ينقل المخرج جيمس غراي قطعة زمنية مهمّة حين يسرد علينا أحداث
فيلمه الجديد «المهاجرة». ليس الفيلم جديدا تماما كونه عُرض في
دورة العام الماضي من مهرجان «كان»، لكنه لم يشهد توزيعا أميركيا
حتى هذا الشهر، أي بعد سنة كاملة على إطلاقه. لم يفتقده أحد
بالتالي. أفلام المخرج جيمس غراي (منها «أوديسا الصغيرة» و«ذا
ياردز») لا تنشد الجمهور الكبير، وبالتالي فإن هذا الجمهور لا
ينتظرها.
على هذا، فإن «المهاجرة»، وباقي أفلام غراي، لديه ما يقوله. الفترة
الزمنية التي ينقلها المخرج هي مطلع العشرينات: أوروبا الخارجة من
الحرب العالمية الأولى لاهثة وراء بداية جديدة. أميركا التي لمع
صيتها في تلك الأنحاء كبلد يمكن اللجوء إليه لكل من يطمح بالحرية
والاستقرار والابتعاد عن مفاهيم اجتماعية مقيّدة للطموح. البعض لجأ
إليها بحثا عن الذهب. البعض بحثا عن الأرض. البعض الثالث هربا من
الضرائب، وهناك من راودته أميركا في أحلام يقظته ومن دون أن يعرف
السبب فشد الرحال إليها على أي حال.
أحداث الفيلم تبدأ خريف سنة 1921، أي بعد عام على وثيقة «سيفري»
التي فككت أواصر الإمبراطورية العثمانية وبعد عام أيضا على تأسيس
«حزب العمال الألماني الوطني الاشتراكي» الذي عرف باسم الحزب
النازي حول العالم. في عام 1920 أيضا استيقظت أميركا لأول مرة على
ما عرف بـ«الخطر الأحمر» ما نتج عنه تجميع وترحيل مئات (إن لم يكن
ألوف) الوافدين الأوروبيين ذوي الميول اليسارية. لكن في عام 1922
وقع أول إضراب طويل المدى لعمّال المناجم الأميركيين (استمر لستة
أشهر) الذي عاد وتكرر بعد ذلك في الثلاثينات وما بعد.
*
حب مزدوج
هذه هي بعض ملامح الفترة التي اختارها المخرج جيمس غراي لأحداث
فيلمه «المهاجرة». بطلة الفيلم، إيفا (الفرنسية ماريون كوتيار)
وصلت وأختها (أنجليا سارافيان) من بلدة تقع على الحدود البولندية
الألمانية، بلا ثروة وبلا تجربة وبكثير من الأمل في بناء حياة
جديدة. إنه الحلم الأميركي المشاع الذي دفع بألوف المهاجرين طوال
النصف الثاني من القرن التاسع عشر لترك بلادهم والقارة «القديمة»
كلها والتوجه إلى المرافئ الأميركية. لا ندري، تفصيلا، كيف تكوّن
الحلم الأميركي في البال أو ترعرع في وجدانيات الشعوب حول العالم
وإلى اليوم. لكن ها هي إيفا تصل وفي بالها اللجوء، مع شقيقتها، إلى
بلد أفضل من ذلك الذي ودّعته وليس في بالها أي شاغل آخر.
ما تصطدم به هو عكس المتوقع تماما. يوهمها رجل اسمه برونو وايز
(واكين فينكس) باهتمامه ورعايته وأنه سيجمعها بشقيقتها التي قام
أمن مرفأ نيويورك بفصلها عنها بعدما ارتابوا في أنها مريضة بالسل.
لكن برونو مخادع ومنحط يأخذ بيد إيفا الساذجة ليطلب منها الانضمام
إلى شلته من بنات الهوى. هكذا قضى المخرج غراي على الحلم الأميركي
خلال فترة أحداث لا تتعدّى بضعة أشهر من حياة إيفا وشقيقتها على
الأرض الأميركية.
لكن الحقيقة أن هناك حلمين مختلفين. برونو وايز، أو ڤايز أوروبيا
(والاسم الثاني يشي بأصول يهودية من وسط أوروبا) الذي سبقها إلى
هذه الأرض حقق حلمه ملتويا. ربما، والفيلم لا يقول، كان صعبا عليه
شق طريق مستقيم والإثراء منه. فانحرف إلى المهنة التي يعرف أنها
تؤمّن له هذا الجانب. تطلعات إيڤا تختلف تماما. هي آتية لأجل ذلك
الطريق المستقيم. ترنو إلى العيش في مجتمع آمن. الذئب بالمرصاد.
يستولي عليها ويقوّض أحلامها الوردية ويجبرها على الحياة التي
اختارها لها ولسواها من قبل.
ڤايز على ذلك، شخصية متشابكة. يحبّ إيڤا على نحوين: الأول على نحو
من يمتلك قطعة أثرية يريد الحفاظ عليها، والثاني على نحو من يحب
فعلا. لكنه لم يترك أي سبيل لكي تبادله إيڤا الحب. الصراع الخفي
المتبدّي هو صراع حول ذلك الحلم الأميركي مع قيام المخرج بتغليب
الصدمة على الأمل. الذئب على الحمل.
*
وجوه متعددة
الموضوع ليس جديدا ككل. السينما الأميركية تعاطت مع الهجرة
والمهاجرين كثيرا. على الأقل منذ أن حقق المخرج والممثل تشارلز
تشابلن فيلمه القصير «المهاجر» واصفا فيه حال الأوروبيين المقبلين
فوق المراكب الكبيرة وكيف يجري حجزهم واستقبالهم ودفاع بطله (الذي
سيعرف لاحقا كصعلوك) عن الفقير واليتيم والفتاة المسكينة إدنا
(إدنا بوريفانس). ذلك الفيلم، بالمناسبة، يشبه «المهاجرة» في أنه
يتحدّث عما ينتظر فتاة (وأمّها هذه المرّة) من شظف عيش في أميركا.
لكنه عن المهاجر الرجل أساسا. أول ما يحط تشابلن على الأرض
الأميركية يجد نفسه طريد النظام متهما بالسرقة. تشابلن كان قصير
القامة، رقيق العود، نحيف القوام وكل ذلك جعله بمثابة الضحية
المثلى لرجل البوليس (عادة كبير الحجم ويحمل عصا) أو لأي ممن
سيؤدون دور العدو اللدود من المواطنين. لكن الرسالة النافذة هناك
هي أن الحياة مدقعة لهؤلاء الناس في أميركا كما في البلاد التي
وردوا منها.
في السنة التي يختارها المخرج غراي زمنا لفيلمه (1921) عاد تشابلن
وأكد ما سبق في فيلمه «الفتى»، كما قام المخرج ديفيد وورك غريفيث
بتصوير حال شقيقتين (ليليان غيش وأختها الفعلية دوروثي غيش) في
أوروبا عام 1917، أي خلال الحرب العالمية الأولى. يمكن اعتبار ذلك
الفيلم كما لو كانت أحداثه تمهيدا لما يرد في «المهاجرة» مع ملاحظة
أن المخرج الأميركي فرانك بورزاج (ذاك الذي لاحقا ما لمع كأحد
فناني السينما الأميركية المبكرة) حقق سنة 1920 فيلما تبدو حكايته
متواصلة اليوم مع الفيلم الجديد من حيث إنه هو أيضا دار في رحى
نيويورك القديمة (كانت أقل قدما آنذاك) والعيش الصعب في أرجائها.
ولا حد للأفلام التي تعاطت مع المهاجرين: مايكل شيمينو صوّرهم
ضحايا استبداد الجاليات الأسبق في الغرب الأميركي عبر فيلمه الرائع
«بوابة الجنة» (1980)، برايان دي بالما تحدّث عن الكوبي اللاجئ إلى
أميركا لينهب منها ثروة عن طريق الاتجار بالمخدّرات في «الوجه
المشوّه» (1983) المأخوذ عن فيلم حققه هوارد هوكس سنة 1932. وماذا
عن حكاية «العراب 2» (1974) وكيف لجأ دون كارليوني (روبرت دينيرو
لعب الدور الذي أدّاه مارلون براندو شابّا) إلى الولايات المتحدة
وحط كما سواه في القطاع الإيطالي من نيويورك أو فيلم مارتن
سكورسيزي «عصابات نيويورك» (2002) و«بابل» لأليخاندرو غونزاليز
إيناريتو (2006) أو «أميركا، أميركا» لإيليا كازان (1963)؟هذا
الأخير هو الوحيد بين تلك المذكورة (وهي أمثلة قليلة من عشرات إن
لم يكن مئات الأفلام التي تناولت الهجرة إلى أميركا) الذي حمل
أملا. ومع أنه حقق نجاحا مزدوجا بين النقاد وجمهور ذلك الحين، إلا
أن الأفلام التي تسرد المعاناة عوض سهولة النجاح التي تحقق في
المفادات الجاهزة عوض أن تسلم بها، هي التي تشد الجمهور الأكبر. من
ناحية لأن المعاناة تصنع أفلاما أكثر جذبا للجمهور العريض، ومن
ناحية أخرى خوفا من أن يأتي الفيلم لامعا يصوّر كل شيء بنفس دعائي.
الناحية الثالثة هي أن قليلين يريدون مشاهدة فيلم عن حلم تحقق بلا
متاعب.
*
مهاجرون خطرون
*
خلال الحرب العالمية الثانية، ثم في أعقابها مباشرة، أنتجت هوليوود
عددا من الأفلام التي دارت حول مهاجرين شكّلوا خطرا على الأمن
القومي للولايات المتحدة، مثل «محطم الجاسوسية» و«كابتن مدنايت»
و«القناع الأرجواني». أشرار تلك الأفلام كانوا من النازيين
واليابانيين الذين شكّلوا، حسب هذه الأعمال، طابورا خامسا للتخريب
وإلحاق الضرر بالمؤسسات الاقتصادية الأميركية.
شاشة الناقد
وحش كبير وعواطف صغيرة
الفيلم: غودزيللا
إخراج: غارث إدواردز
أدوار أولى: أرون جونسون، كن واتانابي، برايان كرانستون، سالي
هوكينز، إليزابث أوسلن.
تقييم الناقد:(*3)
يختلف الوحش المسمّى بـ«غودزيللا» (التحريف الأميركي من كلمة
«كوجيرو» اليابانية) عن باقي الوحوش التي وطأت هذه الأرض. أولا هو
ليس ديناصورا، ولا هو حوتا، بل حيوان برمائي يعيش، أو هكذا كان
يفعل، في أعماق البحر ساكنا هادئا حتى أزعجوه بالقنابل النووية
التي كانوا يجرون التجارب عليها في أعماق المحيط. ثانيا، هو ليس
نتيجة غلطة في المختبر ولا هو مقبل من كوكب بعيد لكي يدمّر الأرض.
هو مخلوق ضخم وُلد على هذا النحو ولو أنه من المحتمل أن يكون كبر
أكثر بسبب الإشعاعات النووية.
انطلق كوجيرو أول مرّة سنة 1954 عندما قام المخرج الياباني إيشيرو
هوندا بتحقيق هذا الفيلم بتمويل من استوديو توهو الشهير. كانت مرّت
تسع سنوات على إلقاء القنبلتين النوويتين على هيروشيما وناغازاغي
والمأساة ما زالت حاضرة. الفيلم الأول ذاك، طمح للتذكير بأن الوحش
هو من تبعات القوّة النووية والأفلام اللاحقة، أكثر من ثلاثين
إعادة واقتباسا وجزءا، كررت هذا المفاد في غالبيّتها.
هنا لا يبتعد المخرج البريطاني الذي جيء به لاستلام مهمّة ضخمة
غارث إدواردز عن هذا الرديف السياسي: هناك تجارب نووية مع خطر
استخدامها من جديد لقتل الوحش الكبير الذي خرج من تحت سطح الماء
ليدمّر الإنسان وممتلكاته. لكنه لا ينشغل بها كثيرا أيضا. يبقى
الخيط المذكور موجودا لكنه خيط نحيف لا ينوي التعثر به أو تركه
يلتف حول العمل. وحسنا فعل. النسبة الترفيهية في هذا الفيلم تتجاوز
مثيلاتها في الأفلام الضخمة الأخرى التي شوهدت مؤخرا. ومن بين كل
المخرجين الذين أملوا في أن يتجاوزوا ستيفن سبيلبرغ في أعماله
السينمائية المماثلة (أي تلك التي تقوم على وحوش من عائلات مختلفة
كسمكة القرش الضخمة في «جوز» والديناصورات في «جوراسيك بارك»)
إدواردز هو الوحيد الذي ينجح بالفعل.
إذا ما عدت إلى سلسلة سبيلبرغ من «جوراسيك بارك» التي أنتجت قبل
سنوات قليلة، تجد أن العمل التقني يداخله خيال غريب. حيوانات صغيرة
تركض في الغابة. أخرى كبيرة تداهم وتلتهم. وأخرى تتصرّف باستيحاء
من خيال حدد سلوكياتها بسلوكيات كلب متوحش (المشهد الذي يقتحم فيه
اثنان من تلك الوحوش المعمل حيث يختبئ طفلان). إدواردز لا يتجاوب
كثيرا مع المؤثرات التفصيلية. في «جوراسيك بارك» تقدّم وحوشا تبدو
في بعض الأحيان كما لو كانت تمزح. هنا لا مجال للتمويه: وحوش هذا
الفيلم (ثلاثة) جادة. لا تعترف بالجمهور الذي في الصالة.
يا ليت النواحي الدرامية على ذات القدر من النجاح. في حين أنجز
إدواردز عملا جيّدا على صعيد أفلام الوحوش (أكثر بكثير من فيلم
رولاند إيميريش الكرتوني «غودزيللا» قبل بضع سنوات)، يخفق في
الإتيان بشخصيات آدمية مثيرة للاهتمام. هناك جمود في الحوار ينتج
عنه جمود في الأداء. مثل سبيلبرغ، يستخدم إدواردز كل المفاتيح
العاطفية الممكنة، ويوظّف العلاقات الأسرية كمحور للرغبة في حماية
الآخر (الأب والابن، الابن وزوجته وطفله الخ..). التوظيف جيّد
لناحية تحقيق غاية تعاطفية، لكن الشخصيات تبقى غير مقنعة حين تلتقي
وتتبادل الكلام.
سنوات السينما:1943
الفيلم التشويقي الأفضل
العام
الذي نتداوله هنا شهد قيام المخرج الإيطالي لوكيانو فيسكونتي تحقيق
أول فيلم له وهو «هوس» عن رواية للأميركي جيمس م. كاين ستقوم
هوليوود بعد ثلاث سنوات بتحقيقها تحت عنوانها الأصلي «ساعي البريد
يدق مرتين دائما» من إخراج تاي غارنت (ولاحقا مرّة ثانية في
الثمانينات).
فيسكونتي وضع الحكاية ليس في أي إيطاليا، بل في إيطاليا الفاشية
مانحا الفيلم أبعادا عاطفية وسياسية لم تكن مقصودة، ولا موجودة، في
الرواية الأصلية.
10-TOP
*
أيام الأمس
*
الدعاية التي سبقت عرض «رجال ركس أيام الماضي المقبل» لم تكن في
صالح الفيلم. قضيّتان مرفوعتان ضد المخرج برايان سينجر فحواهما
إجبار شابّين على ممارسة شذوذ جماعي أثارتا الرأي العام قليلا، لكن
الفضول لمعرفة فحوى الفيلم الجديد كان الأقوى. عليه أنجز الفيلم
مبلغا مشابها للمبلغ الذي حققه غودزيللا في الأسبوع الماضي، الفيلم
الذي ينحدر بطبيعة الحال إلى المركز الثاني هذا الأسبوع.
*
فيلم كوميدي جديد يحط في المركز الثالث هو «ممتزج» مع آدام ساندلر
ودرو باريمور: كوميديا تكاد أن تكون أفضل من الكوميديا الفاشلة
التي بوشر بعرضها الأسبوع الماضي «جيران» التي نراها تراجعت إلى
المركز الرابع. في المركز التاسع «رئيس طبّاخين» الذي فشل في عروضه.
*
الأفلام
1 (*2) () X Men: Days of Future Past: $90,823,660
2 (*3) (1) Godzilla: $30,946,416
3 (*1) () Blended: $14,284,031
4 (*1) (2) Neighbors: $14,022,660
5 (*2) (3) The Amazing Spider Man 2: $7,844,388
6 (*2) (4) One Million Dollar Arm: $6,966,902
7 (*1) (5) The Other Woman: $3,710,407
8 (*3) (7) Rio 2: $2,467,206
9 (*2) () Chef: $2,260,586
10 (*3) (6) Heaven is for Real: $2,033,488
*
حديثا على DVD
(*4) Red River
وسترن مع جون واين ومونتغمري كليفت تحت إدارة هوارد هوكس (1948)
(*2) Like Someone in Love
من مدّعي الجودة الأول عبّاس كياروستامي الذي صوّر هذا الفيلم في
اليابان (2012)
(*4)
Her
أحد أكثر أفلام العام الماضي ذكاء وتعبيرا عن العصر الذي نعيشه
(2013)
(*3) Die Hard
أكشن
ناجح وكلاسيك حديث من نوعه لجون ماكتيرنن مع بروس ويليس (1988)
المشهد
دفاعا عن ناقدة
*
كلنا هوجمنا لأننا نقدنا أفلاما. وكلنا هنا تعني معشر نقاد السينما
الفعليين الذين لا عمل آخر لهم سوى الكتابة عن الأفلام من وحي
ولعهم بالسينما ورغبتهم في صيانة الأعمال الجيّدة والدفاع عنها
وتقديم وجهة نظر مستقاة من معلوماتهم ومعرفتهم وخبرتهم حول كل فيلم
يشاهدونه بعيدا عن المؤثرات قدر المستطاع.
*
حين كنت ما زلت طالبا في الثانوية قرأت هجوم المخرج الراحل محمد
سلمان على الناقد (الراحل أيضا) سمير نصري. بعده هوجم على كتاباته
كل زميل سبق جيلي أو لحق به: سامي السلاموني، سمير فريد، كمال رمزي
ومن الجدد نديم جرجورة وهوفيك حبشيان. وكان لي نصيبي من الهجوم
الذي لم أرد عليه بل تركته يموت تدريجيا، ولو أن العلاقات انقطعت
عن بعض من اعتبرني صديقا حينما كتبت جيّدا عن أفلامه وتوقف عن هذا
الاعتبار عندما انتقدت فيلما تعثّر فيه أو سقط.
* والحال
هو نفسه في كل مكان جرى فيه صنع سينما وإنتاج أفلام. نقاد من
بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة وإيطاليا هوجموا لما كتبوه في
صحفهم ومجلاتهم. وأكثر من مرّة جرى وضع أسماء بعضهم على قائمة
سوداء وعدم دعوتهم للعروض الخاصّة. وهذا حدث في بيروت أيضا عندما
امتنعت إحدى شركات التوزيع عن دعوة النقاد لأن واحدا منهم كتب ما
لم يعجبها. حين تراجعت عن فعلتها كان الفيلم الأول الذي عرضته
للنقاد فيلم بريطاني من بطولة فنسنت برايس يدور حول ممثل مسرحي
هاجمه النقاد فقرر قتلهم واحدا تلو الآخر!
* حاليا
بين لوس أنجليس وواشنطن ضجّة من هذا النوع سببها قيام الناقدة آن
هاراناداي بنقد فيلم عنوانه «جيران» وربطته بالمذبحة التي قام
الشاب بيتر رودجر بها في مدينة سانتا باربرا التي ذهب ضحيّتها ستة
أشخاص قتلى وثلاثة عشر جريحا. قالت: «كم طالبا شاهد تلك
الفانتازيات التي يقوم بها صبيان المدارس كما في (جيران) شاعرا
بأنه معزول عن الحياة الطالبية وأن الحياة عليها أن تكون مليئة
بالجنس والمتعة؟» وأضافت: «إذا كانت لغتنا السينمائية قائمة على
العنف والسباق على الجنس فالشكر للاستوديوهات التي يديرها الرجال
الذين يعطون الإشارة الخضراء (...) لا أحد يجب أن يفاجأ عندما تؤثر
تلك المفاهيم على الثقافة بشكل واسع».
* كلمات
قوية تربط بين الشخصية التي مثّلها الكوميدي سث روغن وبين الجريمة
التي ارتكبها القاتل بعدما خلف وراءه مفكرة ذكر فيها رغبته في
قيامه بالانتقام ممن أساءوا إليه وسخروا منه. ثارت ثائرة الممثل
روغن فكتب متهما الناقدة «أجد مقالك مهينا على نحو كبير»، ثم عاد
وكتب مغرّدا: «كيف تجرؤين على الإيحاء بأن وصولي إلى الفتيات في
الفيلم تسبب بقيام معتوه بارتكاب حماقته؟».
*
الحقيقة أن الناقدة على حق وهوليوود تحتوي الجيد والبشع وهذا
الفيلم بشع في إيحاءاته وفي موضوعه ومفهومه ينتمي إلى تلك الأعمال
الكوميدية المتكاثرة التي لا تعترف بالقيم بل تريد النيل منها. كما
أنه فيلم رديء الصنعة. مهمّة الناقد ليست تجميل الفيلم ولا جعله
قبيحا. ليس هناك نقد بنّاء ونقد هدّام، بل هناك ناقد أمام فيلم
اختار صانعوه تحقيقه على النحو الذي قدّموه عليه. وعليهم قبول
الموقف المضاد إذا ما حدث. |