«أنت قد تكون ويليام ماني من ميسوري. قاتل نساء وأطفال».
«هذا صحيح. قتلت نساء وأطفالا. قتلت كل من مشى أو زحف في أزمنة
عدة. وأنا هنا لأقتلك، ليتل بِـل، لما فعلته بـند».
العبارة الأولى قالها جين هاكمن، في دور الشريف ليتل بِـل، وهو
يواجه أخيرا نهاية حتمية. إنه في مواجهة بندقية مصوّبة إليه وإلى
سواه. الثانية قالها حامل البندقية، كلينت إيستوود، الذي جاء
لينتقم لمقتل صديقه الأسود مورغن فريمن على يدي الشريف ليتل بِـل.
أما الفيلم فهو «غير المسامَـح» الذي أخرجه، وقام ببطولته كلينت
إيستوود سنة 1992. كان هذا آخر وسترن قام إيستوود بإخراجه وبطولته.
بعد ذلك هو مخرج وممثل دراميات اجتماعية («غران تورينو») وعاطفية
(«جسور مقاطعة ماديسون») وفي أفلام بوليسية («جريمة حقيقية»، «ميستيك
ريفر») ومخرج لأفلام حربية («رايات آبائنا») وسير ذاتية («إنفيكتوس»،
«ج. إدغار»).
في العام الماضي أنجز المخرج الياباني سانغ - إل لي نسخته من ذلك
الفيلم الأميركي تحت العنوان ذاته من بطولة للممثل المعروف كن
واتانابي لجانب شيوري كوتسونا وكويشي ساتو.
في العام ذاته بدأ المخرج الأميركي سبايك لي تصوير «أولدبوي» الذي
سبق للكوري بارك تشان - ووك أن أنجزه قبل عشر سنوات كاملة.
إنه نزوح متبادل بين السينما الأميركية وسواها. اقتباس من الطرف
الآخر محوره أربعة أفلام، كل اثنين منها عبارة عن حكاية واحدة جرى
تحويلها إلى عمل محلّـي. ليس المرّة الأولى التي يتم فيها اقتباس
أميركي من فيلم آسيوي أو العكس، لكن من المثير للاهتمام ملاحظة ما
يثيره ذلك النزوح من علامات وكيف تم إنجاز كل اقتباس على حدة وما
يمكن لنا أن نقارنه بين الأصل والنسخة الأخرى، وعما إذا كان الأصل
هو الأفضل بالضرورة وإذا كان فلماذا؟
* مضمون إنساني صور كلينت إيستوود «غير المسامَـح» عن سيناريو كتبه
ديفيد وَب بيبلز خصيصا للسينما. بيبلز كان مونتيرا لحين عمد إلى
الكتابة وأول مهمّـة ناجحة له كانت عندما قام، مع آخرين، باقتباس
رواية فيليب ك. دِك القصيرة «هل يحلم الأندرويدز بالحملان
الإلكترونية؟» إلى فيلم خيال - علمي قام ريدلي سكوت بإخراجه تحت
عنوان
Blade Runner
سنة 1982.
في صلب سيناريو بيبلز، محترف الغرب المسن ماني الذي كان ترك
المسدّس وقبل بحياة اجتماعية بسيطة لحد الفقر. في مطلع الفيلم يسقط
في خليط من الوحل والقاذورات في حظيرة خنازير في مزرعته الصغيرة
النائية. من بعيد يأتيه من يطلبه لكي يتسلّـح من جديد ويقوم
بمهمّـة قتل أخرى. في البداية يمتنع، ثم بالنظر إلى حاجته إلى
المال يترك المزرعة لولديه الصغيرين ويركب حصانه ويمضي. لا ريب أنه
كان نبذ العنف حين تزوّج وحافظ على عهده بعد أن ماتت زوجته. يقول:
«لم أعد كما كنت مطلقا. كلوديا جعلتني مستقيما. شفتني من الشرب وكل
شيء آخر» يقول معترفا. لكنه يبرر أيضا: «حقيقة أنني سأقوم بهذا
القتل، لا يعني أنني سأعود لما كنت عليه».
المهمّـة هي قتل راعي بقر اعتدى على عاهرة وشوّه وجهها عندما أعابت
عليه. ماني لا يكترث للسبب لكنه سبب سيربط لاحقا بين ما آل إليه.
العاهرة التي تعمل في «صالون» في البلدة يشرف عليها رجل القانون
القاسي وهو الذي يتعرّض لضرب مبرح لديهما ما يشكوان منه وهما
ينتظران تحقيق العدالة. لكن وحدتهما مرحلية. لا يستطيع ماني
الارتباط بها لأن ارتباطه الأول هو إصلاح ذلك النظام. خطوة سياسية
لم يكن إيستوود أقدم عليها في فيلم من إخراجه قبل ذلك.
فيلم إيستوود عمل رائع في ذاته ليس لناحية مضمونه الإنساني فقط، بل
لإخراجه وتمثيله ومعالجة الغرب بصورة واقعية والبطولة كوضع أسطوري
غير صحيح وهو مثلما فعل لاحقا في «رايات آبائنا» (2003) عندما أدان
الإعلام، وجّـه تلك الإدانة ممثلة بشخصية صحافي (شول روبينيك) الذي
يسعى لتخليد حكايات الغرب حتى ولو جعل من «شريف» مجرم بطلا
يُـحتذى. نسخة سانغ - إل لي، تتميّـز بالأمانة للأصل. معظم ما ورد
في الفيلم الأول وارد هنا مع بعض التحويرات التي لا تسبب أي تغيير
للعمل أو متنه. لكن في مقابل هذه الأمانة نجاح رائع في تحويل
المادّة إلى عمل مشبّـع بالثقافة اليابانية.
ما يساعد على ذلك هو أن سينما الغرب الأميركي، أو «الوسترن» تتشابه
مع سينما الساموراي والنسخة اليابانية من ذلك الفيلم الأميركي هي
فيلم ساموراي كامل. مثل الأصل يحتوي على أحزان الرجل المنفرد في
حياته ومصيره.
* عنف الفيلم الكوري «أولدبوي» مسألة مختلفة في التفاصيل. هذا في
الأساس واحد من أعنف الأفلام الكورية الجنوبية (وهناك ميل غير
مفهوم للعنف فيها) عن قصّـة للياياني غارون تشوشيا تم معالجتها في
رسومات مطبوعة («كوميكس») قبل أن تنتقل إلى السينما. مفادها رحلة
رجل مهووس بالانتقام. يبدأ الفيلم ببطله (من سيك تشوي) كفرد عادي
من الناس معروف بشربه الشديد. ذات يوم يفيق من نومه ليجد نفسه في
غرفة ذات جدران حمراء وبلا نوافذ. الباب موصد مع فتحة في أسفله
لإدخال الطعام إليه. ولخمس عشرة سنة لاحقة سيعيش داخل هذا السجن
أمام جهاز تلفزيون وبالقرب من مدوّنة. يتلقف خبر اتهامه بقتل
زوجته. هو مطلوب من العدالة فجأة لجريمة لا علاقة له بها وابنته
مختفية. السنوات الأولى كانت غاضبة. اللاحقة توقف فيها عن الشرب
والإحباط (حاول سابقا الانتحار) وأخذ يتدرّب على الجيدو. ثم فجأة
يتم الإفراج عنه. هنا يولد فيلم جديد. النصف الأول تحضير للنصف
الثاني عندما يدخل بطله السباق مع الوقت للكشف عمّـن سجنه كل تلك
السنين.
نسخة سبايك لي عن ذلك الفيلم (الذي نال سنة 2004 جائزة لجنة
التحكيم في مهرجان «كان») لا تختلف إلا في بعض التفاصيل (عشرون سنة
سجنا بدل خمس عشرة سنة). الأميركي جو (جوش برولين) رجل أعمال يكاد
ينجز صفقة ناجحة لكن حين تفشل يؤم الشرب حتى يهوى. يستيقظ في تلك
الغرفة التي تشبه غرف الفنادق ويبدأ مرحلة عيش تبدأ من عام 1993
وتنتهي بعد عشرين سنة. مثل البطل السابق، عليه أن يجد معتقله (في
ثلاثة أيام هذه المرّة) لينتقم منه وإلا انتقم منه عدوّه مرّة
أخرى.
مثل الفيلم السابق هو أيضا عنيف. سبايك لي حاول تمييزه، رغم ذلك
بأسلوب خاص، لكنه ليس الأسلوب الخاص الذي يمكن أن يبيع تذاكر أو
ينال جوائز. مثله أيضا، الدوافع تعود إلى حين كان بطل الفيلم
المعتدى عليه، وعدوّه المعتدي صغيرين في المدرسة والأول أقدم على
فعل ترك أثرا عميقا في نفس الثاني استوجب رغبته في الانتقام ما
ولّـد الرغبة في انتقام مضاد.
كلا الفيلمين لا يستطيع الارتقاء إلى مستوى الفيلمين السابقين
(«غير المسامَـح») بنسختيه لأن المفاد يفتقد إلى رسالة إنسانية
والأسلوب إلى معالجة شعرية. في الوقت ذاته، كل هذه الأفلام تطرح ما
تريد قوله في العمق الثقافي لكل حكاية وتلتقي عند مجتمع عنيف كان
وعنيفا سيبقى.
* رحلات متبادلة كما نقل المخرج الراحل جون ستيرجز «الساموراي
السبعة» لاكيرا كوروساوا (1954) إلى «السبعة الرائعون» (1960) ونقل
الإيطالي سيرجيو ليوني «حفنة من الدولارات» (1964) من فيلم «يوجيمبو»
لكوروساوا (1961) شهدت السينما رحلات متبادلة ولو أن الوارد من
الشرق أكثر من ذلك المصدّر إليها: «غير المدعو» (عن فيلم رعب كوري
سنة 2009)، «خاتم» (عن فيلم رعب ياباني سنة 2002) وفيلم مارتن
سكورسيزي «المغادر»
The Departed
المقتبس سنة 2006 عن فيلم بوليسي صيني تم تحقيقه في عام 2002 أيضا.
شاشة الناقد
لمعان في واقع «مسود»
الفيلم:
Dallas Buyers Club
إخراج: جان - مارك فالي تقييم الناقد:(4*)(من خمسة).
في أول فيلم أميركي له، يقوم المخرج الكندي جان - مارك فالي
باستخدام ماهر لبضعة عناصر متوفّرة بين يديه: موضوع عن الإيدز من
واقعة حقيقية وسيناريو يستحق، كما الفيلم، التحليق حول الأوسكار،
والممثل الذكي ماثيو ماكوهوني… وكل ذلك بميزانية لم تتجاوز الستة
ملايين دولار.
يؤدي شخصية رون وودروف: من لاعبي الروديو (ركوب الخيول الجانحة في
ميادين مخصصة) شبه الماهرين. كل شيء في شخصيّـته عادي ومنتشر وغير
مميّـز بما في ذلك إقباله على النساء والكوكايين ونبذه للشاذين. في
أحد الأيام يسقط أرضا ويُـنقل إلى المستشفى حيث يواجهه الطبيب بأنه
مريض بالإيدز. الأحداث تقع سنة 1985 ويومها كان المنتشر هو أن هذا
الداء لا ينتقل إلا بممارسة جنسية مثلية. الطبيب يخبره أن لديه
شهرا إلى ثلاثة ليعيش. وودروف يخرج محطّـما لكنه يحاول استعادة
عالمه. لن يتوقّـف عن استهلاك المخدرات ولن ينبذ حياة الفسق ولن
يغيّـر موقفه من أصحاب الميول المثلية حتى بعدما علم أن المرض وصل
إليه بوسيلة أخرى.
سيقوم رون بمحاولة توظيف مرضه والداء بأسره لمصالحه الخاصّة.
سيتّجه إلى بلدة مكسيكية قريبة من الحدود حيث يُـباع عقار
AZT
الممنوع تداوله في أميركا. يفتتح لنفسه عيادة غير رسمية يبيع فيها
الدواء (الذي برهن عن فاعليّته) للمصابين ويستخدم منه أيضا.
ماكوهوني موجود في معظم مشاهد الفيلم. إنه لولبه. لن يتحرّك الفيلم
من دونه ولو تم استبداله لتحرّك على نحو مختلف. إنه مثالي في
الدور. تصدّقه في كل لحظة. وإخراج فالي (الذي سبق له وأن طرح في
أفلامه الكندية القليلة مواضيع حول معاناة فردية) يعلم ذلك. يمنح
الممثل (الذي خسر أكثر من 20 كيلوغراما (وهو النحيف أصلا) كل دعم
من ميكانيكية الفيلم ومعالجته. يمنحه تلك المشاهد الصامتة التي تصل
فيه صرخته إلى الحناجر، وتلك المشاهد التي يتحدّى فيها العالم
والمرض والظروف وتلك التي تصوّره وهو يعترف بعجزه.
«دالاس بايرز كلوب» ليس بحاجة لتقديم موعظة ولا للتحلّي برسالة
أخلاقية، لكنه على عكس «ذئب وول ستريت» (الذي لعب فيه كرستيان بايل
شخصية لا تقل شراهة في الجنس وفي استهلاك المخدرات) لا يحتفي بذلك
ويلمّـع صورته بل يمنحه لونا قاتما يبدأ بطله فيه لامعا وينتهي
داكنا وحزينا.
علاقة الفيلم بالشذوذ، أو المثلية، مستنتجة من علاقة بطله بها. رون
رجل معتد بذكوريّـته وميوله المستقيمة ولن يسمح لأحد أن يرتاب بهما.
يتخاصم مع خلان الأمس ويقبل على المزيد من العلاقات. وفي أحد
المشاهد يشتم المثليين. وهناك مشهد أول يجمعه مع مخنّـث (مدمن على
المخدرات أيضا ويؤديه جارد ليتو) ينضوي على كل «سياسة» رون بهؤلاء
الناس. وفي خلفية كل ذلك وعمقه، يواجه الفيلم عزوف مسؤولي إدارة
العقاقير والأدوية الفيدرالية الأميركية لمشكلة الإيدز وتأخرها في
السماح للمصابين باستخدام أحد الأدوية التي قد تحد من الانتشار ولو
أنها لا تقتل المرض. هناك غضب في الفيلم لكنه مثل خيوط تلتقي
لتنفجر في أداء ماكوهوني اللامع.
10-TOP
«روبوكوب»
حل ثالثا
* تابع: «فيلم ليغو» الكرتوني قيادته الأفلام العشرة الأولى في
السوق الأميركية برقم يزيد عن 62 مليون دولار في أسبوعه الثاني
جامعا حتى الآن 145 مليون دولار.
* هناك أربعة أفلام جديدة طُرحت هذا الأسبوع اثنان منها أنجزا
وجودا معتدلا واحتلا المركزين الثاني والثالث، وهما «حول الليلة
الماضية» و«روبوكوب». الأول اقترب من تسجيل 28 مليونا، والثاني
لازمه بنحو 25 مليون دولار، وكلاهما إعادة صنع لفيلمين سابقين من
فترة متقاربة (1986 و1987 على التوالي).
* الفيلمان الآخران سقطا وهما «حب بلا نهاية» (المركز الخامس)
و«حكاية شتوية» (المركز الثامن). بدوره لا يزال «مجمّد» الكرتوني
يحظى بإقبال دولي وقد سجل في كوريا الجنوبية رقما قياسيا كثاني
أعلى الأفلام غير الكورية نجاحا في التاريخ.
الأفلام 1 (4*)(1)
The Lego Movie: $62،
478،
466 2 (2*)(- ) About Last Night: $27،
838،
201 3 (2*)(- ) Robocop: $25،
061. 581 4 (2*)(2) The Monument Men: $17،
914. 123 5 (2*)(- ) Endless Love: $14،
407. 605 6 (2*)(3) Ride Along: $9. 828. 885 7 (2*)(- ) Winter›s
Tale: $8،
057،
133 8 (2*)(4) Frozen: $8،
007،
059 9 (2*)(6) Lone Survivor: $4،
650. 090 10 (2*)(5) The Awkward Moment: $3. 897،
985
سنوات السينما: 1941
مواطن لكل العصور
«مستر كاين، هل صحيح أن جريدتك تخسر مليون دولار كل عام».
«لست قلقا. أملك 70 مليون دولار، وإذا خسرت مليونا كل سنة فسأفلس
بعد سبعين سنة».
حكمة؟ قد يراها البعض كذلك، لكنها في الوقت نفسه واحدة من الكثير
من عبارات الحوار التي تنتقل إلينا اليوم بالتأثير ذاته يوم أقدم
إعلامي غير معروف اسمه أورسن وَلز على تحقيق فيلم بعنوان «المواطن
كاين» مبني على أحد أساطين الصحافة ويليام راندولف هيرست. ليس فقط
أن الفيلم كان الأفضل بين كل ما تم تحقيقه في عام 1941 الذي نبدأ
خوض أعماله المميّـزة، بل يعد ولا يزال أحد أفضل أفلام السينما في
تاريخها وسنرى الأسباب الداعية في الأسبوع المقبل.
المشهد
اللعب في المضمون
* بعد كتابة المادة النقدية حول فيلم «الميدان» في الأسبوع ما قبل
الماضي، وخلال مهرجان «كان»، حام الحديث حول الفيلم أكثر من مرّة
بيني وبين عدد من الزملاء. معظمهم معجب بالفيلم وكثير منهم معجب به
من دون تحفظ، على عكس الموقف الذي تبدى من نقدنا له. هذا ممتع
وصحّـي خصوصا بين أصدقاء تثق بهم ويثقون بك. لكن حين دار الحديث
حول الضمادة التي انتقلت من يد إلى يد ثم عادت إلى اليد الأولى،
وهي الملاحظة التي استهللت بها نقدي، احتد الخلاف.
* أحد الزملاء قال: إن هذا الخطأ لا يزعجه وإنه ليس مدعاة لتغيير
موقفه من الفيلم. وآخر قال لاغيا إنه مجرد خطأ في تسجيل التتابع
خلال التصوير. وهناك من ذكر أن الملاحظة ليست صحيحة وبالتالي ليس
هناك من خطأ.
* لكن الخطأ موجود (ولاحظه غيري)، كذلك لا يمكن تبسيط فحواه على
أساس أنه خطأ في التتابع فالفيلم ليس روائيا لكي يقع فيه هذا
الخطأ. في الفيلم الروائي قد يتم تصوير لقطة لامرأة وهي تقود سيارة
فنلاحظ أن أظافرها مدهونة بلون أحمر، بعد قليل وفي لقطة أخرى داخل
السيارة ومن دون فترة زمنية بعيدة، ها هي أظافرها مدهونة بلون
برتقالي مثلا. الممثل الأول بنظارة شمسية يتكلم. لقطة للآخر يجيبه.
لقطة للأول من دون نظارة. لقطة للآخر. لقطة للأول بنظارة. هذا هو
خطأ تتابع. لكن في الفيلم التسجيلي (والميدان هو فيلم تسجيلي بلا
ريب) هذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا كانت المخرجة تدخلت في الواقع
عنوة. الضمادة على يد الإخواني اليمنى، ثم في لقطة أخرى تنتقل إلى
اليسرى ثم تعود إلى اليمنى.
* إذا لاحظت، ستجد أيضا أن اليد اليسرى سليمة عندما كانت الضمادة
على اليد اليمنى، وستلاحظ أن اليد اليمنى سليمة عندما انتقلت
الضمادة إلى اليد اليسرى… الجواب الوحيد على هذا كلّـه أن الرجل
سليم تماما وأن المخرجة (جيهان نجيم) طلبت أن تبدو يده اليمنى كما
لو كانت مصابة، ثم اختلط الأمر بعد حين فتم إعادة الضمادة على اليد
اليسرى وتصويرها هناك…
* هل السبب هو محاولة استعطاف المشاهدين؟ أو للتأكيد على أن
الإخوان، خلال فترة ما قبل مجيء الحكومة العسكرية، كانوا محط هجوم
متعمّـد ما يدحض فكرة أنهم كانوا موالين للحكومة ريثما يسيطرون على
السُـلطة؟ ليس من جواب جاهز سوى أنه بصرف النظر عن السبب في هذا
الخطأ، إلا أنه فادح في فيلم تسجيلي من المفترض به أن لا يلغي
الحقيقة بل يثبتها. وأن يلتزم بالواقع أمامه ولا يحاول التأليف فيه
إلا إذا كان العمل يصب في خانة مصلحة فيخسر بذلك مبدأه.
* في عام 1922 قام الأميركي روبرت فلاهرتي بتصوير واحد من أعماله
التسجيلية الجيدة تحت عنوان «نانوك الشمال». صوّره حول حياة ومصاعب
وظروف حياة قبيلة في ألاسكا. بعد عقود تبيّـن للباحثين أنه قام
بتأليف بعض تلك المشاهد فغيّـر في واقعها وذلك لكي ينجز تأثيرا
أعلى. قيمة الفيلم هبطت إلى النصف تلقائيا. هل لا يستطيع مخرج
الفيلم الوثائقي الطلب من شخصه الأول أن يمشي في الطريق ليصوّره
وهو عائد إلى البيت أو متوجّـه إلى المقهى؟ طبعا ممكن. هذا طبيعي
لأن لا شيء هناك مضاد لواقعية ما يقوم به ذلك الشخص. لكن إذا طلب
منه أن يمشي حافيا لكي يؤكد الفيلم نقطة ما فإن ذلك تزييف.
و«الميدان» لا يخلو منه.
الشرق الأوسط في
|