الإهداء
إلى العلامة والعالم محمد بن الحسن بن الهيثم
354 ـ 430 هجرية (965 ـ 1040 م)
واضع "كتاب المناظر" (1011 ـ 1021) وأول عربي اشتغل على علم
البصريات. وهو من عمل على فهم ماهية الصورة وأسس مفهوم الكاميرا
ومن نقل صورة كاملة من خارج "الكاميرا المظلمة" التي كانت عبارة عن
صندوق بلا نور بإستثناء الضوء الداخل إليه من ثقب فيه، وعكسها كما
هي على ما نعرفه اليوم بالشاشة.
والمخرج الفرنسي المولد لويس إيمي أوغستين لو برينس
Louis Aime Augustin Le Prince
(1842 ـ 1890)
صانع أول فيلم سينمائي تم تحقيقه بكاميرا واحدة وعلى شريط واحد وهو
Roundhay
Garden Scene
(بريطانيا ـ 1888)
وصوره في مدينة ليدز الإنجليزية قبل وفاته في ظروف غامضة بعد
عامين.
|
إذا ما كان إصدار الكتب الثقافية مخاطرة محسوبة على أكثر من صعيد
في الظروف العادية فما البال حين تكون الظروف كتلك التي يشهدها
أكثر من بلد في العالم العربي؟ وإذا كان النشر الكتبي شهد منذ
سنوات ليست بالقريبة إنحساراً شديداً في عدد من تلك العواصم التي
طالما عرفت، في ستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي، نشاطاً
أدبياً وثقافياً جماً، فكيف الحال في عصر الإنترنت والوسائط
الترفيهية الأخرى التي تزاحمت وخطفت الوقت القليل الذي كان يتيحه
المرء منا لتصفح كتاب ناهيك عن قراءته؟
لا يخفى على كل مطلع نزيه أن إصدار "كتاب" يحفل بمخاطر عدة جلها
تجاري وتسويقي في زمننا الحالي خصوصاً إذا ما كان بعيداً عن
المواضيع الأكثر إستئثاراً اليوم بإهتمام القراء، كالكتب الدينية
والسياسية وكتب المنوعات. صحيح أن المطابع لم تتوقف وأن دولاً،
كدولة الإمارات العربية المتحدة وعدد من دول المنطقة الأخرى، تصرف
الكثير من الجهد والدعم في سبيل تنشيط الملكية الإبداعية في عالمنا
العربي وتوفير كل فرصة متاحة لنشر الثقافة والعلم وأنواع الآداب،
إلا أن الصحيح أيضاً هو أن القوة الشرائية التقليدية التي كانت في
الأساس محدودة أصبحت محدودة أكثر نظراً لمشاغل كثيرة في عالمنا بما
فيها تلك الناتجة عن الظروف السياسية التي تعيشها دول معينة في هذه
المنطقة من العالم.
بالإضافة إلى ذلك هناك بالطبع التحولات في وسائط القراءة والإلمام
والمعرفة الناتجة عن العصر التكنولوجي الذي نعيش والذي لا يحتاج
هنا إلى كثير من الإيضاح والتفصيل للتعريف به أو بحجم تأثيره على
حياتنا العامة.
لقد نصحني بعض الأصدقاء بالتفكير مرتين وثلاث قبل العمل على هذا
الكتاب. فالعالم اليوم يختلف، وقراء الكتاب انحسروا وعلى المرء أن
يجاري عصره ـ كما يقولون؛ وعن حق، في المقابل، كان عندي ذلك الموقف
المبدأي الذي لم يكن متاحاً لي التخلي عنه، إنطلاقاً، أو ليس
المطلوب منا أن نكون، في أضعف الأحوال، حلقات وصل تربط قيم الأمس
بقيم اليوم والمستقبل؟ ولم لا يكون "الإنترنت" مجرد وسيلة أخرى
لنشر الكتاب والمعرفة التي يحويها عوض أن يصبح البديل وحده؟
أساساً، ومنذ إنقطاع سلسلة "كتاب السينما"، تلك التي أصدرت معظم
أجزائها ينفسي، لم ينقطع السؤال حول متى سيتم إطلاق عدد جديد.
اليوم، تبدو تلك السلسلة تمهيداً لهذه الإنطلاقة الجديدة. تعبير في
الوقت ذاته عن عدم الرغبة في الإستسلام للمتغيرات بل إحتوائها عوض
الإنجراف معها.
الآن، بات "دليل السينما العربية والعالمية 2013" بيننا، ليس
كإضافة محضة لما سبق، بل كبداية جديدة على نحو كامل يبلور الرغبة
الدفينة عندي، كناقد أفلام ومؤرخ للسينما مازال يعاصر كل جديد
تنتجه، في نشر المعرفة السينمائية جنباً إلى جنب الموقف النقدي.
وصل بفضل مباشر من إيمان وفعل الصديق عبدالله الشاعر، الذي لجانب
كونه أحلى شاب في الإمارات، هو من عاشقي السينما والراغبين في
العمل على نشرها عبر هذا الكتاب وسواه من الإنشطة المقبلة إن شاء
الله.
تحقق "دليل السينما العربية والعالمية" للأسباب المذكورة أعلاه،
تحقق لأن الحياة السينمائية العربية لا يمكن أن تبقى من دون إثراء
ثقافي مستمر يقوم بها نقاد السينما. وكما أن هناك مهرجانات وصناديق
دعم ومحاولات جسورة لإفتتاح أسواق جديدة أمام هذه السينما، لابد
لاأن يصاحبها تواصل هادف مع القاريء لرفع استعداده للمواكبة وقبل
فوات الأوان.
أستطيع أن أقول الكثير في هذا الكتاب.
أستطيع هنا أن أشرح ما يتألف منه ولمن يتوجه وكيف تم وضعه وكل ما
يتعلق بأهدافه وتفاصيل عمله، لكن أليس من الأفضل أن نترك الكتاب
يتحدث عن نفسه؟ بعض المتابعين يعرفونه لكن هناك جيلاً جديداً
كاملاً سيتعرف عليه. جيل من الهواة والمحترفين علىحد سواء يرغب هذا
الكتاب في الوصول إليهم والإسهام في نشر الوعي والثقافة التي نتحدث
عنها، أولاً وأخيراً، لغة السينما ذاتها.
إنه أزاء هذا الجهد المبذول على هذه الصفحات وتبعاً للوقت الذي
تطلبه فعل مشاهدة الأفلام والكتابة عنها وتنظيمها، يحق لي كمؤلف
وللأخ عبدالله الشاعر كناشر آل على نفسه إيصال هذا الجهد مدركاً
مصاعب النسر في هذا الوقت، الطلب من الذين يودون الكتابة عن هذا
العمل أن يقرأوه أولاً حتى لا ينتهي كله إلى مجرد خبر منشور يستلهم
من صفحة المحتويات مادته كما هي العادة في كثير من الحالات. من حق
هذا الجهد على من يريد مراجعته وتقديمه للقاريء أن يمنحه الحضور
الذي يستحقه. هذا ليس للطلب منه مدحه وقرظه، فكل حر في موقفه
ورأيه، بل لإيفاء العمل حقه كما للمساهمة مع هذا المشروع في تأدية
الرسالة التي نشترك جميعاً في محاولة ترميم ما أصابها في السنوات
السابقة من ضيم وعسر، وتوسيع نطاقها على نحو مفيد ولو أختلفت بنا
السبل والمناهج.
المؤلف
محمد رضا
|
قيل لي أن إصدار الكتب السينمائية تحتوي على مخاطر كثيرة، وأنها
ليست مهنة يمكن بناء مستقبل عليها. قيل لي أن قراء المادة
السينمائية قلة وقراء النقد أقل، ثم سمعت أن المسألة لن تكون مجزية
تجارياً وأن المسألة في النهاية واضحة: كثير من الكتب تصدر وقليل
منها يباع.
لكن ما هو عندي من دوافع وجدته أقوى من كل تلك التحذيرات.
وبالمناسبة فإن المخاطر ليست كثيرة كما يقال، تحديداً هناك شكلين
لتلك المخاطر: أو لا أن لا ينجز الكتاب غايته التي وضع من أجلها
وثانياً أن لا يبيع ما يكفي لسداد كلفته. شخصياً، أحب أن أنظر إلى
المسألة على نحو مختلف: هل من المفترض أن يحقق المرء التغيير
المنشود بالتمني؟ هل إذا إمتنع كل منا عن إنتاج الفيلم الجيد أو عن
نشر الكتاب المفيد أو عن دعم أي إبداع ثقافي أو أدبي أو فني يدرك
أهميته وجدواه، سنحل أزماتنا الحضارية والثقافية؟ ثم لماذا على
الفرد أن ينتظر التغيير إذا ما كان قادراً عليه؟
الواقع هو أننا في دولة الإمارات العربية المتحدة نسير على خطى
ثابتة مفادها أن على المواطن وحكومته الإشتراك معاً في الفعل
البناء والعمل الهادف لإعلاء شأن الحقول المختلفة التي تتألف منها
الحياة ثقافياً أو إقتصادياً أو رياضياً أو فنياً أو في أي من
المجالات الحيوية الأخرى.
والحقيقة أن دولة الإمارات، وأنا فخور بإنتمائي إليها، شهدت في
السنوات الخمسة عشر الأخيرة أو نحوها نهضة شاملة في كل هذه
المجالات وسواها، تحولت إلى دولة يقاس بها مستوى التقدم في أكثر من
مكان وفي أكثر من مجال، دولة يسهر على رعاية الثقافة والفنون فيها
مسؤولون يدركون أهمية هذين الحقلين ويدعمانهما على نحو قل نظيره في
العالم إذا ما كان له نظير فعلي.
تحديداً، بذل صاحب السمو مكتوم بن محمد بن راشد، رئيس مؤسسة دبي
للإعلام، وصاحب السمو ماجد بن محمد بن راشد، رئيس هيئة دبي للثقافة
والفنون، جهوداً رائعة في سبيل بناء الصرح الذي نعيشه حالياً في
هذين الحقلين الجوهريين في الحياة المعاصرة.
لقد أصبحت مدينة دبي، بقضلهما، منارة إعلامية وثقافية وعبر
تشجيعهما ورعايتهما إنطلقت نشاطات وفاعليات مهرجانات عديدة وبنجاح
ملحوظ سينمائياً، وهو مجال كتابنا هذا، دارت عجلة العمل السينمائي
بلا توقف، مهرجان عالمي رائد وكبير، ثم مهرجان إماراتي/ خليجي
ناجح، بالإضافة إلى دعم في هيئة صندوق واحد... ثم صندوقان...
فصناديق مختلفة.
ثقافياُ، لم يتأخر الركب عن مثيله الفني والإعلامي، فإذا بدبي محطة
ثقافية وأدبية أولى في المنطقة العربية. درست وخططت واستوعبت
وانتجت، والهدف كان نبيلاً ومثمراً تشجيع العمل الثقافي في مختلف
أنواعه وميادينه إدراكاً بأن هذا العمل هو الواجهة الأولى لتقدم
المجتمعات أينما كانت.
"دليل السينما العربية والعالمية" هو مشروع يصب في الخانتين معاً:
مشروع ثقافي ومشروع سينمائي. غايته تأريخ السينما المعاصرة وتناول
إنتاجاتها العربية والعالمية. توفير نظرة بانورامية وموسوعية شاملة
تتناول كل ما يشاهده الناقد من أفلام من كل نوع ولون ومستوى. نظرة
لا تريد أن تصنف الأفلام إلى قليلة تستحق الكتابة عنها وكثيرة لا
داعي لتقديمها، بل تضع السينما في جوانبها ووجوهها المختلفة أمام
القاريء سواء أكان من أهل المهنة أو من الجمهور الشاسع من حولنا.
وعلى ذكر هذا الجمهور الشاسع، فإن صدور هذا الكتاب يأتي في الوقت
المناسب فالإقبال على صالات السينما هنا في دولة الإمارات أو في
الكويت والبحرين وقطر وصل إلى نسب لم تتحقق من قبل، وعلى الرغم من
مشاكل وأوضاع الدول الأخرى، إلا أن صالات السينما لا زالت تعمل
بنشاط لتأمين هذا الجانب من الحياة اليومية. لذلك، يأتي هذا الكتاب
كصديق للمشاهد وكشريك للحالة الرائجة التي تعيشها الأسواق
السينمائية اليوم.
نقطة أخيرة لابد من تسجيلها بخصوص هذه الأسواق: إنحيازها لنوعية
معينة من الأفلام هو دافع آخر لهذا الكتاب، كونه يحمل بين دفتيه ما
يشكل بديلاً للسينمات الأخرى من المكسيك وحتى الدنمارك ومن المغرب
وصولاً إلى البرازيل ومروراً بالهند والصين وكل أوروبا. هذه
الصناعات ضرورية وحتمية من دون أن تلغي أهمية وحجم السينما السائدة
ورواجها. وإذا ما كان لهذا الكتاب عنواناً جامعاً ودوراً ثابتاً
فهو في الجمع بين هذين النوعين الأساسيين في السينما: الفن
والترفيه.
يبقى القول أن واحداً من أهم دوافع قيامي بنشر هذا الكتاب
السينمائي الفريد هو مؤلفه محمد رضا، الناقد السينمائي الذي يعلم
الجميع تاريخه الحافل وموهبته وإخلاصه لما يقوم به وهذا كان ضماناً
شخصياً كبيراً وحافزاً أكبر، وفرصة للتعاون معاً لنسدد ديوننا جيال
حبنا للفن السابع.
الناشر
عبدالله الشاعر
|