المُستقبل للأفلام القصيرة
نهى محمد شبلاق*
عندما كنت في السنة الدراسية الجامعية
الثانية، طُلب من الطلاب، والطالبات شراء كاميراتٍ شخصية
متخصصة بالتصوير الفوتوغرافي ذات ملحقات خاصة، وذلك ضمن مساق
التصوير الضوئي، فاشتريت كاميرا من نوع (نيكون) مع عدة فلاتر
ملونة بسعرٍ باهظ الثمن، في السنة التي تلتها طُلب من طلاب
الدفعة الجديدة كاميراتٍ من نوع (الديجيتال)، وهي الأحدث،
والأكثر تطوراً، الآن لا يُخفى على أحد التطور الذي حدث
لكاميرات الهواتف المحمولة بكافة أنواعها، فلو عدت إلى الصور
القديمة التي تمّ التقاطها في وقتٍ سابق، لوجدت أنّ الصور
الحديثة المُلتقطة عبر كاميرا الهاتف المحمول هي الأكثر
وضوحاً، وجمالاً، ولقررت الاستغناء عن الكاميرا القديمة،
ورُبما التخلص منها بشكلٍ نهائي، ليس غريباً ارتفاع أسعار
الهواتف المحمولة الحديثة، مع احتوائها على خصائص للكاميرا، أو
الكاميرات التي تحتويها، تتيح للجميع التقاط الصور، أو صنع
مقاطع الفيديو باحترافيةٍ عالية، بالإضافة لخصائص التعديل على
الصور الموجودة ضمن مواصفات الهاتف المحمول، أو التطبيقات
المتوفرة لهذا الغرض.
الآن مع وجود وسائل التواصل الاجتماعي،
ومع تنوّع التطبيقات التي تتيح لمستخدميها عرض مقاطع صغيرة،
أصبح بإمكان الجميع صنع أفلامهم الخاصة، وعرضها للآخرين، كما
أنّ التوّجه نحو الجمهورمباشرة دون وساطة شركات الإنتاج اليوم
هو أسهل من ذي قبل، نظراً للإقبال الجماهيري على كلّ ماهو جديد
في عالم التكنولوجيا، فعندما تصبح شاشات الهواتف، والألواح
المحمولة مصادر للترفيه، والمعرفة، والفائدة، فلن ينتظر
المتلقي عودته للمنزل لمشاهدة برامج التلفاز، أو لقراءة الصحف
الورقية، بل سيجعل من أوقات الإنتظار المتعددة خلال النهار
فُرصاً ثمينة للإثراء الفكري، والحسي، وذلك عبر الاطلاع على ما
يُعرض في وسائل التواصل الحديثة.
كما أن خاصية (الستوري) ذات المدة
المحددة للعرض، عززت مفهوم نشر القصص اليومية القصيرة، ومما
ساهم في نشر ثقافة (القصة القصيرة) هو سهولة وصولها إلى أكبر
عدد ممكن من المشاهدين حول العالم أجمع بفضل الفضاء التكنولوجي
الذي جعلنا نعيش في عالم الكتروني صغير يتسع للجميع.
وبالرغم من أنّ تاريخ نشأة الأفلام
القصيرة يعود إلى زمنٍ ماضٍ، إلاّ أنه من الفنون التي تلقى
رواجاً في العصر الحديث، فنجد إقبالاً جماهيرياً على مشاهدة،
وتداول مقاطع اليوتيوب، وغيرها المتخصصة في تمثيل مقاطع ساخرة
ذات طابع كوميدي، أو حتى وثائقيات تقدم مقتطفات من الواقع
المعاش، ونتيجة لهذا الإقبال الشعبي، نجد كثرة في المعاهد التي
تقيم ورشات عمل تدريبية متخصصة بكتابة النصوص، والتصوير
الاحترافي، وبرامج المونتاج، والإخراج النهائية بهدف دعم
الهواة، ومحبي هذه الصناعة، وإعدادهم كمختصين محترفين في صناعة
الأفلام القصيرة، فكما هو معروف، فإنّ الفيلم القصير الجيد ليس
مقاطع مختصرة لفكرة لفيلم طويل، ولا محاولة أولية لصناعة فيلم
أطول زمناً، أو بروفة تجريبية لصناع الأفلام المبتدئين، بل هو
فكرة مكتملة، وبناء منطقي، وحبكة متقنة ترغم المتلقي على
المشاهدة حتى النهاية.
صانع الأفلام القصيرة اليوم أمام تحدي
كبير، فجمهور العصر الحديث أكثر ذكاءً، واطلاعاً، ومعرفة،
يستطيع التقاط الفكرة، والمغزى من العمل المقدم إليه،
ومقارنتها بأعمالٍ أخرى، والمفاضلة بينهم، فإنّ لم يكن صانع
الأفلام القصيرة على درجةٍ من الاحترافية، فسيواجه صعوبة في
منافسة الجيد، والمُتقن المتوافر على الساحة الفنية.
*مهندسة ديكور، سيناريست، وكاتبة قصصية. |