يخطيء من يظن ان الفيلم ينحصر في موضوع المثلية الجنسية.. العنوان
مباشر "أسرار عائلية" والأسرار لا تنحصر في كون الابن الأصغر
للعائلة "مروان" لديه ميول مثلية ويعاني بسببها من سراع يأكل روحه
ويضعه في متاهة نفسية وأخلاقية ودينية رهيبة.
فالعائلة بأسرها تعتبر مركز الأزمة وأفرادها يعانون من فقدان
التكافل المعنوي وهو عنصر أهم بكثير من التكافل المادي لضمان الصحة
النفسية.
صحيح ان مشكلة المثلية تبدأ من المشهد الأول أعني المشهد الذي يلطخ
الشاب المثلي "بالوساخة" ويؤصمه بالكفر ويجعل أمام الصديق الذي كان
يشاركه نفس الفراش تائها لا يعرف من هو وما إذا كان علي صواب أم لا.
والصديق الذي بدأنا به عائدا من رحلة العمرة يمسك سبحة ويستخدم
المسواك يعود من حيث كان قبل العمرة ويعتذر قبل نهاية الفيلم ويسحب
"مروان" إلي نفس الحجرة ويغلق الباب! إذن المثلية حالة لا يعالجها
"الدين" إذا افترضنا ان الصديق العائد من العمرة ذهب في رحلة توبة
ولكنه لم يتب.. المشكلة أكبر من ذلك.. والفيلم يصورها برهانه ومن
دون أدني رغبة في ابتذالها.
يقول الطبيب النفسي في الفيلم انها "مشكلة مجتمعية" ومعني ذلك ان
الأمر يتجاوز حتي الأسرة إلي المجتمع بأسره الذي يضع رأسه في
الرمال ولا يلتفت إلي "علله" باعتبارها رجساً من عمل الشيطان
وكفراً ما بعده كفر ويتناسي ان نسبة من ابناء المجتمع وبناته تعاني
من هذا "الوجع" الذي ينتهي الفيلم دون تصنيفه أو تكريس وصمة
"الشذوذ" وجلد المصاب به.
العائلة في "أسرار عائلية" تتكون من الأم "سلوي محمد علي" والابن
الأكبر "سامح" والأصغر "مروان" والابنة "أمنية" والجدة التي تظهر
في مشاهد محدودة.. أما الأب فهو مقيم في أمريكا. يكتفي بارسال
النقود ويحضر فقط في المناسبات الكبيرة مثل ميلاد ابن أو زواج آخر!
وفي الفترة القليلة التي يحضر فيها يحل غريبا. يمارس سلطة أبوية لم
يرد علي مقوماتها من الأساس. ولا يشعر به الأبناء خصوصا الأصغر
"مروان" أما الزوجة فهي تتمني عودته إلي أمريكا حتي تتخلص من سطوته
وصراعه الدائم معها علي مقعد "الرئيس" هذا إذا افترضنا ان الأسرة
هي نواة المجتمع.
الأم شخصية قوية وقادرة تتحكم في الابناء أكثر من رعايتها لهم
نفسيا.. ما عدا الابنة أمنية فهي الوحيدة التي تحمل مشاعر دافئة
وتسعي للتخفيف من أعباء هموم لا تدرك كنهها يعاني منها شقيقها
الأصغر.
وفي مشاهد الصراع الكاشفة بين الابن الأصغر - مركز الاهتمام في
الفيلم - وبين الأب نعرف ان الابن الأكبر كان يتحرش جنسيا
بالأصغر!! وحين يفاجأ الأب بالكارثة يلوذ "بالإنكار" وهي حالة
نفسية أيضا. إذ لا يتخيل ان ما جري في غيابه قد جري وان بشاعة
الفعل أدت إلي لجوء الابن إلي الأطباء النفسيين وبرغم الأسرار
العائلية التي طفت علي السطح وأعضاء العائلة الذين يعانون وكل واحد
فيهم يتحمل محنته الخاصة يقرر الأب الرحيل من جديد.. مع ان فكرة
غيابه وبعده كانت ضمن الاسباب الأكيدة لمحنة الابن الأصغر الذي كشف
من خلال مذكراته الشخصية حجم المعاناة الرهيبة التي تهدد سلامه
الداخلي وتعصف به.
مؤلف الفيلم محمد عبدالقادر يدرك انه دخل عش الدبابير حين قرر
الاقتراب من مشكلة مسكوت عنها. ومن المؤكد انه هو نفسه كمؤلف يواجه
سطوة مجتمع مكبلا بالدين وبممارسات وخطاب ديني ممن وضعوا انفسهم
حرسا له بغير حق أو علم ويحسب لصناع الفيلم انهم قرروا فضح أسرار
"المجتمع" وليس "العائلة" فقط.
وكنت أتمني أن يدعموا هذه المغامرة باحصائيات من المؤكد انها
موجودة في مؤسسة ما. من المنوط بهم المسح الاجتماعي من جميع
الزوايا.. حتي يرفعوا لهذا العمل السينمائي الجريء مرآة عاكسة أمام
كل من يعاني حالة "الإنكار"
Denial
وحتي ندرك انه ليس بالإنكار تتواري المشكلات وإنما تظل مثل النار
تحت الرماد حتي تولع أمام هبة ريح ولو صغيرة وها نحن نواجه رياحا
من كل صوب!
وبهذه المناسبة أعني مناسبة العلل المجتمعية والمثلية منها سوف
يعرض قريبا فيلم روائي طويل بعنوان "الملحد" والعنوان صادم كما نري
ولكن الصدمة الأكبر انني شاهدت منذ فترة قليلة فيلما تسجيليا قصيرا
من افلام التخرج في احدي الجامعات الخاصة عن زيادة عدد الملحدين في
مصر من الشباب وبطريقة منذرة بعد شيوع نفوذ جماعات الإسلام السياسي
ونكبة وصولهم لسدة الحكم مع هذا الخطاب الزاعق الصاخب باسم الدين
فضلا عن الجهل لمن يدعون العلم ويقومون بالدعوة.
والفيلم المقصود مدعوم بالإحصائيات وبنماذج من الشباب الذي "كفر"
بالدين لدعم الاقتناع!! وغياب القدوة!! نسبة المثليين في مصر جديرة
بالاهتمام.
أعود إلي "أسرار عائلية" وجرأة المؤلف والمخرج وبطل الفيلم محمد
مهران وأشير إلي أشكال الانحرافات المجتمعية المسئولة عن ضياع
أجيال ومنها بشاعة العملية التعليمية وصورة المدرس الكريهة جدا في
تعاملها السوقي والمبتذل مع تلميذ توحي هيئته وملامحه الأنثوية إلي
ميوله التي يصفها المجتمع "شاذة" ويوهم أصحابها باللعنة والاضطهاد
وكذلك الوجه الثاني لهذا المدرس نفسه المستعد لإذلال نفسه في سبيل
تحصيل المادة وتلك احدي المشكلة المركبة في تدني المجتمع ككل!.
وأشير مرة ثانية إلي صورة وشخصية الطبيبة النفسية وتعاملها مع
المريض "مروان" ووصمها له بشتي العينات الصادمة نفسيا.. لا يمكن أن
تكون هذه المخلوقة الكريهة ضمن أدوات علاج الأوجاع النفسية
وللمصابين بها من أبناء المجتمع.
ربما في الوصف والتجسيد الذي عبرت به الممثلة التي لعبت الدور
مبالغة ممقوتة ولكن من المؤكد انها تعبر عن وجهة نظري في هذا
النموذج الذي لا يعبر عن علم أو دراسة أو فهم إنساني بقدر ما تجسد
موقف ايديولوجي مشوه وغير آدمي.
قدم الفيلم ثلاثة نماذج للطبيب النفسي ولم يقترب سوي واحد منهم فقط
من فهم الحالة الخاصة بـ "مروان".. أيضا نموذج رجل الدين داخل
الجامع الذي اندفع مثل الصاروخ في إدانة "اللواط" - والعياذ بالله
- ولم يشرع ولو بوازع "ديني" أيضا في محاولة فهم هذا الشاب المعذب
الذي جاء يصلي في بيت الله ويبحث عن خلاص لمحنة وجوده داخل مجتمع
هو نفسه موضوع بمؤسساته التعليمية والعائلية والصحية والدينية وقد
حاول المؤلف ان يبني حبكة يقيم في اطارها "أعمدة" بناء الشخصية
الإنسانية في مصر عبر رؤية تنتهي إلي هشاشة هذه الأعمدة وعجزها
وادانة المسئولين عنها بل وإدانة من يتكئون عليها.. والواضح ان
الشاب الذي لعب الدور المركزي في الفيلم في أول عمل له علي الشاشة.
قد أدرك حساسية المضمون الذي ينقله للمتفرج والذي تنطوي عليه شخصية
"مروان" وأهمية إبرازه للصراع عبر ملامح وجهه وأدائه الجسماني
وشحنات الألم والحيرة الكامنة في أفعاله وردود أفعاله.. نجح محمد
في التعبير عن كارثة ان تكون "مثليا" في مجتمع مسلم متدين.
كثير من الشخصيات في الفيلم ليست معروفة للجمهور. ربما سلوي محمد
علي في دور الأم وهي ممثلة قوية وممتلئة عقليا وتعي أهمية اشتراكها
في عمل صادم ولم تتعود السينما وجمهورها في مصر علي التعامل معه
بجدية في فيلم "عمارة يعقوبيان" قدم خالد الصاوي شخصية أثارت الضحك
رغم خلفيتها الاجتماعية التي تشير إلي "سر" عائلي أيضا. ولكنه في
النهاية قدم دورا جادا لمفهوم هزلي حول شخصية "المثلي" في بلادنا.
اتذكر ان "فاروق فلوكس" قدم هذه الشخصية أيضا ولكنه في تجسيد
"نمطي" فكاهي أشاعته السينما.
هذه المرة الأولي ان تتجه السينما إلي مثل هذا الموضوع الشائك
واعتقد ان غالبية الجمهور الباحث عن الترفيه لن يجد في الفيلم
مبتغاه بالصورة التقليدية التي اعتادها.
الفيلم كعمل فني يؤكد اجتهاد المخرج هاني فوزي في اختيار طاقم
فنانيه بعيدا عن النجوم والأسماء المعروفة وقد اصابه التوفيق لا شك.
وهناك مشاهد تشهد بقدرته علي بناء درامي ونفسي متصاعد في الصراع
بين الأب كصورة ووظيفة ودور داخل الأسرة وبين الابن كنتاج لبيئة
وتربية ومناخ أسري ومجتمعي غير صحيح لصناعة ابناء يتسقون مع طبيعة
ومزاج مجتمع تسيطر عليه نزعات دينية جامدة لا تفسح أي مجال لفهم
الطبيعة المركبة والمعقدة للنفس البشرية وللتكوين البيولوجي
للإنسان.
بالفهم وبالفهم وحده يمكن استيعاب ما نسميهم بـ "الشواذ" في
مجتمعنا وبدلا من أن نوصمهم بالكفر ونهددهم بالنار
"الاضطهاد"
في الدنيا والآخرة نحاول فتح طاقة أمل بالرجوع إلي المسار الطبيعي
الذي يقره الدين.
ومن المؤكد ان "ظهور أسرار" عائلية إلي جانب فيلم من نوعية "لامؤاخذة"
الذي يكشف النقاب عن أوجاع مجتمعية تزق المجتمع بأسره نحو كوارث لن
ينجو منها أحد.. أقول ظهور مثل هذه التجارب غير التقليدية يفتح
طاقة أمل أمام السينما الوطنية حتي تبث رسائلها البناءة وتشجع في
نفس الوقت علي "رقابة" ايجابية لا تشجع "الدعارة" علي حساب قضايا
حقيقية مسكوت عنها.
رنـات
شخصية الجاسوسة!!
خيرية البشلاوى
بحثت عن صورة للجاسوسة المصرية سحر سلامة التي تم القبض عليها
مؤخرا بتهمة التجسس لصالح اسرائيل ولم أجدها وسط التحقيقات
والأخبار التي نشرت حول هذه الجريمة التي تعتبر الأكثر خسة
وانحطاطا في قاموس الجرائم السياسية.. بحثت عنها بدافع الفضول
والرغبة في تأمل ملامح "خائنة".
افلام الجاسوسية تضم صورا لمئات النساء اللاتي لعبن أدوارا خيالية
أو مثلن شخصيات واقعية في هذا العالم المليء بالتجسس والتآمر.
يوجد ألبوم لنساء "جيمس بوند الجاسوس البريطاني الأشهر الذي عادة
ما يظهر علي الشاشة وإلي جواره نساء فاتنات قويات قادرات علي
مواجهة الاخطار دون ان يهتز لهن رمش.
ومعظم الممثلات اللاتي لعبن ادوار الجاسوسة من جميلات هوليوود
والسينما العالمية أشهرهن انجليا جولي علي سبيل المثال في دور
الجاسوسة ايفلين سولت وكيت بلانشت في دور شارلوت وآن هاثواء في
فيلم "العميل 99" وجوليا روبرتس في دور كلير ستنويك في فيلم
"ازدواجية" وشارليز تيرون في دور "ايون" وغيرهن كثيرات.
فالقائمة طويلة فعلا ومتنوعة قدمتها السينما طوال تاريخها كاشفة عن
عالم مليء بالاثارة والحركة والتآمر وهناك دراسات في هذا المجال
حول صورة والملامح الشخصية للمرأة الجاسوسة ومنهن واحدة بعنوان
يقول ان أفضل جواسيس الموساد والمخابرات المركزية الأمريكية من
النساء ولكن الشيء المثير للانتباه ان المهام التي اسندت إلي هؤلاء
النسوة الجواسيس تصب في صالح الأوطان التي يحملن جنسياتها وعادة
لصالح الصراع بين مؤسسات مخابراتية وطنية ضد أخري تعاديها.
نسبة قليلة جدا ليس فقط علي مستوي الخيال السينمائي وإنما علي
مستوي الوقائع التي يتم نشرها هي التي تقوم بالتجسس لصالح اعداء
بلادها. لم نسمع كثيرا عن فضائح التجسس الا في حالات التجسس لحساب
الأعداء ولأنهم في الأغلب ساقطات بحكم طبيعة الوظيفة والدور القذر
المعادي لمصلحة أوطانهن يكون السقوط مدويا ومرئيا ومصحوبا بفضيحة
كبري وجريمة لا يغفرها أي مواطن يحمل نفس جنسية الجاسوسة.
في مصر نتذكر شخصية مديحة كامل في الدور الذي قامت به "الصعود
للهاوية" ونتذكرها في صحبة ضابط المخابرات محمود ياسين المصري في
رحلة عودتها مقبوضا عليها إلي أرض وطنها ورغم اجادتها للدور الا ان
"عبلة" ظلت شخصية كريهة ومرفوضة والجملة الأخيرة في الفيلم "دي مصر
يا عبلة" يحفظها الناس.
غياب صورة الجاسوسة "سحر" عن الموضوع الذي يكشف عملية القبض عليها
وما ظهر من صفات أخلاقية سيئة حسب اعترافاتها ثم ظروف البيئة التي
خرجت منها وكلام الجيران حول الأسرة التي تنتمي إليها. كلها عوامل
مواتية لصناعة جاسوس خائن يلقي بنفسه في أتون عدو يتربص ببلاده.
غياب الصورة ربما لأسباب أمنية ولكن حضور كلمة صحفية كوظيفة لهذه
الجاسوسة وعدم ذكر الصحيفة أو المكان الذي تنشر فيه ما تكتبه جعل
الجهات المتربصة بهذا الوطن تشير إلي أنها صحفية بمجلة النصر
التابعة للجيش حتي تفتح الباب لإدانة المؤسسة العسكرية الحامية
للحدود وللوجود وللشعب المصري.. واتعجب من بني آدمين يعيشون علي
أرض هذا الوطن لديهم هذا القدر من الصفاقة والجهل والانحطاط النفسي
والسلوكي يجعلهم قادرين علي الوقوف هكذا في طابور الاعداء في وقت
حساس وخطير كذلك الذي تعيش فيه مصر الآن.. أليس في هؤلاء "مشروع"
جاسوس؟؟
يقولون في وصف مؤهلات "الجاسوسة" انها امرأة لديها "ايريال" داخلي
يلتقط بسهولة الاشارات وتستطيع ان تقوم بمهام متعددة وأكثر من
الرجل في قمع الأنا أي انكار الذات من أجل تحقيق الهدف وتمتلك
موهبة فطرية في فك الرموز وقدرة علي قراءة المواقف والوعي بالمكان
بالاضافة إلي انها قادرة علي تكوين صداقات بسهولة وقراءة الناس
بسرعة وتحديد دوافعهم ونقاط ضعفهم..الخ
ويقولون ان أفضل الجاسوسات هن اللاتي لم يكشف عنهن ولن يكشف عنهن
لأنهن في الأغلب يعملن لصالح الأجهزة المخابراتية التابعة لأوطانهم.
وما لم يقولوه ضمن مؤهلات "الجاسوسة" ان لديها نقاط ضعف يمكن
اختراقها وتطويقها واسقاطها والمثل يقول: ست "سيدة" قوية وأنا أقوي
منها" والأقوي تمثل اجهزة وطنية مدججة بهذه المؤهلات نفسها وأكثر
إلي جانب الخبرة المخابراتية والتجربة التي تقتضي التسلل إلي شبكات
أعتي الأجهزة المتخصصة في جمع المعلومات والاشتغال عليها وتحليلها.
كثير من النساء الجواسيس يعتبرن "بطلات" علي سبيل المثال تسيفي
ليفني الشخصية البارزة في الدولة الصهيونية وبالتأكيد عشرات غيرها
من إسرائيل ودول أخري.
المساء المصرية في
|