خديجة لوكلير مخرجة سينمائية بلجيكية مغربية الجذور مقيمة في
بروكسيل، أنجزت حديثاً أول فيلم روائي طويل من تأليفها وإخراجها
بعدما قدمت في الماضي ثلاثة أفلام قصيرة لاقت الرواج وحصدت الجوائز
في المهرجانات الدولية، ومنها مهرجان دبي السينمائي. والفيلم
الطويل إذاً عنوانه «كيس الطحين»
Le Sac de farine
وهو إنتاج مشترك بين المغرب وبلجيكا ومن بطولة الفلسطينية هيام
عباس والتونسية حفصية حرزي والجزائري إسماعيل.
يتعرض الفيلم لحكاية صبية من أصل مغربي مولودة في بلجيكا ومقيمة في
قلب ملجأ إثر اضطرار والدها إلى البقاء في المغرب من أجل عمله
بينما تعاني الأم مرضاً عقلياً يمنعها من تربية ابنتها. وفي يوم
يأتي الأب إلى بروكسل ويأخذ الصبية معه إلى المغرب حيث يتركها في
صحبة أخته وعائلتها بينما لا يهتم هو إلا برحلاته المهنية الكثيرة.
ولا تشعر الطفلة بأي سعادة أمام هذا الوضع وتظل تغذي في عقلها حلم
العودة في يوم ما إلى بلجيكا.
أتت خديجة لوكلير إلى باريس من أجل الترويج لفيلمها قبل نزوله
القريب العهد إلى دور السينما الفرنسية، علماً أنه سيعرض في المغرب
ودول عربية أخرى اعتباراً من مطلع شهر نيسان (أبريل) المقبل.
والتقتها «الحياة» في هذا الحديث.
·
أنت كتبت سيناريو فيلم «كيس الطحين» قبل أن تخرجيه، فماذا كان مصدر
إلهامك في شأن هذه القصة بالتحديد؟
- إن مصدر إلهامي هو نفسي بما أنني أسرد في الفيلم حكايتي الشخصية.
ولكنني في طبيعة الحال أدخلت إلى الوقائع بعض الخيال والرومانسية
من أجل أن يتسم الفيلم بمواصفات سينمائية، فأنا لم أرغب في إنجاز
عمل تسجيلي ولكن روائي بحت.
·
هل كان من السهل عليك كمبتدئة تولي إدارة ممثلات من طراز هيام عباس
وحفصية حرزي؟
- أنا أعشق إدارة الممثلين، ولا تنسى أنني أخرجت في الماضي ثلاثة
أفلام قصيرة، الأمر الذي يعني أنني لست مبتدئة كلياً. أنا لن أدّعي
أن العملية كانت سهلة ولكنها لم تتسم بالصعوبة طالماً أنني كنت
ملمة بمهمتي كمخرجة وغير مستعدة لإظهار أي نقطة ضعف أمام الممثلين.
وعلى رغم كون حفصية حرزي وهيام عباس على مستوى كبير من النجومية،
فأنا لم أشعر في لحظة واحدة بأي نوع من التكبر في تصرفات الأولى أو
الثانية، بل على عكس ذلك، وجدت نفسي محاطة بممثلتين مهنيتين
مطيعتين طالما أنني كنت أعرف ماذا أريد ولم أترك لهما ثغرة من أجل
الدخول فيها وخطف السلطة مني. والنجوم بعامة يحترمون المخرج الذي
يعرف كيف يديرهم ويستغل موهبتهم على الوجه الأفضل.
·
ماذا عن الطفلة رانيا مللولي التي تؤدي شخصية حفصية حرزي وهي بعد
صبية؟
- لقد عثرنا عليها في وسط مجموعة ضخمة من الطفلات اللاتي تقدمن
للدور رداً على إعلان كنا قد نشرناه في هذا الصدد. إنها لم تجرب
التمثيل من قبل، وعلى رغم ذلك تصرفت مثل أي ممثلة بالغة محترفة
وأدركت تفاصيل دورها بسهولة غريبة الشكل ولم تزعج الفريق بنزوات
طفولية مثلاً، وهذا أمر نادر بالنسبة الى صبية. هي صارت ممثلة
محترفة الآن ولديها وكيلة أعمال فنية وعملت في فيلمين من بعد «كيس
الطحين».
·
هل هي مغربية؟
- نعم ولكن أيضاً بلجيكية مقيمة في بروكسل وتتكلم ثلاث لغات بطلاقة
هي: العربية والفرنسية والإنكليزية.
·
ماذا عن النجم الفكاهي إسماعيل الذي يمثل شخصية والد الصبية وهو
دور درامي بحت؟
- أنا معجبة بموهبة إسماعيل منذ سنوات طويلة وكنت متأكدة من قدرته
على العطاء الدرامي وذلك على عكس المظاهر التي حبسته على مدار
الأعوام في ميدان الكوميديا. وكنت على حق، فهو فرح حينما تسلم من
جانبي العرض الخاص بدور الأب، وذلك حتى إذا كان الدور المعني أصغر
حجماً من الأدوار التي يعتادها في السينما والمسرح. ولكنه عثر هنا
على فرصة لتقديم الوجه الآخر لموهبته، وهذا ما أثار فضوله وفرحته
في آن. وأنا اكتشفت فيه صفات خلقية قديرة إلى أبعد حد.
·
أنت إذاً مكتشفة مواهب؟
- نعم حال زميلي التونسي عبداللطيف كشيش الذي اكتشف حفصية حرزي
وسارا فورستييه وصابرينا وزاني وأديل إكزاركوبولوس. أنا أعشق
الممثلين، ذلك أنني منــهم أســاساً وبالتالي أهوى اكتشاف طاقاتهم
الخفية.
«كاستينغ»
·
حديثنا عن مشوارك الفني؟
- أنا تعلمت الدراما في كونسرفاتوار بروكسل في بلجيكا حيث كبرت
بعدما غادرت المغرب، وبدأت ممارسة مهنة التمثيل، إلا أن القدر شاء
أن أعثر بسهولة على عمل في مكتب متخصص في إدارة «الكاستينغ»، أي
التفتيش عن الممثلين الصالحين للأدوار المختلفة في الأفلام طبقاً
لرؤية المخرج في كل مرة. أنا حققت نجاحاً في هذه المهنة جعلتني
أغادر التمثيل بعض الشيء وأتفرغ لها، إلا أن رغبتي في سرد الحكايات
لازمتني ودفعت بي إلى كتابة سيناريوات صغيرة الحجم وتحويلها في ما
بعد إلى أفلام قصيرة، ومن ثم ألفت سيناريو «كيس الطحين» ورحت أتفرغ
للإخراج السينمائي.
·
هل تعودين إلى المغرب؟
- نعم بين حين وآخر مثلما فعلت من أجل تصوير «كيس الطحين» وحال ما
سيحدث مع فيلمي المقبل الذي سيصور بدوره بين المغرب وبلجيكا.
·
ماذا سيكون هذا الفيلم؟
- سيدور حول موضوع الكفالة، وهذا كل ما أستطيع البوح به في الوقت
الحالي، إذ إنني لا أحب التكلم على الأشياء قبل حدوثها.
·
حكاية إذاً فيها أطفال مرة جديدة؟
- نعــم ومستمدة مرة جــديــدة من واقــع حياتي.
مكانة الرجل
·
هل تعتبرين نفسك مخرجة أفلام نسائية بحتة؟
- لا شك في أن المرأة تحتل مكانة أساسية جداً في أعمالي بخاصة أنني
أسرد وقائع حياتي الشخصية في السيناريوات التي أكتبها، وبما أنني
إمرأة لا مفر إذاً من أن تكون أفلامي نسائية إلى حد ما. ولا يمنع
الأمر الرجل من التواجد في هذه الأعمال ومن احتلال مكانة كبيرة
فيها مثلما هو الحال في حياة كل امرأة عامة.
·
من الواضح في فيلمك «كيس الطحين» أنك تسلطين الضوء على الفوارق
الثقافية الجوهرية بين الشرق والغرب، فما هي الرسالة التي ترغبين
في توصيلها بالتحديد؟
- الرسالة إذا وجدت تخص ضرورة احترام كل منا لهوية الآخر وثقافته
وتراثه وتقاليد بلده ودينه. والذي يحدث في أكثر الأحيان مع شديد
الأسف هو اعتقاد كل فرد أنه يملك الحقيقة المطلقة وأن غيره هو
المخطئ، وأنا أبرز هذه النقطة بوضوح في فيلم «كيس الطحين» من خلال
رغبة البطلة في مغادرة المغرب والعودة إلى بروكسل حيث نشأت، ذلك
أنها اعتادت أسلوب الحياة هناك وطريقة النظر إلى الأمور. وفي الوقت
نفسه لا ينطبق الكلام نفسه على صديقتها في المغرب التي تتخيل
حياتها في شكل مختلف إلى أبعد حد وعلى الطريقة العربية البحتة. فهل
يمكننا الادعاء أن إحداهما على حق والثانية لا؟ أنا أرفض مثل هذا
المبدأ كلياً، فلكل منا حقيقته، مثلما أرفض قيام المجتمع الغربي
بتلقيننا الدروس في شأن الحياة والتعامل مع الآخر، فالغرب بعيد كل
البعد من المثالية حتى يتكبر على غيره، ويكفي النظر إلى التفتت
العائلي فيه من أجل أن نتأكد من أن مثل هذا المجتمع لا يملك أي
حقيقة ومن الأفضل له أن يتسم بالقناعة بعض الشيء. والعكس صحيح بما
أن الشرق بدوره لا يملك ما يسمح له بالاعتقاد أنه أفضل من هذا أو
ذاك.
·
هل تعرفين المنطقة العربية جيداً غير بلدك المغرب؟
- أعرف دبي لأنني قدمت أفلامي القصيرة هناك وكذلك «كيس الطحين»،
وفي كل مرة وجدت الناس في هذا البلد في غاية الأدب واللطف والتفتح
الذهني، كما أنني لقيت معاملة مثالية من الرجال تجاهي كإمرأة.
وأعرف الجزائر وحلمي هو العثور على فرصة لاكتشاف مصر، وأعتقد بأنها
ستتاح أمامي في المستقبل القريب بما أن فيلم «كيس الطحين» من
المفروض أن يعرض هناك. |