يقولون إن حملة السيسى قد ارتكبت حماقات عديدة، لأنهم أتاحوا لعدد
من رموز زمن مبارك الاقتراب، اتضح من خلال مؤشر النتائج التى
تجاوزت 95% أن الحملة كان عندها حق.
زمن مبارك لن يعود، ولكن المباركيين لا تزال فى أيديهم رمانة
الميزان.
أن يأتى رئيس لمصر بهذه النسبة المطلقة خبر يفرح المتحمسين للمشير،
ولكنه لن يصب فى صالح الدولة التى ننتظرها بعد ثورتين، عدت من
مهرجان «كان» لألحق باليوم الثانى من الانتخابات وأضع الحبر
الفسفورى على إصبعى، البعض يريد اعتباره بمثابة غشاء البكارة
الوطنى، لا يتم اختصار الوطن فى بقايا حبر، ولا يجوز نزع الوطنية
عمن يرى أنه غير مقتنع بالعملية برمتها فاختار أن يقاطعها.
أحمل فى أعماقى بقايا من أفلام ربما لم تحصل على أى نصيب من
الجوائز فى «كان» ولكن أحيانا يحدث قدر من التداعى الحر فأتذكر
واحدًا منها، والذى من الممكن تلخيصه فى تعبير «جه يكحلها عماها»
مثل فيلم «قصص وحشية» حيث تنتهى جميعها بمواقف مأساوية، كان من
الممكن أن نتجنبها. هكذا أرى الهيئة العليا للانتخابات وهى تضع
قواعد أصول اللعبة الديمقراطية ثم تخترقها بعد لحظات، ثم تخترق
الاختراق بعد لحظات أخرى، بحجة أنها سيدة قرارها!!
«العرس
الديمقراطى» هذه العبارة محسوب براءة اختراعها وتداولها لصفوت
الشريف، كان هو الهدف الذى تسعى أجهزة الإعلام لترويجه، استخدمت
الدولة عديدًا من الأسلحة مثل تسريب شائعة دفع غرامة 500 جنيه لمن
لم يذهب إلى الدائرة الانتخابية ليدلى بدلوه، فهى عصا الترهيب بعد
أن فشلت محاولات الترغيب ليصبح السيسى الرئيس السابع. لا تنسَ أننا
نبدأ العد بمحمد نجيب، والبعض نافَق، لأنه استوقفه رقم 7 وبدؤوا فى
الحديث عن تفاؤلهم بالرقم، ولو كان السيسى الرئيس رقم 13 لكانوا
سيتغزلون فى تفاؤلهم برقم 13، عادتهم ولن يشتروها.
أكثر ما يهدد النظام القادم هو تقاعس جزء كبير من الشباب الذى كان
هو وقود ثورتى 25 و30، من الواضح أنهم رافضون حتى للوسطية الثورية
التى يمثلها حمدين صباحى، هم لا يزالون يعيشون فى مثالية ثورية،
وهذه هى قناعاتى فى قراءة المشهد القادم الذى ينذر بمخاطر للرئيس
القادم صاحب نسبة 95%.
ولم يتوقف النجوم كعادتهم عن تقديم إشارات عاجلة تؤكد أنهم
«سيسيون» مثلما كانوا فى زمن مبارك «مباركيين»، وكانوا فى طريقهم،
لولا 25 يناير، ليصبحوا «جماليون»، صدقونى قسط وافر من هؤلاء لو
كان مرسى ممسكًا بمقاليد الحكم بقبضة قوية لأصبحوا «مرسيين»،
راجعوا فقط على «النت» ما قاله عادل إمام بعد لقائه مع مرسى عندما
كان ضمن الوفد الذى حضر لقاءه مع المثقفين والفنانين، وكيف أفاض فى
الإشادة بثقافة مرسى الفنية، وقبلها أيضا أفاض بمرونة وبشاشة
المرشد بديع.
لست أدرى لماذا تذكرت هذا الفيلم «قصص متوحشة» الذى شاهدته فى
مهرجان «كان» وأنا فى طريقى لكى أدلى بدلوى فى الانتخابات، الفيلم
لم يحصل على جوائز ولم يعثر له على أثر يذكر فى كتابات النقاد،
فيلم أضحكنى رغم مأساويته للمخرج الأرجنتينى داميان زيفرون عرض فى
قسم «المسابقة الرسمية» ويتكون من ستة أجزاء، وهى من المرات
القليلة التى نرى فيها عدة قصص فى عمل فنى واحد لنفس المخرج، ستجد
فيضا من العنف إلا أنك لن تتوقف عن الضحك، فلقد استطاع المخرج أن
يضع إطارا على مشاعر الجمهور حتى لا يتفاعل مع الشخصيات ليستمر فى
الضحك عليها، أظن أن كثيرين وضعوا هذا الإطار وهم يتابعون حكاية
التصويت ليتحول «العرس الديمقراطى» إلى فرح بلدى، ورقّصنى يا جدع.
زادت جرعة التأييد، ولا أتصورها من الممكن أن تصب فى صالح مصر
القادمة، من يديرون الآن حال البلد لا يدركون خطورة تلك النسبة،
أذكرهم بأن يتدبروا هذا الموقف الذى تعرض له خالد الذكر عبد السلام
النابلسى «حسب الله السادس عشر» فى «شارع الحب» بعد أن وجد، وهو
جوعان، حلة ملوخية من بلكونة زينات صدقى تنهال على رأسه فدعا الله
«أن لا يبسطها أكثر من كده»!!
السينمائيون فى «كان» يتساءلون:
ماذا سيفعل الرئيس القادم فى الرقابة على الأفلام؟
طارق الشناوي
الأربعاء 28 مايو 2014
الأمن والحريات هى المعادلة التى تشغلنا فى مصر، وهى أيضا التى
تحتل المساحة الكبرى بين أغلب الإعلاميين والصحفيين الذين التقيتهم
فى «كان»، الكل يسأل ويتابع.
نعلم أن السيسى قادم إلى قمة السلطة أن ملف الأمن سيشغل الحيز
الأكبر من الاهتمام، خصوصا أن من صوّت فى الانتخابات لصالح السيسى،
وهم كُثر كما تشير النتائج الأولية بالقياس لحمدين الصباحى الذى لا
يغفل ملف الأمن، ولكنه يضم إليه الحرية على اعتبار أنها السياج
الذى يحمى الوطن، ولكن نفسيا ما ينتظره ويتوق إليه الناس هو الأمن
والأمان. تلك هى الورقة الرابحة والمقايضة غير المعلنة بين جموع
المصوتين الآن وهى: امنحنا أمانًا نمنحك صوتنا، لا أحد فى تلك
اللحظة يسأل عن الحرية.
سيصبح من يتحدث عنها مثل من يسأل عن استيراد «الكافيار» بينما
الناس تبحث عن توفر رغيف الخبز، تلك هى المأساة الحقيقية، والتى
أسهم قطاع وافر من الإعلام فى ترسيخها، خصوصا فى ظل احتياج، من
الواضح أنه يحتل الجانب الأكبر من المشهد الآن فى الشارع المصرى.
قبل أن أشاهد الفيلم البلجيكى فى «كان» والذى لم ينل أى جائزة، رغم
أنه كان هو الأهم بين أفلام المسابقة، أعنى به «يومان وليلة» فإن
هناك دائما تفاعلات خاصة داخل لجان التحكيم، ليست بالضرورة تُسفر
فى كل مرة عن اختيار الأفضل، ولكن ما تتوافق عليه اللجنة.
كنت أجلس بجوار الإعلامى الكبير يوسف شريف رزق الله، مثلما يحدث
على مدى 15 عاما على الأقل وكالعادة نتبادل الحوار حول ما رأيناه،
ويبدو أن من يجلس أمامنا أحد الصحفيين الأجانب، يبدو أنه التقط
الحوار بالعربية وسألنا عن الجنسية، وعندما علم أننا من مصر قال
لنا إنه تلقى دعوة لمهرجان القاهرة وأول ما يريد أن يطمئن إليه هو
الأمن والأمان فى مصر، فهو لديه تخوفات من الحضور إلى مصر وضم
إليها عددًا من الدول العربية مثل اليمن وليبيا ولبنان، أجبناه
معًا بأن عليه أن يطمئن على مصر القادمة ونصحناه بتلبية الدعوة،
خصوصا أنه مرشح للمشاركة هذه الدورة فى لجنة الفيبرسكى «اتحاد
النقاد العالميين»، التى كثيرًا ما تشارك فى المهرجانات، وبينها
القاهرة، وآخرها العام الماضى، بل وطلبنا منه أن يطمئن الجميع
وتبادلنا التليفونات.
لى ملاحظات سلبية عديدة على توجه مهرجان القاهرة إلى الدولة
وارتمائه فى أحضان وزارة الثقافة بعد أن ضحى بأى إمكانية للاستقلال
مقابل أن يضمن أن لا تحدث مصادمات مع الدولة فى تسهيل سبل الإنفاق،
خصوصا أن المهرجان لم يستطع الحصول على دعم مادى حتى كتابة هذه
الكلمات خارج إطار الوزارة فوجد أنها تملك كل شىء فلماذا أيضا لا
تحكم، وهى نظرة براجماتية مباشرة، ولكن ليس هذا هو موضوعنا هذه
المرة.
فى الحقيقة ليس هذا هو التخوف فقط، ولكن مصير الحريات فى مصر يشغل
مساحة لا يمكن أن نغفلها، هناك تساؤلات لاحظتها فى المهرجان وأغلب
الزملاء خصوصا من الإعلاميين العرب يتابعون الشأن المصرى بكل
تفاصيله. وكان السؤال الملح عن التدخلات الأخيرة فى مصير الأفلام
الرديئة ومحاولات لعب دور الأب الذى يراقب ويسارع بالتدخل فى
التغيير والتعديل، وتلك اللجنة الاجتماعية وغيرها من القرارات
العشوائية التى أصدرها وزير الثقافة لكى يرضى رئيس الوزراء بعد
مصادرة «حلاوة روح»، أتصورها ستلعب دورًا سلبيًّا أمام مهرجان
القاهرة فى دورته القادمة، المفروض أن الرقابة تسمح بالعروض
العامة، كل المهرجانات تتيح للناس قطع التذكرة ومشاهدة الأفلام،
فلا يوجد عروض خاصة بالنقاد والصحفيين إلا فقط لأسباب تنظيمية،
ولكن الفيلم الذى يشاهده مثلا النقاد فى «كان» الثامنة والنصف
صباحا متاح فى المساء للجمهور دافع التذكرة أو من يحمل الدعوة
المجانية. العروض الخاصة بالصحافة فكرة قمعية نلجأ إليها فى مصر
وبعض المهرجانات العربية للتغلب على سطوة الرقابة، وحدثت فضيحة قبل
بضع سنوات عندما رفضت إدارة مهرجان «كان» عرض أحد الأفلام المصرية
وهو كثيرًا ما يحدث، وفى العادة لا يتم الإعلان أبدًا من إدارة
المهرجان، فالذى أعلن وقتها هو المخرج، ولم تكن له علاقة ولا دراية
وقتها بالمهرجانات، فقال إنهم طلبوا عرض الفيلم للكبار فقط، لأنه
ينتقد أمريكا وموقفها من مصر، ولكنه رفض الاستجابة لهم فأبعدوا
الفيلم، ووقتها تورط نجم كبير فى الدفاع عن المخرج، ولكن بالطبع
الكل اكتشف أن الأمر لا يعدو كونه دعاية فجة لفيلم لم يجد له مكانا
سوى فى السوق المفتوحة للجميع.
انتقاد الرؤساء متاح بمن فيهم الرئيس الفرنسى السابق والحالى مثلما
شاهدنا فى فيلمى «البحث» أو «فانتازيا الديمقراطية» وغيرهما، فلا
توجد خطوط حمراء، والأمر ليس له علاقة، كما يتصور البعض، بأن هناك
مساحة من السماح فى المشاهد الجنسية، الحقيقة أن تلك نظرة قاصرة
جدا، ولكن كل القضايا مطروحة بلا مواربة ولا ممنوع، هناك دائما شىء
أبعد وهو القيمة الإبداعية التى يحملها العمل الفنى.
هل يواجه مهرجان القاهرة مأزقا ما مع الرقابة القادمة، أتصورها
بالفعل هى بمثابة الخطر القادم الذى يهدد السينما والفن، كما أن
مهرجان القاهرة سيجد أمامه عديدًا من الخطوط الحمراء التى فى
طريقها، لكى تًصبح واقعا مسيطرا على النظام كله، وهناك محاولة لفرض
رقابة اجتماعية، كلنا نُدرك الآن كم ستلقى ترحيبًا من المجتمع
المصرى بكل طوائفه، لأن كل ما يستند إلى حماية المجتمع يلقى
بالتأكيد موافقة ضمنية من المجتمع الذى يريد من الدولة أن تحمِّل
المسؤولية عنها للأسرة، فهى التى تمنع من المنبع لتريح وتستريح.
هناك تخوف على الحريات، نستشعره فى مصر جميعًا، ولا يمكن أن نواجهه
فقط إلا بمواقف لا تعرف المواربة وأولها إسقاط تلك اللجنة
المجتمعية التى ستدعى أنها تحمى قيم المجتمع، بينما تُرسخ للقمع
الفكرى والثقافى الذى أستشعر بدقاته على باب مصر!!
قاعدين ليه ما تقوموا تروحوا!!
طارق الشناوي
الأحد 25 مايو 2014
المثقف كما أنه هو المدافع عن الحرية والذي كثيرا ما يدفع الثمن
فإنه هو دائما أيضا أداة الدولة في تكميم الأفواه ، وسوف تكتشف ان
النظام الحالي في سعيه وراء تحجيم الابداع يستعين بهم بل الاكثر من
ذلك هو أن عددا من اعضاء مجلس النقابة معينون في تلك اللجان بحكم
انتمائهم للنقابة ليمنحوا غطاء شرعيا لكل قرارات المصادرة
.
نقابيون سواء في اللجنة الاجتماعية التى انشأها وزير الثقافة مؤخرا
أو لجنة التظلمات التى شاركت في حبك تمثيلية المصادرة ،لم نسمع
صوتا نقابيا واحدا يصرخ قائلا "ابدا.. لا لن أتحول الى أداة لطعن
الفن " و يعلن استقالته من اللجنة ، التي تحرص الدولة على منحها
مشروعية أدبية وقانونية بضم أعضاء مجلس النقابة إليها.
للدولة جناحان للسيطرة على الحياة الفنية والثقافية فهي التى تختار
الوزير القادر على تدجينهم أقصد المثقفون باحتوائهم وضمهم الى لجان
، والسلاح الثاني هو ضمان ولاء ممثلي النقابات الفنية ، الذين يتم
احتيارهم بإرادة حرة من أعضاء الجمعية العمومية ، بينما نكتشف من
خلال الممارسة أن لدى أغلبهم رغبة في الحصول على قضمة كبيرة من
تورتة الدولة
.
تستطيع أن تجد رابطا عضويا لكل هذه المفردات التى تشكل صورة الفن
والابداع القادم الذي سيصبح مع الزمن داخل الحظيرة بحجة يرتضيها
الناس وهي حماية المجتمع من الانفلات، والحقيقة ان الدولة تخشى ان
تطولها الانتقادات فتبدأ في الحديث عن الفن الملتزم الذي يراعي
القيم وتؤكد ان دورها هو مطاردة الفن الهابط فتجد في هذه الحالة
غطاء جماهيريا متوفرا لها وعلى الفور تمارس دورها في ضرب اي عمل
فني يخرج عن الصف بحجة انها تحمي قيم المجتمع
.
لن تقل الدولة مطلقا انه يتجاوز الخطوط السياسية المسموح بها
ولكنها دائما وابدا سترتكن الى ان هناك ثوابت لا يجوز اختراقها وان
العمل الفني الذي تمت مصادرته تجاوز تلك الحدود ودورها هو ان تضبط
إيقاع الحياة الفنية من الانفلات.
الرأي العام بطبعه متحفظ وهو كثيرا ما يرحب بتلك القرارات ، تأملوا
ما الذي حدث في الاسابيع الاخيرة كانت الرقابة قد وافقت على عرض
فيلم "نوح" واعلن صابر عرب وزير الثقافة ان الرقابة هي التى تملك
قرارها وليست لأى جهة اخري سلطان على قرارها، ثم ما حدث فعليا هو
أن الفيلم لم يعرض حتى الان ، في الحقيقة لا يوجد رسميا قرار
بالمصادرة ولكن رأينا ماهو ألعن أنه التواطؤ على عدم عرض الفيلم
الذي كان في الطريق لدور العرض ، أضف أيضا فيلم "ابن الله "عن حياة
السيد المسيح عليه السلام عندما طلبوا من الموزع في القاهرة ألا
يتعاقد على شراء النسخة ، يواكب ذلك " حلاوة روح" الذي كان قد عرض
فتم رفعه بعد تدخل رئيس الوزراء بينما اعلن وزير الثقافة انه هو
الذي اصدر القرار وكلنا نعلم انه قرار رئيس الوزراء ، ثم جاءت لجنة
التظلمات وكأنها توجه تحية مباشرة للدولة الممثلة في رئيس الوزراء
الذي استجاب لشكاوي المجتمع وتدخل وشجب ومنع فجاء القرار متوافقا
تماما معها معبرا عنها فصادروا الفيلم ،بل يبدو الامر برمته وكان
رئيس الوزراء الممثل لسلطة الدولة التنفيذية العليا قد استشعر
مبكرا الخطر ولا تستطيع ان تفصل حذف مشهد من فيلم " بنت من دار
السلام" بعد موافقة الرقابة من خلال لجنة لرعاية المجتمع تُمثل
فيها أيضا النقابة ، سوى على أنه يواصل نفس النهج.
انها تنويعات مختلفة على نفس "التيمة" القادمة وهى تشير الى أن ان
القادم اسوأ وان هناك تمهيد للكبت والتكميم . يتوجهون أولا
وكالعادة بحذف رقصة او غنوة او نكتة ليتم بعدها اغلاق كل الابواب
،وسوف تكتشف ان كل هذا يتم من خلال مثقفين وممثلين للنقابات الفنية
ليصبح ليس قرارا للدولة بقدر ما هو تلبية لرغبة هؤلاء المثقفون
واعضاء مجالس النقابات الفنية الذين لا غرض ولا ناقة ولا جمل لهم
إلا المجتمع وسلامة المجتمع وسلم لي علي المجتمع " قاعدين ليه ما
تقوموا تروحوا"!!
مقلب رامز جلال!
طارق الشناوي
السبت 10 مايو 2014
فى الوقت الذى تطالعنا فيه الأخبار عن الاستقبال الشعبى غير
المسبوق، الذى حظى به رئيس الوزراء إبراهيم محلب فى «غينيا بيساو»،
وهو لم وربما لن يحظى به فى مصر، تُقدم لنا السينما الفيلم
المتواضع الذى تجرى أحداثه فى إفريقيا «مراتى وزوجتى».
من حقك أن تسأل لماذا أكتب أحيانا عن فيلم ردىء أو فى أحسن الأحوال
متواضع؟ أليس من الأفضل أن نترك المساحة لعمل فنى يستحق أو لظاهرة
فنية أو حتى تظل المساحة بيضاء؟ أليس هذا أفضل للقارئ بدلا من
إضاعة وقته؟ وجهة نظر بالطبع جديرة بالتأمل، لكن هناك مسؤولية
أستشعرها دائما، وهى ضرورة أن نرصد السينما بحلوها ومرها، لا يمكن
أن يمر فيلم دون أن أشاهده، ممكن لظروف متعلقة بإيقاع الحياة أو
لضرورة صحفية أن لا أكتب، لكن المؤكد أنى شاهدت وتحملت وتكبدت
المشقة، وبين الحين والآخر أستجير بالمثل الشهير «القفة اللى ليها
ودنين يشيلها اتنين»، وإيدك معايا عزيزى القارئ نشيل القفة.
تلاحقت عروض الأفلام المصرية فى الأيام الأخيرة، بينما حالة
الجمهور النفسية تحول دون ذهابه إلى السينما، نعيش حالة من البرودة
فى المشاعر تدفع الناس أكثر لمتابعة شاشة التليفزيون.
لن يستطيع أحد كسر تلك الرتابة إلا عندما تُقدم السينما فيلما يزيح
الجليد، وهو بالمناسبة ليس بالضرورة عملا فنيا خالصا، لكن من
الممكن أن نرى عملا تجاريا جيد الصنع، الأفلام المعروضة لا تستطيع
أن تصفها بالرداءة، التوصيف الأقرب للصحة هو البلادة مثل فيلم
«مراتى وزوجتى»، بدأت البلادة مع اختيار العنوان، الذى لا يحمل أى
جاذبية، الفيلم كتبه لؤى السيد، وأخرجه معتز الدمرداش، ولن تجد
شيئا تستطيع أن تتناوله، والغريب أن البلادة تنتقل مثلا إلى فنان
مثل حسن حسنى، الذى صار هو حامل ختم تعميد الجيل الجديد من نجوم
الكوميديا، وناظر مدرسة «الروشنة»، الذى تمتد دائرة حضوره عادة
العمل الفنى كله، لكنه هذه المرة يؤكد تفشى روح الاستسهال، فهو
يقدم الدور فى حالة أقرب إلى التلميذ، الذى يحاول أن يلقى الكلمات،
وكأنه يلقى عن نفسه المسؤولية أمام المخرج والمنتج.
لا يؤدى حسن دور البطولة، لكنه والد شيرى عادل زوجة رامز جلال، فهو
النجم الذى يتحمل المسؤولية المطلقة عن هذا الفيلم، نحن بصدد سينما
مصنوعة «ع القد»، كل شىء خاضع لتلك المعادلة لتخفيض الميزانية حتى
فى اختيار الأبطال الشباب الثلاثة من محدودى الأجر، البطل الثالث
هو صديق البطل الدائم إدوارد، الذى يتم تسكينه فى تلك المساحة منذ
بدء الخليقة، رامز زوج حديث العهد، بينما زوجته شيرى عادل تطمع فى
منصب قيادى لجمعية «الأسرة السعيدة»، أو ربما شىء من هذا القبيل،
ولن تحظى بالمنصب إلا إذا كانت بالفعل ناجحة داخل أسرتها الصغيرة،
ما الذى يفعله الكاتب فى مثل هذه الدائرة المنغلقة، إنه فى العادة
يبحث عن مساحة يملأ بها الفراغ، وعندما تعز عليه الأفكار يتوجه إلى
إفريقيا بتلك الصورة النمطية عن القبيلة تذكرنى بأوبريت إذاعى
«السلطانية» الشهير بـ«تاج الجزيرة وأحمدك يا رب ومرزوق الصرماتى»،
الذى يتناول حكاية رجل فقير يتوه فى بحر الظلمات، ويتوجه إلى
جزيرة، فينعم عليه أهلها بالكثير وسط الرقصات والموسيقى
الفولكلورية، لكنه فى فيلمنا لم يجد غير أن يتزوج البطل من فتاة
سوداء عن طريق الخطأ لتتعقد الأمور، وأنت تعرف بالضرورة الباقى حيث
تعود الفتاة الإفريقية إلى حبيبها الإفريقى، ويعود رامز إلى شيرين.
لا شىء سوى البلادة تسيطر على الموقف، بالطبع رامز جلال هو رامز
جلال، ولهذا ينجح فى البرامج الرمضانية، لأنها تعبر عن شخصيته،
الشاب خفيف الظل، الذى لا هم له سوى حبك المقالب، وما شاهدناه هو
أيضا مقلب، لكنه غير محبوك يعرض فى رجب!
أبو أخته
طارق الشناوي
الأربعاء 7 مايو 2014
كان الجمهور ينتظر صوفينار الشهيرة بصوفيناز، بعد أن امتلأت قنوات
التواصل الاجتماعى بأغنية «زلزال»، التى رقصت فيها على صوت محمود
الليثى وهو يغنى «زلزال زلزال»، تبدو الأغنية كأنها تستعيد أغنية
قديمة رددها محمد رشدى ورقصت على إيقاعها نجوى فؤاد، من كلمات حسين
السيد وتلحين منير مراد «كعب الغزال»، وفيها مقطع شهير «ما تبطل
تمشى بحنية ليقوم زلزال».
فى هذا المشهد الكل يرقص، محمد رجب مع زوجته حورية فرغلى، بينما
أخته آيتن عامر ترقص مع عريسها ماهر عصام وتوتة توتة، وهى نهاية لا
بأس بها فى إطار سينما تجارية تُقدم نسخة مكررة من عمل فنى ليس
لديه طموح خاص، لا الكاتب محمد سمير مبروك، ولا المخرج محمد حمدى،
يراهنان على ما هو أبعد. ويظل هذا النوع من الأعمال الفنية له
جمهوره، وهى تتحرك فى إطار محدد: الواد المجدع والبت الحلوة،
والشرير أو الشريرة، وضابط شرطة يمثل السلطة الجائرة، ولكنه
وكالعادة يضع فى المعادلة ضابطا آخر شريفا حتى يضمن موافقة
الرقابة، تلك هى المفردات التى تعثر عليها فى كتاب «المطالعة
الرشيدة». ويجب أن لا ننتظر من القسط الوافر من الأفلام أن تقفز
فوق السور وتخرج بعيدا عن الصندوق، السينما السائدة هى التى يشغل
الجزء الأكبر منها الصورة الفنية فى العالم كله، إلا أن الكاتب
والمخرج أضافا مشاهد أخرى بعد النهاية السعيدة، حيث ينتقم البطل
ممن قتلوا شقيقته فى ليلة عرسها، ثم مشهد المحاكمة الشهير، الذى
تتم فيه عادة إدانة الدولة التى لا تحقق العدالة لمواطنيها فيلجؤون
إلى اختراق القانون.
ما الهدف من الفيلم؟ أظنه تدشين نجومية محمد رجب، رجب لديه طموح
قديم وثأر أيضا قديم، يدفعه إلى تحقيق رقم فى شباك التذاكر، ليتم
اعتماده كنجم جماهيرى، له محاولات متعددة إلى مدى يقترب من عشر
سنوات فى هذا المجال، فى أفلام مثل «1/8 دستة أشرار» و«كلاشينكوف»،
و«المش مهندس حسن»، و«محترم إلا ربع»، والفيلم الأخير لنفس مخرج
«سالم أبو أخته» محمد حمدى، ولكنه لم يتحقق حتى الآن كقوة ضاربة
يقف فى الصف مع نجوم شباك التذاكر، وأيضا لا تستطيع أن تضعه فى صف
قائمة المهزومين، إنه يعيش فى تلك المنطقة الرمادية واسمها «لعل
وعسى»، لا هو نجم شباك يدفع شركات الإنتاج إلى المراهنة عليه، وهى
مطمئنة، ولا هو أيضا قد حقق فشلا ذريعا يجعل شركات الإنتاج تخشى
تكرار المحاولة.
ما الذى يفعله الفنان عادة فى مثل هذه الأحوال؟ ربما يعتقد للوهلة
الأولى أن عليه زيادة طاقته الانفعالية، وهو تحديدا ما أقدم عليه
رجب، فكان يصل أحيانا إلى مرحلة الانفلات، هناك نبرة صوت حافظ
عليها تمنح الشخصية خصوصية ما، ولكنه فى لحظات كان يزيد من الجرعة
فى الصوت والحركة، كأنه يصرخ فى التعبير بسبب زيادة «التحابيش»،
ووصلنا بالفعل إلى ذلك مع مشهد النهاية، فكان ينطلق من الانفعال
المطلوب إلى الافتعال القاتل.
الفيلم بكل مفرداته يقع فى إطار «التيمة» الشعبية واسم الشهرة
«الطبخة السبكية»، التى تتحرك عادة فى عالم المهمشين وحتى يزداد
التناقض بين الأسود والأبيض، فهى كثيرا ما تجنح إلى أن تمنح البطل
فرصة لاختراق عالم الأثرياء، ليصبح واحدا منهم، وتحقق فى نفس
اللحظة حلم المتفرج بالانتصار على هذا العالم المخملى.
الرهان فى هذه الأفلام يخضع للقدرة على الجذب التى يحققها النجم
الذى يؤدى الشخصية المحورية، هل «سالم أبو أخته» يضمن لمحمد رجب
قفزة جماهيرية أبعد؟ أظنه سيظل قبل وبعد الفيلم فى نفس المرحلة
المتوسطة، مشروع نجم جماهيرى ينتظر فى منطقة «لعل وعسى»!!
انتصار بطعم الهزيمة!!
طارق الشناوي
الأحد 4 مايو 2014
قبل بضع سنوات قدَّم لنا المخرج داوود عبد السيد مشهد النهاية فى
فيلم «رسائل البحر»، حيث شاهدنا قاربًا صغيرًا يستقله بطلا الفيلم
وتحاصره من هنا وهناك الأمواج، ويصل إلى أسماعنا صوت تفجيرات لقتل
الأسماك قبل اصطيادها، كان القارب مكتوبًا عليه «القدس»، وفوجئت
بأن بعض الزملاء يقرؤون المشهد برؤية سياسية تتناول الصراع العربى-الإسرائيلى
ويشيدون بالمخرج وكيف استطاع بحسّه السياسى وعمق إدراكه أن يتناول
قضية فلسطين ويدين العدو الإسرائيلى ولم يكن داوود يقصد أى شىء من
هذا القبيل، حيث إنه فقط أراد أن يقول إن الأرض والبشر تُدين تلك
العلاقة، فلجأ البطلان إلى البحر ليحميهما من شرور الناس، كل ما
كان يحلم به فى أثناء تنفيذ المشهد هو العثور على قارب صغير، وكل
القوارب مكتوب عليها كلمات مماثلة، مثل «ماتبصليش بعيون رضيّة بُص
للى اندفع فيّه» أو «أحبك يا اسمر»، ولا تلقى أى دلالة أو ظلال على
قراءة الفيلم.
شىء من هذا القبيل من الممكن أن تجده عندما قرأ الدكتور عباس شومان
وكيل الأزهر، مشهد محمد رجب بطل فيلم «سالم أبو أخته» وهو يُمسك
جريدة «صوت الأزهر» على اعتبار أن الاختيار مقصود ويحمل إسقاطًا ضد
الأزهر، خصوصًا أن البطل بعدها مباشرة قتل ضابط الشرطة الفاسد محمد
الشقنقيرى، لم يلحظ أحد ذلك سوى الدكتور عباس، كل مَن شاهد اللقطة
اعتبر أن الأمر لا يزيد على مجرد جريدة كان من الممكن أن تصبح
مثلًا «التحرير»، ولن يقول ساعتها أحد إن رئيس التحرير إبراهيم
عيسى، يوجِّه دعوة مستترة لقتل رجال الشرطة.
لماذا يبدّد رجال الأزهر طاقتهم فى ما لا طائل من ورائه ويضعون
أنفسهم فى تلك المواقف التى تأخذ من مصداقيتهم، خصوصًا وهم غير
مؤهلين لتحليل الأعمال الفنية، إذا كان بعض النقاد المتحذلقين قد
أخطؤوا فى قراءة العديد منها عندما يحملونها بأشياء خارج النص فما
بالكم برجل أزهرى؟!
الكل يستشعر مع تفاقم أزمات الأفلام التى يعلو فيها صوت الأزهر
بالغضب أننا بصدد معركة يشارك فيها رجال الدين ضد الفنانين
والمثقفين، وهكذا تابعنا التراشق بسبب فيلم «نوح»، ورغم أن قرار
العرض يحمل رقم 354 وأصدره الرقيب السابق المخرج أحمد عواض، فإن
الحقيقة هى أن الدولة لا تزال تراعى خاطر الأزهر ولن تعرضه على
الأقل الآن، صحيح أنها لم ترضخ لقرار المصادرة الذى أراده الأزهر،
ولكن وزارة الثقافة قررت أن تقف فى المنطقة الرمادية اللا موافقة
واللا مصادرة.
وما حدث فى «حلاوة روح» تستطيع أن تضعه أيضًا فى نفس القائمة عندما
يصدر الأزهر بيانًا يؤازر فيه الدولة على موقفها بل ويطالبها
بالمزيد، لا أراها فى الحقيقة معركة تستحق أن نخوضها وأن نرى
رجالًا أجلّاء نحترمهم ونبجّلهم وهم يسارعون بأن يشاهدوا الأعمال
الفنية ويقدحون زناد فكرهم ويحللون اللقطة والمشهد والتكوين
الدرامى وحركة الكاميرا، وهم فى النهاية لديهم فقط مرجعيتهم
الدينية، التى تقرأ العمل الفنى بمقياس الحلال والحرام أو كما يقول
المستنير منهم «حلاله حلال وحرامه حرام»، هم يريدون فى النهاية
فنًّا يخضع للرؤية الشرعية، و90% على الأقل من الأفلام والأغنيات
تتعارض مع تلك الرؤية.
يبدو أن الأزهر وهو يرى الآن الدولة الرخوة وهى تحاول إرضاء كل
الأطراف فيشعر أنها فرصته لكى يملى إرادته، ولهذا يسارعون بين
الحين والآخر بإعلان غضبهم وهو موقنون أن هناك مَن يخشى ويخاف، وفى
النهاية سيرضخ.
لا نريد أبدًا للأزهر المقدس أن يتورّط فى معارك تنال منه ومن
مكانته حتى لو انتصر فى معاركه الصغيرة «نوح» و«حلاوة» و«أبو
أخته»، فهى تظل انتصارات بطعم الهزيمة!! |