«باتون»
السينما تُخلِّد القائد الحقيقي
عبدالستار ناجي
يعتبر فيلم باتون انتاج 1970، احد اهم الاعمال السينمائية التي
تخلد الجنرال الاميركي جورج باتون، ودوره البطولي المتميز، ابان
الحرب العالمية الثانية، وقد تصدى لتقديم شخصية باتون النجم
الاميركي جورج سي، سكوت.
وشاركه البطولة كارل مالدن ومايكل بيتس وكارل مايكل فوغلر، ومن
توقيع المخرج فرانكلين شافيز سينما تذهب الى الحرب لتخلد القيادة
الصارمة، والالتزام الحقيقي الذي يقود الى النصر، والتخطيط المنهجي
الذي ينشد النصر، ويشتغل عليه مسخرا كل الامكانيات لبلوغه.
الفيلم يعتمد على سيناريو تعاون في كتابته كل من فرانسيس فورد
كابولا (مخرج الواب) وادموند اتش نورث، معتمدين على السيرة الذاتية
التي حملت عنوان محنة وانتصار: قصة جندي التي تعاون في كتابتها
اديسلاس فاراغو وعمر برادلي، والتي ترصد حياة ومسيرة الجنرال باتون
عبر ثنائي كان قريبا منه خلال مشواره.
فاز الفيلم عند عرضه عام 1970 بسبع جوائز اوسكار عالمية، من بينها
اوسكار افضل فيلم.
يبدأ الفيلم باستهلالة باتت تمثل اليوم، احدى الايقونات الخالدة في
ذاكرة السينما العالمية، حيث الجنرال باتون، يلقي كلمته الخالدة،
ومن خلفه العلم الاميركي، وحينما يتم الاستشهاد حاليا، بافلام
الحرب، يتم استدعاء ذلك المشهد، الذي يختصر كل شيء، حيث الموقف
الصريح من الحرب.
فيلم تحول الى انجاز حضاري وتاريخي وفعل ابداعي جمالي سيظل خالدا
في ذاكرة السينما العالمية، ولعله من ابرز الاعمال، التي تذهب الى
موضوع الحرب، من اجل تخليد القيادة الحكيمة، والتخطيط الاستراتيجي
والمنهجي لتحقيق البطولة.
كما اسلفنا، فان احداث فيلم باتون تبدأ مع مشهد الخطاب الذي يلقيه
الجنرال باتون، وخلفه العلم الاميركي، لجمهور لا نراه والدلالة
واضحة تشير الى جمهور الشماهدين الفيلم وايضا الشعب الاميركي
وجمهور المشاهد في العالم من خلفه العلم الاميركي بشكل ضخم كتعبير
عن المكانة التي تحتلها اميركا في العالم.
وحينما ينتهي باتون من القاء كلمته الساخرة، يذهب الى داخل العلم
الاميركي، حيث البقاء لاميركا من خلال جهود وفعل الاخرين.
بعدها تنتقل الاحداث الى حيث شمال افريقيا في بداية عام 1943، حيث
يتم تولية باتون قيادة الفيلق الاميركي الثاني في شمال افريقيا،
بعد الهزيمة المذلة في معركة ممر القصرين.
هنا يبدأ دور باوون في غرس الانضباط في جنوده حيث القيادة الى
النصر ومواجهة الجنرال روميل.
عبر تلك الرحلة، والمسيرة نلاحظ الالتزام الحقيقي والالتزام
بالتدين، والانضباط العالي المستوى في كل التفاصيل الحياتية، لبلوغ
تلك المكانة.
ويروي لنا الفيلم مجموعة من المعارك التي يخوضها باتون في شمال
افريقيا من بينها معركة زاما كما نتعرف على علاقته الحميمة والعمل
المشترك مع الجنرال عمر برادلي يجسد الشخصية كارل مالدن.
وبعد ان يتم تأمين شمال افريقيا، يتحرك باتون الى جزيرة صقلية وحين
يلاحظ باتون بطء التحرك يقرر ان يتجاوز الاوامر، ويرسم الخطة
العسكرية بطريقته الخاصة حيث ينطلق بقواته من اجل السيطرة على
مدينة باليرمو ثم ميناء ميسينا محققاً النصر تلو الآخر، رافضا
الاستسلام والسكون وفي احد المشاهد وخلال زيارته للمستشفى يلتقي
باحد الجنود المصابين الذي شاهده باتون وهو يبكي فيقوم بصفعه، لانه
لايحب الجبناء.
ثم يبدأ تحرك الجيش الاميركي بقيادة باتون، في عدد من دول اوروبا،
بالذات فرنسا، حينما يحطم خط سيجزيد ويتقدم باتجاه المانيا، في زحف
هو الاهم صوب النصر ودحر الالمان.
هكذا كانت رحلة هذا القائد البطل، الذي ظل طيلة مشواره منذورا
للعسكرية ووضع الخطط لاهم المعارك والاقدام على البطولة بشراسة
واعتداد بالنفس والعمل على تحفيز الجنود لتحقيق النصر.
في الفيلم عدد من الاسماء البارزة في مقدمتهم النجم القدير جورج
سي. سكوت الذي جسد دور الجنرال باتون. مشيرين الى ان الدور رشح له
اولا النجم رود سكايجر الا ان الشخصية ذهبت الى جورج سي. سكوت
ليجسدها بتألق واقتدار مخلدا اسمه في ذاكرة السينما.
معه في الفيلم كارل مالدين بدور الجنرال عمر برادلي وميشيل باتيس
وادوارد بنيز.
ونشير هنا الى ان هوليوود بذلت كثيرا من المحاولات اعتبارا من عام
1953 من اجل انجاز فيلم عن حياة باتون ولكن الامور لم تحصد النجاح
حيث كان اصرار اسرار باكون في كتابة مذكرات حقيقية تقدمه بشكل
حقيقي وتنصفه وتنصف دوره البطولي، وهذا ما كانت تصر عليه ارملة
الجنرال باتون.
وقد منح وجود الجنرال عمر برادلي كمستشار للفيلم العمل دفعة قوية
لقربه من شخصية باتون وعملهما المشترك طيلة سنوات طويلة وتنافسهما
لانجاز النصر تلو الاخر واحترامهما لبعضهما بعضا.
كما كان مشهد الاستهلال حيث ذلك الخطاب ذي الابعاد السياسية
والمشهدية ذات الدلالات البعيدة من المفاتيح الحقيقية لنجاح العمل
والمشهد كتبه فرانسيس فورد كابولا يبشر بميلاد كاتب ومخرج عبقري.
جملة مشاهد الفيلم صورت في اسبانيا واخرى صورت في المغرب للاشارة
الى مشاهد الحرب في شمال افريقيا، اما مشهد الثلوج وغزو المانيا
فقد صور في بلجيكا.
وسيظل العالم يذكر ذلك المشهد الذي يمثل خطأ كبيرا عند وصول
الجنرال باتون الى منطقة يفترض انها تونس حيث يشاهد امرأة تبيع
الدجاج وهي تنادي بلغة اسبانية الدجاج مع العسل باللغة الاسبانية
واهل تلك المنطقة من النادر يتحدثون الاسبانية فهم اما يتحدثون
العربية الدارجة او الفرنسية، ويومها اشار عدد من النقاد الى ذلك
الخلل غير المقصود والناتج عن ظروف تصوير الفيلم في اسبانيا.
رغم الموسيقى المهمة التي حققها جيري غلولد سميث الا ان الفيلم نال
شيئا من النقد، لوجود بعض الروابط الموسيقية الصاخبة، والتي بررها
غولد سميث من اجل تفسير الدلالات التي تحملها الشخصية من حدة وقسوة
وايضا سخرية والنزاع ديني ولاتزال موسيقى الفيلم تقترن بالاخبار
السياسية والعسكرية.
الفيلم صنع اولا للسينما وعرض ايضا في التلفزيون وعرض اول مرة على
قناة اي. بي. سي تي في وكانت مدته ثلاث ساعات بعدها تمت عملية
المونتاج، ليطلق الى صالات العرض في انحاء العالم، وهي تختلف عن
نسخة التلفزيون حيث ظلت نسخة السينما متماسكة لعملية المونتاج
المركزة على شخصية باتون دون الذهاب الى التفاصيل التي ذهب اليها
العمل التلفزيوني الطويل.
عن ادائه الرائع فاز النجم جورج سي. سكوت باوسكار افضل ممثل ولكنه
رفض تسلم الجائزة لانه كما صرح يومها يرفض الشهرة على حساب شخصية
مهمة اثرت الحياة وكان لها دور البطولة والقيادة وتحقيق النصر
للشعب الأميركي.
فمن حصاد الجوائز فاز فيلم باتون ايضا باوسكارات افضل فيلم ومخرج
وسيناريو اصلي ومونتاج وصوت واخراج فني.
كما فاز الثنائي فرانسيس فورد كابولا وادمون نورث بالمرتبة رقم 94
بين اهم السيناريوهات في تاريخ السينما الاميركية من قبل نقابة
الكتاب في اميركا.
فيلم باتون يتمحور حول حياة الجنرال باتون عبر مشواره اعتبارا من
قيادات عمليات الجيش الاميركي في شمال افريقيا والتقدم الى صقلية
وصولا الى عمق الاراضي الالمانية ودحر قوات الرايخ والنازية
الالمانية.
فيلم لا يغرق في المعارك بقدر ما يخلد البطولة والقيادة العسكرية
الحكيمة، والشخصية المتوازنة التي تنطلق من ارضية اخلاقية
واجتماعية عالية.
فيلم باتون لا ينشغل بالمعارك والبطولات بقدر ما يشتغل على القيم
الكبرى للقيادة والاصرار والتحدي وايضا القيام بمبادرات تفاجئ
الجميع وتحقق النصر للامة الاميركية.
لهذا حينما تشاهد باتون لا تشاهد شخصا بل تشاهد انتصارات امة
وبطولات امة وعبقرية امة حيث يذوب ذلك القائد في الامة كما هو ذلك
المشهد الانتاجي العبقري لمشهد ذوبان باتون في العلم الاميركي
الضخم الذي كان خلفه وهو يلقي كلمته الافتتاحية وسرعان ما يذهب
ويبقى العلم الاميركي بشكله الكبير وهو الاهم.
من هنا تأتي اهمية هذا الفيلم الذي يظل وفق المشهد الاول يذهب الى
مفردات التحليل لتعميق معانيها وقيمها الكبرى.
فيلم خالد في ذاكرة السينما لانه يخلد البطولة والقيادة والنصر
الحقيقي. |