ماثيو ماكونوهي، ككل الأشياء الجيدة في الحياة، حدث فجأة.
بدأ التمثيل في مطلع تسعينات القرن الماضي، وتستطيع أن تقول إن
معظمنا لم يلحظه لا في «دائخ ومحتار» ولا في «لون ستار» ولا في
«وقت للقتل» ولا في «اتصال» أو في الكثير من الأفلام الأخرى بما
فيها «أميستاد».
طبعا إذا ما كنت ناقدا أو عضوا في أكاديمية العلوم والفنون
السينمائية، فإن عينيك، تلقائيا، ستبحث في المشاهد المتتابعة عمن
تستطيع أن تقول: «هذا الممثل متميز»، لكن ماثيو حرص على أن يمثل
فقط بالقدر الذي حرصت فيه تلك الأفلام وسواها وحتى مطلع العقد
الأول من هذا القرن على مجرد استخدامه كممثل وليس كموهبة وبالتأكيد
ليس كاكتشاف.
على ذلك، بعض المخرجين انتبه إليه. مثلا رتشارد لينكلتر جلبه إلى
فيلمه «دائخ ومحتار» ليتولى نطق ثلاثة أسطر فقط... لكن عندما شاهده
يمثل ذلك المشهد منحه أكثر من 300 سطر من الحوار في مشاهد متعددة.
في «لون ستار» ترك انطباعا جيدا وإن لم يستمر طويلا لقصر الدور.
ولد سنة 1969 في تكساس، الولاية التي عاد إليها لتصوير بطولة فيلم
«دالاس بايرز كلوب» الذي حصد بسببه الـ«غولدن غلوبس» والأوسكار
وأكثر من عشرة جوائز نقدية خلال نهاية العام الماضي ومطلع هذه
السنة. كما يقول في حديثه، هو الدور الفرصة التي لا يمكن تفويته.
لكن لجانب أنه دور مهم في تكوين شخصيته، هو دور يشكل ارتقاء عما
مثله ماكونوهي من قبل.
وهناك منحنى قد يعترف ماكونوهي به أو لا يعترف: أدواره في السنوات
الأربع الماضية هي من النوع الذي لم تتَح له فرصة تقديمه من قبل.
من «برني» إلى «مد» ومن «محامي اللينكولن» إلى «دالاس بايرز كلوب»
ومسلسله التلفزيوني الجديد «تحريون حقيقيون» يوفر ماكونوهي وجها
جديدا علينا لم يسبق له أن عبر عنه إلا لماما من قبل. واحدة من تلك
المرات القليلة دور البطولة في فيلم «صحراء» أمام ستيف زون
وبينيلبوبي كروز. فيلم من المرجح أنه من تلك الخفيفة التي يقول
عنها هذا الممثل بأنه يحبها وسوف يعود إليها، ولو بمنظور جديد.
·
ماثيو. فوزك بالأوسكار كان آخر محطة في سلسلة جوائز نلتها عن دورك
في «دالاس بايرز كلوب»، ما الذي تعنيه لك الجائزة وأقصد أي جائزة؟
- على صعيد أساسي تعني أن العمل الذي قمت به ترجم ووصل. بالنسبة
إلى هذا ما تعنيه الجائزة تحديدا لأنه إذا لم أنجح في تقديم عمل
فلن يصل إلى المشاهدين على تعدد فئاتهم وأذواقهم. وهو لا يمكن أن
يصل إلى الجميع بنفس السوية على أي حال، لكنه يخلق تواصلا بينه
وبين المتلقين.
·
الفترة التي تلي الانتهاء من تصوير فيلم معين لا تعني بالضرورة أن
هذا التواصل قائم. أقصد أنك تنتهي من تمثيل دور ما ثم يمر أكثر من
ستة أشهر قبل أن يجد العمل النور.
- صحيح. هذا ما حدث مع «دالاس بايرز كلوب»، لقد انتهى العمل قبل
أكثر من سنة ونصف قبل أن يجري توزيعه. ما يحدث أن العمل حين يثبت
جدارته أو حين يبرهن عن مستواه تعود إليه الحياة. وأنا أجد كل ذلك
ممتعا ومثيرا.
·
تطلب العمل على هذا الفيلم فترة طويلة قبل التصوير أيضا...
- حقيقة، كون هذا الفيلم أتيح له أن يصور فهذا معجزة بحد ذاتها. لا
الموضوع كان من النوع الذي تجده منتشرا بين إنتاجات هوليوود ولا
المخرج اسم معروف من قبل. وتعلم أن كل دولار يودع في فيلم هذه
الأيام يأتي بصعوبة، خصوصا بالنسبة إلى مثل هذه الأفلام غير
المضمونة تجاريا. الفيلم بحد ذاته جائزة، وبعد ذلك كل الجوائز التي
سببها لي أو لغيري من العاملين هي ملحقة به. هل تعرف ما أقصد؟ حين
انتهى الفيلم شعرنا جميعا بأننا أنجزنا فيلما ممتازا. إن التمثيل
فيه كان ممتازا. إن الموضوع مهم وممتاز... هذا كان بمثابة جائزة
أولى.
·
البعض من زملائي في «جمعية المراسلين الأجانب» اعتقد أنك لم تكن
تتوقع الفوز بالـ«غولدن غلوب». لكن هذه الجائزة كانت الأولى في
سلسلة الجوائز التي تسلمتها وصولا إلى الأوسكار... كيف كنت تشعر
إزاء كل جائزة تحصل عليها؟
- أذكر أنني سمعت الممثلة جسيكا شاستين تذكر اسم «مات» (اختصار
ماثيو). رجعت برأسي إلى الوراء محاولا أن أتذكر إذا ما كان بين
المنافسين من يشبه اسمه الأول اسمي (يضحك)... قبل ذلك وجدت نفسي
أتساءل: ماذا لو أنني فزت؟... ما الذي سأقوله؟
·
هل داهمك هذا السؤال عندما كنت تجلس بانتظار معرفة الفائز
بالأوسكار؟
- أحاول أن لا أفعل ذلك. طبعا لا يعني ذلك أنني أنجح في استبعاد
التفكير في الاحتمال... أو في الأمل بالفوز... أقول لنفسي اترك هذا
الخاطر... لا مكان له، فأنا لم أربح بعد. كل واحد من الذين نافسوني
على أي من هاتين الجائزتين كان مدهشا. قدم شيئا جديرا وجديدا. وأنا
سعيد بأني فزت. لن أتعب من هذا الشعور ولن أتعب من الشعور بالفخر
لأني مثلت هذا الفيلم أو لأني مثلت في فيلمي الآخر «تحريون
حقيقيون» (True
Detectives).
ما هو مهم هو أنها مرتي الأولى التي أفوز بها والمرة الثانية وما
بعدها ليست كالمرة الأولى... الأولى تبقى الأولى.
·
الطريقة التي أديت بها شخصية رون في «دالاس بايرز كلوب» كانت على
قدر كبير جدا من البذل. أردت لنفسك أن تختفي في الشخصية. هل هذا
الحكم صحيح؟
- إلى حد هو كذلك. أردت أن أكون رون بلا أي تردد، ليس هناك أي جدال
في ذلك، لكن رون هو شخصية مفتوحة قد أؤديها أنا بطريقة ويؤديها
ممثل آخر بطريقة وكلانا جيد. المختلف هو أن هناك ضرورة للاعتراف
بأن الذوبان تماما مستحيل. أنت لا تزال واعيا خلال التمثيل أنك
تريد أن تقدم نفسك في شخصية وأن تقدمها جيدا. أعتقد أن هذا ما يجعل
الاختلاف بين ممثل وآخر موجودا. فتحقيق ذلك نابع من كونك الممثل
الذي لديه شخصية هي في الأساس مختلفة عن شخصية الممثل الآخر... هل
هذا واضح؟ ما أقصد قوله هو أنني كنت واعيا لما أقوم به خلال
التمثيل، لذلك لا يمكن أن يذوب الممثل داخل الشخصية بحيث لا يعد
ممكنا رؤيته هو.
·
واضح. هل حدث هذا مع مسلسلك التلفزيوني «تحريون حقيقيون»؟
- تختلف الكتابة. حين قامت محطة «HBO»
بتقديم سيناريو الحلقتين الأولى والثانية، وهذا كل النص الذي كان
متوفرا حتى ذلك الحين، كان العرض المقدم هو أن أقوم بشخصية مارتي
هارت. بعد أن قرأت السيناريوهين اتصلت بالمنتجين وقلت لهم إنني
موافق، لكني لا أريد أن ألعب شخصية مارتي، بل شخصية رستن كول.
·
لماذا؟
- شخصية مارتي مكتوبة جيدا فعلا وهي الشخصية التي يلعبها الآن وودي
هارلسون. لكن الكلمات الموضوعة على لسان رستن كول رائعة. الحوار
أكثر من مدهش. إنه من نار، وهذا ما جعلني أقرر أنني أريد تمثيل هذه
الشخصية. أعني أن ما يقوله رستن خلال العرض... هذا الحوار مع
الذات... كان ساحرا، وهو الذي جذبني إليه. كان يتطلب نظاما داخليا.
قدرة على امتلاك الموقف وعدم الوقوع في فخ الثرثرة، ما يجعلني أثني
على الكتابة لأنها قد ترفع من شأن التمثيل أو تهوي به.
·
لم أرَ «تحريون حقيقيون» بعد، لكن هل أفهم أن الشخصية داكنة؟
- لم أرَها داكنة على الإطلاق. وجدت صاحبها يؤمن بالواقعية. إنه
واقعي أولا. براغماتي. لو سمعت ما يقول تجده يقول الصدق جدليا حول
كل شيء. إنه رجل منصرف لكشف الحقيقة كما هي، وأنت كمشاهد لا تريد
أن ترى من تحب يفعل ذلك.
·
هل تعرف أحدا يغرق في الواقع إلى هذا الحد؟
- لا. جميعنا نغرف من الأعذار ما نغدقه على أنفسنا. جميعنا نحتال
على أنفسنا لكي نحيا اليوم. لو لم نفعل لما استطعنا العيش حتى
الساعة التاسعة صباحا. الحقيقة بالنسبة إليه ليست وجهة نظر، وهو لا
يتعامل معها كما لو كان يقصد كشفها... هو ملتحم بها. إنه جزيرة من
شخص واحد.
·
تبدو لي العكس تماما من الشخصية التي أديتها في «دالاس بايرز كلوب»...
- تختلف كثيرا بالطبع. رون في «دالاس..». لا يريد أن يصدق الحقيقة.
هذا الاختلاف كافٍ لوضع كلتا الشخصيتين واحدة في مقابل الأخرى. رون
شخص من طينة مختلفة. ابن الأمس لأن الأحداث تدور قبل عدة عقود، وهو
يتصرف بما كان يعرفه أو تبعا لنشأته.
·
رون كان طبيعيا في هذا الشأن من حيث إنه نشأ في بيئة ذكورية لا تكن
أي إعجاب أو تحمل للمثليين. هذا يذكرني بتعليقات البعض منتقدين أنك
لم تتحدث بما فيه الكفاية عن مرضى «الإيدز» لا في الـ«غولدن غلوبس»
ولا في حفلة الأوسكار.
- لم أقرأ أنا هذه التعليقات، لكن الوقت المتاح لك فوق المنصة
محدود جدا، عليك أن تذكر ما يرد على بالك أولا مدركا أنك لا تستطيع
أن تستفيض على الإطلاق. يكفي أنك تحاول أن تذكر الأسماء التي تشعر
بأنك تريد توجيه التحية والشكر إليها وتخشى أن تنسى ذكر البعض،
ودائما ما تنسى... لو كان هناك وقت لتحدثت في أمور كثيرة.
·
منذ أن أديت بطولة شخصية «Mud»
في فيلم بالعنوان نفسه وهناك تحول ملحوظ في أدوارك وفي أدائك كما
لو أنك اكتشفت جانبا جديدا في موهبتك لم تحاول أن تتطرق إليه من
قبل...
- ربما... بالطبع. لكني لم أرَ ذلك وهو يحدث. هذا بالتأكيد تطور
ناتج عن أنني بدأت أدرس بعناية أكبر الأدوار التي تعرض علي وكيف
يمكن لي أن أسبر شخصيات ما أوافق عليه منها.
·
قبل «مد» مثلت أدوارا خفيفة كثيرة. كنت جيدا لكن لم تكن واعدا بهذا
التحول.
- لقد استمتعت بما مثلته من أفلام كوميدية - رومانسية. وسبق لي أن
قلت ذلك أكثر من مرة. أحب تلك الأدوار الخفيفة لكني الآن استمتع
بتمثيل شخصيات كتلك التي نتحدث عنها.
·
رغم كل شيء لا بد أن لديك حوافز جعلتك تقرر نبش ذلك الجانب من
الموهبة... لا يمكن أن يكون مجرد صعود درجات. أليس كذلك؟
- بلى، طبعا. ما فعلته هو أنني قررت أن أكون أنانيا بعض الشيء.
قررت أن أفكر في أي من الأدوار أستطيع أن أمارس فيها تجربة تمثيل
جديدة. لم أكن مهتما بما إذا كان هذا الفيلم سيحقق نجاحا أو إذا ما
كنت سأحقق عبره جوائز.
·
هل لديك ملاحظات على هوليوود وطريقة «البزنس» فيها؟
- (يبتسم بفضول): كيف ذلك؟
·
فيلم مثل «دالاس بايرز كلوب» بالكاد جرى إنتاجه، وأنت بالكاد نلت
الأجر التي تستحقه... لكنه فيلم ممتاز بأداء يستحق الجوائز التي
نلتها... ما هو تفسيرك؟
- تفسيري أن الأمور كان يجب أن تكون مختلفة بالنسبة للجميع. الفيلم
الجيد عليه أن يرى عجلة العمل بطريقة أسرع، لكننا في صناعة لها
شروطها بالطبع. بالنسبة إلي شخصيا وجدت نفسي في هذا الدرب في هذه
المرحلة. مرحلة تتطلب مني أن أبذل بصرف النظر عن الأجر الذي أناله.
·
ما هي أولوياتك؟ العائلة أم التمثيل؟
- يصعب علي أن أضع يدا فوق أخرى في هذا المجال. العائلة والتمثيل
وتكويني هي أولوياتي. عندما بدأت هذه المهنة كان هذا قراري: سأغلق
الباب على كل شيء آخر عدا هذه الأمور الثلاثة. سوف أكون ممثلا
بالأجر. لهذا وجدتني في أفلام مختلفة، ما جعلك تعتقد أن هناك تطورا
في مهنتي.
·
لكنّ هناك تطورا في مهنتك... هذا واضح. أنت اليوم غير ماثيو
ماكونوهي في أدوارك الأولى قبل 15 أو 20 سنة.
- صحيح. لا أقول غير ذلك، وكما ذكرت لك هذه الأفلام تعجبني ومن
المؤكد أنني سأقوم بالمزيد منها. لكن نتيجة انفتاحي على التمثيل من
دون شروط أن الأفلام المستقلة لم تجدني مبكرا. لم يسألني أحد أن
أمثل مثل هذه الأفلام، وأظن لأنني ظهرت في أفلام الاستوديوهات
أساسا.
·
لكنك لعبت بعض هذه الأفلام... «لون ستار» أحد أفضلها؟
- نعم، لكن ما قصدته هو الحديث عن الفترة اللاحقة التي تلت تلك
البدايات. الفترة التي لعبت فيها في «أميستاد» و«صحراء» و«فتيان
نيوتن»... كانت هذه أدوار رئيسة لكنها تنتمي إلى الاستوديو وليس
إلى السينما المستقلة.
·
ماذا عن «دالاس بايرز كلوب»؟
- قبل هذا الفيلم بدأت تلك الأفلام تجدني... مثل «القاتل جو»
و«مد»... لكن «دالاس..». وصلني كعرض شأنه في ذلك شأن كل العروض
الأخرى. حين قرأته لم أرِد أن أكون ممثلا فيه فقط، بل أن أسعى لأن
أراه ماثلا على الشاشة. كان نوعا من الأعمال التي تدرك أنك كممثل
عليك أن تقوم بها. حين تسألني قبل قليل عن البزنس والمال... طبعا
أريد أن أقبض ما أستحقه... لا أنوى أن أفلس بسبب حبي للتمثيل
(يضحك). |