في زيارته لمهرجان بوسان السينمائي الدولي الذي يقام قرب نهاية كل
عام، قال كوينتين تارنتينو عن نفسه: «أنا طالب في السينما واليوم
الذي أتخرج فيه هو اليوم الذي أموت فيه»، كلمات رائعة تصف مبدأ
يحتذى به بين كل عاشقي السينما بصرف النظر عن مهنهم فيها. لكن
تورنتينو قال أيضا وفي المناسبة ذاتها: «أنا هنا لكي التقي مع بونغ
جون - هو، بين كل مخرجي السنوات العشرين الأخيرة، وحده لديه شيء
مشترك مع ستيفن سبيلبرغ وهو مستوى من الترفيه في أعماله التي هي
تحف عظيمة بطريقته الخاصة».
ربما شط تارنتينو هنا قليلا، لكن الرسالة وصلت، بونغ جون - هو مخرج
كوري جنوبي قوي الحضور على أكثر من جبهة داخل بلاده ويشتغل أفلامه
بعناية كبيرة ويحرص على تحقيق أفلام تنتمي إلى «النوع» أو (Genre)
لكنها لا تلتزم به كليا؛ لذلك في حين أن غالبية أعماله جادة في
النوع الذي اختارته (دراما، تشويق، رعب.. الخ) هناك تلك المشاهد
التي يبدو فيها كما لو كان يمازح مشاهديه وينتقد نفسه وجديته.
*
أم وقطار
على أن تلك الميزة، إذا ما كانت فعلا كذلك، تأخذ حيزا ثانويا أمام
قوة العناصر البصرية التي تشغل الشاشة في أفلام هذا المخرج الكوري
(مولود في رابع أكبر مدن كوريا الجنوبية وهي دايغو سنة 1969). لا
يمكن مثلا أن تشاهد فيلمه الواقع على الحافة بين الدراما النفسية
والاجتماعية من دون أن تبهرك لقطاته المدروسة، سواء تلك التي تنفرد
بها بطلة الفيلم هاي - جا كيم، أو تلك المشحونة بالعنف الواضح كما
المستتر التي تجمعها وشخصيات أخرى، مثل ابنها المتهم بجريمة تريد
أن تبرئه منها، أو المحقق الذي مل النظر إلى هذه القضية ويريد أن
يطوي صفحتها، أو تلك المشاهد التي هي محور القضية عندما تتعرض فيها
طالبة في المدرسة إلى اعتداء جنسي من قبل مجهول.
ذلك الفيلم الذي أنجز بضعة جوائز في مهرجان «الفيلم الآسيوي» سنة
2010، كان قراءة داكنة في مجتمع متغير لا يمنحه المخرج دراسته
لظواهره بل يعكسها متجسدة في المزج بين تربة الحياة الكورية الخاصة
والحدث الخيالي الواقع.
«أم»
كان فيلما داكنا من دون أن يكون مسودا، على الرغم من مشاهده
النهارية الساطعة، فإن البحث المتفائل عن علاقات أفضل بين أطراف
البشر فيه غير موجود، وهذا ما يعكسه مجددا في فيلمه الجديد الذي هو
أول فيلم له بالإنجليزية وعنوانه «ثاقب الثلج»
Snowpiercer
الذي يفتتح هذا الأسبوع في الولايات المتحدة وسط اهتمام نقدي
وإعلامي يستحقه ذلك المخرج الآتي من بعيد.
إنه فيلم مستقبلي تقع أحداثه بعد
17
سنة على قيام مؤسسات علمية مختلفة بمحاولة معالجة مشكلة سخونة
الطبقات الجوية، فإذا بالنتائج تنقلب عكس ما كان يؤمل منها؛ مما
يتسبب في دخول العالم عصرا جليديا جديدا، الناجون من المحنة
قليلون، وهم الآن في ذلك القطار المنطلق بلا هدف.
بما أن العالم لا يتعلم من أخطائه، فإن التراكمات اللا إنسانية
حاضرة من سيطرة فريق صغير على الغالبية العظمى، وحتى فداحة
العقوبات على المخالفين التي قد تشمل كسر يد أو خلع ذراع، النتيجة،
أن هناك طبقتين؛ حاكمة ومحكومة، ثرية وفقيرة، والثورة هي الحل،
بذلك يطرح بونغ جون - هو القطار كوضع مجازي لعالم مستقبلي ومنه
لعالمنا اليوم مع اختلاف المواقع والناس والكوارث.
*
مقص التوزيع
هذا موضوع مختلف عن مواضيع المخرج السابقة، لقد انشغل سابقا
بحكايات تبقى ضمن موضوع لا تتمدد مجازاته في هذه الاتجاهات - إذا
ما وجدت، على ذلك، المناسبة تتيح له أن يخرج عن طوعه فقد اقتبس
المادة من مجموعة روايات كوميكس فرنسية وضعها جاك لوب وبنجامين
ليغراند وجان - مارك روشيه، ولم يلتقطها مخرج أو منتج فرنسي بل
سارع إليها جون - هو واجدا أن فرصته الأمثل فيلمه الأول
بالإنجليزية، مختارا - لهذه الغاية - ممثلين أميركيين وبريطانيين،
منهم الأميركيان إد هاريس، وكريس إيفانز، والبريطانيون تيلدا
سوينتون، وجايمي بل، وجون هارت إلى جانب وجوه كورية يتقدمها الممثل
الكوري ذو الخلفية المسرحية سونغ كانغ - هو.
لكن الطريق إلى هوليوود تعترضها مشكلات، فعندما قام جون - هو
بتحقيق هذا الفيلم صاغه في نحو ثلاث ساعات رآها ضرورية لسرد أحداث
تتشبع زمانا ومكانا وتعبر عن مراحل حكايته، لكن حين جاء وقت توزيع
الفيلم في الولايات المتحدة أصرت شركة وينستين على قطع الفيلم إلى
نسخته الحالية التي تبلغ ساعتين و16 دقيقة (من بينها عشر دقائق
للأسماء الواردة في الختام).
بذلك تكون الشركة دخلت في مشكلة ثانية تلي المشكلة التي وقعت بينها
وبين «غريس موناكو»
(Grace of Monaco)
الذي، كما أوردنا سابقا، وجد نفسه محط نزاع بين مخرجه أوليفييه
داهان وموزعيه الأميركيين حول مفهوم العمل ككل، ففي حين رآه الأول
انعكاسا فرنسيا ناطقا بالإنجليزية عن حياة غريس كيلي ومن خلفها
القصر الملكي لموناكو، لم يكترث الأخوان وينستين بكل ذلك بل أرادا
فيلما عن غريس كيلي وصراعها بين أن تعود ممثلة أو تبقى أميرة.
طبعا الحال مع «ثاقب الثلج» يختلف إذ هو مجرد الرغبة في اختصار
مدته الزمنية حتى يتاح لصالات السينما عرضه أربع مرات في اليوم،
عوضا عن ثلاث مرات. المخرج جون - هو وافق على مضض واعدا[ الدول
الأخرى بتقديم نسخة كاملة ولو بعد حين.
*
أسلوب خاص
بونغ جون - هو في واقعه اليوم واحد من المشتغلين على الجمع بين
الفن وبين نظام النوع، المقصود هنا هو ضخ رؤية فنية/ ذاتية في
أفلام تنتمي إلى أشكالها وتصنيفاتها المعهودة (رعب، خيال علمي،
درامات متنوعة، كوميديا.. الخ)، وهو ليس الوحيد في هذا الصدد بل إن
كل سينما «الفيلم نوار» البوليسية في الأربعينات قامت على أساس
مشابه، لكن حياكة هذا النوع من الأفلام هو الذي بات أصعب منالا مما
كان عليه في معظم مراحل الأمس.
عندما قام جون - هو بتحقيق «مفكرات جريمة» (2003) اضطر لترك نهايات
مفتوحة لصعوبة إيجاد الجسور بين ما يود النفاذ إليه وبين شروط
الفيلم المصنف، في فيلمه التالي «المضيف» (2006) اضطر لتغليب الرعب
على الذاتي؛ مما جعل نقادا يعدون أنه في الواقع يحاول رفع الأفلام
العادية إلى أسلوبه الخاص في معالجتها مما يجعل الفيلم أثقل من أن
يتحمل هذا المزيج.
لكن الحقيقة أن جون - هو ينجح دائما في التغلب على مشكلاته
المنتمية للهوية الفنية النهائية لأعماله، ففيلمه الروائي الطويل
الأول «الكلاب النابحة لا تعض» (2000)، الذي ورد بعد ثلاثة أفلام
قصيرة له، كان عملا سورياليا منحه المخرج هزلا مناسبا؛ مما جعله
ينجز عبره عملية لفت اهتمام مكنته من تحقيق فيلمه التالي «مفكرات
جريمة» بحرية أوسع، هذا الفيلم القائم على تحقيقات جنائية مستوحاة
من قضايا واقعية، كان تذكرته لفتح البؤرة على الحس الاجتماعي على
النحو ذاته الذي مارسه الأميركي ديفيد فينشر، مثلا، في «زودياك».
بينما جاء «المُضيف» أقرب إلى الترفيه الذي كان سبيلبرغ يعمد إليه
في أعماله الأولى، والرابط المشترك بين فيلم جون - هو و«جوراسيك
بارك»، مثلا، هو أنهما يدوران حول الوحوش الكاسرة التي تبحث بين
البشر عن وليمة جاهزة.
*
التجربة الأميركية
*
هناك عشرات المخرجين الأوروبيين والآسيويين الذين جربوا حظوظهم في
السينما الأميركية منذ أيامها الصامتة وإلى اليوم، هذا غير الذين
بقوا هناك وأنجزوا كل أفلامهم اللاحقة في هوليوود، من الفريق الأول
مثلا الألماني «ف. و. مورناو» عندما حقق «شروق» سنة 1927، ومنهم
أيضا الفرنسي جان رنوار عندما أخرج «مياه المستنقعات» سنة 1941.
والإسباني لوي بونويل كانت له مغامرته الخاصة سنة 1954 عندما أخرج
نسخته من رواية «روبنسون كروزو».
شاشة الناقد
حرب سرية
الفيلم: «ترانسفورمرز: عصر الإبادة»
Transformers:
Age of Extinction
إخراج: مايكل باي
Michael Bay
أدوار أولى: مارك وولبرغ، ستانلي توشي، كيلسي غرامر، نيكولا بلتز،
جاك راينور.
تقييم الناقد:(1*)
إذا كنت تبحث عن شاحنة قديمة تشتريها راجع تاريخ السيارة بعناية،
فقد تكون تلك التي خاضت غمار حروب «ترانسفورمرز» وانتهت إلى مرآب
سيارات بلا عمل أو حركة. إنها شاحنة تستطيع أن تخوض المعارك وتتحول
من مجرد عربة بعجلات ومحرك قوي إلى قوة دافعة تذود عن كوكب الأرض
بأسره، فهي ليست شاحنة من صنع البشر بل لها اسم مميز يحفظه من دأب
على مشاهدة سلسلة «ترانسفورمرز» منذ بدايتها هو أوبتيموس برايم.
الرجل الذي يبحث عن وسيلة لإنقاذ منزله من البيع ولدفع فواتير
المدرسة لابنه، والذي يجد هذه الشاحنة فيقرر أن يفكها ويبيعها،
اسمه كايد ييغر (مارك وولبرغ) لا يبدو أنه شاهد أيا من أفلام هذه
السلسلة من قبل، لذلك لم يكتشف، وهو يقودها من مرآب الشركة إلى
مرآب منزله، حقيقة أمرها إلا بعد حين، لكن المفاجأة من نصيبه وحده،
أما الجمهور فقد سبقه لمعرفة الفيلم بأسره حتى قبل ساعتين من
نهايته.
ييغر هو بطل هذا الفيلم، الذي هو إعادة تشغيل للجزء الأول مع إضافة
أحداث جديدة؛ بحيث لا يضطر لتكرار ما ورد سابقا، يحاول أن يسدد
ديونه في الوقت الذي يواصل توجيه ابنته الجميلة (نيكولا بلتز)
منتقدا حريتها الزائدة: «تنورتك تزداد قصرا كل مرة ترتديها»
و«التقبيل غير مسموح به في بيتي». وهو يتوجه إلينا مكررا حتى لا
ننسى «أنا مخترع».. طبعا لا نرى كثيرا من هذه الاختراعات، لكنه
يذكرني ببطل الحلقات الثلاث الأولى شايا لابوف الذي كرر في الجزء
الثالث عبارة «لقد أنقذت الأرض أكثر من مرة».
مشكلات كايد ييغر تلتقي ومشكلات أكبر حجما منه ستدفع بالشاحنة التي
تجيد كل شيء باستثناء صنع البيتزا، للذود عنه ومساعدته على دحر
أشرار الكون وفي مقدمتهم، وحسب الفيلم، مسؤول في وكالة المخابرات
الأميركية (كلسي غرامر) الذي يقود الحرب ضد المخلوقات الميكانيكية
منذ سنوات.
حسب هذا السيناريو فإن هذه الحرب الضخمة خفية على الحكومة ولا يعلم
البيت الأبيض بها رغم أن نصف مدينة شيكاغو سقطت مدمرة بسببها!
الغاية من وراء تدمير تلك المخلوقات ليست نبيلة، بل تجري بالاتفاق
مع مستثمر اسمه جوشوا يريد استغلالها في مشاريع علمية. ونراه لا
يقل عن كايد ييغر في اعتزاره بأفعاله عارضا إحدى تجارب مؤسسته
عندما يحرك شيئا مبهما من دون أن يلمسه فيحوله إلى راديو حينا،
وإلى كرات صغيرة متلاصقة حينا آخر، وأيضا إلى مسدس وهو يقول:
«أستطيع صنع أي شيء».
كان على المخرج مايكل باي أن يستعين به لعله كان يستطيع أن يحقق
عملا أفضل من هذه الملهاة المضجّة والمكلفة التي تعاني من الترهل
وعدم الاتساق، مع كبر حجم الفيلم من جزء إلى آخر، ومع الرغبة في
حشد المزيد من الغرائبيات لجمهور لا يكف عن طلب المزيد، فإن الحاصل
هو نوع من التكتل الشحمي الذي أدّى إلى انتفاخ وبدانة سلسلة
«ترانسفورمرز» عوض أن يرفعها إلى فوق فتتقدم على ما جرى تحقيقه
منها سابقا، ولا ينفع تسليتنا بمواقف بطله الأخلاقية إذا ما كانت
نية المخرج التقاط بعض المشاهد للفتاة من أجل إظهار جمالها لا
للقاء درامي مع المضمون، بل لمجرد تلبية ما يطلبه منه المشاهدون.
10-TOP
نجاح صاعق
*
النجاح الذي أنجزه «ترانسفورمرز: عصر الإبادة» جاء صاعقا: مائة
مليون دولار في ثلاثة أيام أميركية أولى و400 مليون حول العالم من
بينها أكثر من 138 مليون دولار من الصين وحدها.
*
لكن على الرغم من ذلك كله، فإن هناك دلائل تشير إلى أن هذا النجاح
لا يعكس نشاط الصيف السينمائي الحالي. يتبين هذا من تواضع أرقام
معظم ما جرى طرحه من أفلام أخرى في الأسابيع القليلة الماضية مع
سقوط محسوب لفيلم كلينت ايستوود «فتيان جيرسي» ولفيلم سث ماكفارلن
«مليون طريقة للموت في الغرب» إلى جانب أخرى.
*
الأفلام
(1*)1- Transformers: Age of Extinction: $100,038,390
(2*)2- (2) 22 Jump Street: $15,842,375
(3*)3- (3) How to Train Your Dragon 2: $13,237,697
(1*)4- (1) Think Like a Man Too: $10,316,350
(2*)5- (5) Maleficent: $8,477,620
(3*)6- (4) Jersey Boys: $7,712,264
(3*)7 (6) Edge of Tomorrow: $5,404,290
(2*)8- (7) The Fault of Our Stars: $5,130,777
(2*)9- (8) X - Men: Days of Future Past: $3,321,428
(3*)10- (9) Godzilla: $1,090,228
*
حديثا علىDVD
Road to Paloma
(3*)
إنجاز مفاجئ فنيا للممثل القادم من حلبات المصارعة جاسون موماو
مخرجا وممثلا (2014)
Under the Skin
(3*)
سكارلت جوهانسن مخلوقة من الفضاء تقتل البشر قبل أن تكتشف أنهم
أفضل شأنا (2013)
Urban Justice
(2*)
ستيفن سيغال أنتج وقاد بطولة هذا الأكشن حول والد شرطي قتيل ينتقم
من الأشرار (2007)
South of St. Louis
(3*)
وسترن مشوق من بطولة جوويل ماكراي حول ثلاثة أصدقاء يتفرقون ثم
تجمعهم الشدائد (1949)
سنوات السينما: 1944
المرأة هي السبب
«تأمين
مزدوج» كان هدية المخرج بيلي وايلدر الثمينة لهواة الفيلم البوليسي
في ذلك العام: دراما محبوكة وداكنة اشترك في كتابتها الروائي
رايموند تشاندلر حول موظف شركة التأمين فرد ماكموري الذي وقع في
حبائل باربرا ستانويك التي أقنعته بأن يجعل زوجها يوافق على
التوقيع على عقد بتأمين إضافي تمهيدا لقتله، غايته كانت البقاء
بجانبها، وغايتها كانت الإنفراد بالمال.
«فيلم
نوار» خرج في ذلك العام، و«لورا» لأوتو برمنجر وروبن مأموليان
«واحد خلف الآخر» حول حب آخر من طرف واحد متمثل هذه المرّة بالتحري
دانا أندروز الذي يحقق في جريمة ربما أقدمت عليها المرأة التي يحب
جين تييرني.
المشهد
الناقد النجم
* «لم
أكن لأحظى بمهنة في السينما لولاه» يقول المخرج التسجيلي إيرول
موريس، والكلام ليس عائدا لوالده مثلا، أو لمنتج منحه الفرصة
الأولى أو لمخرج عشق أفلامه، بل هو يتحدث عن ناقد سينمائي، هذا
الناقد هو روجر إيبرت، أشهر نقاد أميركا.. هكذا كان قبل وبعد رحيله.
*
الفيلم المعروض حاليا في صالات متخصصة بطول وعرض الولايات المتحدة،
«الحياة بذاتها» هو عمل تسجيلي من ستيف جيمس عن ذلك الناقد
السينمائي الذي هو واحد من القلة التي تركت تأثيرها في المخرجين
وفي المشاهدين على حد سواء، كان نجما لدى الاثنين معا. مارتن
سكورسيزي يقول في الفيلم إنه لم يشعر بأن «نقد» روجر إيبرت كان
هيمنة عليه. وفي الفيلم ذاته يتولى المخرج الألماني تحديد وجهة
نظره في ذلك الناقد، فيقول: «هو جندي السينما».
*
كلمة لا أخفيكم أحب سماعها عني أو عن أي زميل آخر يكتب باللغة
العربية. نعم، بعضنا مشهور والبعض الآخر مغمور، بعضنا لديه الصحيفة
التي تؤمن به وبدوره وبعضنا لا يزال يبحث عن مثل هذه الفرصة، لكننا
جميعا نحفر طريقنا بصعوبة تعود إلى أن معظم القراء مشغولون
بالأخبار الخفيفة، تماما كما كان الحال في الستينات والسبعينات
عندما كانت مجلات مثل «الكواكب» و«الشبكة» و«الموعد» هي الأعلى
انتشارا في حين سقطت - تجاريا - كل المجلات التي أرادت معالجة
السينما برصانة ولهدف ثقافي بحت. لا شيء تغير سوى أن التوجه بات
صوب مواقع الإنترنت، ولو أن المجلات الثلاث ما زالت تتوالى في
الصدور إلى اليوم.
*
لا شيء ضد القراءة الخفيفة وفي الغرب عموما المشكلة ذاتها رغم أن
عدد قراء النقد يتضاعف كثيرا عن عدده بين قراء العربية. لكن روجر
إيبرت ظاهرة خرجت من حدودها الأميركية، بينما لم يخرج نقاد
بريطانيون (مثلا) من حدودهم البريطانية تأثيرا أو صيتا.
*
إلى ما سبق، مخرجونا لا يقرأون.. الحقيقة أن القليلين منهم يشاهدون
الأفلام. ألا يقرأ الناقد النقد، إلا إذا عندما يحقق فيلما (وحتى
ذلك ليس شرطا) فإن هذه مشكلة، أما ألا يرى أفلام السينما إلا فيما
ندر، فهذه أزمة.
*
رحيل مخرج
*
عرف بول مازورسكي، المخرج الذي رحل في 30 من الشهر الماضي، مستويات
مختلفة من الأفلام، وقف وراء أفلام قليلة التكلفة وأفلام رئيسة،
حقق أعمالا عكس فيها حبه لسينما فديريكو فيلليني، وأعمالا أخرى
أرادها خاصة به، أفلام مع نجوم وأفلام تدور حول الشخصيات أساسا.
*
بعد فيلم قصير أنجزه سنة 1962 انتظر خمس سنوات ثم كتب وأخرج «بوب
وكارول وتد وأليس» العام 1969. الفيلم الذي وُصف بأنه لم يكن
أخلاقيا؛ إذ يدعو إلى تعدد العلاقات. حاز على جوائز الأوسكار عندما
رشح في أربعة أقسام (أفضل ممثل مساند، أفضل ممثلة مساندة، وأفضل
كتابة، وأفضل تصوير) لكنه لم يحز على أي منها. بعد ذلك، وفي العام
التالي، أخرج «أليكس في ووندرلاند» بطولة دونالد سذرلاند الذي حمله
برياح المخرج الإيطالي الكبير فديريكو فيلليني، من دون أن يبلغ
شأنه بالطبع.
*
لم يكن الطريق سهل بعد ذلك فقد عانى كثيرا عندما فكر في إخراج فيلم
عن رجل عجوز بعنوان «هاري وتونتو»: «قيل لي من يريد أن يشاهد فيلما
عن رجل عجوز؟». لكن لم تكن الاستوديوهات هي مصدر الممانعة الوحيد،
بل رفضه بعض الممثلين الذين تجاوزوا الستين، حسب السيناريو. توجّه
إلى جيمس كاغني الذي بادره بأنه متقاعد (ولو أنه، لاحقا، ما عاد عن
تقاعده عندما طلبه المخرج ميلوش فورمان لدور رئيس في «راغتايم» سنة
1981)، هذا أيضا كان جواب كاري غرانت.. الكوميدي داني كاي طلب
المزيد من النكات كشرط لتأدية الدور.. عندما توجه مازورسكي صوب
الممثل لورنس أوليفييه «أدركت أنني ارتكبت خطأ». في النهاية نجح في
إقناع آرت كارناي بتمثيل الدور بعد ممانعته؛ إذ أخبره آرت: «أنا في
التاسعة والخمسين وتريدني أن أؤدي دور رجل في السبعين؟».
*
من بين أفلامه الأخرى «موسكو على الهدسون» (1984) و«سقوط وخروج من
بيفرلي هيلز» (1986) و«امرأة غير متزوجة» (1978) و«غرينتش فيلاج»
(1976). من يبحث بين مخرجي نيويورك وهوليوود من الذين تركوا
بصماتهم على الفن السابع سيجد مازورسكي في عداد هؤلاء، ليس متصدرا،
بل بصحبة حفنة من المخرجين المماثلين في عصره أمثال روبرت ألتمن،
وجون كازافيتيز، ومونتي هلمان. |