لماذا أصنع فيلماً؟
محمد زرزور
"سأفعلها، وأصنع فيلماً"، هو التحدي
الأول الذي يخوضه صُنّاع الأفلام مع أنفسهم، لتفريغ فكرة، أو
مجموعة من الأفكار تدور في خواطرهم لتحويلها إلى أحداث، وصور
متتالية تغدو فيلما.....
ولكن، ماذا بعد؟
فهل يتساءل صانع الفيلم بعد أن يمتلك
مولوده بين يديه أين سيذهب به؟ وهل قدم هذا المُنتج لمجرد الإنتاج،
وإضافته إلى سيرته الذاتية؟ أم كان يحلم مع كلّ كلمة يكتبها في
السيناريو، ومع كلّ صورة يرسمها في الستوري بورد، بأنه يصعد معها
سلالم التكريم في كبرى مهرجانات العالم؟
بالتأكيد، كلّ مخرج لأيّ عمل سينمائي،
سواء كان طويلاً، أم قصيراً، ومهما كان نوعه، روائياً، أو
تسجيلياً، أو وثائقياً، عليه أن يقدم قيمة مضافة لفن السينما
عموماً، ولثقافته السينمائية على وجه خاصّ، أسوةً بمنعطفاتٍ هامة
في تاريخ السينما منها "مشهد في حديقة رونداي" أول تقديم لصورة
متحركة في التاريخ عام 1888، وكذلك "مغني الجاز" أول فيلم ناطق في
السينما عام 1927 مثلاً.
فالمخرج دائماً مطالبٌ بالبحث عن ما هو
أول في فيلمه، حتى و لوكان هذا الأول مختصراً على زاوية المعالجة
للفكرة.
مما يقودنا هنا إلى سؤال آخر، هل هواة
السينما، وعشاقها يستطيعون فعل ذلك دون اللجوء إلى أكاديميات،
ومعاهد تقدم العلوم المتخصصة بالفن السابع، أم يكتفون بتراكم
الخبرات التي اكتسبوها من علوم الحياة المختلفة؟
وقد تكون إجابات البعض بأن وجود
الأكاديميات لا يعني بالضرورة توفر الخبرة، ويستشهدون بجيل الرواد
الذي قدم للعالم فنّ السينما لمجرد دافع الحب له، فيما يصرّ البعض
الآخر بأن التعليم الأكاديمي هو أساسي لكلّ من يرغب في الإسراع
باكتساب الخبرة السينمائية، و لهم بمايكل أنجلو أنطونيوني خير
مثال، وهو واحدٌ من ثلاثة مخرجين في العالم نال الجوائز السينمائية
الكبرى: السعفة الذهبية، الأسد الذهبي، الدب الذهبي، وهو الذي بعد
دراسته للاقتصاد، تعلم التقنيات السينمائية في "المركز السينمائي
التجريبي" في روما أقدم مدارس أوروبا لصناعة الأفلام.
وأيأ كان السينمائي، فإنه لا يختلف مع
أحد، على أن الفن هو عمل إبداعي أولاً وأخيراً، وبالتالي، ليس كلّ
خريج أكاديمي هو مبدع بالضرورة، ولكن، ما يميزه عن غير الدارسين،
هو القدرة على التحليل العلمي للفيلم، وما يدل على ذلك لجوء غير
الأكاديميين، ومع تطوّر التكنولوجيا، إلى المواقع الالكترونية
المهتمة بالشأن السينمائي، والتلفزيوني لصقل خبراتهم، وتنميتها.
وربما قد تأخر بعض الشيء ظهور هذه
الأكاديميات في عالمنا العربي، حتى أنّ سوريا، والتي تُعتبر ثاني
دولة عربية عرفت، وانتجت السينما بعد مصر، لا تمتلك معهداً عالياً
لتعليم السينما حتى الآن.
أما الناحية الثالثة، والتي تجعل من
فيلمك حاضراً في منصات المهرجانات، فهي الطريقة السليمة لتسويقه،
وتقديمه، فمهما كانت الفكرة مهمة، ونابعة من حريَف سينمائي، فقد
تضيع قبل أن تعرف طريقها الصحيح، ومن هنا كانت الضرورة للتعامل مع
شركات تسويقية توفر الكثير من الجهد، والوقت على صانع الأفلام،
وهذا الموضوع رُبما لا يقتصر فقط على السينما المستقلة، وقد يتعدى
إلى المؤسسات الكبرى.
إذاً، كغيرها من الصناعات، أصبحت صناعة
الأفلام القصيرة تمتلك خطاٌ انتاجياً يبدأ من الفكرة، وينتهي ما
بعد المشاركات، والترشيحات للجوائز، فإذا كنت أصنع الخبز لآكل،
فأني أصنع الفيلم لأكون. |