فيلم مفعم بالمشاعر تلتقي فيه أم وابنها مع «مطلوب
للعدالة»
«يوم
العمال».. حب ضدّ القانــــون
علا الشيخ - دبي
تخبّط في المشاعر، ورومانسية تتحدى القانون، وإيقاع يلزمه ضبط، في
حكاية بطلها امرأة من خلال فيلم «يوم العمال» لمخرجه جايسون ريتمان،
الذي اعتاد جمهوره متابعة أفلامه الكوميدية. لكن المخرج يغير مساره
هذه المرة في تحويل رواية حملت الاسم نفسه للكاتبة جويس ماينارد،
وأصر على أن تكون بطلتها كيت وينسليت التي وقف أمامها جوش برولين
والطفل جايكين جريفن. ويعرض الفيلم حالياً في دور السينما المحلية
بعد جولة على المهرجانات السينمائية العالمية، آخرها مهرجان دبي
السينمائي في دورته العاشرة.
قصة الفيلم التي تحدث في أواخر الثمانينات مبنية على ثلاث شخصيات،
الأم المطلقة أديل التي تعيش مع ابنها هنري، ليحرك سكون إيقاع
حياتهما فرانك الفار من العدالة. ومع هؤلاء الثلاثة يعيش المشاهد
لحظات مليئة بالعاطفة والمغامرة، خصوصاً عندما نرى الأم وابنها
مضطرين لاستضافة رجل تبحث عنه الشرطة محكوم عليه بسبب قتل زوجته.
هذا الذي تعرفه الأم من نشرات الأخبار، قبل أن يبدأ فرانك رواية
حكايته البعيدة عن حكم القضاء وقضبان السجن.
استسلام
التخبط في المشاعر لا يعتري بطلة الفيلم في شخصية (أديل) فحسب، بل
يعتري المشاهد أيضاً خصوصاً في ما يتعلق بحكاية فرانك، ويضع
تساؤلاً أمامه: هل من الممكن أن نتعاطف مع مجرم بنظر القانون؟
فيتحول التساؤل الى شك يظل موجوداً طوال أحداث الفيلم، يظهر عبر
لغة العيون تارة أو زلة لسان تارة أخرى، خصوصاً بعد أن يدرك
المشاهد أن أديل وابنها، الذي لا يشاهد والده سوى يوم الأحد، بدآ
التعلق عاطفياً بفرانك.
أحداث الفيلم بدأت من خلال لمحة عن علاقة أديل وابنها هنري اللذين
يعيشان في منطقة أشبه بالقرية من بساطتها، فسكانها يعرفون بعضهم
بعضاً. تتسوق حاجيات المنزل، هي هادئة لا تبتسم أبداً، والحزن
يملأها، وتتصرف بطريقة رسمية مع الآخرين. ومن دون مقدمات يظهر
فرانك الى جانب ابنها، تتوتر من هذا الغريب الذي يضع يديه على عنق
ابنها بطريقة إيحائية تفهمها الأم إذا ما لبت طلبه باستضافته في
بيتها. توافق بعدما فشلت في محاولتها لفت انتباه الموظفة على صندوق
المحاسبة إلى أن ثمة شيئاً يجري، وعندما يصلون المنزل أخيراً
ويفتحون التلفاز، فيدركون أن في بيتهم مجرم.اً
مصالح
لم يحتج فرانك جهداً لإقناع أديل بالبقاء، وعدم تصديق رواية
الاخبار، ما يربك المشاهد، فهي لم تتخوف ولو ادعت ذلك، لكن شيئاً
ما في قلبها يسيّرها، هو الحب من النظرة الأولى ربما، او الحاجة
الى رجل في هذا المنزل الآيل للسقوط بسبب اكتئابها الشديد وعزلتها
عن المحيط بعد طلاقها. تنتشر الأخبار بهروب رجل من السجن في
المنطقة، ويشعر الجميع بالخوف، وتنتشر دوريات الشرطة، فيضطر فرانك
لتقييد أديل بعد أن يؤكد لها أن هذا لمصلحتها أمام الشرطة كي لا
يتهموها بإخفاء مطلوب للعدالة. والابن هنري يشهد على كل هذا،
ويتواطأ هو الآخر في حماية فرانك لأسباب خاصة به، فهو يريد رجلاً
بالغاً في حياته يستشيره في أمور يعجز عن الحديث عنها مع والدته،
حتى لو كان هذا الرجل مجرماً.
ما يجمع الثلاثة في بداية الفيلم مصالح خاصة لا يعلنون عنها، لكن
تصرفاتهم تكشفها، فالأم بحاجة الى رجل يضمها، والابن بحاجة الى أب،
وفرانك يحتاج الى كليهما لأسباب تتضح عبر مجريات الفيلم. كل هذا
يحدث ليلة الجمعة، وقد وعد فرانك أديل أنه سيغادر شقتها مع أول
صافرة للقطار، بعد أن طبخ للعائلة وأطعمها بيده وهي مقيدة.
طبخ ورقص
صافرة القطار لم يصل صوتها إلى فرانك، تقول له أديل: «اليوم هو عيد
العمال، لا ضرر ببقائك اليوم أيضاً»، فيبدأ فرانك تصليح المنزل،
وتنظيفه، وتعليم هنري لعبة البايسبول. تراقب أديل فرانك وعلاقته مع
هنري، تجد ابنها يضحك ويلهو من كل قلبه. تحاول استفزاز فرانك ليظهر
شخصيته الحقيقية كمجرم مطلوب للعدالة، لكن تصرفاته تطغى على محاولة
الذهاب الى ذلك المنحى، فتنتهي اللعبة، ويدخلون الى المنزل.
يتجمدون من صوت قرع الباب، فيقوم فرانك بلف أديل من عنقها، ويأمر
هنري بفتح الباب، فيكون الجار وبين يديه دلو من فاكهة الدراق. ينصح
الجار هنري بألا يفتح الباب دون والدته، فثمة مجرم يحوم في
المنطقة. يستغرب رواية هنري أن والدته ليست موجودة، وعندما يشعر
هنري بارتباكه وتوجسه يقول له إنها في الحمام. هو خائف على فقدان
فرانك أكثر من خوف فرانك من العودة الى السجن.
وبمشهد عائلي، يتفحص فرانك الدراق، ولهذا المشهد أثره في بناء
شخصية هنري لاحقاً، حيث سيصبح طاهياً معروفاً بحلوى الدراق، ويرى
فرانك أن الدراق لن يدوم طويلاً، فيقرر تعليم الأم التي تعاني رجفة
في يدها وابنها طريقة صنع فطيرة الدراق. التفاصيل حاضرة في المطبخ،
والمكونات ايضاً، وطريقة تقطيع الدراق وصنع الفطيرة، ووضع العجين،
فيطلب من أديل أن تضع اللمسة النهائية، تخاف من رجفة يدها، لكن
فرانك يشجعها وتنجح أخيراً.
أديل التي تعزف على آلة تشيلو وتحب الرقص، أصبحت تخاف من وضع عجينة
لينة على فطيرة الدراق. ومع هذا المشهد، يظهر مشهد عائد الى
الماضي، يحار المشاهد هل هو خاص بأديل أم فرانك، لحبيبين بين
الخضرة، والموسيقى، والشغف، وولادة طفل، لذلك لن يدرك المشاهد من
هؤلاء العاشقين إلا في النهاية.
الإيقاع
خلال الأحداث المرتبطة بتفاصيل حياتية لأي منزل، وبعد أن أصبح
بليلة وضحاها فرانك جزءاً من حياة هنري وأديل، تدخل شخصيات عابرة
الى هذه الحياة، مثل جارة أديل، وهي أم لطفل معاق ذهنياً وحركياً،
ترجوها أن تعتني به لساعات بسبب مرض والدها. تحاول أديل التملص،
لكنها تخضع في الأخير، حتى هذا المعاق تعلق بفرانك، فقد علّمه
البايسبول هو الآخر. وعندما عاد مع والدته الى المنزل، تظهر صورة
لفرانك في التلفاز، فيحاول الطفل المعاق أن يربط بين صورة التلفاز
والرجل الذي لعب معه، يصيح باسمه، فيتلقى صفعة قوية من والدته التي
لم تفهم عليه واعتقدت أنه يستعجل خروجهما. مشهد مؤلم لا تفسير
لوجوده، والصفعة لطفل معاق كانت سيئة جداً، وعملت على خلل في توازن
القصة المليئة بالعاطفة.
يقترب فرانك من أديل، وتقترب هي منه، ويلاحظ هنري هذا القرب، ويغضّ
البصر عنه، لكن صديقته في المدرسة تحذره من أن والدته ستستغني عنه
اذا أحبت رجلاص آخر، فتبدأ المخاوف في قلبه، هي لا تعرف أن هذا
الرجل مطلوب للعدالة، فهي تتحدث عن أي رجل في العالم يدخل حياة أم
لديها أطفال، فقد استغنت عنها أمها مقابل رجل.
يحاول هنري النظر الى عيني أمه ليرى اذا تغيرت تجاهه أم لا، وقد
مضى على وجود فرانك ليلتين، وجاء يوم الأحد الذي يذهب هنري مع
والده وعائلته الجديدة.
كسر القيد
في غياب هنري يوم الأحد مع والده، يوجد فرانك وأديل في المنزل، ومع
رقصة الفالس وبعد أن كشفا لبعضهما بعضاً حكايتهما، تبدأ علاقة
المشاهد مع فرانك بالتحسن بل والتعاطف، ففرانك أحب فتاة وحملت منه
وتزوجها، واستغلت حبه لها وحبه للطفل، وكانت تتركه كثيراً، فشك
فيها ولاحقها حتى اكتشف أنها تهرب مع آخر. وعندما واجهها وسألها
عمّا اذا كان الطفل ابنه، استهزأت به، فدفعها وسقطت من الدرج
وماتت. وهو يحاول إيقاظها يلاحظ تسرب ماء من السقف، فيصعد خائفاً
الى الأعلى، وإلى الحمام تحديداً، ليدرك المشاهد دون لقطة مباشرة
أن الطفل قد مات غرقاً، والمشهد المعتمد على الاسترجاع الزمني كان
خاصاً به وبحكايته. لم يحاول فرانك الدفاع عن نفسه أمام المحكمة،
بل أراد أن يعاقب نفسه عن إهماله غير المقصود، لكنه سئم السجن، أما
أديل فيدرك المشاهد أنها مسجونة هي الأخرى لكن دون قضبان، فهي وبعد
ولادتها لهنري وكأي امرأة قروية حاولت الانجاب مرات عديدة وفشلت.
تقول: «عندما لم أعد منح رحمي الحياة مرة أخرى قررت العزلة، ولم
أستطع تقديم الحب الى زوجي، فذهب الى أخرى وكوّن معها رحماً
جديداً». هي رومانسية جداً، لم تحتمل فكرة خلوّ بيتها من ضجيج
الأطفال متصاحبين مع إيقاعاتها على تشيلو، حلمت بحياة كاملة لم
تعشها.
فقررا أن يكسرا معاً القيود التي ربطت أيديهما عن الحياة، عن طريق
الهرب الى كندا مع ابنها هنري.
العودة والانتظار
بعد عودة هنري إلى المنزل يفاجأ بقرار الرحيل الى كندا، يسعد أن
والدته جمعته معهما، وهو الخائف من فكرة استغنائها، يبدأون بتوضيب
حاجاتهم الرئيسة في صناديق. خلال هذا أحداث كثيرة تقع، ويشك
الجيران في وجود شيء مريب في منزل أديل، بدءاً من محاولتها سحب كل
رصيدها من البنك، مروراً بدخول الجارة والدة الطفل المعاق فجأة الى
منزل أديل ورؤيتها لفرانك وهو يصلح الإضاءة، وليس انتهاءً برسالة
هنري الى والده الذي يخبره فيها أنهم سيرحلون، والشرطي الذي وجده
يسير وحيداً في أول يوم دراسي له، والمفترض أن يكون في المدرسة. لا
يعرف المشاهد من الذي أبلغ عن وجود فرانك، لكن المهم أن أربعة أيام
كانت كفيلة بخلق رابط متين، بين فرانك وأديل، قيّدها مرة أخرى،
وسلّم نفسه الى الشرطة. وبعد مضي 10 سنوات، لم يردّ فرانك على
رسائل أديل التي عادت الى عزلتها وسجنها الذي اختارته، وتنازلت عن
الوصاية لوالد هنري، لأنها لم تعد قادرة على العطاء، ورغبة هنري
الدائمة في منح والدته السعادة. تصل رسالة الى هنري من فرانك الذي
قال له فيها إنه قرأ خبراً في مجلة أن فطيرة الدراق التي يصنعها
أخذت جوائز عديدة، ويؤكد له خروجه من السجن قريباً، على أمل قضاء
نهاية الاسبوع سوياً، كما كانا يحلمان، فيرد هنري على فرانك بعنوان
منزل والدته التي لم تبارحه، أملاً في هروب فرانك مرة أخرى، لكنه
عاد اليها هذه المرة حراً.
لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجي
الضغط علي هذا الرابط.
الإمارات اليوم في
|