كتبوا في السينما

 

 
 
 
 
 

رؤى نقدية

 
 
 
 
 

70 عاما من العطاء .. سبعون الأُستاذ

علي حسين

 

حياته وأعماله جزء من تفاصيل واقع وتاريخ تتغلب فيه الذاكرة على النسيان والوطن على الطائفة والتحزب ..  إنه الفنان والسياسي والممثل والكاتب الذي نسج ملحمته الوطنية وقال حكمته وهو أشد ثقة بنفسه وكلماته التي تخترق الواقع بلا أوهام أو أكاذيب ،لأنها معنية بالإنسان، إنساننا العراقي بنبضه ودمه، بمسيرته الشاقة وخبرته أمام الأحداث، بتفاصيل حياته وأحلامه المنكسرة . فمن منا لا يتذكر (دعبول البلام) و(أم شاكر) و(نوار) و(حيرة) و(الخان) بشخصياته العديدة التي أصبحت كأنها تعيش بيننا بملاحمها التي نعرفها، وعذاباتها التي لاتزال تنشد الخلاص، والشريعة وهي تؤذن بانهيار عالم قديم وفتح الأبواب والنوافذ لعالم جديد يزخر بالحرية  والأمل .

ولد يوسف العاني عام 1927 في محلة سوق حمادة ،وهي محلة فقيرة من محلات بغداد، وقد أسهمت هذه البيئة المليئة بالأجواء الشعبية في تأسيس البدايات المؤثرة في تكوين العاني وفتحت وعيه بالمكان بأناسه وتفاصيل الحياة فيه، وليس من شك في ان علاقة يوسف العاني بالمكان الذي ولد فيه ونشأ فيه علاقة إنسان عاش حياته وتشرب تفاصيلها اليومية وتشبع هموم الناس وآمالهم حتى غدت معرفته بالمكان معرفة الخبير الذي وعى إشكالاته وأدرك متطلبات ناسه .. ويبدو ان هذه الحياة أتاحت له معرفة مبكرة بواقعه وطبيعة مجتمعه..

لقد خبر الأحياء البغدادية خبرة وافية واستطاع ان يعي سلوك إنسانها وأوجاعه وتطلعاته وحمل خبرته هذه التي ترسبت في وعيه وكانت مخزونا غنيا ومادة لأهم أعماله المسرحية التي كتبها لاحقا ،وبالأخص ثلاثيته الشهيرة(الشريعة - الخان - الجسر) التي أرخ فيها مرحلة حاسمة من مراحل تاريخ العراق تلك المتمثلة بفترة الأربعينات والخمسينات وما انعكس من تأثيرها في تاريخ العراق السياسي وفي حياة الشعب العراقي وأيضا في وعي يوسف العاني ورفاقه من الكتاب حين بدأت ملامح الغضب وعدم قبول ما يتعرض له الشعب من اضطهاد .. فالعاني وجيله الذي ينتمي إليه فتحوا أعينهم على احتلال بلادهم الذي خلق أوضاعا غير معهودة ، فكان من الطبيعي ان يتعمق وعيهم بما حولهم وان تزداد درجة تحسسهم لما يمر به المجتمع من حركة وتغيير واستقبال للأفكار والتيارات الجديدة، في هذه الأجواء بدأت الممارسات الأولى في الكتابة عند العاني ، فقد اخذ يكتب المسرحيات القصيرة ذات المشهد الواحد ،وهي المسرحيات التي اتسمت باعتمادها على الألفاظ الساخرة وعلى المفارقات الحياتية. 

هذه البداية كانت الأسلوب الذي اعتمده العاني في ما بعد في كتاباته المسرحيات الطويلة، وأعني به أسلوب البحث عن المفارقات الاجتماعية التي تحمل موقفا انتقاديا من ظاهرة ما وأيضا كانت تأسيسا واضحا للاتجاه الواقعي الانتقادي في المسرح العراقي، لكن هذا الميل لكتابة المسرحيات القصيرة سرعان ما توقف بعد محاولات كتابية أشبه ماتكون بالمسرحيات ذات الفصل الواحد التي توّجها بمجموعته (راس الشليلة) التي تكاملت فيها رؤيته الفنية وتوضحت أهداف المسرح الذي يريد أن يقدمه للناس .

وقد أظهرت هذه المسرحيات أن المؤلف منحاز للقضايا التي تخص الطبقة الفقيرة ،فالشخصيات تعاني الفقر وتشعر بالظلم الاجتماعي، ومن خلال هذه المجموعة المسرحية استطاع العاني ان يرسم صورة كاريكاتورية للنظام الحاكم في الخمسينات وأن يضع الجهاز السياسي للدولة هدفا للنقد وأن يصور العلاقة المختلفة بين الحاكم والمحكوم في مجتمع ينخر فيه الفساد.

***

ليس مصادفة أن يترك هذا الرائد المسرحي متطلبات المسرح الكلاسيكي ليستعين بشيء أشبه بمفردات الحياة اليومية في وصف العالم المحيط به ليستخلص رموز الحياة من التفاصيل الصغيرة والحركات البسيطة والشخصيات الأليفة والأفعال التي قد لا يأبه بها احد، وهو في هذا المنحى يشبه معلمه الكبير (برتولد برشت) في العودة بالمسرح إلى منابعه الأولى حيث البساطة المقترنة بالعمل الذي يصنع الحياة والجمال الذي لا يتولد إلا من تفاصيل عوالم المهمشين .. ويبدو أن إعجاب العاني بمسرح برشت خصوصا في مسرحة التفاصيل استند إلى توافق فكري يدعم المنحى الجمالي ، فبرشت مناضل يساري تفجّرت كلماته في سياق التمرد على الفاشية والنازية وقد جلبت عليه أعماله المسرحية نقمة النازيين الذين منعوا عرضها ونشرها وشردوا كاتبها سنوات طويلة، وقد عانى العاني بسبب أفكاره والتزامه على امتداد السنوات التي عاشها في وطنه وعرف مذاق السجن مثلما عرف حياة المنافي التي لم تنته ، ويبدو أنها لن تنتهي في وقت قريب ،لأن آلامها امتزجت بمعتقدات صاحبها الذي مضى إبداعيا في طريق أشبه بطريق برشت سواء في الالتزام السياسي النابع من المبادئ نفسها أو الرؤية الجمالية التي انحازت إلى عملية استنباط المعاني الكبيرة من التفاصيل الصغيرة وناسها المألوفين ولوازم حياتهم المهمشة ،ومع هذا المسرح المغاير يبدو العاني حاد البصر والبصيرة غير غافل عن فائدة المفارقة التي تقترن بالسخرية والمعارضة أو المحاكاة التهكمية محاولا شدنا إلى المستقبل حيث يعبد الكاتب والممثل والفنان طريقا يتميز بخصوصيته الشديدة التي أبدعها عبر نصوصه المسرحية التي تقودنا إلى ذلك العالم الغني الذي يتم بناؤه على تصورات من وجودنا في المكان والزمان والمشدود دائما بفيض من غناه إلى معنى فعل الحياة المتمثل في فهم الكاتب لهذا الفعل الذي يؤكده دائما في اختياراته.. فعالم العاني يزدحم بصور الناس الذين يعشقون الحياة ويحملون على أكتافهم الحلم بحياة جديدة ويصنعون بوعي أسطورة حياتهم، مثل هذا العالم لا يقدر على صياغته إلا ذلك الكاتب الموهوب الذي خرج من قلب هذا العالم واكتسب مفرداته. 

***

يحدثنا يوسف العاني بمزيد من الفرح والزهو عن اللحظة الأولى التي صعد فيها خشبة المسرح، وكان ذلك يوم 24/ شباط عام 1944 : " كل التفاصيل ما زالت في بالي، في ذلك اليوم قدمت مسرحية بالطبع، ووقفت أول مرة على خشبة المسرح، لنص أنا كتبته، وهو نص ساذج بوقته، وأنا أخرجته، وكنت لا أعرف ما هو الإخراج، وكان عندي مجرد كلمات مثل : اقعد، قم، وحتى عندما كنت أمثل، كنت أقلد شخصية في السينما وليست موازية للشخصية التي مثلتها وهي (مجيد أبو الجايخانة / مجيد صاحب المقهى). وكانت فائدة كبيرة بالنسبة لي عندما انتهت المسرحية وصفق الناس وضحكوا، ناداني مدرس مادة (النبات)، وكان هو المشرف علينا، قال لي : يوسف.. ما الذي أردت أن تقوله بهذه التمثيلية؟ فقلت له : أستاذ.. هذه لا يسمونها تمثيلية، فالأستاذ سيد صادق الأعرجي يقول (مسرحية)، فلم يأبه لكنه قال لي : ماذا أردت أن تقول أنت؟ فقلت : كما رأيت، رجال شرطة دخلوا المقهى على أساس أنّ فيها أشخاصاً يلعبون القمار، وعندما شاهدوا الشرطة وقفوا وكأنهم يؤدون الصلاة، ولكن عندما خرج الشرطة أحد أفرادها انتبه فقال للعريف :إن الجماعة يصلّون في هذا الاتجاه بينما القبلة في الاتجاه الآخر! لكن (مجيد) الذي مثلت شخصيته أنا، سمع ما تحدثوا به، وعلى الفور استدار إلى القبلة، فدخل الشرطة ثانية فوجدوهم يصلّون باتجاه القبلة، فقلت : الله أكبر، وبما أن ورق القمار في عبي، فمع انحناءتي انزلقت الأوراق أمامي، فبدأ الشرطة يفاوضوننا ويريدون أن ندفع لهم ربع دينار وأنا أقول لهم : أعطيكم درهما، وبعد حديث من هنا وهناك قلت لهم : إذا أعطيكم ربع دينار، فللأكبر منك.. ماذا أعطي من فوق إلى تحت، ماذا أعطي؟! وإذا بالقاعة تصفق، وكان من ضمن الحضور الوزير الذي صفق، ولكن في اليوم التالي أرسل المدير منير القاضي في طلبي وقال لي : (بابا يوسف.. ليش هيج بابا)، نحن إذا عزمنا أحدا إلى بيتنا هل يجوز أن نشتمه؟ قلت له : لا، فقال : كيف يوم أمس قدمت المسرحية بهذا الشكل وتقول من فوق إلى تحت؟ فقلت له : نحن نقرأ في الدستور أن الملك غير مسؤول، فردّ عليّ : والا من المسؤول؟، في ذلك الوقت كان احد أفراد العائلة المالكة قد سكر بالليل وعمل انقلابا اسمه (علي الحجازي)، فاعتقلوه وألقوه في السجن، وكان هو مدير الشرطة العام، فقلت له : هذا علي الحجازي، فهل هذا يعتمد عليه؟ فهز رأسه وقال : بابا إن بعض الظن إثم ، فطلعت من غرفته وكان جماعتي يعتقدون انه سيفصلني من المدرسة " .

منذ ذلك المشهد وحتى يومنا هذا 24 شباط 2014 .. سبعون عاما قضاها يوسف العاني في المسرح والحياة وفي صدارة المشهد الثقافي ، هي سبعون عاما من عمر العراق بمسراته وأحزانه ، برز يوسف العاني والعراقيون في الشوارع والساحات يناضلون من اجل رحيل الاستعمار ، وقاد معهم وهم يودعون الملكية ، سنوات العمل الجاد في ترسيخ أسس دولة الرفاهية الاجتماعية بعد عام 1958 ، وتأسى وهو يرى بلاده تودع الاستقرار وتخيّم عليها سحابات الاستبداد والتسلط ، لكنه ظل متألقا لم يأفل مع أفول الحرية والاستقرار ، بل سوف يصر على تسجيل أدق تفاصيل نبضات هذا الوطن .. وسوف نراه عبر سبعة عقود يصر على ان يسجل تاريخ الحياة العراقية ويعبّر عبر مسرحياته وأعماله التلفزيونية وكتاباته في الصحافة عن الحالة السياسية والاحتماعية لهذه البلاد ، ليصبح وحده شاهدا على أفراح هذا الشعب وعلى خيباته الكثيرة .. فما من أحد غيره سوف يحمل إرث هذا الوطن معه أينما حلّ .

قبل سبعة قرون حلم يوسف العاني بأن يؤسس له مكانا على خارطة الثقافة العراقية ،وما أن حانت الفرصة في منتصف الخمسينات حتى استطاع الأستاذ أن يجعل من مسرح صغير في حي البتاوين الشعبي – مسرح بغداد – مؤسسة فنية وثقافية وسياسية هي كل مسرح العراق ، دفع بالمسارح الأخرى إلى الخلف .. عرف يوسف العاني مكانة المسرح في نفوس العراقيين، ولم يبخل عليهم بكل جديد ، دافع عن قيم الحرية والديمقراطية ، وقاتل دفاعا عن مسرح يلتزم قضايا الناس .. وضع فنّه وخبرته في خدمة فرقته الاثيرة فرقة المسرح الفني الحديث .

***

لم يكن يوسف العاني يُدرك أنه في لحظة صعوده على خشية المسرح عام 2014 أنه سيُسحر مشاهديه حين يقدّم لهم حكايات تشبه أيامهم وشخصيات أقرب إليهم من ظلّهم ..ننظر اليوم إلى ماقدمته فرقة المسرح الفني الحديث ونتأمل في ألبوم أعمالها الزاخر . ، ونتذكّر تلك الأسماء التي جاءت من معظم مدن العراق ، يحملون معهم حلما كبيرا ، ليصوغوا معا صورة العراق الجديد .. جاء يوسف العاني من الفلوجة وإبراهيم جلال من بغداد ، وسامي عبد الحميد من السماوة ، والخال خليل شوقي من إحدى محلات بغداد العتيقة وزينب من مدرسة في أطراف الأنبار وناهدة الرماح من الحيدرخانة ، وقاسم محمد حاملا من موسكو آمالا عريضة ، وعمة زكية من ميسان. وتطول القائمة ولا تنتهي عند عبد الواحد طه ومي شوقي، وروميو يوسف وفوزية عارف ومجيد العزاوي وعبد القادر رحيم ، وجواد الأسدي وعواطف نعيم وإقبال محمد علي وعشرات كان القاسم المشترك بينهم وحدة الكلمة ونوع المسرح الذي سيقدمونه للناس ، وكان على يوسف العاني أن يحمل هموم الفرقة على كتفيه .. تساعده قدرة على صياغة الكلمات لتتحول إلى مشاهد حياتية ، نقل فيها ما يجري في كواليس الحياة العراقية إلى خشبة المسرح .. وغرد ممثلا على خشبته ليتنقل من عبود البلام إلى زيطة في الخان إلى حمادي في النخلة والجيران ، ومن دبش في القربان إلى عبود الكرخي في مجرشته ، من الشريعة إلى الخان ومن بغداد الأزل إلى مقامات الهمداني .. لينقل العراق وهمومه إلى بيروت والقاهرة وتونس ودمشق وعواصم الدنيا السبع .. كان يعتبر فرقة المسرح الفني الحديث بيته الخاص وممثليه مثل أولاده ليؤسس مع زينب وسامي وخليل و إبراهيم تلك الشراكة التي لم يستطع الزمن أن يفصم عراها .

حين كتب يوسف العاني راس الشليلة عام 1950 .. كانت المسرحية نوعا من التمرد على السائد آنذاك .. وكان فيها سطور من الازدراء للواقع المأساوي الذي يعيشه البسطاء ، وكان العنوان نوعا من السخرية أو الرغبة في فضح ما يجري .. كانت راس الشليلة نوعا من الرفض لمسرح " الضحك " المجاني ولقفشات لقلق زادة وكوميديات المقاهي التي كانت تقدم فواصل يضحك منها الجمهور على حركات الممثلين لا على المواقف التي يطرحونها .

راس الشليلة المسرحية التي أصبحت في ما بعد عنوانا لأول مجموعة مسرحية تصدرها مجلة الثقافة الجديدة عام 1945 بمقدمة كتبها المعلم صلاح خالص تعد حتى هذه اللحظة أبرز ما كتب عن مسرح يوسف العاني : " فهذا المسرح يتغلغل في الحياة العراقية وينتزع منها صورا رائعة قوية مظهرا تناقضاتها الغريبة بشكل قوي مؤثر ويجعل من الشخصيات المرتبطة بزمان ومكان معينين شخصيات نموذجية لا تمثل أشخاصا بذاتهم وإنما تمثل جوانب مختلفة من جوانب النفس البشرية أو تيارات متباينة من تيارات الحياة " ..هذه المجموعة المسرحية ستصبح منذ لحظة صدورها بداية حقيقية للمسرحية العراقية الحديثة التي سيكتبها في ما بعد عادل كاظم وقاسم محمد ونور الدين فارس ومحيي الدين زنكنة وطه سالم ، ورغم أن هناك الكثير من المحاولات في الأدب المسرحي العراقي ، إلا أن راس الشليلة وفي ما بعدها أنا أمك ياشاكر والمفتاح والشريعة والخان والجومة والأمس عاد من جديد ، تؤكد الريادة الحقيقية ليوسف العاني في كتابة مسرحية عراقية خالصة مثلما حدد ذلك الناقد الكبير جميل نصيف الذي وهو يسلط الضوء على هذه الريادة في مقال نشرته مجلة الآداب اللبنانية في السبعينات : " ينفرد يوسف العاني بين كتّاب المسرح العراقي اليوم بكونه أطولهم باعا ،وأرسخهم قدما ، وأكثرهم خبرة في هذا الميدان .. وطوال عقدين من السنين استطاع العاني أن يكوّن لمسرحه جمهورا متميزا المعالم على مسرح الحياة في العراق ، إذ وقعت حوادث شتى وحدثت تبعا لذلك تغيرات جذرية في الحياة السياسية والاجتماعية تركت آثارها واضحة على مجمل العلاقات بين فئات المجتمع وطبقاته المختلفة كما تركت آثارها على تفكير الناس وسلوكهم ونظرتهم إلى العالم .. ورغم ذلك لم يتأخر العاني بل استطاع مواكبة هذه الأحداث ،فكان دائما في طليعة الحركة المسرحية وكانت مسرحياته تبحث دائما عن وسائل جديدة تتلاءم والمضامين الجديدة التي تفرضها الحياة باستمرار " 

***

بعد سبعين عاما على لحظة ولادة المسرحية العراقية الحديثة من حقنا أن نتساءل : ماهو السحر في مسرح يوسف العاني ؟ وللإجابة على هذ السؤال لابد من النظر في النسيج الدرامي للحياة الشعبية العراقية وخصوصا حياة أهل بغداد ، بمعني العلاقات الإنسانية وعرض مشكلات حية وطبيعية تكشف عن معاني التآخي والتراحم والصداقة وعلاقات الحب البريئة وكل المُثل التي سادت الحياة البغدادية ، هذا النمط من الحياة حاول يوسف العاني أن يحوّله إلى دراما اجتماعية مقدما من خلالها نصوصاً عراقية بعيدة عن التجريد ، لكنها قريبة من التجريب ، بعيدة عن السطحية كثيرة الشبه بالملحمية .. لتشكل في إطارها العام صورة عراقية حميمة يتلقاها المشاهد بإعجاب ورضا واطمئنان من أنّ هناك صوتاً يصدح بالدفاع عن قضايا الناس وهمومهم.

سبعون يوسف العاني تشبه العراق في تقلباته وأزماته ، في حزن أبنائه وأفراحهم ، مسرحيات ومواقف وكتابات تعد اليوم أشبه بمعجم عراقي نقرأ فيه تعريفات لفن وطني وثقافة تقدمية وصحافة فنية ومسرح طليعي وغناء يبهج النفس وشعر يلهب المشاعر .. أتكلم عن عقود من الثقافة والتنوير والعصر الذهبي لبغداد .. كان فيها مسرح بغداد بقيادة يوسف العاني أحد مختبراتها الكبرى .. وبإغلاقه منذ عقود أيضا خسرت بغداد جزءاً من احتياطها الستراتيجي للفرح والخيال والحداثة والفن .

***

يجلس يوسف العاني اليوم ينظر إلى سنواته السبعين يستحضر وجوهاً وشوارع وأحداثاً وعادات لا تمحى.. يجلس صاحب العقود السبعة ابن بغداد وصورتها النقية ومرآتها التي انعكست فيها همومها وأحلامها لينظر إلى مسرح انطوت أشرعته وتغيرت معانيه وتقاليده ، لم تعد هناك زينب تصرخ :" سعودي السبع ما تنطفي نارة " ولم نعد نسمع صوت ناهدة الرماح تهمس " حيران هم يجي يوم ونضحك ونلعب بليه منخاف " .. وغابت أمنيات دعبول : كلي هم يجي يوم ونصير أحرار " 

يكتب أنجلز : " تعني الواقعية في نظري ، الصدق في تصوير شخصيات نموذجية في ظروف نموذجية إلى جانب الصدق في التفاصيل " هذا الصدق الذي حدثنا عنه المعلم ستانسلافسكي : أن الفنان الحق هو الذي : " يجب أن ينظر إلى الحقيقة في السلوك الواقعي" ووفقا لتعاليم ستانسلافسكي التي عشقها العاني وحفظها عن ظهر قلب ، فإن العناصر السحرية للمسرح جمعت بين موهبة الممثل وقدرة الكاتب على اقتناص اللحظة .

بعد سبعة عقود من حقنا أن نتساءل أين يكمن سر وسحر يوسف العاني ، إن كل لمحة من إبداعه من الممكن أن تقدم لنا مفتاحاً وتكشف لنا لغزاً، فهو بحساب السنين والأعمال التي قدمها كان وسيظل شاهد إثبات على البداية الحقيقية لتاريخ المسرح العراقي الحديث.

المدى العراقية في

24.02.2014

 
 

يوسف العاني.. ممثّلاً

فاضل خليل  

هل يوسف العاني هو وارث المسرح العراقي الحديث فن صناعة الكتابة للمسرح ؟ قد تكون بعض الأجوبة بالنفي ، إذن من هو الذي سبق العاني [عراقيا] في كتابة المسرحية جيدة الصنع ؟ يقول العاني ومن قبله إبراهيم جلال انه : صفاء مصطفى ، ورغم عدم اختلافي معهما ، ولكن لأني ابن المسرح العراقي لما يقارب الأربعين عاما . ما شاهدت عرضا مسرحيا واحدا للرائد صفاء مصطفى . وعليه لا يحق لي تصنيفه على كتاب المسرح . إذن : لا أحد بالمواصفات التي حددناها ، أسبق من العاني كاتبا ، وعليه لا يحق لنا تصنيفه على كتاب الدراما في المسرح . وبالتالي : لا يحق لنا أن نصنف وفقا للمعايير التي حددناها غير يوسف العاني . إضافة إلى ما يتمتع به من صفات منها انه:

*) [رجل مسرح بحق] : كاتبا ، وممثلا ، ودرماتورجيا ، ومربيا

*) من القلة التي استثمرت مخزونها المعرفي ، أفكارا وحكايا وقصا متراكما ، وما رافقه من ذكريات غنية ، وأجندة خزنت الكثير من المدونات الخاصة التي أرخت لحقب عاشها العاني ويعيها بأمانة . فاستثمرها وصاغها بحذاقة الحريف

*) حين يكتب فإنما يكتب على مقاص شخوص ممثلي فرقته ،فرقة المسرح الفني الحديث *) هو افضل من يكتب أدواره ، سواء في المسرح أو السينما أو التلفزيون – احيلكم إلى رصيده الثر من المسرحيات والأفلام السينمائية والتلفزيونية لتقفوا على حقيقة ما أقول. *) وتبقى التساؤلات : - لماذا هو قريب إلى الجمهور بالشكل الذي نعرفه ؟؟ 

- لماذا كان يقلده الآخرون في التمثيل والكتابة ؟؟ 

- لماذا قدمت مسرحياته في بعض دول العالم دون غيره ؟؟ ولماذا - - لماذا تناولته الصحافة ووسائل الإعلام والنقاد والباحثون اكثر من غيره ؟؟

- لماذا أخذه طلبة الدراسات العليا أنموذجا وعينة مهمة من عيناتهم في التأليف أو التمثيل أو رجل مسرح ؟؟ 

ومن المؤكد أن كاتبا بمثل هذه المواصفات ، لابد لنا من الاطلاع على كامل إرثه المسرحي ، أردنا ذلك أم لم نرد . ولأن ذلك يحتاج منا وقتا أطول كإجراءات بحثية . ولذلك سنحاول أن نصب حديثنا على عينات قصدية اخترناها من مسرحياته لاعتبارات منها : إنها بلغت نوعا من التكامل ، وتصلح للبحث والتحليل اكثر من غيرها ، مثل مسرحيات : [المفتاح ، الشريعة ، الخرابة ، الجومة ، الخان وأحوال ذلك الزمان ، خيط البريسم] ، وربما سواها . لقد تنوعت مسرحياته فاحتملت التأويل ، حين ثارت على الصيغ القديمة . لاسيما ونحن نعرف بأنه لم يمتهن التأليف إرضاء لمزاج عابر ، وانما كانت مواضيعه استجابة لصدى آلام ومعاناة شعبه والإنسان أينما كان . فحاكاها باقتدار . وعلمية تسندها تجربته الطويلة التي مكنته من بلورة خواصه في الكتابة .

فرقة المسرح الفني الحديث :

تزامن ظهوره قبل تأسيسها عام 1952(**) بسنوات قليلة ، فكان أبرز مؤلفيها وأغزرهم إنتاجا على الإطلاق . لقد تميزت فرقة المسرح الفني الحديث بأنها نقلت لغة المسرح نصا وأسلوب عرض [من] التقليدية البسيطة ، من مجرد العرض show ، [إلى] :

*) رحاب المسرح الملتزم ذي الأصول المعاصرة لغة والتزاما وتوازنا وأسلوب تفكير ، الرافض لكل ما هو سائد ومكرور . وهو ما جعلها قريبة من الناس بأنواعهم ، حاكتهم بمختلف ثقافاتهم فأصبح لها جمهورها الخاص والمعرف باسمها [جمهور الحديث] .

*) يضاف لها فضل الخروج بالمسرح العراقي إلى الخارج ، وبهذا كانت أول فرقة مسرحية خرجت بالمسرح إلى خارج العراق .

*) وقدمت سلسلة من التجارب وفق نظام تكاملي واكتفاء ذاتي . فلم تستعن بالطاقات من خارجها إلا ما ندر وعند الضرورات القصوى .

*) أثرت بإيجابية على أجيال من المسرحيين ممن توارثوا نهجها وتقاليدها في تراتبية منهجية وتربوية جيلا بعد جيل وفي كل التخصصات

وحتمت علينا التوأمة الخلاقة بين [العاني] و [فرقة المسرح الفني الحديث] أن نتناولهما معا ، فمن الصعب جدا أن نتناول أحدهما بمعزل عن الآخر . لأن ما كتبه العاني من مسرحيات كان من حصتها في التقديم على المسرح . ولأنهما شكلا وحدة أسلوبية وفنية جعلتهما يتسلسلان معا بمنطقية ابتداء : من مسرحية [راس الشليلة] ولم تنته بآخر مسرحياته [سالوفيات](2) . وهي صيغة لـ[الحكاية – السالوفة] حسب وصف مؤلفها ، و[السالوفة] بالمعنى العراقي الدارج هي : [الحكاية] . ومن هذه الحكايات ، كانت [زعفران] ، كتبها بداية كقصة قصيرة ، ثم نشرها باسم [مرجانة] ، وقدمها المخرج الراحل [طارق عبد الكريم]فيلما سينمائيا حين كان طالبا في معهد السينما بموسكو ، كجزء من متطلبات أطروحته في نيل الشهادة العليا . بعد ذلك أعاد العاني كتابتها إلى مسرحية في عام 1987 . ومن السالوفيات أيضا حكاية [أنيسة] – لا موجب لتفصيلها- التي نشرتها مجلة [الأدب الشعبي] عام 1998 . ومن السالوفيات مسرحية [جيقو] التي قدمتها فرقة المسرح الشعبي عام 2000 في المتحف البغدادي - أجهل تفاصيلها .

ولما كان العاني مزيجا من عذابات إنسانية متنوعة ، تجده سخر لها كل ما كتب بلا استثناء . ولأنه مولع بالهم الإنساني تراه متأثرا عن دراية ، بالأدب الروسي والسوفيتي في ما بعد . المتمثل بآثار كبار كتابه من أمثال تشيخوف ، غوغول ، غوركي ، تولستوي ، وسواهم . ولعل من مقولة غوركي التي كانت سببا في كتابته لمسرحية [ آني أمك يا شاكر] ، فدون جزءا من مقاطعها بعد أن أهدى غوركي مجموعته المسرحية الأولى [مسرحياتي] . هذه المقاطع كانت من حوار [الأم] ، الرواية الشهيرة لغوركي ، التي يقول فيها :

هل تعلمون لماذا قدموا ابني ومن معه إلى المحاكمة ؟ لسوف أقول لكم لماذا .. 

وانتم ستصدقون قلب أم وشعرها الشائب . لقد قدموهم إلى المحاكمة بكل
بساطة يقولون [الحقيقة] لسائر الناس ..(3)

والحقيقة هي الصدق الذي يدو إليه الواقعيون الاشتراكيون . ومنهم العاني ، مثلما حددتها وعاشها وعانى منها مع مجتمعه ثقافة ومنهجا ومعاناة . والذي تجدر معرفته ، يضاف إلى ذلك الصدق محاولته في تقريب النص الى جمهوره ، الأمر الذي دفعه إلى كتابة الغالبية العظمى من نصوصه باللهجة المحلية الدارجة . ولما سئل عن أسباب ذلك أكد عدم ميله الكبير للهجة الدارجة ، ولكنه يكتب بها عندما يكون المقصود من ورائها الإضافة للمسرح ولكي توصل المعنى بسهولة إلى الناس الذين جلهم من الأميين ، من الذين لا يحسنون القراءة والكتابة وإلا ما جدوى المسرح بلغة تتميز بالعظامية دون أن تصل إلى الناس إذا ما اتفقنا وهو رأي سائد : بأن الحوار هو ليس كل المسرح . وبالتالي فما الفرق بين لغة لا توصل ما تريد حين تكون غريبة على السامع – على أن نعرف بأن أكثر من نصف الشعب العربي من الأميين - واللهجة التي توصل أغراضها إلى المتلقي . ولدينا الدليل في مسرحية [بونتولا وتابعه ماتي] التي قدمت باسم [البيك والسايق] و باللهجة المحلية ولم تقدم باللغة العربية الفصحى . قال عن لغتها الناقد السوري رفيق الصبان : إنها كانت " أكثر حرارة من النص الفصيح الذي سبق لفرقة لبنانية أن قدمته في حلب – لنفس المسرحية – دون أن تحوز نجاحا ما "(4) ، ولا بد من الإشارة إلى أن العاني قد مثل فيها دور [بونتولا ، أو ، البيك] بنجاح كبير ، بل يعتبر واحدا من أهم أدواره في المسرح.

المدى العراقية في

24.02.2014

 
 

هذه حكايتي مع المسرح

يوسف العاني  

لا أعلم متى كان يوم ميلادي سوى إنني ولدت على سطح عال قرب نخلة تمر البربن في الفلوجة، أما في أي يوم ثقوا بي لا أدري!!، لكن أدري إنني وقفت أول مرة على خشبة المسرح في يوم 24 شباط / فبراير عام 1944.

وأوضح: وقفت ولا أدري ما التمثيل سوى إنني كنت أقلد النسوان اللواتي يأتين إلى بيت أخي وكيف يتحركن ويتهامسن وكيف وكيف، وأقلد المدرسين ومن اعجب بهم ومن لا اعجب بهم، هذا الشيء لعب، في ذلك اليوم الذي وقفت فيه على تلك الخشبة قبل 67 سنة وجدت نفسي مخرجا لأنني كاتب (التمثيلية) وليست المسرحية كما كنا نسميها، ولكن مدرس اللغة العربية صحح لي وأنا أقول (تمثيلية) فقال: قل: مسرحية، ومن هو الذي يحرك الجالسين في مقهى (جايخانة) مقهى صغير وقعت فيه حادثة طريفة جدا فأعجبتني هذه الحكاية فسطرتها كما يحلو لي ولا ادري كيف، واجتمعنا نحن خمس شخصيات في الصف الرابع الثانوي وشخصان من الخامس، واتفقنا على ان نقدمها على المسرح، وكانت في حفلة تعارف للطلبة، المشرف على تلك الحفلة، مدرس مادة النبات، في الثانوية المركزية ببغداد، قلت له أنا عندي تمثيلية أريد ان اقدمها في الحفلة، فقال (هل هي تضحك؟) فقلت له: نعم.. تضحك!!، أجبته بسذاجة، وقلت له تضحك وتقهر أيضا، قل لي: إذن قدمها، لكنني قلت كيف سأقدمها؟ فقلت لأصدقاء لي، الله يرحمهم، أنا الوحيد بينهم ما زلت حيا، من الذين مثلوا معي، مصطفى الخضار ورشيد النجار وغيرهما، كلنا نريد ان نمثل، فالمكان كان مقهى تخيلته كما شاهدت الحادثة فيها في سوق حمادة، انت اجلس هنا وانت هنا وكذا وكذا والفكرة كانت بسيطة وطريفة، ضحك الناس وخلصت المسرحية وخرجنا سعداء فمسكني المدرس الذي كان مشرفا على الحفلة، فقال لي: ماذا تريد ان تقول بهذه التمثيلية؟ فقلت: لا شيء، فقال: لا لا، انت طلعت الشرطي يرتشي وهذا يعني ان تمثيليتك ضد الحكومة!!!، وهذه معارضة للسلطة وللحكومة، وطلب ان لا افعلها ثانية، هنا.. طرقت أذني كلمة لم نكن نعرفها، وبقيت في رأسي، ولكن النقطة الثانية ان التمثيل ليس قضية ان الشخص يعجبه ان يقلد ذلك أو يضحك أو يبكي الآخرين، ولكن اهم شيء الخلق، العلم، هاتان القضيتان في بدايتي كانتا اكبر من قابليتي وطاقتي على فهمها.

كنت جالسا على المسرح وانا أتصبب عرقا بعد ان أنهيت مسرحية المونودراما (مجنون يتحدى القدر) وإذا بأحدهم يفتح باب المسرح من الخلف ويدخل وكانت ملابسه غاية في الأناقة، كنت قد سمعت به ولكن لم أتعرف عليه، وإذا هو إبراهيم جلال، نظر إلي ثم قال: أين كنت انت؟ (هاي انت وين جنت)، ثم لفلفني بكلامه، وبعد حديث بيننا حصل تأثير منه ان ادخل معهد الفنون الجميلة / القسم المسائي كطالب، كان قبلي في المعهد الأساتذة سامي عبد الحميد وبدري حسون فريد، ولدينا وظائفنا وكنت أنا محاميا، فانجمعنا ،وكانت هذه البداية لتأسيس فرقة المسرح الحديث أولا، وقدمنا أعمالا، وفعلا صيغة معهد الفنون تغيرت كلها، كان يقدم كل سنة مسرحية واحدة في مناسبة تتويج الملك أو غيرها،مسرحيات تقليدية، لكننا بدأنا نبحث وصرنا نعطي للقضايا بعدا آخر، حتى صار هناك تحسس من السلطة ان هذه المسألة تمسهم واحيانا كنا نبالغ ـ مثل أننا ذات مرة لم نجعل احدى الحفلات تحت رعاية وزير المعارف بل تحت رعاية محمد مهدي الجواهري ونحن في معهد الحكومة، وهذا لا يجوز، فكانت الناس تحضر العروض بشكل كبير لعدة أيام، فانتبهوا لنا وبدأوا يضايقوننا حتى فصلوني من المعهد، ولأننا كنا بدون نشاط قررنا ان تؤسس فرقة المسرح الحديث، إبراهيم جلال هو من تبنى الموضوع لأنه الوحيد، وكانت الفرق المسرحية في ذلك الوقت تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية ،مثل الملاهي، يعتبرون المسرح ملهى، قدم إبراهيم طلبا وأجيزت الفرقة المسرحية في الثالث من نيسان / أبريل عام 1952، لهذا أنا دائما احتفل بمناسبتين هما: وقوفي على المسرح يوم 24 شباط واحتفل بتأسيس فرقة المسرح الحديث التي استمرت ولي شرف عضويتها إلى الآن.

المدى العراقية في

24.02.2014

 
 

يوسف العاني مؤسّس المسرح العراقي الحديث

سامي عبد الحميد  

ما أن تعرفت بالأستاذ المبدع المفكر يوسف العاني وكنا طلبة في كلية الحقوق وكان ان شكل جمعية جبر الخواطر ليقدم باسمها تمثيلياته الناقدة حتى تحسست تصميمه على بناء صرح مسرحي عراقي يتصدى فيه لكل ما هو سلبي في الحكم، وفي السلطة وفي المجتمع، وعرفت ان الفن المسرحي وسيلة للتوعية والتوجيه وهدفه التغيير نحو الأفضل ،ومن هذا المنطلق اتفقت معه ومع أستاذنا إبراهيم جلال على تأسيس فرقة المسرح الحديث على أساس تلك الموضوعة التقدمية بين (يوسف العاني) مسرحياته التي تنتمي فكرياً وفنياً إلى صنف (المسرح الشعبي).مسرحيته (راس الشليلة) تنتقد الروتين الحكومي القاتل وفساد السلطة، ومسرحيته (ماكو شغل) تتصدى للبطالة ومسرحيته (آني امك يا شاكر) تتصدى لقهر السلطة واستخدام العنف ضد المناضلين في سبيل تحرر الوطن من ربقة الاستعمار ومسرحية (المفتاح) تهزأ من الخرافة وتدعو إلى العمل من اجل تطور المجتمع ومسرحية (الخرابة) تكشف عن مظالم الاحتلال والاستعمار على مر العصور.

وكان لي شرف إخراج العديد من مسرحيات (العاني) سواء في فرقة المسرح الحديث أم في مؤسسات أخرى ،ومنها كليات جامعة بغداد وكان آخرها مسرحية (نجمة) التي عرضت في مسرح المنصور أواخر التسعينات.

وإذ نحتفل بمرور حقب زمنية على أول صعود ليوسف العاني على خشبة المسرح فإنما نعبّر عن اعتزازنا بأحد مؤسسي المسرح الحديث في العراق ونتذكر سيرنا معاً حيث كنت أنا الآخر قد صعدت على المسرح بداية الأربعينات من القرن العشرين عندما مثلت دور البطولة في مسرحية (أنا الجندي) وأنا في المدرسة المتوسطة وربما كان هذا قاسماً مشتركاً بيني وبين أخي العزيز (يوسف العاني) إضافة لمشتركاتنا الفكرية والفنية.

بورتريه

يحتفل الوسط الفني اليوم 24 شباط بمناسبة مرور 70 عاما على اعتلاء الفنان الكبير يوسف العاني خشبة المسرح أول مرة عام 1944 .

ولد الفنان يوسف إسماعيل العاني ببغداد في 1/ تموز/ 1927م ، كما في سجل النفوس الرسمية ،والصحيح انه ولد في الفلوجة . 

• وقف على المسرح ممثلا في 24 شباط 1944م في مسرحية بفصل واحد من تأليفه وإخراجه ضمن نشاط جمعية العلوم في الثانوية المركزية ببغداد ، ويعتبر هذا اليوم يوم ميلاده الفني . 

• تخرج في كلية الحقوق دورة 1949 -1950 ، ومارس المحاماة لعدة سنوات . 

• درس في معهد الفنون الجميلة – فرع التمثيل – لمدة أربع سنوات ، وكان الأول في كل الدورات ، وفصل في السنة الأخيرة عام 1952 لمواقفه الوطنية . 

• عين معيدا في كلية التجارة والاقتصاد عام 1950 – 1951 للإشراف على النشاط الفني في الكلية وكانت هذه المسؤولية أول بادرة في تاريخ النشاط الفني الجامعي . 

• ساهم بتأسيس فرقة المسرح الفني الحديث مع الفنان الراحل إبراهيم جلال وعدد من الفنانين المثقفين الشباب في 3 / نيسان / 1952م . 

• مارس النقد السينمائي والمسرحي منذ عام 1952م ومازال يكتب في مجالات النقد والمتابعات الفنية ولا سيما المسرحية السينمائية ، داخل العراق وخارجه . 

• عام 1957 – 1958 قضى عاما كاملا في عدد من مسارح الدول الاشتراكية ، الاتحاد السوفيتي ، تشيكوسلوفاكيا وألمانيا الديمقراطية ، حيث توفر فيها للتعرف على مسرح بريشت .... ثم قضى عدة أشهر في مسارح فينا . 

• عين مديرا للبرامج في مديرية الإذاعة والتلفزيون بعد ثورة تموز عام 1958 . 

• عين أول مدير عام لمصلحة السينما والمسرح التي أسسها عام 1960 . 

• رئيس فرقة المسرح الفني الحديث . 

• رئيس المركز العراقي للمسرح التابع للمركز العالمي (I.T.I) اليونسكو . 

• مثل عددا كبيرا من المسرحيات الشهيرة ،أبرزها : (النخلة والجيران) و(الخرابة) و(أضواء على حياة يومية) و(المفتاح) و(بغداد الأزل بين الجد والهزل) و(آني أمك يا شاكر) و(الملا عبود الكرخي) و(نفوس) و(الإنسان الطيب) و(الخان) و(ست دراهم) و(الشريعة) وغيرها من المسرحيات . 

• مثل عددا من الأفلام السينمائية عراقية وعربية منها : (سعيد أفندي) و(أبو هيلة) و(وداعا يا لبنان) و(المنعطف) و(المسألة الكبرى) و(الفارس والجبل) و(الملك غازي) ، وفيلم (اليوم السادس) للمخرج العالمي الراحل يوسف شاهين . وغيرها من الأفلام السينمائية . 

• شغل عضوية اللجنة التنفيذية للمركز العالمي للمسرح ما بين 1983 – 1985 . 

• تقاعد من الوظيفة عام 1989م ، وتفرغ للعمل الفني . 

• أما مؤلفات يوسف العاني الـمنشورة ما بين المسرح والسينما والذكريات فكان من أهمها:

- راس الشليلة 1954 

- مسرحياتي الجزء الأول والثاني- 19601961 

-شعبنا 1961 

-بين المسرح والسينما 1967 إصدار القاهرة 

-أفلام العالم من أجل السلام 1968 

-مسرحية الخرابة 

-هوليوود بلا رتوش 1975 

-التجربة المسرحية معايشة وحكايات طباعة بيروت 1979 

-عشر مسرحيات ليوسف العاني- بيروت 1981 

-سيناريو لم أكتبه بعد 1987 

-المسرح بين الحديث والحدث 1990 

-شخوص في ذاكرتي 2002 

السينما استذكارات بين الظلام والضوء 2005

تقاسيم مسرحية عام 2009

شخصيات وذكريات 2012

المدى العراقية في

24.02.2014

 
 

من سوق حمادة إلى حيث المسرح

علاء المفرجي  

في أواسط السبعينات، وفي أمسية صيفية، كنا مجموعة من الطلبة نخف إلى حديقة نادي التعارف القريب من القصر الأبيض آنذاك، يوم كان هذا النادي مكاناً لأهم النشاطات الثقافية في بغداد.. والمناسبة أمسية يتحدث فيها يوسف العاني عن تجربته.. تكتظ الحديقة بضيوف الأمسية، الذين لم تستوعبهم مقاعد الحفل، فقضوه وقوفاً، أما نحن فقد اعتلينا جدار النادي لنتابع تفاصيله.

ها نحن إذن نحظى بلقاء يوسف العاني، وهذه المرة بشكل مباشر، لا عن طريق شاشة السينما أو التلفزيون أو خشبة المسرح، بالنسبة لي لم يكن يوسف العاني بالغريب.. فلطالما صادفته في أزقة الكرخ بلبوس أكثر من شخصية عايشتها في هذه المحلة العريقة.. ومنها والدي القريب الشبه منه.

اعتاد يوسف العاني أن يقتطع من التقويم يوما بعينه، يوقد فيه شموع الاحتفال، والغريب انه ليس يوم ميلاده.. أما التاريخ فهو الرابع والعشرون من شباط.. ففي مثل هذا اليوم قبل اكثر من ستين عاما، اعتلى العاني خشبة المسرح أول مرة، مؤرخا ولادته الحقيقية، ولادة مسرح عراقي اكتسب ملامحه المميزة وخصوصيته وتقاليده مع رهط من المسرحيين لينهضوا به متبوئاً مكانته العربية والعالمية، وهل لمؤرخ أو دارس لمسيرة هذا الفن ان يغفل بصمات هذا الفنان الذي نذر نفسه متعبداً في محرابه؟

يوسف العاني ذاكرة جيل اشهر حبه للفن عند تخوم زمن كانت المجاهرة فيه لعنة، والعمل فيه خطيئة تستحق الرجم، فكيف اذا امتشق هذا الفن سيف التحريض والتغيير؟

ما زالت كلماته في تلك الأمسية وهو يرد على من يدعي خروج المسرح عن جادته في الأذهان وهو يقول: إن المسرح العراقي بدأ ملتزماً وسيبقى.

فنان متعدد الاهتمامات، ذلك ان الفنان الحقيقي يسعى إلى بلورة تصوراته بطرق عدة، فيكون شديد اليقظة مع وجود طاقة شديدة وحالة عالية من التوتر والاستثارة تدفعه إلى المواصلة والاستمرار برغم العقبات ... مسرح، سينما، تلفزيون، كتابات نقدية يمارسها، وفي الأفق هدف سام يأمل الإمساك به من (سوق حمادة) في الكرخ ولم تنته المحاولة بعد.

يوسف العاني عالم تنوعت تضاريسه، وويل لرحالة يجوب فيه لا يتزود بمتاع الموضوعية والإنصاف كي يستكشف غناه وعمقه ليخرج بخريطة تزدحم فيها الخطوط والمنحنيات بين مسرح راس الشليلة، والبيك والسايق والنخلة الباسقة التي يتلذذ من طعم رطبها الجيران، وسينما سعيد أفندي وأبو هيلة، ويوم يوسف شاهين السادس، مروراً بالتلفزيون حيث ثابت أفندي ورائحة القهوة.. وكتابات تناثرت في زوايا الصحف والدوريات تؤكد عمق التجربة ونقاء الانطباع.
وأخيراً هو سفير تأبط أوراق اعتماده جوال فوق العادة في المؤتمرات والملتقيات، ومتوجا كرائد من رواد المسرح العربي والأفريقي في قرطاج.. صداقات وعلاقات كانت جسر محبة مع ملل وأجناس مختلفة.

يوسف العاني في 24 شباط دراما شعبية وعملة صعبة جديرة بالمحبة والتذكر.

المدى العراقية في

24.02.2014

 
 

دراما وتمثيل: امرأة نصفها ظاهر

محمد رضا 

شكلت مسرحية «أيام سعيدة» للكاتب الآيرلندي سامويل بيكيت تحديات على من حاول معالجتها على الخشبة من قبل، وتشكل اليوم، والمحاولة تعود، ذات التحديات.

وصفت حين أنجزها الكاتب عام 1961 بأنها طليعية، وتألفت من فصلين. وأول تقديم مسرحي لها جرى في نيويورك في العام ذاته، وأول تقديم لندني لها جرى في العام التالي (1962). الآراء حولها حين عرضت في لندن كانت أكثر سخونة وانقساما من العرض النيويوركي لها. البعض وجدها من أفضل كتابات المؤلف، والبعض الأكثر أعاب عليها أنها أكثر تعقيدا مما يجب.

الآن تعود المسرحية إلى الظهور في لندن في إنتاج جديد. ليس هناك خروقات فنية فيه بل عودة إلى استيحاء النص بأمانة. فصلان جيدا التنفيذ من المخرجة نتالي أبراهامي يستند إلى تصميم فني دقيق من فيكي مورتيمر وإلى تمثيل جيد من جولييت ستيفنسون.

كما بدأ بيكيت مسرحيته، يبدأها النص الماثل حاليا: ويني (الاسم الغريب نوعا للشخصية الأساسية) مدفونة حتى منتصف جسدها بالرمل. بالنسبة للكاتب فإن الرغبة هي رمزية. المرأة التي تجاوزت سن الشباب قد ترمز إلى كل نساء الأرض. والنصف المدفون من جسدها هو ما مضى من زمن ما زالت فيه المرأة تحاول أن تحقق وجودها وطموحاتها. الأرض بالتالي هي الحياة. صحيح أن هذه الاستنتاجات أقرب لأن تكون تلقائية لكنها ليست عفوية. والمسرحية الجديدة توفرها كما هي بما في ذلك عدم محاولة استقراء الماضي. ففي النص الأصلي لا يوجد سبب يوضح كيف وصلت ويني إلى هذا الوضع، كذلك الحال في المسرحية الحالية (وربما في معظم النسخ السابقة منها). أيضا، ستمثل ستيفنسون دورها في الفصل الأول بنصف جسدها مطمورا ونصفه ظاهرا.

في الفصل الثاني ستمثل بعنقها ورأسها فقط، كذلك حسب النص الأصلي. هذا فعل صعب على الممثل لأسباب بدهية من بينها أن عليه (أو عليها في هذه المناسبة) أن تخاطب الجمهور من داخل وضعها وليس بالتغلب عليه أو توظيفه وبالتالي استمرار قوة فعلها خصوصا في الفصل الثاني. وما هو أصعب على المخرج أن عليه أن يحول رمزيات من الأسهل كتابتها في نص إلى رمزيات تبقى ملحة من ناحية أخرى من دون أن تسقط في مطب كوميدي هنا أو تراجيدي مكشوف أو مباشر هناك.

ما هو تحد أكبر - على الأرجح - هو المحافظة على فكرة سادت المسرحية كما وضعها بيكيت: الحفاظ على خط واضح من الأمل والتفاؤل في الوقت الذي أسس فيه لشروط حياة صعبة: ليس فقط أن بطلته لا تتحرك كاملا، والرمال التي تطمرها تبقى ظاهرة طوال العرض، بل إن اليوم هو نهار دائم. ويني تنام وتصحو خلاله، ليس لأن الأحداث تقع في القطب الشمالي مثلا بل لأن الحياة، في هذا المنظور، لا تعرف النهار والليل، ولأن السرمدية هي الغالبة. لكن كيف تصنع عملا متفائلا من وضع كهذا؟

بيكيت اعتمد على النص والحوار ذاتيهما للغاية وفي الأساس على تفاؤل بطلته نفسها وتعاملها «الطبيعي» مع الحالة الصعبة التي تعيش فيها.

التصميم الفني في الإنتاج الجديد مهم جدا لأن عليه أن يختصر صفحات ومسافات. للغاية جرى نشر الرمال لا حول الممثلة وفوقها فقط، بل بعدها أيضا. بذلك ضمن العمل سرمدية الوضع بلغته الخاصة.

الشرق الأوسط في

24.02.2014

 
 

بعد أن انخرطت في مجال كتابة المسلسلات تختار سجن النساء موضوعا جديدا لها

فيفيان أنطونيوس: أحضر لفيلم سينمائي عن الجيش اللبناني.. وكفانا مسلسلات تركية

بيروت: فيفيان حداد 

قالت الممثلة اللبنانية فيفيان أنطونيوس إنها بصدد كتابة نص لفيلم سينمائي لبناني يحكي عن الجيش اللبناني. وتابعت في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «الفيلم يحكي قصة عنصر في الجيش استشهد أمام عين ابنه الذي قرر عندما كبر أن يلتحق بهذه المؤسسة تعبيرا عن فخره بوالده». وتضيف فيفيان أنطونيوس التي انخرطت مؤخرا في كتابة المسلسلات التلفزيونية، وبينها «إلى يارا» و«شوارع الذل»: «هي فكرة خطرت على بالي منذ فترة طويلة، وعندما لقيت ترحيبا بها من قبل مجموعة شركات إنتاج بدأت بها مباشرة».

وتشير الممثلة اللبنانية إلى أنه «حان الوقت لنا أن نتطرق إلى مواضيع تتناول صميم حياتنا اللبنانية، وأن الحديث عن الجيش اللبناني لهو أمر نفتخر به ويهمنا أن نخرج به إلى الملأ، لا سيما وأن هذه المؤسسة لعبت وما زالت دورا رئيسا في تزويد اللبنانيين بالأمان والاستقرار». وقالت: «هذه المؤسسة التي ترجمت فكرتي عنها بصوت عالٍ هي مصدر ثقة لنا كلبنانيين، وأعتز كوني أول من فكر في كتابة فيلم عنها».

أما عن دورها فيه وإذا كانت استحوذت على البطولة، فأجابت: «في الحقيقة لم أرغب في لعب دور البطولة وآثرت أن أقوم بدور والدة الصبي الصغير الذي سيتحول في ما بعد إلى بطل الفيلم، فلقد شعرت أنني قريبة جدا من هذا الدور الذي يتكلم عن الأم وعن المعاناة والتحولات التي ستعصف في حياتها منذ استشهاد زوجها حتى التحاق ابنها بهذه المؤسسة العسكرية التي نكنّ لها كل احترام».

وأكدت أنها قبيل إقدامها على كتابة أي فكرة لمسلسل أو فيلم تقوم بأبحاث دقيقة ومضنية عن كل تفصيل أو حالة تمر في العمل، وهذا ما اتبعته في التحضيرات لهذا الفيلم، إذ التقت بمسؤولين عسكريين ووقفت عن كثب على بعض الحالات التي حصلت لجنود وعسكريين لبنانيين، رغبة منها في عدم الوقوع بأي خطأ قد يؤثر على مجرياته. وتقول بهذا الصدد: «هذه الوتيرة التي أعمل بها حصدت نتائجها الإيجابية بدءا من مسلسل (إلى يارا)، إذ تلقيت اتصالات من بعض مرضى السرطان يقولون لي إنهم تصالحوا مع أنفسهم ومع مرضهم بعد مشاهدتهم للمسلسل، فأحسست بأنه وصل إلي حقي وحققت هدفي بنقل الواقع بحذافيره». وكان المسلسل المذكور «إلى يارا» يحكي قصة فتاة مصابة بمرض السرطان تدعى يارا، استطاعت في نهايته الشفاء بفضل نضالها وتصديها لليأس الذي يسيطر عادة على أصحاب هذه الحالات.

أما عن أسماء أبطال الفيلم وعن كيفية اختيارهم، فقالت: «لقد وضعنا لائحة طويلة بأهم وجوهها، وتحدثنا مع شركات الإنتاج عمن يناسب كل دور، وقريبا سنعلن هذه الأسماء للإعلام».

وختمت هذا الموضوع بالقول: «هي بمثابة تحية نرفعها للجيش اللبناني وللبطولات التي حققها على أرض الوطن، وأتمنى أن تعجب المشاهد».

أما عن تجربتها كممثلة وكاتبة لمسلسل «شوارع الذل» الذي لاقى صدى طيبا لدى المشاهد اللبناني، فقالت: «هي تجربة أعتز بها، لامستني عن قرب وكتبتها وزميلتي لورا خباز بحس مرهف وبواقعية عايشنا فيها حقيقة كل مراحل المسلسل، ولذلك استطاع أن يحصد هذا النجاح».

ورأت أن الساحة التمثيلية في لبنان تشهد اليوم نهضة ملحوظة وتطورا ساهم في إبراز كل عناصرها إلى المشاهد العربي، وقالت: «كفانا مسلسلات تركية لا تشبهنا لا من بعيد ولا من قريب، لا سيما وأن لدينا مكونات وعناصر المسلسل الناجح، إن من حيث القصة والإخراج والإنتاج أو مستوى التمثيل». وتابعت: «هنا لا يمكنني إلا أن أنوه بالمساندة الكبيرة التي أظهرتها لنا المؤسسة اللبنانية للإرسال (إل بي سي آي) ومنحتنا الفرصة لمنافسة المسلسلات التركية، فراهنت على نجاحها رغم أنها تنفذ أحيانا بإمكانيات ضئيلة لا يمكن أن نقارنها بتلك التركية منها، والتي يصرف عليها الملايين». وأثنت فيفيان أنطونيوس أيضا على شركات الإنتاج ولا سيما «فينيكس بيكتشرز» التي دخلت هذه المغامرة «بقلب قوي فنهضت بأعمال الدراما اللبنانية وأوصلتها إلى المشاهد بمصداقية عالية واضعة تاريخها المهني على المحك من أجل ذلك».

وعما إذا كان مسلسل «شوارع الذل»، الذي يحكي عن مشكلة أطفال الشوارع وممارسي مهنة التسول على الطرقات، قد انقلب سحره على الساحر فشجع على ممارسة هذه المهنة بعد أن أظهر النص تعاطفهم معهم، أوضحت: «بالتأكيد إن هذه الفكرة خاطئة مائة في المائة، فعندما كتبنا - لورا وأنا - النص أردنا أن ننقل الواقع الذي يعيش فيه هؤلاء الأطفال، وأن نجعل الناس يفهمون تماما في أي ظروف ينمون، فحاولنا مطالبتهم بعدم ظلمهم أولا والتصرف معهم بإنسانية ثانيا، وكذلك لحثهم على مساندة الجمعيات التي تهتم بهؤلاء الأطفال، فلو تبرع كل لبناني بمبلغ ضئيل ولو ألف ليرة لبنانية لتلك الجمعيات لكانت تمكنت من لم شمل أكبر عدد ممكن من أطفال الشوارع ووضعتهم على الطريق الصحيح».

وأضافت في هذا الموضوع: «إننا نفكر في أن نقوم بيوم (تيليتون) نخصصه لهؤلاء الأطفال فنجمع فيه التبرعات من المشاهدين للمساعدة في رعايتهم، فنحن لا نريد أن تتوقف رسالتنا عند المسلسل فقط، بل أن نتبعها بخطوات أخرى تعزز الهدف الأساسي له».

وأكدت فيفيان أنطونيوس أن مقص جهاز الأمن العام في لبنان لم يستخدم في هذا المسلسل، وأنها وزميلتها في كتابته «لورا خباز» قامتا من تلقاء نفسيهما بحذف بعض المواقف القاسية والبشعة، إضافة إلى بعض الكلمات الجارحة التي في إمكانها أن تؤثر سلبا على المشاهد أو يفهمها غلط.

وفيفيان التي شاركها ابنها (يني) في هذا المسلسل، فمثل دور أحد هؤلاء الأطفال، أخبرتنا أنه فوجئ بأن هناك واقعا كهذا في لبنان وأنه كان يتحمل كل ظروف التصوير لاقتناعه بالفكرة. وعلقت على مشاركته قائلة: «لقد كان ملتصقا بالمخرج وبفريق العمل لشدة تأثره بمجريات العمل فلامسته القصة عن قرب». وتتذكر حادثة طريفة حصلت معه قائلة: «في إحدى المرات وكانت الحرارة مرتفعة جدا في فصل الصيف قرر مخرج العمل إيلي معلوف أن يشتري المثلجات للأطفال المشاركين في المسلسل، فصرخ ابني قائلا: «لا أريد مثلجات، بل أريد دورا أكبر في المسلسل».

أما عن مشاريعها المستقبلية فتحدثت قائلة: «أبدأ قريبا في كتابة مسلسل لبناني يحكي عن السجينات الموجودات في (سجن بعبدا) وعن الظروف التي ساهمت في وصولهن إلى ذلك المكان، وقمت في هذا الصدد بلقاءات مكثفة مع مسؤولين عن هذا السجن ومع أشخاص تعرفوا إليهن عن كثب، كالممثلة زينة دكاش التي تعطيهن حصصا تتعلق بالعلاج بالدراما. وأتمنى أن أوفق في هذا العمل الذي أحضر له أيضا مع زميلتي وصديقتي لورا خباز».

الشرق الأوسط في

24.02.2014

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2014)