السينما العالمية من منظور ناقد عربي (3/3)
عدنان حسين أحمد
يشكِّل الفصل الثالث من "دليل السينما العربية والعالمية 2013"
للناقد محمد رضا القسم الأكبر من الكتاب، إذ يبلغ عدد صفحات هذا
الفصل "159" صفحة من أصل "304" صفحات. كما ينقسم هذا الفصل إلى
ثلاثة أقسام رئيسة وهي الأفلام الروائية العالمية التي تأخذ حصة
الأسد من هذا القسم ولا تترك للأفلام الوثائقية سوى سبع صفحات وأقل
منها لأفلام التحريك "الأنيميشن". وهذا الأمر يكشف من دون شك ولع
الناقد رضا بالأفلام الروائية العالمية كثيراً ويخصها بجزء كبير من
اهتمامه، خصوصاً وأن هذا الفصل، يتضمن متابعة نقدية تفصيلية ودقيقة
لـ "190" فيلماً روائياً عالميا.
لا يمكن بطبيعة الحال أن نتوقف عند كل هذه الأفلام التي هيمنت على
صالات السينما في القارات الخمس، لكننا سنركز على أبرز المحاور
والثيمات التي دارت عليها هذه الأفلام الروائية التي أتيح للناقد
أن يراها بحكم تواجده في العديد من المهرجانات السينمائية
العالمية، كما تعكس نَفَسه الانتقائي في مشاهدة الأفلام الجيدة
ولعل أولى هذه الأفلام هو فيلم "حصان تورينو" للمخرج الهنغاري
بيلّا تار الذي يلامس جوهر العاطفة الإنسانية. وبحسب توصيف الناقد
الذي قال كل شيئ في بضعة جُمل مفادها: "أن نيتشه شاهد رجلاَ يضرب
حصانه ضرباً مبرِّحاً فما كان منه إلاّ أن احتضن الحصان وبدأ يبكي
وبعدها سقط الفيلسوف مريضاً إلى أن مات". لابد لهذه اللقطة
السينمائية المعبِّرة أن تهزّ مشاعر المتلقين وتضعهم وجهاً لوجه
أمام الضمير الإنساني الحي الذي يُفترض أن يستيقظ في مثل هذه
اللحظات التي تتأجج فيها العاطفة الإنسانية بغض النظر عن الضحية
فيما إذا كانت إنساناً أم حيوانا.
الأفلام الشرق أوسطية
ضمن هذا الكم الكبير من الأفلام العالمية وقع اختيار الناقد محمد
رضا على باقة من الأفلام الشرق أوسطية التي، ونعني بها على وجه
التحديد، الأفلام التركية والإيرانية التي سجلت حضوراً طيباً في
المهرجانات السينمائية العالمية ومن بين هذه الأفلام فيلم
"ألمانيا: مرحباً بكم في ألمانيا" للمخرجة الألمانية من أصول تركية
ياسمين شامديريللي. وهذا الفيلم مصنّف على أنه كوميدي في جانب منه،
كما يتمحور على الإسلام من جانب آخر حيث يهاجر حسين إلى ألمانيا
ويتزوج بمن يحب ثم يقرر العودة إلى تركيا بعائلته الكبيرة بعد أن
طعن في السن. يكشف هذا الفيلم الاختلافات الثقافية بين الأتراك
والألمان. وعلى الرغم من النفس الكوميدي لهذا الفيلم إلاّ أن
الناقد محمد رضا "يرى أن الضحك في هذا الفيلم هو من أجل الضحك،
وليس للإفادة أو النقد".
أما الفيلم الثاني الذي ركز عليه الناقد فهو فيلم "أعراف" للمخرجة
التركية يشيم أوسطا أوغلو الذي يتمحور حول ثنائية "الحُب العابر
والمقيم"، فزهرة التي تعمل في مطعم على الطريق السريع خارج المدينة
يحبها أولغون بصمت، لكنها تنقاد لحب سائق شاحنة يأتي مصادفة ليزرع
في رحمها جنيناً تتخلص منه لاحقاً بشق الأنفس. يمسك الناقد بالعصب
النابض لهذا الفيلم حينما يصف الجزء السهل من هذا الفيلم "بأن
الفتاة محكومة بعادات وتقاليد إسلامية واجتماعية صارمة، لكن الصعب
هو تحريك العمل من جموده أكثر من مرة" وهي رؤية نقدية تنفذ إلى
أعماق الفيلم.
الفيلم التركي الثالث هو "ذات مرة في أناضوليا" للمخرج نوري
بــلـگـه جيلان الذي صنّفه الناقد بأنه درامي وتحقيق جنائي حيث
نشاهد سيارتين ومصفحة في طريق برية، وثمة محقق أول اسمه ناشي
ومعاونه ورجال بوليس وطبيب ومدعي عام وُمتهمَين بالقتل، كنعان
وشقيقه رمضان والبحث جارٍ معهما حول مكان إخفاء الجثة. ليست هناك
أية مشكلة في تحليل هذه الأفلام الثلاثة من قبل الناقد المتمكن
محمد رضا الذي قد نختلف معه في رؤانا ومقارباتنا النقدية علماً بأن
"الاختلاف لا يفسد للود قضية" لكن ما أثار انتباهي هو الوقوع في
خطأ التسميات التي تكررت في هذا الأفلام الثلاثة . فاسم المخرجة في
الفيلم الأول هو "شامديريللي" وليس "سامديريللي" لأن حرف الـ "?"
هو "شين" وليس "سينا" حيث يتكرر هذا الأمر مع "يشيم" اسم المخرجة
الثانية وليس "يسيم" كما سمّاها الناقد، أما اسم المخرج الثالث
ففيه خطآن، الأول هو "بيلج" والثاني "شيلان" وصحيحهما "بــلـگـه" و
"جيلان". لم يسلم بعض العناوين من الأخطاء ففيلم يشيم أوسطا أوغلو
هو "أعراف" وليس "عرف" ومعنى الأعراف هنا هو معنى ديني يحيل إلى
"الناس الذين لا يرون راحة الجنة ولا عذاب النار لأن حسناتهم قد
استوت مع سيئاتهم"، كما أن اسم فيلمها الآخر هو "صندوق باندورا"
وليس "صندوق البندورة" كما أورده الزميل رضا، وباندورا هنا هو اسم
لامرأة في الميثولوجيا الإغريقية، أما صندوقها فيضم كل الشرور
البشرية من جشع وكذب وغرور إضافة إلى الأمل!
لا أقصد النيل أبداً من زميلي الناقد رضا فهو متمكن من النقد
السينمائي ومن الترجمة أيضاً لكننا نقترف جميعاً بعض الأخطاء في
ترجمة بعض العناوين وتلفِّظ بعض أسماء العلم الأجنبية الصعبة وما
إلى ذلك وكاتب هذه السطور ليس منزّها عن ارتكاب مثل هذه الأخطاء!
ولكنني كنت أتمنى على صديقي الأحب أن يضع مثل هذه الأسماء الأجنبية
المعقدة في القاموس الصوتي للغة التركية ويستمع إلى الألفاظ
الصحيحة التي تجنّب المؤمنين شرّ القتال.
تثير الأفلام الإيرانية أيضاً شهية النقاد والمتابعين على حد سواء.
ففي فيلم "انفصال نادر وسيمين" للمخرج أصغر فرهادي أسئلة كثيرة قد
تخرج عن إطار الدراما الاجتماعية إلى ما نفسي وسياسي ربما. فلو
كانت الدولة تعتني بكبار السن وتخصص لهم دوراً نموذجية لما تفجرت
في المجتمع الإيراني مشكلات من هذا النوع. وإذا كان الانفصال قد
حدث لأسباب شخصية أو سريّة أو غامضة قد لا يبوح بها الطرفان إلاّ
لماما لكن الابن يفضِّل العيش مهما من دون انفصال. ثم تتفاقم
المشكلة مع وجود الأب المريض، وسقوط الخادمة من السلّم، وموت
جنينها. ما يهمنا في هذا المضمار هو رؤية الناقد التحليلية التي
يتقصى بواسطتها الإمساك بالعناصر الجمالية والفنية للفيلم حينما
بما معناه "ليس في الفيلم دقيقة واحدة مصروفة في غير موضعها، وليس
هناك ثرثرة، أو لقطة زائدة عن الحاجة على الرغم من ساعتيه". وهذا
الكلام ينطبق جملة وتفصيلاً على فيلمه السابق "عن إيلي" الذي حظي
هو الآخر باهتمام النقاد والمشاهدين.
ربما يكون فيلم "كواحدٍ في الحُب" لعباس كيارستمي فيلماً درامياً
جيداً يتوفر على بعض عناصر النجاح الفني، لكن المخرج لم يبرر لنا
سبب هذا التغريب والنأي عن معالجة الموضوعات الإيرانية، وما هو
السبب الذي دفعه لاختيار موضوع ياباني لقصته السينمائية "من دون
وجود سبب ياباني" كما يقول الناقد؟ يا تُرى، هل أراد كيارستمي
لفيلمه أن يكون مجرداً من الهوية الثقافية والاجتماعية كما يتساءل
الناقد رضا؟ لنمعن النظر في شخصية ريو كاسي التي تعمل عاهرة ليلاً
لكي تواصل دراستها نهارا ثم تتجه ذات نهار إلى موعد مع البروفيسور
الطاعن في السن تاكاناشي، لكن خطيبها يلتقي به ويعتقد أنه جدها
فيبوح له بطبيعة العلاقة القائمة بينهما، وما إن يدرك الحقيقة حتى
يهاجم منزل البروفيسور الذي لجأت إليه الطالبة. الفيلم من وجهة نظر
الناقد يتوفر على بعض الأخطاء الفنية، ويلمس فيه استعارة محدودة من
أجواء ميشيل هاينكة، والأسوأ من ذلك كله أن الفيلم لم يقل شيئاً
على الرغم من فضائه العالمي الذي لم تنفع معه عبارة كيارستمي
"العالم هو مشغلي" التي يستجبر بها دائما. وعلى الرغم من هذا
الخفاق البسيط إلاّ أن هذا الأمر لا يقلل من أهمية المخرج الكبير
كيارستمي صاحب "ثلاثية كروكر"، و "طعم الكرز"، و "أين يقع منزل
صديقي؟" و "ستحملنا الريح" وغيرها من الأفلام المعروفة التي رسخته
في ذاكرة السينما العالمية.
ولكي لا نخرج عن إطار الشرق الأوسط أجد من المناسب أن نتوقف قليلاً
عن فيلم "إذا متّ سأقتلك" لهونر سليم الذي يتوزع بين منطقتين
جغرافيتين هما شمال العراق تحديداً وفرنسا حيث يستقبل فيليب في
منزله فتى كردياً يموت على حين غرّة فيطلب من مؤسسة حرق جثته لأن
أحداً لا يعرفه. ثم يبدأ فيليب بالبحث عن سيبا التي قدمت إلى باريس
كي تبحث عن خطيبها من دون أن تعرف أنه قد فارق الحياة. قد يبدو
سياق القصة السينمائية طبيعياً حتى هذه اللحظة لكن ما إن يأتي والد
الفتى طالباً من خطيبته سيبا أن تتزوج من أخيه الأصغر على وفق
التقاليد الاجتماعية المعروفة في كردستان حتى ترتبك أوضاع هذه
الفتاة التي وقعت في حب فيليب الذي يحاول مساعدتها للخروج من هذا
المأزق. لا شك في أن الناقد قد التقط الرسالة الداخلية التي ينطوي
عليها الفيلم، كما استغور اللعبة الفنية التي يعتمدها هونر سليم
حيث قال: "يمزج هذا الفيلم بين الموضوع الاجتماعي ذي اللفتة
الإنسانية وبين الموقف الكوميدي الساخر، وهذا ما يبقى ماثلاً هنا
وبفاعلية". ويمكن تلمّس هذه السخرية فيلمه الأخير "بلادي الحلوة،
بلادي الحادة" الذي تبّله بنكهة غربية تهدف إلى إثارة النفس الساخر
قبل كل شيئ.
ثيمة الإرهاب
تعززت ثيمة الإرهاب في السينما العالمية بعد أحداث 11 سبتمبر وإن
كانت موجودة بقدر أو بآخر قبل ذلك التاريخ، لكن هذه الثيمة ارتبطت
بالعالمين العربي والإسلامي على وجه التحديد، فثمة حوادث إرهابية
متفرقة تحدث هنا وهناك وفي فترات زمنية متباعدة يقوم بها بعض
الإرهابيين من ديانات أخرى، لكن الزخم الكبير يلتصق، مع الأسف
الشديد، بالمسلمين المتطرفين الذين جعلوا من العلميات الإرهابية
"نمطاً إسلامياً" وقد ساهمت السينما الإنكلو- أميركية في ترسيخ هذه
الظاهرة بواسطة العشرات أو ربما المئات من الأفلام الروائية
والوثائقية على حد سواء. وفي هذا الفصل تحديداً يرصد الناقد محمد
رضا عدداً غير قليل من هذه الأفلام من بينها "الأصولي المتمنِّع"
للمخرجة الهندية المقيمة في نيويورك ميرا نير التي اعتمدت كلياً
على رواية الكاتب الباكستاني محسن حميد وصنعت منها فيلما درامياً
يتمحور حول الإرهاب بشكل خاص، والإسلام بشكل عام. فالمهاجر
الباكستاني جنكيز الذي يلهث وراء أحلامه بالعمل والثراء يجد وظيفة
في مؤسسة اقتصادية أميركية وينال ثقة رئيسه، ثم يقع في حُب المصورة
أريكا بعد أحداث 2001، لكن يتم تفتيشه بطريقة مستفزة بالنسبة إليه
فيستقيل من وظيفته ليعود إلى الباكستان ملتحياً. يُدلنا الناقد
الحصيف محمد رضا إلى نتيجة مهمة وصلت إليها المخرجة ميرا نير
مفادها "بأن الحقد يولّد الحقد" وهذا الأمر هو الذي دفع جنكيز لأن
يراجع حساباته التي ستقلب حياته رأساً على عقب.
ثمة أفلام عديدة في هذا الفصل تتناول موضوعات من قبيل الإرهاب،
والعرب، والإسلام كما في فيلم "فعل جرأة" لمايك ماكوي وسكوت ووف
حيث تقوم وحدة عسكرية بحرية أميركية بالهجوم على أحد أوكار الإرهاب
دفاعاً عن الوطن والأمة والديمقراطية، وهي مبادئ من وجهة نظر
الناقد، "لا خلاف على نبلها باستثناء أنها باتت تندمج في إبادة
الشعوب والزعماء أيضا". لم يرض الناقد عن هذا الفيلم وقد وصفه بأنه
"سيئ وغبي وفاشل".
لا يخرج فيلم "أسرى" للفليبيني بريالنت مندوزا عن دائرة الإرهاب
الإسلامي إذ يسجل وقائع هجوم على قرية آمنة تشنّه جماعة إسلامية
تنتمي إلى منظمة أبي سيّاف ويتم اقتياد مجموعة كبيرة من الأسرى إلى
أحد المعسكرات النائية ولا يُخلى سبيلهم إلاّ بعد مضي سنة كاملة من
الأسر. يبتغي هذا الفيلم، كما يرى الناقد، الإساءة إلى الإسلام
تماماً كما ذهب المخرج نفسه في فيلم "الرحم" إلى التجريح بالإسلام
من خلال نحر بقرة بطريقة وحشية تؤذي المتلقي، فالنقد الساخر ليس
هدف المخرج، وإنما التجريح وتشويه الصورة هو الهدف الذي يسعى
لتحقيقه وترسيخه في ذاكرة المتلقين.
الخيال العلمي
عوّدنا المخرجون الأميركيون في أفلام الخيال العلمي تحديداً على
التصدي للغزاة القادمين من كواكب سماوية أخرى بهدف تدمير الأرض
لكننا في فيلم "الساعة الأكثر عتمة" للمخرج الروسي كريس غوراك
سيكون المكان روسيا بدلاً من أميركا. هناك مئات الأفلام الأميركية
التي يتصدى فيها المارينز للأقوام الغريبة الهابطة علينا من كواكب
بعيدة ومجرات نائية جداً مثل "معركة لوس أنجيليس" لجوناثان
لايبسمان فحينما يعود الملازم نانتز من العراق يجد نفسه في موجهة
مع مخلوقات فضائية غريبة قادمة لتدمير الأرض. وفي "سفينة حرب"
لبيتر بيرغ تلتحم البحرية الأميركية مع البحرية اليابانية لتتصدى
لسفن حربية تهاجم الأرض. وإذا تعذّر مجيء هؤلاء الغرباء الذي
يبتغون تدمير الكرة الأرضية فإن الكائنات الأرضية الأميركية هي
التي تجشّم نفسها عناء غزو الفضاء. ففي فيلم "جون كاتر" لأندرو
ستانتون الذي تقع أحداثه في القرن الثامن عشر حيث ينطلق جون كاتر
من الأرض إلى المريخ ليجد نفسه منغمساً في نزاع بين شعبين أحدهما
خيّر ينضّم إليه، والثاني شرّير يعاديه.
الأرواح الشريرة
قد يتصور بعض الناس أن السحر والشعوذة والأرواح الشريرة هي خزعبلات
مقترنة بديانات وشعوب محددة بينما يكشف واقع الحال أن الشعوب
المتطورة تمارس ذات المعتقدات المتخلفة التي تمارسها شعوب العالم
الثالث مع فوارق نسبية ضئيلة. ففيلم "الشيطان في الداخل" لوليم
برنت بيل يتمحور حول طرد الأرواح الشريرة التي تدخل في أبدان الناس
وموقف الكنيسة منه. أما في فيلم "وراء الهضاب" لكريستيان مونجيو
فهم يحاولون إخراج الشيطان من جسد ألينا التي كانت مرتبطة بصديقتها
الحميمة فويشيتا. وهذا الفيلم مستوحى من قصة حقيقية حدثت في
مولدافيا عام 2005 أفضت إلى وفاة امرأتين بسبب الطقوس المتبعة في
طرد الأرواح الشريرة.
في فيلم "ممتطي الشبح: روح الانتقام" لنيفلدن وتايلور تتمحور فكرة
الفيلم حول الشيطان الذي يحاول أن يخرج من جسد رجل كي يتقمص طفلا.
أي أن الفيلم لا يخرج عن إطار الأرواح الشريرة.
في فيلم "أضواء حمراء" يؤدي دينيرو شخصية قارئ غيب يدعي العمى حيث
يظهر من جديد بعدما اختفى لمدة ثلاثين عاماً لكن ظهوره يجعل
الدكتورة مارغريت قلقة غير مرتاحة لأن كل ما يتبدى لها سحراً أو
روحاً خفية ما هو إلاّ محض دجل لا غير.
ثمة معتقدات قريبة من الخرافة ففي فيلم "طر مع الكركي" للمخرج
الصيني لي رايجون يتمنى العجوز ماجينغشن أن يُدفن بدلاً من أن
يحرق جثمانه لأنه يعتقد أن روحه سوف تطير إلى السماء على جناحي
طائر الكركي. وعلى الرغم من المسحة الأسطورية التي تطغى على الفيلم
إلا أنه يتناول أيضاً فكرة صراع الأجيال واختلاف قناعاتهم. كما أن
الفيلم يذكّر بالعادات والتقاليد القديمة التي تقف في مواجهة
منظومة القيم العصرية الجديدة.
أشرنا قبل قليل إلى أن الناقد محمد رضا قد حلل"190" فيلماً روائياً
عالمياً في هذا الفصل وهي أفلام تدور حول موضوعات وثيمات متعددة
يمكن أن نذكر بعضاً منها مثل العلاقات العاطفية، والخيانة الزوجية،
والاغتصاب، وجرائم القتل، والسرقات بأنواعها، والحروب والمعارك،
والإرهاب، والمتاجرة بالمخدرات، والإدمان على الكحول، والعمالة،
والجاسوسية، والابتزاز، والمشاكل النفسية، والانهيارات العصبية،
وفقدان الذاكرة، وتأنيب الضمير، والبحث عن الثراء السريع، واللهاث
خلف الأحلام الوهمية، والصراع بين الثقافات والحضارات، والنظرة
الإيجابية والسلبية للإسلام والمسلمين، ودور الفن في حياة الإنسان،
والعقم، والتبني، والانتحار، أو الشروع بالانتحار، والتهريب،
والعصابات، وحوادث الدهس، والهجرة، واللجوء غير الشرعي وما إلى
ذلك. وقد كشف الناقد عن قدرته الفاذة في دراسة هذه الأفلام
وتحليلها إلى عناصرها الأولية قبل الحكم عليها بطريقة فنية محايدة
تعتمد على المعايير النقدية المتبعة في المدارس والتيارات الغربية
على وجه التحديد.
الأفلام الوثائقية
انتقى الناقد عشرة أفلام وثائقية ليكتب عنها ويحللها بطريقة نقدية
صارمة ومن بين هذه الأفلام نذكر "إمبراطورية أميركية"" لباتراي
باتريك التي ترصد فيها المخرجة حفنة من المؤسسات الاميركية التي
تهيمن على القرارات المعيشية في العالم وتتاجر بها، ولا شيئ من
خيرات العالم تفلت من قبضتها الصارمة.
انتصفت بعض الأفلام الوثائقية للملكة العربية السعودية كما في فيلم
"أرابيا 3D"
لكرغ ميغلفراي الذي صوّر السعودية بتقاليدها، وتراثها الإسلامي،
وثقافتها، وحضارتها، وبيئتها وقدّمها بطريقة إيجابية لم نألفها من
قبل، فغالبية المخرجين والمستشرقين يركزون على الجوانب السلبية،
لكن ميغلفراي، كما يذهب الناقد، غاص في البحر الأحمر، وطار فوق
الصحراء والمدن السعودية بعد أن حمع حصيلة فنية وثقافية تعود إلى
ألفي سنة.
ثمة أفلام وثائقية مهمة جداً مثل "كهف الأحلام النسية" لفرنر
هرتزوغ الذي منحته السلطات الفرنسية لوحده حق تصوير كهف شوفيه الذي
تم اكتشافه قبل سنوات والذي يحتوي على رسوم جدارية تعود إلى نحو
"20" ألف سنة. وفضلاً عن أهمية هذا الاكتشاف التاريخي الفريد فإن
المخرج يصل إلى خلاصة مفادها "أن الإنسان الأول قد عرف الحكواتي".
أما بقية الأفلام فهي تستحق المشاهدة والتأمل ومن بينها "أحلام
حياة" لكارول مورلي و"ثلاث شقيقات" لوانغ بينغ. أما أفلام
الأنيميشن فقد تناول الناقد ثمانية أفلام بالنقد والدراسة والتحليل
ومن بينها "مغامرات تان تان" و "ألـ?ن والسناجب: حطام السفينة" و
"أقدام سعيدة 2" و "القراصنة في مغامرة مع العلماء".
ركّز الناقد محمد رضا في الفصل الرابع والأخير على "11" فيلماً
تمثل أحد عشر عقداً من تاريخ السينما، وبعضها ليس معروفاً ولم يحتل
مكانة لائقة من وجهة نظره لذلك استوجب تسليط الضوء عليها نذكر منها
"الهاوية" لأوربان غاد، "مولد أمة" لغريفيث، "مغامرات الأمير أحمد"
للوتي راينغير، "هذا المسدس للإيجار" لفرانك تاتل، "الأم الهند"
لمحجوب خان، "لورنس العرب" لديفيد لين، "سواق الأوتوبيس" لعاطف
الطيب و "القلوب المحترقة" لأحمد معنوني.
جدير ذكره أن الناقد قد عرض أيضاً في الفصل الرابع "28" قرصاً
مدمجاً، وتتبع في باب "الوداع الطويل" "27" ممثلاً عربياً فارقت
الحياة العام الماضي إضافة "37" ممثلاً عالمياً، بينهم بعض النقاد
أو المشتغلين في الحقل السينمائي وهو جهد إضافي يستحق الثناء
والتقدير.
وفي الختام لابد من الإقرار بأن "دليل السينما العربية والعالمية"
الذي ينجزه الناقد المثابر محمد رضا هو جهد موسوعي يستحق الإشادة
والتثمين كما يكشف عن رؤيته النقدية التي تضع الأمور في نصابها
الصحيح.
الجزيرة الوثائقية في
|