تمتلك "مرجانه ساترابي"، المخرجة الفرنسية الإيرانية الأصل، حساً
بالدعابة جذاباً بشكل طبيعي وجافاً على نحو فنتازي ، لذا فهي تبدو
حاوية لمجموعة من الحساسيات والرؤية الفنية الكافية الصنع فيلم مثل
"الأصوات
The voices"
من تمثيل "رايان رينولدز" في أحد أفضل الأدوار التي أداها حتى
الآن. يدور هذا الفيلم الكوميدي المرعب، الذي عرض لأول مرة ولفت
الانتباه له في مهرجان صندانس الأخير، حول رجل مشوّش تشجعه قطته
على ارتكاب الأمور الشريرة على الرغم من رفض كلبه.
تبلغ هذه المخرجة ،التي ترشحت سابقاً لجائزة الأوسكار عن فيلمها "برسيبولس"
، القمم الجديدة بتحريها المؤسلب والقاسي الجدير بالتوقير للمرض
العقلي.إن فيلم "الأصوات" هو معالجة نادرة ومبهجة سيتمتع بها
أولئك الذين يستطيعون أن يتذوقوا ويتحملوا انتقالاته النغمية
المتزنة وصنعته الفريدة.
·
*منذ
فيلميكِ السابقين "برسيبولس" و"دجاج بالبرقوق" المعدين عن روايتيك
المصورتين كان لديك ارتباط أكثر بالمادة فما مدى صعوبة تطوير فيلم
كتبه شخص آخر؟
-هذا
سؤال جيد حقاً. أساساً أنا لم أفكر أبداً أني سأصنع قصة شخص آخر
لأني لديّ عالمي وقصصي الخاصة. مرة من المرات أرسلوا لي السيناريو
وأغلبهم أشعروني بما أني امرأة فلا بدّ من أن أهتم بالقصص التي
تتعلق بالنساء- مثل حقائب اليد (تضحك). لكن فجأة جاء هذا السيناريو
(فيلم "الأصوات") وبينما كنت أقرأه وجدته في غاية الغرابة والهزل
وفي الوقت نفسه فكرت مع نفسي:" إن هذا هو أفضل وصف للشيزوفرينيا
قرأتها حتى الآن". أعرف ناس مصابين بالانفصام العقلي وقد عرفت
اثنين منهم وبالطبع هم يسمعون بالأمور التي لا تسمعها أنت ويرون
الأمور التي لا تراها، إنّ لديهم رؤى. انجذبت كثيراً للقصة ،
قرأتها في الليل وقلت:" يا إلهي هذه القصة في منتهى الإثارة" وفي
الصباح استيقظت وقلت: "إنها قصة مثيرة لا بدّ أن أحولها إلى فيلم".
وهكذا بدأ الفيلم.
تقرأ القصة وعليك أن تنقح السيناريو وعليك أن تعيد كتابة بعض
الأمور، كان الكاتب لطيفا حقا، لهذا كان تعاوننا صادقا. لكن في
المخطوطة لا يوجد وصف لكيفية جريان الأمور التي وردت في القصة
،لهذا عليك أن تتصورها، وأنا فهمتها بشكل كامل. حين أريد أن أصنع
فيلماً أقفل على نفسي في الحمام لأنّ هناك مرآتين وقد مثلت الفيلم
كله حوالي 7 أو 8 مرات. بالنسبة لي أن المسألة تكمن في معرفة
إيقاع الفيلم كي أحسّ به لكني أشبه مريضاَ نفسياً يفعل ذلك، وحمداً
لله لا أحد يراني. أنك لتفعل ذلك عدة مرات فتصبح القصة ملكك ولا
توجد طريقة أخرى لتجسيدها. إني أضع كل قلبي وعقلي وحساسيتي حتى لو
كانت القصة ليست لي لأنه في اللحظة التي أفهمها وأتصورها تصبح
القصة ملكاً لي.
·
*فيلم
"الأصوات" هو أول أفلامك الناطق باللغة الإنكليزية وهو في منتهى
"الأمركة" بمعنى ما. ما مدى صعوبة هذا التحول؟
-إن
التحول الأكبر هو أنّ المخرج في أوروبا يمتلك القطع الأخير، ولا
جدال، فذلك هو القانون. لدينا القطع الأخير؛ إنه ينتمي لنا، وهو في
اعتقادي أمر جميل جداً لأني لا أعرف، إضافة إلى المخرج، من الذي
يستطيع أن يعرف القرار الذي يجب اتخاذه. لكن في أوروبا، بما أن
المخرجين لديهم القطع الأخير لا يناقشونه مع الآخرين، ومناقشة
الأفكار أمر جيد. يتطلب الأمر أن يكون ثمة نظام لأنه أحياناً تكون
منهمكاً جداً بمشروعك بحيث تحتاج إلى شخص ما من الخارج لكي يشاهده
ويخبرك إن كان ثمة شيء خطأ فيه. إن الأمر صعب نوعاً ما لأني عليّ
أن أتحدث إلى الجميع في كل الوقت وأوضح كل شيء وأبرر الأمور التي
أعرف أنها يجب أن تكون بطريقة محددة. وبعد شهر من الشروح
والتفسيرات قالوا لي": أنتِ على حق" وقلت:" أنا أعرف ذلك!".
هذا أمر صعب لكن في الوقت نفسه، وحين تصنع فيلماً ناطقاً
بالإنكليزية، يكون لديك مشاهدون كثيرون فيكون أقرب إلى العالمية
وهذه حقيقة منذ أن أصبحت الإنكليزية لغة عالمية. إنها تجربة عظيمة
على أية حال.
·
*بما
أنك مولودة في إيران وعشت أغلب حياتك في فرنسا فأنت ِتُعدّين مخرجة
أجنبية تصنع فيلماً أميركياً. فكيف أثرت السينما الأمريكية بصنعتك؟
-
كنت محظوظة بالعيش مع أب عاشق للسينما. كان يأخذني لأرى أفلاماً
مثل "صائد الغزلان" ثم أذهب وأرى فيلماً لبرغمان. حين أتذكر أني
كنت طفلة وبأن فيلم "صائد الغزلان" لم يكن في الواقع للأطفال(
تضحك) يأخذني لأرى فيلماً كارتونياً من شركة وولت دزني. لهذا رأيت
الكثير من الأفلام لمخرجين مثل "جون فورد" و"جون هيوستن". نشأت مع
أفلام أمريكية لكن أيضا مع أوروبية و أنواع أخرى من الأفلام.
سأخبرك بشيء لا أحد سيصدقه، لقد رأيت فيلم "الساموراي السبعة"
لكوروساوا 300 مرة. في البداية كان لدى أبي وأمي على الفيديو
ويومياً حين أرجع من المدرسة وفي كل يوم أشاهده بكامله 3 ساعات و30
دقيقة. كانت أمي تسأل:" ألم تضجري من هذا الفيلم؟" لكني في كل مرة
أكتشف فيه شيئاً جديداً فأجيبها:" كلا!" كان لديّ علاقة مهووسة
ببعض الأفلام ،إذ أنني أشاهدها مراراً وتكراراً. إني أحبها حباً
جماً ولا أستطيع التوقف عن مشاهدتها.
·
*فيلم
"الأصوات" ذو نغمة معقدة. كيف خلقتِ التوازن ما بين الرعب والدم
والدعابة كي تصنعي شيئاً شعرت ِ بأنه صحيح بالنسبة لكِ و مرتبط مع
المشاهدين؟
-
تلك هي مسألة الاتزان. أعرف مثلاً أني كنت أكره رؤية شيء وهو يتوغل
في اللحم، إنه يزعجني حقاً ويجعلني خارج الفيلم. هنا، لم أظهر ماذا
يجري تقطيعه، وأنت لن ترى المدية وهي تتوغل. أعتقد بأن خيال البشر
أسوأ بكثير من الواقع. ويشبه الأمر شخصية "فريدي كروغر" (شخصية رعب
خيالية في سلسلة أفلام
Nightmare on Elm Street "
لقد أظهروه كثيراً ،إذ أنك في نهاية الفيلم تقول:"اللعنة على فريدي
كروغر" (تضحك). إذا لم يظهروا فريدي أبداً فإنك ستكون أكثر رعباً
من أن تراه خمسين مرة. أنه أصبح مثل الدمية. "اللعنة عليك فريدي
كروغر اذهب ونم في غرفتك الخاصة".
·
بعد هذه التجربة هل ترغبين في الاستمرار في صنع الأفلام بالولايات
المتحدة أم ترجعين إلى فرنسا وتصنعين فيلمك اللاحق هناك؟
في الواقع لا أدري. لقد أنهيت الفيلم تواً قبل وقت قريب من بدء
المهرجان. انتهينا وجلبنا معنا الحزمة السينمائية الرقمية
(DCP)
وأتينا هنا. كان عليّ القدوم ومعي تلك الحزمة والآن لا بد أن آخذ
قسطاً من الراحة فالحياة مليئة بالمفاجآت وأنا لست الشخص الذي يخطط
كل شيء في حياتي. أنا مجرد هنا وأنتظر. ربما أحصل على سيناريو أريد
أن أكتبه بنفسي أو ربما قصة عظيمة ستأتي مرة أخرى وسأقول:" ليس
بإمكاني أن لا أصنعها".
في الوقت نفسه أنه لشيء جميل أن تعمل على سيناريو كتبه شخص آخر لأن
لديك مدىً أوسع بالنسبة للقصة فحينما تقرأها تعلم ما هي الأمور
المعيبة. إذا ما كتبتها تعتقد أن كل شيء مناسب ففي اعتقادك أن كل
شيء يخلق منطقاً فإنه ينجح. لكن إن كانت ليست لك فإنك تستطيع أن
ترى ما الذي لا ينجح مباشرة والكاتب لا يستطيع أن يرى ذلك.
حين كنت أشتغل في المونتاج كنت أحتاج إلى وجهة نظر الآخرين. نقحت
العمل أربع مرات. أنقح ثم أترك الفيلم لمدة أسبوعين ثم أنقحه مرة
أخرى. في كل مرة ترى شيئاً لمدة طويلة تقتنع بأنه نجح ثم تتخذ
مسافة وتنظر إليه مرة أخرى وتدرك قائلاً:" إنه غير ناجح" فأنا لا
أهوى الأفلام الطويلة جداً. اليوم أغلب الأفلام طويلة وأفكر
قائلة:" قطع لعينَ" إن بعض الأفلام مثل "سيكون هناك دم" بالطبع كان
يجب أن تكون أكثر من ساعتين ،فالقصة تحتاج لذلك ،لكن هناك العديد
من الأفلام تجعلني أشعر بالقول:" هيا، استمر!".
المدى العراقية في
|