مهرجان القاهرة السينمائي يعوم على بحيرة من الفساد!
أمير العمري
توليت رئاسة مهرجان القاهرة السينمائي لمدة شهر واحد. كان وزير
الثقافة السابق- علاء عبد العزيز- الذي لا تربطني به أي علاقة
شخصية من أي نوع، هو من عرض علي هذا المنصب. وكنت أرى من واقع
خبرتي ومعرفتي بعالم السينما وعالم المهرجانات الدولية عبر أكثر من
ثلاثين عاما، سواء كعضو في لجان التحكيم أو كمشارك فاعل قريب من
عدد كبير من المهرجانات السينمائية الدولية المرموقة، أنني جدير
بتولي هذه المهمة، وأنها فرصة لوضع خبراتي التي قمت بتحصيلها عبر
ثلاثين عاما أو أكثر قليلا، في خدمة المهرجان "الكبير" الذي يقام
في بلادي وباسمها، والذي كان قد اكتسب عبر سنوات، سمعة سيئة في
العالم، أساسا، بسبب إسناده الى غير المتخصصين وغير المحترفين وغير
المهتمين أصلا بقضية الثقافة السينمائية بالاضافة إلى التدخل
المزري من جانب أجهزة الدولة (التي يسمونها بالعميقة) في أعماله
وبرامجه. وكانت قناعتي ومازالت، أن صناعة المهرجان السينمائي
الدولي مهمة ذات علاقة وثيقة بالثقافة السينمائية، وليست مجرد
إحتفال استعراضي يقصد من وراءه الترويج للسلطة.
وكنت أكتب، منذ أكثر من عشرين عاما، في نقد مهرجان القاهرة
السينمائي، ونشرت الكثير من المقالات التي وجهت نقدا شديدا لهذا
المهرجان، داخل مصر وخارجها، وتحدثت في الاذاعات الدولية ومحطات
التليفزيون الدولية كثيرا. وعندما جاءت الفرصة لتولي هذه المسؤولية
رحبت بها، وتساءلت كما تساءل كثيرون وقتها: وهل يمكن قبول مهمة من
وزير محسوب على حكومة الإخوان المسلمين؟ وكانت الاجابة بنعم ونعم..
فهي بمثابة اعتراف بالدور الثقافي للمهرجان، ورد للأمور إلى نصابها
الصحيح، وعودة الحق لنا نحن المثقفين الذين قضينا عمرنا دفاعا عن
قضية الثقافة والثقافة السينمائية.ومازلت غير نادم عن قبولي تولي
المهمة.
ليس دفاعا عن علاء عبد العزيز
لماذا؟ لأن محمد صابر عرب وزير الثقافة في عهد الاخوان المسلمين
وحكومة محمد مرسي وهشام قنديل أيضا هو من عملت معه مديرا من قبل
لمهرجان الاسماعيلية السينمائي، وهو الوزير المهيمن حاليا على
الأمور ويعمل معه جميع من هاجموا علاء عبد العزيز وشككوا بجهل
فاضح، في قيمته ومعرفته، رغم أنه الوزير القادم من محيط الثقافة
السينمائية كمدرس في معهد السينما ومونتير، وليس قادما من "التنظيم
السري العقائدي" للاخوان بل ولم يكن أصلا عضوا في تنظيم الاخوان،
بل إنني وجدته- وهذه شهادة للتاريخ- أكثر انفتاحا وليبرالية ونزاهة
وشرفا واستقامة وأمانة وصدقا – من الأغلبية العظمى من حفنة
المثقفين والمتثاقفين الذين وقفوا ضده، واعتصموا في مبنى وزارة
الثقافة بعد توليه منصبه (وأنا أعرفهم معرفة شخصية طويلة واعرف
عنهم وعن مواقفهم وتطلعاتهم الكثير مما يمكن أن يملأ مجلدات)، وقد
خضع هؤلاء بشكل يدعو للتعجب، لتوجيهات ثلاثة من موظفي الوزارة
الذين يلطخ الفساد وجوههم وذممهم، الذين أعفاهم علاء عبد العزيز من
العمل معه بعد ان سمحوا باحتلال مبنى الوزراة وشجعوا على دخوله، بل
وسهروا على راحة المعتصمين وتقديم الشاي والقهوة لهم، رغم ان علاء
عبد العزيز لم يقطع رزقهم بل اعادهم الى الجهات الحكومية التي
انتدبوا منها للعمل في مقر الوزارة.. مما يدل على استماتتهم في
الدفاع عن "مصدر النهب العام" الذي يغترفون منه، وهو نفس ما فعله
ببعض من يطلق عليهم "قيادات العمل الثقافي" من أمثال أحمد مجاهد
رئيس هيئة الكتاب، وإيناس عبد الدايم، رئيسة دار الاوبرا، وغيرهما.
وقد اطلعت بنفسي على وثائق رسمية بتوقيعهم تدينهم بالفساد المالي
وتبديد المال العام والحصول- بدون وجه حق- على مكافآت مالية ضخمة.
وكان علاء عبد العزيز على حق فيما اتخذه من قرارت ضدهم، وقد أصبح
هناك اليوم من يطالب علانية بمحاسبة أمثال هؤلاء من قيادات في
الوزارة، ومنهم من قام بنهب وسلب المال العام في القطاع الذي يعمل
به، لسنوات طويلة ومنهم أيضا من تقاعد أخيرا وكان ينتظر إسناد منصب
الوزير إليه تكريسا ومكافاة للفساد الذي يقال لنا أن السلطة
الحالية تحاربه، ولو أرادوا محاربته حقا لفتحوا ملفات التحقيق مع
عبد الدايم ومجاهد بل وصابر عرب نفسه المتهم بالكثير من وقائع
الفساد عندما كان رئيسا لدار الكتب والوثائق القومية، ويقال إنه في
عهده ايضا- هو وسلفه، سرقت مخطوطات نادرة وتم بيعها بعد تهريبها
خارج البلاد، وكتب الكثير أيضا عن كيف أنه تمكن من اغلاق ملفه الذي
كان موجودا أمام النائب العام!
وأود أن أؤكد هنا، ما يعرفه الجميع من ان إسناد رئاسة المهرجان إلي
لم يكن بأي حال قائما على أساس سياسي بل مهني بحت، وأن الجميع يعرف
جيدا أنني من كبار معارضي الاخوان المسلمين بل وكل فرق الاسلام
السياسي منذ عشرات السنين، عندما كان الكثيرون يرحبون بهم
ويعتبرونهم جزءا من الحركة الوطنية، بل وهناك من كتبوا شعرا في
خطاب يوسف القرضاوي الشهير عشية انتصار ثورة يناير 2011 في ميدان
التحرير وقالوا عنه إنه من أعظم خطابات العصر الحديث وإنه ينبغي
تدريسه على طلاب المدارس. وقد تحول الكثيرون من هؤلاء الآن بين
ليلة وضحاها الى اعتبارهم "جماعة ارهابية" بعد أن أعلنت السلطة
ذلك.
وكنت من أشد ناقدي الفكر السياسي الديني وكتبت في عشرات المواقع
والمطبوعات معبرا عن ذلك بل وأصدرت بيانا وهم في عز سطوتهم بعد أن
توليت المهمة، قلت فيه بوضوح أنني لا اتفق مع قناعات علاء عبد
العزيز السياسية فأنا أنتمي لليسار، في حين يقف هو الى اليمين.
لكني الآن أود أيضا أن أؤكد أنني لا أنطلق في أحكامي على البشر من
منطلقات أيديولوجية، بل كنت دائما وسأظل، أدافع عن الحرية وعن
الحقيقة. وليس من الممكن أبدا إنكار الحقيقة الواضحة لحساب
الانحياز العقائدي. والحقيقة أن علاء عبد العزيز كان صادقا في
رغبته في تطهير وزارة الثقافة. وأن ميزته الكبرى أنه كان قادما من
خارج دولاب السلطة والوزارة وعملاء الأمن وفرق كتبة التقارير الذين
قصرت عليهم المناصب والمسؤوليات الكبرى في مصر دون غيرهم، منذ
عشرات السنين وحتى يومنا هذا، بدليل بقاء محمد صابر عرب وزيرا
للثقافة في كل العهود. وما أقوله هنا هو الحق الذي أعرفه، وهذه
حقيقة للتاريخ. وليس من الممكن نكران الحق، نكاية في "الإخوان" أو
في غيرهم. وأود أن أضيف أيضا أنني وجدت كل تشجيع وحرية في العمل من
جانب علاء عبد العزيز الذي لم يتصل بي ولا لمرة واحدة طوال فترة
قيامي بالمهمة ولم يصدر لي أي توجيه أو يطلب مني أي طلب خاص او
يتدخل في عملي كما هو معروف من جانب الوزراء.. وهذه أيضا، شهادة
للتاريخ.
وقد علمت- قبل أن يعرض علي منصب رئيس مهرجان القاهرة السينمائي- أن
ناقدا سينمائيا معروفا كان يسعى للحصول على هذا المنصب، وأنه ونحن
بعد في دورة مهرجان كان السينمائي العام الماضي، كان يوسط من يمكنه
التحدث إلى الوزير الجديد علاء عبد العزيز في هذا الشأن، بل وعلمت
من علاء عبد العزيز نفسه فيما بعد، أن الناقد الكبير قام بتوسيط
صحفي من أصدقائه قابل الوزير وطرح أمامه إسم الناقد الكبير لتولي
مسؤولية المهرجان. ولم يكن لدي إعتراض من أي نوع على "خبرة" الناقد
الكبير في هذا المجال، بل واحترم معرفته وخبراته وأقدرها.
الممثل محمود قابيل اجتمع مع علاء عبد العزيز وخرج بعد اللقاء وصرح
بأنه تأكد بنفسه من وجود فساد وتجاوزات في الوزارة وأعلن تأييده
لقرارات الوزير واقتناعه بسياسته ثم عاد فالتحق بالاعتصام ضده..
فالمسألة كانت سياسية تماما!
ولم يكن العمل مع "الوزير الإخواني" - كما يحب البعض أن يصفه،
مرفوضا من ناحية المبدأ، بل إن الناقد الكبير دافع عنه في عدد من
مقالاته في البداية كما هاجم اعتصام من يسمون أنفسهم بالمثقفين، ثم
تحول إلى الهجوم عليه ومطالبته بالاستقالة بعد ذلك!
هذا الكلام أكتبه الآن بكل صراحة للتاريخ، ليس بقصد الإساءة لأحد،
بل لوضع الأمور في نصابها أمام الجميع وحتى لا تتم المتاجرة بأي
موقف أو المزايدة على أي موقف.
حملة التشويه
وقد تعرض كاتب هذا المقال لأبشع حملة تشويه وهجوم من بعض من كنت
أعتقد أنهم من "الأصدقاء" أو على الأقل، من "غير الأعداء"، وكشفت
لي هذه الحملة التي تسترت في الموقف السياسي المناهض للاخوان
المسلمين وفكرهم، عن كم الأحقاد والغيرة والحسد التي تملأ قلوب
البعض لمن يأتي من خارج "حظيرتهم" محصنا بثقافة سينمائية رفيعة
وتجربة ثرية لم يتح لأحد منهم تحصيلها، صنعها بجهده الشخصي وفي
معظم الاحوال، تحمل نفقاتها من جيبه الخاص دونما حاجة لدعوة من
أحد، أو راع من منتجي الأفلام الاستهلاكية أو "فنانة" معروفة مثلا،
لكي ينفق على سفرياته إلى مهرجانات السينما الدولية.
وقد تصور بعض هؤلاء الذين إنغمسوا في تلك الحملة القذرة وقتها أنهم
الأجدر والأولى، وأنهم أحق من أمير العمري "الذي عاش طويلا في
أوروبا"- كما قال بعضهم وصرح في الصحف، كما لو أن العيش في الداخل
الملوث بالفساد يمثل قيمة في حد ذاته، وكما لو أن تجربة الغربة
التي تكسب المرء الكثير من الخبرات والمعارف أصبحت عيبا في زمن
تحولت فيه البعثات العلمية إلى اوروبا إلى مجال للارتزاق وتحويل
العملة ومجاملة أبناء و"أزلام" المسؤولين ومكافآت تدفع لمن ينافقون
هذا أو ذاك، من "القيادات الثقافية المشبوهة".
وقد رأينا بأعيننا بعد أن سكتت الضجة- ضجة المهزلة - كيف كوفيء أحد
نقاد السينما من "الفئة الثالثة"، بموقع لا يستحقه في أكاديمية
الفنون، مكافأة له على هجومه الشديد الهستيري على علاء عبد العزيز
وعلى العمري، لحساب رئيس الأكاديمية سامح مهران الذي يوجد ملف ضخم
لفساده لم يجرؤ حتى الوزير الأسبق للثقافة الدكتور شاكر عبد
الحميد، على كشفه أمام رئيس الحكومة الجنزوري (في ذلك العصر
والأوان) واقناعه باعفائه من منصبه، فالعلاقات مع أجهزة الأمن، تظل
هي الأقوى في دولة بوليسية محكومة بالقهر، حولت قطاعات عريضة من
المثقفين منذ 1954 إلى قطيع من كتبة التقارير والتجسس على أقرانهم
في الداخل والخارج.
كان من أسباب الحملة ضدي أيضا أنني كنت أتصدى عبر ثلاثين عاما لنقد
الأفلام المصرية الرديئة الفاشلة، ولذلك سنجد الكثير ممن انتقدت
أفلامهم يتقدمهم مخرج نكرة، لم يصنع سوى فيلم واحد ولا أظنه سينجح
في صنع فيلم ثان، ولعل تجربة إنتاج هذا الفيلم أيضا، تملأ ملفا من
أكبر ملفات الفساد السينمائي في وزارة الثقافة في عصر فاروق حسني.
وقد وجدها أيضا فرصة، بعض من حثالة صحفيي المنوعات وأخبار النجوم
والفضائح ولصوص المقالات، ممن فشلوا في الحصول على دعوة لمهرجان
الاسماعيلية الذي عملت مديرا له في دورة 2012. وهؤلاء لا أسماء لهم
أصلا، فهم، وبينهم أيضا عدد من صغار الصحفيات الفاشلات، مجموعة
نكرات لكن صحف التدني في زمن الانهيار الثقافي المصري ترحب بما
يبعثونه إليها من نفايات!
والطريف أيضا أنني تلقيت هجوما شرسا من المدعو هاني مهنى، عزف
الأورج الذي انتخب نقيبا للفنانين في مصر، بدوعى أنني غير معروف
لدى الفنانين وأنني فشلت في مهرجان الاسماعيلية، في حين ان هاني
مهنى كان يتقافز وهو يدق بأصابعه على آلة الاورج عضوا في فرقة عبد
الحليم حافظ، عندما كنت أنا أجوب ربوع مصر ثم العالم العربي في
السبيعينات والثمانينيات أنشر الثقافة السينمائية وأعلم الشباب كيف
يشاهدون الأفلام. وقد ولد على يدي عشرات من السينمائيين المصريين
والعرب الذين أصبحوا اليوم من كبار السينمائيين المرموقين، فأين
كان السيد هاني مهنا الذي لم يعرف له أدنى اهتمام بالسينما في تلك
السنوات!
عن الاعتصام مجددا
كان رأيي في ذلك الاعتصام المشبوه في وزارة الثقافة، أن هذا
الاعتصام يمكن قبوله لو كان في الشارع، أما احتلال المباني العامة
فهذه جريمة يعاقب عليها القانون، وكان يجب على أجهزة الشرطة
المصرية أن تتدخل لاخراج هؤلاء المعتصمين من مقر الوزارة.. وأنا
الآن أقولها بمليء الفم، إن احترامي وتقديري لبعض من انضموا لهذا
الاعتصام، قد تراجع الى نقطة الصفر، أي لم يعد له وجود بعد أن
رأيتهم وهم يتحولون الى "أدوات" في أيدي مجموعة من "أزلام" وخدم
بعض أصحاب المصالح الذين أضيروا بعد اعفائهم من مناصبهم على يدي
الوزير الشجاع علاء عبد العزيز. واليوم يطالب كل الشرفاء بعودة نفس
ما فعله علاء عبد العزيز في وزارة الثقافة وما كان يعتزم فعله..
ألا يشعر هؤلاء الذين استخدمت أسماؤهم وصورهم بالخجل اليوم؟!
ولكن لماذا تم التغاضي عن تلك "الجريمة" من جانب أمن الوزارة وأمن
الدولة بل وتشجيعها على الاستمرار؟ وهل من الممكن أن يقتحم
المثقفون الآن- الذين اكتشفوا أخيرا أن محمد صابر عرب – وزير
الثورة الثانية العظيمة- لا يمثلهم أيضا، هل يمكنهم اقتحام مبنى
الوزراة الآن واحتلالها بدعوى الدفاع عن "الثقافة الوطنية"!؟
الاجابة بالطبع لا.. فمبنى الوزارة مغلق ومحصن حاليا وعلى كل من
يقترب من بابه أن يبرز شخصيته وسبب قدومه، ولا يسمح لأي مجموعة من
مدعي الثقافة النفاذ من الباب. وأما سبب ترك الأمور تسير نحو
الفوضى في يونيو 2013 فقد كان جزءا واضحا من مخطط الأجهزة الأمنية
لاسقاط حكومة الاخوان المسلمين، وتشجيع التظاهر وخلق العراقيل
الممكنة أمامها وصولا الى 30 يونيو عندما خرجت جموع الشعب مطالبة
بتدخل الجيش لاسقاط الاخوان. ومعروف للكل ما حدث في ذلك التاريخ
والقوى التي اجتمعت معا لتغيير نظام الإخوان، ومعروف أيضا الآن بكل
وضوح، القوى التي استفادت من سقوط الاخوان وحلت مكانهم واستعادت
السيطرة على مقدرات الأمور في مصر.
لقد كانت الفترة المحدودة التي قضيتها في رئاسة مهرجان القاهرة
كافية لكي أضع يدي على الكثير من مظاهر فساد ضارب بجذوره في أرضية
ذلك المهرجان منذ تأسيسه.. ويكفي أن أنشر الآن الاستقالة التي تقدم
بها في 2012 المخرج أحمد عاطف (الذي تعاون معي في البداية ثم سرعان
ما قفز من المركب عندما تغير الوزير وأدرك أنني لن أبقى للعمل مع
صابر عرب.
ملاحظات
وقبل ان أنشر نص الاستقالة أحب أن أوضح النقاط التالية:
1- أنني اكتشفت وجود توقيع للسيد منيب شافعي رئيس غرفة صناعة
السينما في مصر على حساب من حسابات مهرجان القاهرة السينمائي
بالعملة الأوروبية (اليورو) في بنك مصر، جنبا إلى جنب مع توقيع
رئيس المهرجان، جدون أن تكون لمنيب شافعي أي صفة أو علاقة مباشرة
بالمهرجان.. فما معنى هذا؟!
2- غياب أي تسويات مالية لحسابات ما يقرب من ثلاثة ملايين جنيه
تأتي من أموال الرعاة للمهرجان، فليست هناك وثائق توضح من أين جاءت
ولا كيف تم انفاقها وعلى ماذا، كما اكتشفت أن السجادة الحمراء
التي تستخدم في حفل الافتتاح تتكلف 900 ألف جنيه (نشر الرئيس
الجديد للمهرجان الذي جاء بعدي الناقد سمير فريد مؤخرا- ما يشير
الى أنه وجد أن حفل الافتتاح كان يتكلف ثلاثة ملايين جنيه!).
3- لم يحرك وزير الثقافة الحالي والأسبق وما قبل الأسبق، أي محمد
صابر عرب الذي قدم إليه أحمد عاطف هذه الاستقالة ساكنا ولم يأمر
بالتحقيق فيها، بل طلب ممن قدمها التزام الصمت وترك الأمور الى أن
يمر المهرجان "على خير"، وبالتالي أصبح السؤال قائما: ما مصلحة
الوزير في التستر على وقائع بهذه الضخامة، وما معنى تستره عليها؟
بل وما معنى أن يستمر صاحب الاستقالة في العمل مع من يتهمهم
بالفساد على هذا النحو، ولماذا لم يتقدم بما لديه من معلومات وأدلة
للنائب العام، ولماذا عاد إلى طرق باب الوزير نفسه بعد ذلك رغم ان
الوزير لم يعيره التفاتا؟!
نص الاستقالة (تركنا النص كما هو أي بكل أخطائه النحوبة واللغوية
كما كتبها صاحبها الذي أخرج ثلاثة أفلام، لكنه أساسا، صحفي معين في
أهم صحف مصر أي "الأهرام"):
استقالة مسببة
من مهمة المدير التنفيذى لمهرجان القاهرة السينمائى في دورته
الخامسة والثلاثين
معالى الدكتور محمد صابر عرب
وزير الثقافة ،
تحية طيبة وبعد
لقد شرفت بقرار سيادتكم تعييينى مديرا تنفيذيا لمهرجان القاهرة
السينمائى الصادر فى 15 سبتمبر 2012
واعتبرته مهمة قومية لانقاذ المهرجان كما دعوتم سيادتكم دائما في
الأسابيع الماضية، أن يتقدم كل صاحب خبرة هذا المجال لانقاذ مهرجان
مصر الأكبر.
ولما كنت ولله الحمد من الخبراء في هذا المجال حيث وفقنى الله
لاكتساب تجارب عديدة في مجال ادارة المهرجانات الدولية بالاضافة
لتخصصى الاخرين كمخرج سينمائى وكاتب صحفى.
فوضعت كل جهدى ووصلت الليل بالنهار طوال شهر كامل من أجل نجاح هذا
المهرجان وخروجه بصورة مشرفة. وقررت أن يكون عملى تطوعيا بدون أجر
ايمانا منى بالمهمة الجسيمة وأبلغت بذلك رسميا السيدة نائب رئيس
المهرجان وكل العاملين بالمكتب الفنى للمهرجان.
وتحملت سهام الكثير من زملائى اللذين اتهمونى بالتخاذل وقبول هذة
المهمة في وسط الصراع الدائر حول مهرجان القاهرة الان، والانتصار
لموقف الوزارة ضد عدد من السينمائيين.لم اعبأ بكل ذلك لاحترامى
الكبير لكم كممؤرخ وكمسئول ثقافى رفيع أراك على حق في موقفك أن
تنظم وزارة الثاقافة المهرجان.
ولكنى اليوم وكلي حزن وأسي، أجد نفسي مضطرا لكى أطلب من سيادتكم
قبول استقالتى من هذا الموقع الذى أراه موقعا رفيعا يستحق أن يتحمل
المرء من أجله الكثير.
واسباب استقالتى مفندة لسيادتكم كالاتى:
- - لا أستطيع أن أعمل فى جو تحيط به مسائل مالية تدعو الى
الريبة. حيث راعنى أن تقوم شركات بعينها بالكثير من الأنشطة فى
المهرجان في حين انه من الممكن ان يقوم بها افراد من الخبراء أو
هيئات وزارة الثقافة بتكاليف أقل بكثير مما يتم التعاقد به. أى ما
يمكن أن يتكلف 10 الاف جنيه على الأكثر يتم دفع نصف مليون جنيه
فيه. وتمنعنى السيدة نائب رئيس المهرجان أن أحضر الاجتماعات مع تلك
الشركات أو معرفة تفاصيل نشاطها. بل وعندما أسال السيدة سهير عبد
القادر عما تفعله تلك الشركات تنفعل وتخرج عن شعورها قائلة: أه أنا
بأدلع الشركات، دى طريقتى.وعندما أحاول دخول اجتماع به هذه الشركات
يغيرون الموضوع أو يصمتون.
- ولكن بسبب وجودى بشكل يومى بالمهرجان فاتحا الأعين والاذان،
معتبرا نفسي عين شريفة على ما يحدث وحارسا على المال العام. فوجئت
بأن تلك الشركات ( ماكسيمام فيجان وكنوز للسياحة وأروما وأم سي ام
) لها تاريخ طويل مع المهرجان. ومجال المخالفات في التعامل معها
كالاتى:
- ماكسيمام فيجان مثلا وظيفتها جلب رعاة للمهرجان. وهى التى تتفق
مع الرعاة وتحدد بالاتفاق مع نائبة رئيس المهرجان مبلغ الرعاية.
وتستلم الشركة المبلغ وتخصم من المبلغ ما صرفته من مصاريف جلب
للراعى، ثم يتبقي مبلغ، فلا تقوم بتسليمه للمهرجان بل تقوم بعمل
خدمة ما للمهرجان من خلاله.
- وعادة ما تكون تلك الخدمة تقديرها المالى من الشركة أكثر من
قيمتها فى الواقع. فمثلا قامت شركة أروما بعمل أفيش المهرجان في
الاعوام السابقة بتكلفة بلغت 500 ألف جنيه فى العام الواحد.
- بالنسبة لحفلى الافتتاح والختام فهو مجال واسع لشبهات التربح
والسرقة واهدار المال العام. فمتوسط تكلفى الحفلين 2 مليون جنيه
بما يشكل عادة ما بين ربع أوثلث الميزانية الاجمالية للمهرجان.
فبدلا من الصرف علي الانشطة الثقافية يتم دفع ذلك في تكاليف وهمية
مثل شركة (ركن سيارات ضيوف الحفلين ) أو انشاء السجادة الحمراء
بتكلفة 750 الف جنيه رغم ان المبلغ الطبيعى لتلك السجادة بطولها
وحجمها المعتاد لا تزيد عن 150 ألف جنيه. بل ولا توجد حاجة أصلا
للاستعانة بشركة لتقوم بعمل تلك السجادة، فورش الأوبرا تستطيع عمل
ذلك. ونفس تلك الشركة أروما تقاضت مبالغ تجاوزت المليون جنيه مصرى
مقابل اقامة حفل الافتتاح والختام رغم أن المهرجان كان يستطيع
الاستعانة بمخرجى متخصصين في حفلات الافتتاح والختام من العاملين
بوزارة الثقافة. مثل خالد جلال.
- وهناك أيضا شركة اسمها أم سى ام دأبت على صناعة خيم للمهرجان وهى
شركة كانت تقوم بكل انشطة زوجة الرئيس المخلوع لكى يقام بها المركز
الصحفى وبعض الأنشطة الأخرى، ولا أعرف لماذا الاحتياج لخيم رغم أن
المهرجان كل عام فى شهر نوفمبر ولا توجد شمس حارقة نحتاج معها
للخيم.
- وهناك شركتى سياحة اسمهما كنوز وماكسيمام فيجان مالكهما شخص واحد
هو محمد منير.يقوم بجلب الرعاة ومسئول عن عروض ليزر هذا العام فى
الافتتاح. ومسئول عن انشاء السوق. ولا أعرف كيف تقوم شركة سياحة
بتلك الاعمال وهو ليس تخصصها.
- وقد قالت لى السيدة نائب رئيس المهرجان فى احدى المرات وهى لا
تنتبه أنها سافرت لمهرجان أبو ظبي على حساب شركة ميك أب فور ايفر
وهى شركة أدوات ماكياج عالمية من رعاة المهرجان منذ سنوات.
- وطوال سنوات طويلة بكتالوج المهرجان: توجد أسماء رعاة رغم أنهم
رسميا لا يدفعون شيئا للمهرجان. أو يدفعون ولا أعرف اين يذهب
المبلغ. مثل شركات مرسيدس بنز. بل يقال انهم رعاة بالخدمات.
- وفى اجتماع ادارة المهرجان مع سيادتكم الذى تم بتاريخ 17 سبتمبر
2012 . حدث أمران الأول أن السيدة سهير عبد القادر قالت أمام
الجميع أن الشركات دى هتعمل لنا الحاجات دى ببلاش ماهم كسبوا مننا
كتير قبل كدا.
- والأمر الثانى أن نائبة رئيس المهرجان أصرت على ذكر اسماء هذة
الشركات باعتبارها من رعاة المهرجان فى الخبر الصادر من المكتب
الصحفى للسيد وزير الثقافة، وذلك لتمنح تلك الشركات شرعية رغم ان
تلك الشركات لم توقع بعد أية عقود مع الوزارة أو مع المهرجان ومن
غير اللائق أن يخرج خبر كذلك به أن الوزير قابل الشركات الفلانية
أو العلانية.
- ونفس الامر بالنسبة لشركة الشحن والتأمين التى يتعامل معها
المهرجان. فلم تجرى مزايدات أو منافصات لاختيارهما رغم أن كلاها
ليس من الشركات الكبيرة فى مجالهما.فلماذا يتعامل المهرجان مع شركة
شحن (سكاى نت) التى لم أسمع عنها فى حياتى. فأنا سمعت فقط عن
فيديكس ودى اتش ال وأرامكس و يوبى اس.
- وبناءا على كل ذلك:
- فانه غير معلوم ماهية ضوابط اختيار الرعاة وكيفية تحديد المبلغ
الذى يدفعه كل راعى وماذا يتلقى مقابله .وهل هذا المبلغ مناسب أو
اقل مما ينبغى.
- ولماذا هناك وسطاء لجلب الاعلانات بعيدا عن وزارة الثقافة. واذا
كانت هناك نسبة تتلقاها تلك الشركات لجلب الرعاة. لماذا لا تكون
هذه النسبة معلنة.
- وما هى الضوابط التى تحكم أوجه صرف المبالع القادمة من الرعاة.
علما بأن المهرجان له قيمته التسويقية الكبيرة بسبب عراقته واسمه
الكبيرين وحجم النجوم اللذين يترددون عليه.
- وباعتبارى مدير تنفيذى للمهرجان حسب القرار الوزارى فانه يتم
منعى من معرفة أية تفاصيل خاصة بهذه الشركات أو حضور التفاوض معها
أو معرفة أى شئ عن عملها.
- ماذا يفعل المرء اذن سيادة الوزير أمام كل هذا؟ ان هذا التعتيم
واخفاء المعلومات ونقص الشفافية وشبهة الاسترباح الواضحة تمارسها
السيدة نائب رئيس المهرجان أمامى فماذا أفعل.
- الأمر الثانى الذى يضطرنى لطلب الاستقالة هو:
- محاولة السيدة نائبة رئيس المهرجان أن تحول المهرجان (لفرح بلدى)
أو هيكل خارجى بدون مضمون. ففي الوقت الذى تقوم فيه بدعوة 20 رئيس
مهرجان سينمائى دولى تجتمع معهم هى ولا يقابلهم اى سينمائى منذ
أعوام، وفي الوقت الذى تتعاون فيه مع ابنة خالتها السيدة ميمى
جمالى المقيمة في لندن وتجلب فوق ال 15 ضيفا من أصدقاء السيدة ميمى
وهم علاقتهم ضعيفة بالسينما.
- ترفض السيدة سهير عبد القادر دعوة ولو ضيف واحد كمدرس بالورش
التى اقترحتها بالمهرجان، وترفض اصدار حتى لو كتاب واحد حتى لو كان
بالتنسيق مع احدى هيئات وزارة الثقافة. وترفض الاحتفال بمئوية
اسماعيل ياسين واسمهان مثلا رغم ان ذلك لن يكلفها شيئا. ولا تسألنى
سيادة الوزير عن دور المكتب الفنى، فجزء منه يرضخ لها والجزء الاخر
تخفى عنه المعلومات الأساسية وهم فنانون كبار لن ينشغلوا
بالتفاصيل. ويوجد محضر لأول اجتماع للمكتب الفنى فلم يناقشوا فيه
أيا من أمور المهرجان بل ناقشوا الخوف من التيارات المتشددة وكأنهم
في ندوة.
- والسبب أن المهرجان كحدث ثقافى هو اخر ما فى ذهن السيدة عبد
القادر. فهى تنظر له باعتباره حدثا احتفالىا صاخبا. ولا تخفى
كراهيتها للسينمائيين عدا بعض النجمات من صديقاتها من الأجيال
القديمة.
- والسبب الاخر أن السيدة عبد القادر غير متخصصة فى السينما ولم
تفلح تلك السنوات فى اثارة الاهتمام لديها بفن السينما. ويا ليتها
تكتفى بالأمور الادارية والمالية لكنها تتدخل فى كل تفصيلة فنية
بالمهرجان. فقد اختارت وحدها بدون الرجوع لأحد أكثر من 75 بالمائة
من أعضاء ثلاث لجان تحكيم للمسابقات الثلاث للمهرجان. وتركت كلا
منا يطرح اسما واحدا ذرا للرماد. حتى ماريان خورى المدير الفنى
للمهرجان اختارت عضوين فقط من 27 عضوا بلجان التحكيم.
وخلال هذا الشهر فوجئت بالاكذوبة التى تراكمت مع السنوات ان السيدة
عبد القادر صاحبة قدرات ادارية فذة وانها الشخص الوحيد الذى يستطيع
ادارة المهرجان. والواقع أثبت لى عكس ذلك. فالادارة هى عمل هدف
وتحديد لمهام كل شخص وجدول زمنى لبلوغ الهدف. واستغلال لقدرات
العاملين وتنويع العمل ما بين أصحاب الخبرة وأصحاب الموهبة الجديدة
والحماس. تلك هى الادارة الحديثة.
أما السيدة عبد القادر فهى تصحو من النوم لتقوم بجهد عشوائى فى
الادارة على طريقة أنها تنجز ما تتذكره وما يرتاح اليه قلبها من
ضيوف أو فعاليات. وبالطبع الاساطير المعروفة عنها من دكتاتورية
ومركزية في القرار ظهرت فى التعامل اليومى لى معها. بالاضافة
لعصبيتها وعدم قدرتها على الاستماع الى الاخرين وفقدانها لأعصابها
فى أقل الأمور. فأحيانا يصل الأمر الى اساءة بالقول أو الى تطاول
على كل من يعارض.
وبناءا على كل ما سبق، فقد أقدمت على المهمة الرفيعة التى شرفتمونى
بها لايمانى بضرورة أن يكون المهرجان مساحة للحوار والصداقة
والتفكير والتأمل والبهجة.
وعليه فلا استطيع أن استمر فى تلك المسيرة العشوائية التى ستنتج
شيئا ساذجا به البريق الخارجى لكنه خاو من الداخل. فذلك ما يتناقض
مع مبادئى ومع ما تعلمته اكاديميا وما خبرته عمليا. واشهد الله
أننى بذلت قصارى جهدى دون كلل أو ملل وتحملت الكثير من الامور
السيئة ومحاولة التقليل من دورى وتهميشى لا لشيئ الا للانفراد
بقرارات يا ليتها كانت للمصلحة العامة. وأرفق لمعاليكم كشفا
تفصيليا لما قمت به خلال الشهر الذى عملته بالمهرجان. ورأيى
المتواضع أن المهرجان فى هذة المدة المتبقية لبدئه يستطيع أن يستمر
بدونها وبجهود الفريق الموجود. فقد وضعت شخصيا تحديدا لكل يوم من
أيام الفعاليات وطريقة دخول العروض والمتطلبات التقنية لها.
نهاية الأمر اليكم أنهى حديثى وانتهى. وهذه استقالتى قدمتها بين
يديكم ولكم فيها ما تشائون. والأمر مفوض.
مقدمه
أحمد عاطف
(المخرج والناقد السينمائى) 30 سبتمبر 2012
((للموضوع بقية)) |