قالت إن "مواسم" تهدف إلى طرح الأسئلة وإثارة
النقاش
هدى إبراهيم لـ24: أريدُ أن يعلم الغرب حقيقة من
نحن
24 -
خاص
تعمل الإعلامية اللبنانية هدى إبراهيم في إذاعة مونت كارلو
الدولية. وعلى رغم نشاطها المتميز، وتنقلاتها بين مواقع الأحداث
الساخنة، ووقوفها أحياناً على حافة الخطر، إلا أنها تحتفظ دائماً
بصورتها عاشقةً للسينما، مُنشّطة وناشطة وفاعلة جاعلة من باريس
ميدان عمل ونقطة انطلاق.
تتحدّث هدى إبراهيم، في حوارها مع 24، عن مهرجان "مواسم السينما
العربية"، وتؤكّد على أن هاجسها أن يرى الغرب الصورة الحقيقية
للعرب، من خلال السينما، عبر طرح الأسئلة وإثارة الناقش.
·
حدثينا عن "مواسم السينما العربية". الفكرة. المشروع. الهدف. من
يقوم عليها. من ينظّمها. هل تتضمّن مسابقات؟. هل هي بديل لما كنتم
تنظمّونه من تظاهرات سينمائية عربية، من قبل؟
أعيشُ منذ أكثر من 26 سنة في العاصمة الفرنسية باريس، حيث دخلتُ
الجامعة، وحيث أعمل في المجال الصحفي من فترة طويلة، وأتابع النتاج
السينمائي العربي والعالمي بشكل مستمر، نظراً لاختصاصي بالسينما،
ما كوّن لديّ ذاكرة سينمائية وتراكماً خاصاً بالإنتاج العربي من
ثلاثين سنة إلى اليوم. نتيجة هذا التراكم كان الحب للفن السابع
يكبر، وكانت الخبرة به تكبر وتتوسع يوماً بعد يوم لتصبح شاملة،
نوعاً ما، لكل جوانب هذا الإنتاج خاصة أني أجول منذ سنوات على
المهرجانات العربية والدولية، ولكوني في باريس فإن ذلك يتيح لي
إطلالة مميزة على أفلام المغرب العربي. نتيجة ذلك أيضاً تكون لدي
نوع من الإلمام الواسع والمعرفة الشخصية بعدد كبير من صناع السينما
في منطقتنا وهي علاقات مستمرة ومفعمة بالثقة المتبادلة والرغبة في
العمل على هذه السينما.
وغني عن القول إنه حين كان" بينالي السينما العربية في باريس"
قائماً في معهد العالم العربي كنتُ طوال سنوات من ضمن اللجنة التي
تختار الأفلام، كما كنتُ أدير النقاشات مع المخرجين وضيوف الدورات
المتعاقبة من هذا البينالي الذي انطلق عام 1992 والذي قررت إدارة
المعهد عام 1998 إيقافه لأسباب مادية، علماً أنه كان الأول في
العالم الذي قدم السينما العربية للغرب في مهرجان خاص، بل كان هو
أيضاً الأول في تقديم تظاهرة كاملة مخصصة للسينما العربية في داخل
وخارج العالم العربي.
هذا المهرجان كان بدأه زميلي الراحل غسان عبدالخالق قبل أن ينتقل
المهرجان إلى معهد العالم العربي ويكبر. وحين توقف البينالي بادرت
ماجدة واصف ومجموعة من العاملين على المهرجان، وكنتُ معهم، إلى
تأسيس "جمعية للسينما العربية الأوروبية" بهدف مواصلة عرض السينما
العربية في باريس، وأيضاً الأفلام الأجنبية التي تعنى بالعالم
العربي.
لكن الجمعية بقيت أشهراً طويلة من دون أي نشاط، وعجزت عن كسب
الدعم، واستمرت رغم قرار ماجدة واصف العودة إلى مصر، فترأستها ماري
كلود بهنا وكنتُ معها برفقة حفنة قليلة من الأشخاص. وكنتُ أُعنى
خصوصاً بالبرمجة فيما قدمناه، وقامت هذه الجمعية بتنظيم دورتين من
"ربيع السينما العربية" عامي 2011 و2012. لكن عدداً من أعضاء
الجمعية، وأمام الحائط المسدود نفسه، أي عدم توافر الإمكانيات،
والعمل الطوعي المجاني، قرروا التوقف عن النشاط فقررت الاستمرار
بمفردي متسلحة بخبرتي السينمائية، وحبي للإبداع والمبدعين، ورغبتي
الكبيرة بأن أقدم لجمهور باريس وجهاً آخر منيراً من وجوه العرب،
ومساهمة في محاولة تغيير أفكار الغرب المسبقة عنا، وكسر تلك النظرة
النمطية السائدة، فضلاً عن أهداف أخرى قائمة باستمرار وهي الرغبة
في تقريب الشعوب والإنسان، وإن كانت هذه الشعارات كبيرة لكنها وراء
دوافعي الحقيقية، ولستُ أبحث من وراء القضية عن أيّ مجد شخصي،
والدليل ساعات العمل التي لا تنتهي من دون مقابل أو أي عائد مادي.
أريد أن يعلم الغرب حقيقة من نحن، ولا أحبّ لصورتنا أن تبقى في
ذهنه مشوهة وغريبة. أريد لهذه الصورة أن تدخل في الحيز الفرنسي، أن
تصبح مألوفة أكثر، وأن تلتقي بالمشاهد غير العربي أيضاً، مهما كان
هذا المشاهد يأتي بأعداد محدودة أو قليلة لخوض تجربة المشاهدة.
هذا هو هدفنا وهذه هي غايتنا، وقمتُ بالمشروع بمفردي، ولم أؤسس بعد
جمعية "مواسم"، بل أنا بصدد ذلك وساعدني مجموعة من الأصدقاء، وحتى
من الأشخاص الذين لا أعرفهم، مثل الشاب السوري المقيم في مدريد،
الذي أنجز دليل المهرجان الصغير بتطوّع وحب وطيبة خاطر... ومثل
الأصدقاء الذين بذلوا وقتهم وجهدهم لترجمة عشرة من الأفلام التي
قدمناها إلى الفرنسية، ومثل المخرجين الذين رغم الوقت الضيق
تعاونوا وطبعوا تلك الأفلام بالفرنسية.
·
هل هذه التظاهرة بديل لما كنتم تقدمونه من تظاهرات عربية من قبل؟
وهل فيها مسابقات؟
ليست بديلاً لما ننظّمه، بل هي استكمال ومحاولة لملء الفراغ، أو
لصياغة مشروع يقدم رؤية أكثر شمولاً، إبداعياً وجغرافياً، لما
يُعرض في باريس من هذه السينما، حيث نلاحظ اليوم، بين هنا وهناك،
تظاهرات محصورة بالسينما المغاربية أو السينما الفلسطينية
الإسرائيلية، أو تظاهرة خاصة بأفلام الخليج التي تقدم في معهد
العالم العربي في عامها الثاني مثلاً، أو مختارات من "مهرجان دبي
السينمائي"، في تظاهرة أخرى يضمها معهد العالم العربي...
من منطلق استقلاليتها وحرصها أولاً على القيمة الفنية والحداثة
والتجديد، تستطيع تظاهرة "مواسم" أن تختار من عناوين الإنتاج
العربية أجودها ومن الأفلام أكثرها تعبيراً عن ذواتنا، في جدتها
ويقظتها وحسها العالي وخصوصا إنسانيتها.
لا يوجد لدينا مسابقات، ولن يكون هناك مسابقات. هدفنا إعطاء هذه
الأفلام المُختارة أكبر قدر ممكن من الحظّ في أن يشاهدها جمهور
مختلف، وأن يتفاعل معها، عساها تحرّك في خاطره ووجدانه وعياً وحساً
سياسياً مختلفاً بنا، وتزيد وعيه بما يجري في منطقتنا من تحولات
عميقة تمسّ إنسانها وحاضرها ومستقبلها.
هدفنا هو طرح الأسئلة وإثارة النقاش وتقديم واجهة لهذه السينما في
أبرز أعمالها، وخلق تفاعل حسّي مع هذه الأعمال التي لا بد لقيمتها
أن تلفت نظر من يريد أن يطّلع، ومن هو معنيّ بالسينما وبالإبداع
الفني عموماً، مهما كانت جنسيته.
·
في هذه الدورة الأولى حدثينا عن أبرز الأفلام المشاركة، أبرز
الفعاليات، أبرز الضيوف؟
أنا لا أعتبرها دورة أولى، بل أعتبرها دورة ثالثة من الربيع، حيث
كنتُ عنصراً كبيراً فاعلاً في الدورتين السابقتين منه، وهي
استمرارية لما قدمناه عامي2011 و2012، حول هذه السينما الجديدة في
تعبيراتها المختلفة والتجريبية، في الروائي والوثائقي والخاص مع
تركيز على أعمال الشباب الذي اكتشفنا عنده الكثير من المواهب، وكنا
مثلاً من أول من قدّم أعمال جماعة "أبو نضارة" عام 2011، قبل أن
تصل هذه الجماعة إلى "مهرجان صندانس"، وتنال جائزة عن أحد أعمالها
هناك قبل أشهر.
في هذه الدورة لم أقدّم فعاليات خاصة مرافقة للمهرجان، الذي أقيم
بمن حضر، وتمّ عقب كل فيلم حضر ممثل عنه نقاش العمل مع الجمهور
الذي بدا مهتماً للغاية، وكانت أسئلته واهتمامه على مستوىً لفت
نظري بشكل شجعني على الاستمرار والمتابعة في تقديم هذه السينما،
عبر ما تيسّر من الأفضل.
حرصتُ على تقديم الأفلام التي برزت وتميزت مثل فيلم "الخروج
للنهار" لهالة لطفي، وفيلم "عشم" لماغي مرجان. كان لديّ رغبة
بتقديم العمل الأول لأربع مخرجات روائيات من مصر، هن إلى جانب
الأفلام الأسماء المذكورة أعلاه آيتن آمين "فيلا 69"، ونادين خان
"هرج ومرج"، لكن أسباباً عملية، على علاقة بضيق الوقت، حالت دون
ذلك.
من غير أن أقصد، كانت المرأة المخرجة عنواناً للتظاهرة، وطغت
أعمالها على الأفلام التي قُدّمت والتي حضرت بكثافة، مخرجة ومحوراً
داخل الأفلام. ذلك كان الحال أيضاً في "مهرجان دبي السينمائي"
الأخير، حيث 40 في المائة من المخرجين المشاركين في المهرجان كن من
النساء.
كان هناك تركيز أيضاً على السينما الوثائقية فقدّمت التظاهرة 6
أفلام وثائقية طويلة، من اليمن وفلسطين ومصر والإمارات وفرنسا. ومن
أصل الأفلام الوثائقية الـ6 فإن 5 أفلام منها أخرجتها نساء، وبينها
العمل المتفرد على الأرشيف الخاص بمدينة يافا، للمخرجة الفلسطينية
ماريز غرغور، التي عادت خلاله لتشكيل صورة مدينتها، مرتكزة على
ذاكرة فرنسيين عاشوا في المدينة منذ ثلاثينات القرن الماضي.
في حين تطرقت المخرجة من أصل تونسي هند مؤدب إلى ظاهرة الموسيقى
الشبابية المعروفة بالكترو- شعبي (مهرجان) والشائعة في أحياء
القاهرة الشعبية، والتي شكلت تمرد الشباب من قبل الثورة حتى...
والفيلم من إنتاج مصري في حين تعيش المخرجة الشابة في باريس.
أما المخرجة اليمنية خديجة السلامي فواصلت من خلال "قتلها تذكرة
دخول للجنة" عملها على حقوق المرأة في بلدها اليمن من خلال قضية
الصحفية الكاتبة بشرى المقتري التي أصدر السلفيون بحقها فتوى
بالقتل.
كما واصلت الإماراتية نجوم الغانم في "حمامة" عملها على بورتريه
نساء، من وفي بلدها، علماً أن هذا الفيلم ليس آخر عمل أنجزته
المخرجة، لكنه الفيلم الذي جعل اسمها يكبر في سماء الإخراج داخل
الإمارات وخارجها.
وسيفتتح شريط الفيلم الأخير حول الفنانة التشكيلية نجاة مكي عروض
الأفلام الوثائقية في "مهرجان القاهرة السينمائي"، الذي يدخل
الوثائقي إلى عروضه للمرة الأولى في تاريخه.
وفي "أريج" اختارت المخرجة المصرية فيولا شفيق التوقف عند 4 حكايات
من قبل وبعد الثورة، فتجولت بين القاهرة والأقصر في فيلم مليء
بالمعلومات والحكايات، التي يبدو للوهلة الأولى ألا رابط بينها،
لكنها مثل أريج الثورة، عبقه يفوح في كل مكان.
وعرضت التظاهرة للمخرج الفرنسي أكسيل سلفاتوري سينز شريط "شباب
اليرموك"، الذي صُوّر قبيل انطلاق الأزمة السورية مع مجموعة من
شباب المخيم والذين توفي أحدهم في الاعتقال لاحقا.
أما في القصير الوثائقي فشارك شريط "أم أميرة" من مصر لناجي
إسماعيل، و"اضحك تضحك لك الدينا" حيث دارت الكاميرا في يد عائلة
فلسطينية بأكلمها، لتوثق واقع انتهاك حرمة بيتها من قبل الجنود
الإسرائيليين في أحد الليالي.
وأعتقد أن الأفلام القصيرة المقدمة كانت بمستوى عالٍ أيضاً أعجب
الجمهور، وخصوصا شريط "منسيون" القصير للسوري ايهاب طربيه من
الجولان المحتل، وهو أول فيلم يصور هناك من قبل سينمائي سوري شاب.
وفي عروض القصير قُدّم شريط "حرمة" للسعودية عهد كامل، و"يد اللوح"
للتونسية كوثر بن هنية، و"ازرقاق" للفلسطينية راما مرعي، و"برج
المر" للبنانية لينا غيبة وكان هناك عرض استعادي لشريط الراحل محمد
رمضان "حواس"، تحية لروحه المبدعة التي رحلت باكراً.
التظاهرة افتتحت بفيلم من كردستان العراق للمخرج هينر سليم بقصد أن
نقول إن سينما العالم العربي متعددة ومتنوعة ويمكن أن تُقدّم بلغات
أخرى، واختتمت بشريط "اليازرلي" لقيس الزبيدي، الذي أُنتج في مطالع
السبعينات في دمشق، أيام المرحلة الذهبية للمؤسسة العامة للسينما.
التظاهرة ضمت ما يقارب الأربعين فيلماً، وكان فيها أعمال تحريك،
وأعمال تجريبية، وأفلام تراوحت مدتها بين دقيقة واحدة ودقائق خمس.
·
هل ستبقى تظاهرة "مواسم" في باريس أم ستنتقل إلى أمكنة أخرى؟
الواقع أني منذ العام 2012 تلقيتُ دعوات لنقل التظاهرة (ربيع
السينما العربية) إلى أكثر من مكان، بينها عمّان مثلاً والبرازيل،
لكن ذلك كان يحتاج إلى تخطيط وإلى عمل إضافي، لم أكن قادرة عليه،
خاصة أني متمسكة بعملي الصحفي وراغبة بالاستمرار به. كما أن
الدعوات بعضها كان عفوياً ويريد نقل التظاهرة لأنه أحبّ نوعية
الأفلام، وليس لديه تمويل بالضرورة، وهذا لم يكن ليساعدنا...
بالطبع أحبّ لهذه التظاهرة أن تنتقل مستقبلاً إلى أمكنة أخرى،
وخصوصاً إلى مدن فرنسية ثانية، لكن ذلك يحتاج إلى مضاعفة الجهود.
راهناً أكتفي بباريس.
·
هل هناك تعاون وتنسيق مع أيّ من المهرجانات العربية؟
لم يكن ذلك قائماً في هذه الدورة، وأي تعاون ممكن مُرحّب به
بالتأكيد. إنما المقصود عرض هذه الأعمال على أكبر عدد ممكن من
الجمهور العادي، الجمهور الذي يأتي ليشاهد الفيلم الذي يختاره،
ويدفع ثمن بطاقته، ويبدو معنياً بما شاهد. طبعاً أنا مدينة
للمهرجانات العربية بمساعدتها على إنتاج العديد من الأفلام التي
تمكنّا من عرضها، وأتمنى أن تزيد لدينا طاقات الإنتاج، كي لا يبقى
الإحباط سيد أعمال المبدعين الشباب الذين كثيراً ما ينصرفون بعد
جهد وتعب إلى التلفزيون، أو يبتعدون كلياً عن المجال.
·
هل سيكون مهرجان "مواسم" سنوياً؟
لا أعرف بعد، أنا أسير خطوة خطوة. خاصة في ظلّ رغبة حقيقية موجودة
داخل معهد العالم العربي لاستعادة مهرجان كبير، مثلما في السابق،
لكن هذه الرغبة أمامها عوائق كثيرة لا زال.
همّي كما قلت أن أقدّم هذه السينما بشكل من الأشكال. أنهيتُ مهرجان
"مواسم"، وذهبتُ في اليوم التالي إلى معهد العالم العربي لأدير
الطاولة المستديرة حول "سينما الخليج". أنا في خدمة هذه السينما
لتكون هنا في باريس، وليس همّي لا أن أكون مسؤولة عن مهرجان، ولا
مديرة لتظاهرة. أريد لهذه السينما أن تُرى هنا، وأعمل ما بوسعي
لأجل ذلك. ما أعرفه الآن أني أخطط لموسم قادم عبارة عن سهرتين أو
أمسيتين، إحداهما خاصة بسينما الشباب من السودان، وتلقيتُ أعمالاً
جديدة جميلة من شباب مستقلين ناشطين، أما الثانية فمخصصة لسينما
الشباب في غزة، حيث هناك عدد من الأفلام القصيرة التي لم يشاهدها
إلا عدد محدود من الناس، وأنا أريد إبرازها لأنها أساساً تنتمي إلى
أمكنة الندرة السينمائية، ولأنها تحتفي بالإنسان، وأكثر من ذلك كله
فهي رغم سوء الواقع الذي تصدر عنه، ورغم سوداويتها أحياناً، فهي
تخبئ الكثير من الأمل. |