الأقصر..دورة جديدة
عقب تأخر ثلاثة أشهر عن موعده الأصلي انطلقت في الفترة من 19 وحتى
25 يناير فعاليات الدورة الثانية لمهرجان الأقصر للسينما المصرية
والأوربية وذلك بمشاركة 11 فيلم روائي طويل و23 فيلم روائي قصير
وبعرض عالمي أول للفيلم المصري"لامؤاخذة"إخراج عمرو سلامة وعرض أول
في مصر لفيلم"فتاة المصنع"للمخرج محمد خان والذي سبق وان شهد عرضه
الأول في منطقة الشرق الأوسط حصوله على جائزة أحسن ممثلة للمصرية
ياسمين رئيس.
اصرار مؤسسة نون للثقافة والفنون المنظمة للمهرجان على اقامة
الدورة رغم كل حساسية الوضع السياسي في مصر والمزاج البيروقراطي
العام الذي يحكم علاقة الدولة بالمهرجانات السينمائية خاصة فيما
يتعلق بدعم المهرجانات وتوفير المساعدات اللوجستية الازمة لتنظيمها
يعكس أهتمام حقيقي من قبل المؤسسة والمهرجان بالشأن السينمائي،
والأيمان بفكرة أن المهرجانات السينمائية ليست ترفا تستحقه الدول
التي تملك الوقت والثقافة والذائقة ولكنها بالأساس جزء من محاولة
بث كهرباء الوعي واستفزار الوجدان الفردي والجمعي على حد سواء
بالنسبة لأي جمهور، خاصة الجماهير التي تعاني من ضحالة الصلة بينها
وبين السينما مثل جمهور مدينة الأقصر التي تحتوي على ثلث اثار
العالم القديم لكنها لا تحتوي سوى على دار عرض سينمائية واحدة لا
يدخلها أحد.
اوروبا هنا..والان
تعكس الافلام الاوربية العشرة المشاركة في الدورة الثانية لمهرجان
الأقصر مشهدية عالية لطبيعة الازمات السياسية والحضارية والأنسانية
التي تعيشها القارة الباردة خلال مرحلة مفصلية من تاريخ العالم،
ليس فقط لكونها أفلام حديثة الأنتاج حيث أن تسعة افلام منها إنتاج
2013 ولكن لانها عبر الموضوعات والأفكار والشخصيات والحبكات
الدرامية والصراعات المعلنة والباطنية تمثل تشريح عالي الجودة
للمجتمع الأوربي عبر وحدته الأولية وهي الأسرة، حتى تلك التي تعود
بالزمن قليلا إلى الوراء تظل فيها الكاميرا مخلصة للحاضر بتفاصيله
الوجدانية والفكرية، فالحاضر شئنا أم ابينا هو ابن الماضي على تعدد
ازمنته.
أن اسرة المراسلة التليفزيونية الفرنسية في فيلم"عصر الذعر"للمخرجة
جوستين تريه والتي تعاني من تفكك رهيب يصل لدرجة عبثية في النهاية
من الوصول إلا ان هذا المجتمع يحتاج إلى اعادة صياغة انسانية من
جديد وليس سياسية او اجتماعية فقط هذه الأسرة نرى وجهها الأخر في
اسرة ايلا في الفيلم السلوفاكي"معجزة"حيث يدفعها موقف امها ورغبة
اخيها في التخلص منها إلى القاء نفسها في احضان عشيق مدمن تفشل معه
في تحقيق حلمها بأن تصبح مصففة شعر في لندن وينتهي بها الحال إلى
ان يبيعها ضمن أحد شبكات الرقيق الأبيض.
في حين تواجه اسرة كوستاس في فيلم المخرج اليوناني يورجوس
تسيمبيروبولوس"العدو في الداخل" معضلة وجودية رهيبة تتمثل في
مواجهة حادث عنيف يدفع الأب المؤمن بكل ما هو تقدمي وانساني وحضاري
للتحول إلى رجل من العصور التي كان ينتقم الأنسان فيها لنفسه بنفسه
بعيدا عن اي قوانين أو اعراف حاكمة وذلك بعد تعرض منزل اسرته لهجوم
من مجموعة لصوص واغتصاب ابنته.
بينما في الفيلم النرويجي"شبه رجل"للمخرج الشاب مارتن لوند نطالع
ازمة هنريك الرجل الذي استيقظ ذات يوم فوجد نفسه في الخامسة
والثلاثين من العمر ولديه حبيبة تحمل طفله ووظيفة جديدة ومنزل جيد
لكنه لا يزال يشعر من داخله أن قطار الحياة الحلوة فاته وان ايام
شبابه راحت هدرا فتبدأ سلوكياته في النقوص نحو افكار وسلوكيات
مراحل الطفولة والمراهقة كأنه يحاول اجبار عجلة الزمن على التوقف
فيزداد فشله في تكوين اسرة ناجحة لكنه في النهاية يتحرر من وطأة
المادية والجمودية التي تحكم المجتمع ويكتشف أننا يمكن أن نظل
شبابا طالما كنا احرار في اختيار الشكل والطبيعة التي تسير عليها
حياتنا بأرادتنا الحرة ودون تنميط أو تأطير من المجتمع والناس.
وفي الفيلم الروماني"روكسانا"للمخرج فالنتين هوتيا يقدم لنا المخرج
تشريح رائع لعائلة رومانية تشكلت خلال سياقات الماضي بشكل شديد
الشذوذ حيث يكتشف بطل الفيلم أن لديه ولد من حبيبته السابقة"روكسانا"والتي
تزوجت من صديقه قبل عشرين عاما ويجاهد كي يدفعها للأعتراف بأبوته
والتقرب من الشاب لكنه يكتشف في النهاية أن اعلان السر سوف يؤدي
إلى تحطم الشاب رمز المستقبل وان علينا في وقت ما أن نتجاهل اخطاء
الماضي ومعطاياته الشاذة من أجل أن يستقيم سير المستقبل بشكل سوي
لأنه ليست كل خطايا الأباء يجب أن يدفع ثمنها الأبناء.
ان روكسانا هي صورة عن رومانيا الحديثة- وربما اوروبا الشرقية
كلها- بعد تفكك المعسكر الشيوعي والرغبة في أن يصبح الماضي بعيدا
بحق ولا يعود المجتمع مهوسا به للدرجة التي تفتت الأمل في أن يحصل
المستقبل على تحققه الواجب.
أيكا وناتيا
في المشهد الأول من فيلم in bloom /عنفوان
الشباب نطالع ايكا الفتاة الجورجية ذات الأربعة عشر ربيعا وهي تركب
حافلة في طريقها إلى البيت وفي المشهد الاخير تركب ايكا نفس
الحافلة للذهاب إلى السجن لكي ترى والدها المعتقل هناك، ولكن شتان
ما بين ايكا التي نزلت من الحافلة في البداية وايكا التي نزلت منها
في نهاية الفيلم لقد تغيرت كليا بعد أن صارت شاهدة عيان للكثير من
الأزمات التي تبدو اكثر مما يحتمل وجدانها الغض.
في المشهد الثاني من الفيلم تذهب ايكا لشراء الخبز الذي يتكاثر
عليه الجميع فيما يشير بشكل صريح إلى ازمة اقتصادية طاحنة تمر بها
البلاد في هذا الوقت وتحديدا ديسمبر 1992 عقب انهيار الأتحاد
السوفيتي وتفكك الجمهوريات واشتعال فتيل الحرب الاهلية في دول
اوروبا الشرقية والبلقان.
مشهد واحد للمخبز في البداية يشير لنا إلى الوضع الأقتصادي للبلاد
والحالة العامة التي اصبح عليها الشعب من تبلد ولامبالاة لأن البحث
عن لقمة العيش معناه ان اشياء كثيرة وانسانية يتم هرسها دون
اكتراث(لأن وجع القلب ولا وجع البطن)على حد قول المثل العربي.
وفي الثلث الأخير من الفيلم نطالع مشهد أخر للمخبز بنفس الزحام
ولكن يأتي اثنان من الجنود يجتازون الصفوف ويحصلون على نصيب كبير
من الخبز دون احترام للصف أو العجائز والامهات الذين يقفون فيه
ويصمت البعض ويعترض أخرين ولكن اللقطة تكون قد ادت غرضها، انه
الجيش الحاكم ولا أحد يستطيع ان يعترض عليه فالحرب الاهلية دائرة
في اقليم ابخازيا وخزائن السوفيت نضبت ولم تعد موسكو تحكم بل
العسكر.
هاذين المشهد تحديدا للمخبز هما ما يحددان مبرر الامبالاة والبرود
والضعف الذي يواجه بهم أهل المدينة عملية اختطاف ناتيا صديقة ايكا
من امام المخبز من قبل أحد جيرانها الذي يريد أن يتزوجها بالقوة.
لا أحد يتحرك أو يحرك ساكنا بينما الكادر الواسع يشير إلى وجود
المخبز والطوابير طوال الوقت شاهدة على عملية الأختطاف ولكن لا أحد
يريد أن يترك مكانه في الطابور لانقاذ الفتاة، تمام كما نرى في
مشاهد مطاردة زوج ناتيا كوبو-وهو نفسه الذي اختطفها ليتزوجها
بالقوة- لشاب أخر يعلم جيدا أنه حبيب ناتيا زوجته وانه استغل غيابه
في موسكو لكي يجبرها على الزواج منه.
ان لقطات المطاردة في الشوارع لا تنتهي بمجرد أن يختفي الحبيب
المطارد والمطاردون من شلة كوبو بل تستمر لثوان كي ترينا كي أن
الجميع يبدو غير مبال ولا مهتم بما يحدث فالكل في حاله مهموم
بمشاكله ومستقبله الغامض.
بل أن ايكا عندما تصرخ في طابور الخبز وتشتم اكل من يقف فيه لأن
أحدهم لم يتحرك لكي ينقذ ناتيا من الاختطاف يهبط أحد الرجال ويقوم
بلكمها كي تصمت فلا أحد يريد أن يذكره الأخرون بوضعه البائس
وانعدام النخوة والانسانية لديه حتى يصبح مكانه في طابور الخبز اهم
من انقاذ فتاة صغيرة تستنجد بهم.
سيرة الأب الغائب
كتب الفيلم السيناريست الشابة نانا ايكفيتميشفيلي وأخرجته بالتعاون
مع المخرج الشاب سيمون غروس واشترك الأثنان في إنتاجه، ومن هنا
نستطيع أن نتبين لماذا يبدو ثمة اتساق عضوي وبنائي كامل ما بين
الصورة والدراما، صحيح أن اي عمل جيد يحتاج بشكل بديهي إلى هذا
الأتساق ولكن ثمة حالة ايقاعية وبصرية استطاعت الدراما أن تفرزها
في هذه التجربة المؤثرة رغم اعتمادها على تيمات ميلودرامية واضحة
ومعروفة ولكنها معالجة ايقاعيا بشكل يجبر المتلقي على تأمل
الشخصيات والتفاصيل والأحداث بما يراكم بداخله فهما شعوريا لما
يحدث حتى ولو لم يكن على دراية بتاريخ جورجيا في ذلك الوقت.
أن ايكا تعاني من غياب الأب على المستوى المعنوي والشعوري فأمها
تعمل ليل نهار كموظفة واختها مراهقة تافهة تحادث الشباب في الهاتف
وتقضي وقتها في تدخين السجائر ولكن ايكا هي وحدها التي تستشعر أن
ثمة فراغ مادي ووجداني ضخم خلفه غياب الأب حتى انها تتسلل إلى حجرة
امها وتخرج صندوق الذكريات الصغير الذي يحتوي على بقاياه حيث
رسائله التي كتبها من السجن وعلبة السجائر التي تركها قبل القبض
عليه وبها سيجارة واحدة فقط.
فيما بعد وخلال تتابع الأحداث سوف تعرف امها بأمر هذا التسلل وسوف
تعطي ايكا عنوان مراسلات ابيها في السجن ثم ستطلب منها في مشهد أخر
ان تذهب معهم لزيارته ولكن ايكا سوف ترفض مراسلة الأب او زيارته
فهل هذا موقف متناقض؟
الاجابة هي لا بالطبع بل هو تأكيد درامي وفكري كامل على رغبة ايكا
أن يكون الأب موجود معنويا وشعوريا وليس ماديا فقط في مكان ما، فهي
في تلك المرحلة من حياتها ومع كل ما تعانيه من وحدة ومشاعر حائرة
واسئلة حياتيه كثيرة تحتاج إلى الأب كي يوجهها ويشير لها على
الطريق أو على الأقل يبرز لها العلامات التي يمكن أن تسير عليها في
هذه الحياة.
الأب هنا هو القائد الغائب، هو الموجة، بل أننا لوهلة نشعر أننا
امام حالة نوستالجيا تخص الحنين إلى ايام الأتحاد السوفيتي الذي
انهارت الجمهوريات من بعده، وصار وضعها الأقتصادي والسياسي في فوضى
عارمة.
ولكن في الحقيقة فأن سياق الاحداث لا يبقى على سيرة أب واحد فقط بل
أننا نرى أكثر من أب خلال التفاصيل الدرامية، فوالد ناتيا في
المقابل شخص سكير لا يكف عن الشجار مع أمها، بل أن مشاهد شقة ناتيا
الصغيرة والتي نتعرف من خلالها على اسرتها تأتي من خلال لقطات
طويلة مصورة بأسلوب اللقطة الواحدة"وان شوت" بينما الكاميرا ثابتة
على ناتيا في حين ينفجر الحيز الضيق للشقة بشجار الأب والأم الذي
ينتهي دائما بتكسير اشياء من الشقة وخروج الاب لاعنا كل شئ.
أن تركيز المخرجين على ناتيا في كادر قصير طوليا أي في حجمها وهي
جالسة وتثبيت الكاميرا عليها مع صمتها ومحاولاتها أن تأكل دون ان
تكترث لما يحدث حولها هو من اهم مشاهد الفيلم التي تعكس مدى التفكك
الأسري الذي تعيشه ومدى الأنهيار الانساني الذي اصبحت عليه اسرتها
الصغيرة كواقع وحاضر لعين سوف يدفعها بلا شك إلى قبول الزواج مرغمة
من كوبو الذي اختطفها رغم حبها لجارها الوسيم الذي يسافر للعمل
والدراسة في موسكو.
مرة أخرى تبدو موسكو بكل ما تمثلة من مجد السوفيت وحكمهم هي الحاضر
الغائب تماما كالأب المسجون لأيكا وكحبيب ناديا المسافر هناك.
بل أن والد كوبو زوج ناديا نفسه يبدو أحد وجوه الأب الغائب ايضا
فهو شخص قليل الحيلة لا يستطيع أن يواجه المشاكل ما بين كنته
وزوجته، وفي مشهد يعتبر مكملا لمشهد شجار والدا ناتيا في منزلها
يعاد نفس السياق بين حماها وحماتها بنفس اللقطة الطويلة والكادر
القصير والتركيز عليها في منتصف اللقطة بينما نسمع من خارج الكادر
اصوات الشجار وكأنها انتقلت من جحيم لجحيم فالحل لم يكن في زواج
مبكر وترك للدراسة استجابة لقهر ذكوري أو هروبا من فشل عائلي.
أن الفيلم في مستوى من مستوياته الدرامية والبصرية يعتمد بشكل كلي
على لعبة التقابلات ما بين مشهد وأخر ولكن في سياق ناضج لا يتبع
المشاهد ببعضها ولكنه يصنع لها نفس الشخصية البصرية والأيقاعية
بأستخدام نفس الزوايا والأحجام وطول اللقطات من أجل أن يذكرنا في
كل مشهد بمشهد أخر ليصنع كلاهما التقابل الدرامي المطلوب من أجل
تأكيد المعنى وابرازه.
رقصة الحرية
في كل مشاهد ايكا نراها لا تضحك او تبتسم، في اللقطات القريبة يبدو
الصراع فائرا في عينيها الصامتتين، وجهها الشمعي الرقيق يخفي خلفه
كل حيرة الحياة والبحث عن الذات والمستقبل الغامض، ولكنها في حفل
زفاق ناتيا على كوبو تقرر أن تقهر كل الخوف والخجل والألم والحيرة
الذي يعشش بداخلها، لقد رأت ناتيا وهي تخطف من امامها وتوافق على
زوج لا تحبه لأنها استسلمت، وفي الحقيقة فأن كل من ناتيا وإيكا
يبدوان من خلال اغلب المشاهد التي تجمعهم خاصة في نزهاتهم الخاصة
أو في ذهابهم وايابهم من المدرسة أقرب لشخص واحد أي انهم شخصية
درامية ذات وجهين كل منهم تمثل جانبا من شريحة الشباب الذي شب في
ظروف سياسية واجتماعية مغايرة عن الأجيال التي سبقته وهو تقريبا
نفس جيل مخرجا الفيلم.
ولكن في لحظة ما بينما تستلم ناتيا للزواج القهري من كوبو تقرر
ايكا الانفصال عنها والتحرر من كل ألم وخوف، وفي الماستر سين
الأساسي بالفيلم وعبر وان شوت طويل ترقص ايكا رقصة شعبية جورجية
كاسرة كل حواجز الخجل وكأنها رقصة الحرية التي تسعى عليها بعيدا عن
مقدرات واقع كئيب ومحبط والأمل في أن يكون لها مستقبل أفضل مع شاب
تحبه وفي سياق أجتماعي واسري مختلف عما عاشته في مراهقتها الخائبة.
هذه الرقصة الجميلة سوف تساعد ايكا فيما بعد في منع ناتيا من قتل
زوجها بعد أن يقوم هو شلته بقتل حبيبها بلا ذنب اللهم الا الغيرة
بنفس المسدس الذي اعطاه اياه الحبيب قبل السفر إلى موسكو كي تدافع
به عن نفسها في ظل ظروف الحرب الأهلية القاسية.
لقد تحررت ايكا من الخوف والان جاء دورها كي تحرر نصفها الأخر
ناتيا من القهر والغضب، فأمامهم مستقبل افضل لن يكتمل لو انها قتلت
زوجها الان انتقاما منه.
في المشهد قبل الأخير تذهب ايكا وناتيا إلى البحيرة حيث اعتادا ان
ينفقا الوقت سويا وهو المكان الذي اعطت فيه ناتيا لأيكا المسدس
لاول مرة كي تدافع به عن نفسها ضد الطفلين المتشردين اللذان
يتحرشان بها، ولكنهم هذه المرة يلقيان المسدس إلى غير رجعة ويسيران
متلاصقتين ككائن واحد برأسين نحو مستقبلهم المتمثل في غابة كثيفة
مجهولة لكن بداخلها طريق طويل يمثل مستقبلهم القادم.
وفي المشهد الاخير حيث تنزل ايكا من الاتوبيس نكتشف أنها قررت
اخيرا الذهاب للقاء الأب في السجن دون أن نراه ولكننا نرى على
ملامحها الصغيرة هدوءا كاملا وكأنها استقرت اخيرا على محطة نفسية
ومعنوية تكفل لها قدر كبير من الثقة والأيمان بذاتها دون الحاجة
إلى احد لقد قررت اخيرا الأعتراف بالوجود المادي لأبيها في السجن
لان التجربة انضجتها معنويا واشعرتها انها قادرة على الأعتماد على
نفسها وعلى مواجهة واقعها دون حيرة أو خوف لقد عرفت ما تريده
وبالتالي لم يعد يؤرقها غياب الأب أو وجوده في السجن ولم تعد في
حاجة لتدخين السيجارة الوحيدة التي تركها كما فعلت اختها كي تعرف
معنى القرب منه لقد حررتها رقصة الحرية وجعلتها قادرة على الفعل
وهو ما كانت تحتاجه طوال الوقت دون ان تدري.
الجزيرة الوثائقية في
|