«ضحايا
الحرب».. الأميركان ليسوا دائماً أبرياء!
عبدالستار ناجي
يعتبر فيلم «ضحايا الحرب» للمخرج بريان دي بالما، واحد من اخطر
الاعمال السينمائية الاميركية، التي تناولت موضوع الحرب، بكثير من
الشفافية والقسوة، وهو يسير على نهج افلام مثل «بلاتون» وفول متبل
جاكيت، والقيامة الان، وغيرها من الاعمال السينمائية، التي ذهبت
الى موضوع الحرب على خلفية الحرب الاميركية الفييتنامية، وفي هذا
الفيلم يفضح بريان دي بالما، عدداً من الممارسات السلبية للجنود
الاميركان، ابان تلك الحرب الوحشية.
فيلم عن الاغتصاب الجماعي من قبل مجموعة من الجنود الاميركان
لامرأة فييتنامية، مع ملاحظة ان الفيلم يعتمد على قصة حقيقية فضحها
الكاتب دانييل لانغ في صحيفة «النيويوركر».
وهذا الفيلم يذهب الى نقطة حساسة في تاريخ العسكرية الاميركية،
شكلت علامة سوداء.. بل ان وزارة الداخلية حاولت كثيرا تعطيل انتاج
الفيلم الذي لايزال يمثل احد اخطر الافلام واكثرها عمقا في التصدي
لموضوع الحرب والتدخل في مصير الامم والشعوب.
دراما سينمائية موجعة تصدى لها المخرج بريان دي بالما، اعتماداً
على نص اصلي، صاغ له اليسناريو دايفيد بالي. والنص الاصلي كانت
صحيفة النيويوركر، قد نشرته تحت عنوان حادث في الجحيم عام 1966
خلال الحرب الفييتنامية وكتب التحقيق يومها دانييل لانغ.
وجمع بريان دي بالما، عدداً بارزاً من اهم النجوم الشباب في حينها
ومنهم مايكل جي فوكس وشون بين وعدداً اخر من الشباب.
منذ اللحظة الأولى، يأخذنا الفيلم عبر فلاش باك، لماكس اريكسون،
وهو احد قدامى المحاربين في فييتنام في نوفمبر 1966، حول احداثيات
تعرض فرقة من الجنود الاميركان لهجوم من قوات الفيتكونج «الفييتناميين».
حيث المواجهات الوحشية، والقتل بالسلاح الابيض بلا رحمة.
بعدها يأخذ الفريق استراحة قرب قرية قريبة من النهر.. وهناك نشاهد
ايضا كماً من الممارسات السلبية للجنود الاميركان.
وتمضي اللحظات بين المواجهات.. والجثث المتساقطة من الطرفين.
حتى يأتي الحدث الاكبر في الفيلم، والذي يتجاوز كل الاحداث والجثث،
حينما يأمر توني مسرف «شون بين» عناصر الفرقة بأختطاف فتاة
فييتنامية «ثان لي اوانه» ورغم اعتراض اريكسون منذ اللحظة الاولى،
الا ان الامور تسير عكس ما اراد حيث تتعرض الفتاة الى الضرب اولا
ثم الاغتصاب الجماعي.. وبلا رحمة.
الجميع متورط.. كافة عناصر الفرقة.
بعدها تبدأ مواجهة من العيار الثقيل عند السكك الحديدية التي تحمل
الامدادات وعندها تبدأ النفوس المريضة بتفجير احقادها.. وعنفها
الأرعن.. وكأن تلك الحرب جاءت لتفرغ النفوس من امراضها.. وقسوتها..
وجبروت حقدها الدفين.
فيلم «ضحايا الحرب» يذهب بعيدا، بل ابعد من حدود الصورة حول كل
اصناف الضحايا والاثار السلبية التي تخلفها الحروب على المشاركين
بها او الذين تدفع بهم الظروف لان يعيشوا ذلك الزمن الصعب، حيث
القسوة بلا حدود والعنف بلا عودة والخصومة الفاجرة.
بعد ذلك، كل ما نراه عبارة عن قتال.. ومواجهات وتصفية يراد منها
تحقيق نصر، حتى لو كان وهميا للجنود الاميركان.
رغم قتل العديد من جنود الفرقة اثر انفجار احد الزوارق البحرية
التي كانت تقل عدداً منهم في النهر.
بعد المعركة الكبرى، يسقط اريكسون في المستشفى ويحاول ميسرف وعناصر
الفرقة التستر على جرائم القتل الوحشية وايضا الاغتصاب ولكن
اريكسون يرفض من جديد لان الامر مخالف لاخلاقه العسكرية والانسانية.
ويتم فضح الجريمة رغم كل المحاولات التي يبذلها ميسرف، من بينها
عدة محاولات لاغتيال اريكسون.
بعدها يستيقظ اريكسون من ذلك الفلاش باك الطويل ليجد نفسة في كنيسة
سان فرانسيسكو على بعد بضعة مقاعد من طالبة «فييتنامية - اميركية»
تشبه الى حد كبير المرأة التي تم الاعتداء عليها خلال ايام الحرب.
في الفيلم بالاضافة الى مايكل جي فوكس «اريكسون» هناك شون بين «ميسرف»
وجون سي. ريلي - ودون باتريك هيرفي. جميع مشاهد الفيلم صورت في
تايلند، بالقرب من منطقة كنشنبوري والتي صور بها ايضا فيلم «جسر
نهر تواي» لدايفيد لين.
عندما عرض الفيلم للمرة الاولى عرض في 1487 صالة وحصد في الاسبوع
الاول له 5 ملايين دولار، ويبلغ الحصاد في نهاية المطاف 18 مليون
دولار، وقد حصد الكثير من ردود الافعال الايجابية والاشادة للرؤية
التي قدمها المخرج وشجاعة فريق العمل في تقديم شخصيات سلبية والعمل
على نقدها، لتجاوز الاخطاء السلبية التي ارتكبها عدد من الجنود
خلال تلك الحرب، وسيظل الفيلم يعتبر من المرجعيات السينمائية
الحقيقية، التي تمتاز بعمق الطرح، والتحليل الدقيق للشخصيات،
والاثار السلبية للحروب بالذات الحرب الفييتنامية.
ونتوقف قليلا عند المخرج بريان دي بالما الذي يعتبر احد شيوخ
السينما الاميركية واهم صناعها وله كم من التحف الخالدة ومنها
«كاري 1976» و«الوجه ذو الندبة «سكيرفيس 1983» و«المعصومون 1987»
و«المهمة المستحيلة 2000» وغيرها من الاعمال التي برصيده 17 عملا
كمؤلف و6 أعمال كمنتج و5 كممثل و5 كمونتير، و2 كمصور وكم آخر من
الاعمال والبصمات.
وهو في فيلم «ضحايا الحرب» لا يجامل ولا يهادن ولا يتملق لوزارة
الدفاع او الجيش الاميركي وهو حينما يذهب الى الموضوع والى تلك
الحادثة بالذات فانه يريد بذلك ان يتحول الى درس وقيمة وخلق،
فالعسكرية خلق وللاشتباك قواعده وظروفه ومن هنا تأتي اهمية هذا
العمل الذي سيظل من الشواهد الحقيقية على الممارسات السلبية لعدد
من الجنود الاميركان ابان تلك الحرب.
يمتاز الفيلم بموسيقاه الجميلة التي صاغها الموسيقار الايطالي
القدير انيو ميركوني الذي تعاون مع دي بالما من ذي قبل في فيلم
«المعصومون» ومن اعماله المهمة «معركة الجزائر 1966» و«الطيب
والسيء والقبيح 1966» مع الراحل سيرجيو يعوني.
ادار التصوير في الفيلم مدير التصوير الاميركي ستيفن اتش يورم الذي
تعاون مع دي بالما في افلام «المعصومون» و«المهمة المستحيلة».
ونشير هنا الى ان الفيلم يعتبر من الوثائق المهمة عن جرائم الحرب
الاميركية ويعتمد كمادة اساسية في العديد من المعاهد السينمائية
المتخصصة في الولايات المتحدة.
فيلم «ضحايا الحرب» من تلك النوعية من افلام الحرب التي ترينا
وحشية الانسان قبل وحشية الحرب وترينا ايضا الضغوط الكبرى التي يجد
المجند نفسه امامها ليذهب بعيدا في شراسته ووحشيته وحقده ومواجهته.
فيلم «ضحايا الحرب» من التحف السينمائية التي تحلل الجوانب النفسية
والممارسات العدوانية التي قام بها نفر من الجنود الاميركان والتي
اريد عدم السكوت عنها لتصبح درسا يتعلم منه الجميع وان تقول
السينما بان الاميركان ليسوا دائما ابرياء ومنتصرين والغلبة لهم بل
ان الفيلم يقول اكثر من حدود ما كتبنا او حتى كتبه الآخرون عن
الفيلم.
فيلم «ضحايا الحرب» يفضح كل شيء الجنود الاميركان والحروب والظروف
التي تحيط بهم والعلاقات التي تجمعهم والتي سرعان ما تتحول الى
سراب في ظل تفجر الاوضاع وغياب الامان وسقوط الضحايا عندها يتحول
الجندي الى بركان متفجر يدمر كل شيء واي شيء حتى الابرياء كتلك
المرأة الفييتنامية التي سقطت ضحية الاعتداء الجنسي اولا ثم
الاغتيال.
ويبقى ان نقول فيلم «ضحايا الحرب» لبريان دي بالما فيلم حقيقي عن
ويلات الحروب. |