هل السينما اللبنانية بخير ونحن لا ندري؟ ام هي بخير لأن هناك من يعتني بها في الخارج فيما هي في الداخل متروكة للحالمين الذين قد يفيقون بعد حين ويلتحقون بالركب الإجتماعي الخارجين عنه اليوم؟ السؤال جائز, فبعد النجاح الذي قطفته رندة الشهال صبّاغ في مهرجان فالنسيا, حيث نالت الجائزة الفضية عن فيلمها الجديد "طائرة من ورق", نجد في غمار الأفلام المحتشدة للدورة الرابعة والخمسين لمهرجان برلين السينمائي الدولي ثلاثة أفلام لثلاثة مخرجين لبنانيين. الأفلام لا تتساوى من حيث نوعياتها, روائية وتسجيلية, ولا من حيث كلفتها, ولا حتى من حيث العناصر التمويلية التي ساهمت في انجازها. لكنها تؤكد أن مخرجين لبنانيين عاكفون على البقاء في مدار السينما العالمية حتى عبر فيلم قصير او في تظاهرة منفصلة عن المسابقة الرسمية, هؤلاء أبطال صغار يتحركون سعياً وراء طموحات كبيرة ومشروعة. في المسابقة الرسمية, نتعرّف على العمل الأول للمخرج الشاب عمر نعيم, الذي كان درس المسرح أولاً ثم عكف في العام الماضي على تصوير فيلمه الأول "النسخة الأخيرة", في اطار مسابقة "مجمّع مواهب البرلينال", وهي مسابقة تقام لسينمائيين جدد لم يحققوا أفلاماً روائية من قبل. وتنبري ميرنا معكرون لتقديم فيلمها التسجيلي القصير الثاني "بيروت - برلين". اما في تظاهرة "فورام" المهمة, فتتقدم جيهان نجيم بفيلمها التسجيلي الجديد الذي هو آخر الأفلام الملتحقة بهذه التظاهرة, "غرفة الضبط" . عمر وجيهان يحققان أفلامهما في أميركا وميرنا في اوروبا ولا أحد يستفيد من صندوق دعم لبناني. لكن ذلك حكاية أخرى, والثابت هو أن في هذه التجارب ما يرفع من اهتمام الناقد (العربي على الأقل), وهو يلاحظ اختفاء الأسماء العربية اختفاء شبه كامل من المحطات الرئيسية في المهرجان. هناك فيلم قصير للمخرج الجزائري رشيد بوشارب ولكن في إطار أعماله الفرنسية, وعنوانه "الصوص البشع". وثمة أسماء قليلة جداً مبعثرة في أطر بعيدة عن التظاهرات الرئيسية, لمخرجين أسماؤهم عربية إنما ولدوا في المهجر. بكلمة أخرى, السينما العربية تواصل سباتاً عميقاً او ربما تكون رسمياً دخلت في حالة "كوما". إفتتح فيلم "جبل بارد" المهرجان وهو, كعادة أفلام الافتتاح, خارج المسابقة. الا أن اختياره ووجوده يؤمنان البريق الذي يتمناه كل مهرجان لنفسه. الأفلام الأميركية موزعة بين ما يستحق الإهتمام وبين ما يثير العجب من أنه وجد طريقه الى المسابقة. في الإطار الأول فيلم رتشارد لينكلاتر المكمّل لحكايته التي قدمها في برلين قبل نحو ثماني سنوات, بعنوان "قبل الشروق". ولينكلاتر ليس مخرج سلاسل سينمائية, وإنما يرصد هنا لقاء بطلي الفيلم السابقين جولي دلبي وإيثان هوك. "مفقود" لرون هوارد (بطولة كيت بلانشيت وتومي لي جونز), يبدو مثل فيلم ضل طريقه, لا الى المهرجان فحسب, بل منذ انطلاق العمل فيه. يرتكز الى معالجة ذات مفعول رجعي يعود بسببها الهنود الحمر الى التنميط المكروه. وهو يبدو كأنه محاولة لصنع فيلم "وسترن" بالمعايير التي كانـت سـائدة في السبعينات. 26 فيلماً في المسابقة الطويلة جاءت من هولندا وفرنسا وكرواتيا والأرجنتين والصين وايطاليا واسبانيا وكوريا ودول أخرى. مهرجان برلين هذا العام فيه حشد رهيب من الأفلام لم يعرفه في تاريخه, والصعوبة هي في أن يستطيع المرء القيام بإلتزاماته المهنية او كعضو لجنة تحكيم في "إتحاد النقاد السينمائيين الدولي" الذي يمنح هنا ثلاث جوائز نقدية مهمة: واحدة في إطار أفلام المسابقة وأخرى في إطار تظاهرة البانوراما والثالثة في إطار تظاهرة "فورام". وثمة توجه لتشجيع الأعمال الشابة عوض الإحتفاء بالأسماء الكبيرة التي لم تعد بحاجة الى إحتفاء. على صعيد مواز, انما أكثر دلالة, يجلب المهرجان اليه عدداً كبيراً من الأفلام الأميركية, ورئيسة لجنة تحكيم اميركية ايضاً هي فرنسيس مكدورماند (زوجة ايثان كوون, مخرج "فارغو" التي لعبت بطولته). ويحتوي المهرجان عدداً من الأفلام التي تتحدث عن ويلات هذا العالم الناتجة عن السياسة ومريديها. فيهاعلى سبيل المثال, فيلم جون بورمان الجديد "وطن جمجمتي" الذي يتعاطى مع تبعات التفرقة العنصرية التي كانت سائدة في جنوب أفريقيا (انتاج مشترك بين بريطانيا وجنوب أفريقيا). وفيلم فينكو بريسان "الشاهد" الذي يتناول الحرب الصربية - الكرواتية, وهو فيلم كرواتي. كذلك سنرى فيلماً من المخرج النروجي هانز بيتر مولان بعنوان "بلاد جميلة", ويتحدث عن مخلفات الحرب التي دارت رحاها بين اميركا وفييتنام. من جهة ثانية, تسبب الطلاب الالمان المتظاهرون في إفساد افتتاح المهرجان الذي خلا هذا العام من تألقه وبريقه المعتاد. فقد اخترق عشرات من الطلاب الحواجز الامنية على طول السجاد الاحمر المؤدي إلى المسرح في "بوستدامر بلاتس" حيث احتشد عشاق السينما لمشاهدة فيلم الافتتاح. واندفع الطلاب الذين كانوا يحتجون على الاقتطاع من موازنة التعليم العالي إلى البهو الرئيسي قبل تدخل شرطة مكافحة الشغب وإخراجهم من هناك. ولم تسفر التظاهرة الصاخبة التي كانت سلمية عن وقوع إصابات. ومما زاد الطين بلة أن الحفلة كان تذاع على الهواء مباشرة من خمس مدن عبر ألمانيا وهي ميونخ ونورمبرغ وكولونيا وديتلباخ وهامبورغ. وكان منظمو المهرجان يعقدون الآمال على حضور بطلي فيلم الافتتاح نيكول كيدمان وجود لو العرض الاوروبي الاول للفيلم. جريدة الحياة في 8 فبراير 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
ثلاثة لبنانيين في مهرجان برلين السينمائي: والمشاركة الأمريكية غير مرضية محمد رضا |
|