في فترة غير شهر رمضان حتى يستوعبه المشاهد، الموضوع به إسقاطات ورمزيات كثيرة. وحول إنتاج الفيلم وخطوات التصوير في مصر كان اللقاء مع علي مراد مدير شركة اكسير المؤجرة لاستديو مصر حيث يتم تصوير الفيلم: سألناه في البداية عن موضوع تأجير الاستوديو.. فقال: لقد تعاقدنا على تأجير استديو مصر بنظام “البوت” لمدة عشرين عاما في سبيل أن ننهض بمفردات الصناعة، فالبنية التحتية للاستديو لم تتغير منذ ما يقرب من ثلاثين عاما من معدات وأماكن تصوير، كل شيء تعرض للإهمال، ولهذا اعددنا خطة بإرسال مجموعة من الفنيين إلى الخارج للتدريب على احدث تقنيات العصر والعودة للدفع بصناعة السينما. ويضيف: كما أحضرنا مجموعة من الخبراء من مختلف الدول الأجنبية لتحديث استديو مصر، وقمنا بتأجير الكاميرات التي صورت بها اعظم الأفلام السينمائية لطلبة معهد السينما بأثمان زهيدة بعد أن أصبحت خارج الخدمة في ظل التكنولوجيا المتقدمة، فضلا عن تطوير العمل في الاستديو وتزويده بأحدث المعدات من ألمانيا بمصاحبة كوادر مصرية مدربة من الخارج وهذا هو المهم. أما نجمة السينما الأمريكية والإنجليزية جوليان ساندز فقالت: أنا سعيدة بهذه التجربة المثيرة فالسينما هنا تختلف عن السينما في هوليوود ودوري في هذا الفيلم ذكرني بكلاسيكيات السينما العالمية الجميلة وأرجو أن تستعيد السينما الحكاية التي تعودنا عليها بعيدا عن التكنولوجيا التي قتلت أشياء كثيرة منها المشاعر ومخاطبة العقل. جريدة الخليج في 4 فبراير 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
فيلم إنجليزي يصور في مصر "في الظلام" تجربة سينمائية من الشمال لليمين أحمد عطا |
|