لا تزال الأرقام النهائية لمجموع ما حصدته السينما الأميركية
والعالمية الأخرى غير متوفرة وتحتاج إلى أسبوع من التمحيص قبل أن
تُنشر، لكن لن يكون من المستغرب أن أحد الأفلام الأولى إيرادا
بالنسبة لصالات السينما المستقلة (تلك الصغيرة التي تعيش على أفلام
بديلة وغير تجارية وليست من إنتاج الصف الأول) سيكون «المقابلة»
رغم أنه ليس فيلما مستقلا ولا صغيرا ولا ينتمي إلى الفن الذي يبحث
عنه جمهور هذه الصالات بصلة.
لكن السبب هو أن سوني، عندما تمنّعت شركات الصالات الكبيرة التي
تهيمن على نحو 80 في المائة من صالات السينما في الولايات المتحدة
وكندا عن عرض هذا الفيلم، وجدت في الصالات المستقلة (نحو 450 صالة
في المجموع اختارت منها 300) البديل المطلوب. وصالات السينما
المستقلة (أو سمّها صالات الفن والتجربة إذا أردت) رحّبت بذلك أيما
ترحيب، فحال العروض المستقلة هذا العام لم تكن جيّدة، وإن كانت
أفضل قليلا من العام السابق 2013. وهو استمرار للحال ذاته في
الأعوام القليلة الماضية عندما انحسرت قوّة الفيلم الأوروبي الوافد
بما فيها الأفلام الفرنسية، وتراجع وقع غالبية الأفلام الأميركية
المستقلة (تلك التي تُصنع بعيدا عن نظام هوليوود الإنتاجي) على
الجمهور المتخصص.
أميركيا الأفلام الأكثر أهمية وجودة من تلك التي تم إنتاجها وعرضها
هذا العام تحتوي على 4 أعمال تأتي في المقدّمة وهي «سلما» لآفا
ديفورناي، و«ذا غراند بودابست هوتيل» لوس أندرسون و«بيردمان»
لأليخاندرو غونزاليس إيناريتو و«صبا» لرتشارد وَتكر. هذه الأفلام
هي من بين الأنجح تجاريا بين تلك المستقلة.
وهناك 5 أميركية أخرى قدّرها النقاد الأميركيون وهي «الجوال»
لديفيد ميشو و«فقط العشاق بقوا أحياء» لجيم جارموش و«عدو» لدنيس
فيلليوف و«زاحف الليل» لدان غيلروي و«سوط» لداميان شازال.
أوروبيا، برزت السينما البريطانية من حيث انتشار الفيلم الخارج عن
المألوف التجاري في الصالات عبر الأطلسي ومنها «تحت الجلد»
لجوناثان غلايزر و«لوك» لستيفن نايت و«نظرية كل شيء» لجيمس مارش.
ويضاف إليها أفلام أسترالية منها «بابادوك» لجنيفر كنت و«سنوبيرسر»
لجون - هو بونغ (إنتاج كوري - تشيكي) و«القلوب الجائعة» لسافيريو
كوستانزو (إيطاليا).
عربيا، هناك أمر لافت وربما فريد: غالبية ما يتم إنتاجه من أفلام
يمكن تسميته بالمستقل إلى درجة أن المستقل صار هو السائد. هذا ليس
عن تجاوب جماهيري ونهضة فنية ضاربة، بل لأن المهرجانات العربية
وجوائزها المغرية وصناديق دعمها المجزية صارت مقصدا أساسيا
للمخرجين والمنتجين العرب. من ناحية ثانية فإن الأسواق مقفرة فيما
عدا المصرية التي ما زالت تقدم على عرض الأفلام التجارية السائدة
لكنها تفتح المجال، من حين لآخر، لفيلم معاكس للاتجاهات السائدة
عاش طويلا على شاشاتها أو مر عابرا.
لا يمكن والحال كما ورد، إلا ملاحظة أن الأفلام المعروضة في كافّة
المهرجانات (ولا بد من التحدّث عنها في مقال منفصل) هي بدورها ضد
السائد. في كوريا كما في فرنسا وفي البرازيل كما في إسبانيا وفي
العالم العربي كما في آسيا وأميركا اللاتينية عموما، هناك السينما
السائدة التي تعرض محليا على وجه غالب وتلك الفنية التي تنتشر بين
مهرجانات السينما ولجمهور هذه المهرجانات فقط.
ما يمكن الخروج به من هذا اللفتة صوب حال السينما المستقلة هي أنها
منتشرة جيّدا ولو أن الظروف الإنتاجية ما زالت صعبة كما كان عهدها
سابقا. ما برهن عليه العام المنصرم هو أن المخرج الذي استطاع شق
الطريق صوب جائزة كبرى وبعض النجاح التجاري يسهل عليه تحقيق فيلمه
التالي، في حين أن المسافة تتباعد بين أفلام المخرجين الآخرين إلا
إذا كانوا ذوي شهرة عالمية وإن كان ذلك لا يعفي أيا منهم من بطء
الحصول على التمويل اللازم.
*
البديل المختلف
عام 2014 سيكون مشهودا بأفلامه وليس بإنتاجاته. لشرح ذلك علينا أن
نفرق بين الفيلم وبين الإنتاج ثم بينهما وبين السينما. الفيلم هو
عرض الحال الذي يوفّره المخرج ومن يقف وراءه إلى الجمهور. الإنتاج
هو الوضع الشامل الذي يساعد أو لا يساعد المخرج (وذلك يعتمد على
المخرج نفسه) تحقيق أعماله. ثم السينما هي الفن الذي تنتمي إليها
كل الأفلام وطروحاتها ومشاكلها الإنتاجية والصناعية كما التعبيرية
والثقافية.
ومن بين كل ما تم إنتاجه من مطلع السنة وإلى اليوم، يقف فيلم
«بيردمان» منفصلا عن سواه. إنه عن ذلك الممثل (مايكل كيتون) الذي
يحاول إيقاف الزمن: يدرك أنه من عائلة: «كان ذات مرّة» إذ عرف
الشهرة والنجومية والأدوار الأولى وكلها انتهت، لكنه يريد أن يبرهن
أنه لا يزال يستطيع أن يفي بفنّه وأن يحقق نجاحا ما ولو عبر وسيط
مختلف (المسرح).
ما يتمحور الفيلم عنه، في طي هذا الموضوع هو العالم الذي يولّي
والآخر الذي يحل مكانه. ريغان كما يؤديه كيتون (وهو ممثل فات أوانه
بدوره وسبق له أن لعب شخصية «سوبرهيرو» إذ كان الممثل الأول تحت
قناع «باتمان» في زمن الدجيتال) لا يعرف كيف فيسبوك ولا تويتر
وابنته (إيما ستون) تسأله كيف يتوقع أن يعود نجما وهو لا يتعامل مع
هذين الوسيطين. والسؤال مقصود فالفيلم يريد تقديم وضع يلخص ما تمر
به صناعة السينما اليوم حيث ما ينقل ممثليها من الصفوف الخلفية إلى
الأولى لم يعد الفيلم الناجح وحده، بل ما يتبادله ملايين
المستخدمين لهذين الوسيطين من أخبار وآراء. الإنترنت بشُعبِه
المختلفة هو ذلك الوحش الذي انقض على المشاهد المتلقّي في
الثمانينات وأقنعه بأن يتخلّى عن التلقي وينتقل إلى دور الفاعل.
بذلك لم يعد مهمّا، إلى حد كبير، ما يقوم الممثل به من أدوار، بل
بما يراه الجمهور الجديد مهمّا لديه.
من هذه الزاوية نفهم لماذا أفلام النجوم التي اعتبرت «كبيرة» فيما
مضى تتساقط: جوني دب طمح كثيرا هذا العام في «تجاوز»
Transcendence
لإنجاز فيلم يعود فيه إلى تبوؤ موقعه السابق الذي كان ضُرب بفشل
فيلمه «ذَ لون رانجر» (2013). روبرت داوني جونيور اندفع لتمثيل
«القاضي» ليتلقّف نجاحا محدودا للغاية (76 مليون دولار حول العالم
علما بأن كلفة الفيلم وصلت إلى 50 مليون دولار). هيو جاكمان هو عار
من النجاح إذا ما ابتعد عن سلسلة «رجال إكس»، كذلك حال كريس إيفانز
بطل «كابتن أميركا» وأول ما يخطو أندرو غارفيلد بعيدا عن «سبايدر
مان» سينجز إخفاقا شبيها بإخفاق زميله في ذلك الفيلم جامي فوكس
وفيلمه الجديد «آني».
في الواقع فإن السبب الذي يعود فيه جوني دب إلى سلسلة «قراصنة
الكاريبي» الذي يتم تصويره حاليا في أستراليا، والسبب الذي من أجله
وافق روبرت داوني جونيور على البقاء في ظل «آيرون مان» و«كابتن
أميركا» و«شرلوك هولمز» كامن في أنهما يدركان الآن أن نجاحهما
الوحيد مرتبط بهذه المسلسلات السينمائية. وهو نجاح لا يجيّر لهما
(ولا لأي من الممثلين الذين وقفوا في بطولات أدوار «سوبرهيرو»
مشابهة) بل إلى تلك الأفلام التي تتدخل كل سنة لإنقاذ استوديوهات
هوليوود من أعراض الإخفاق.
والإيرادات تبرهن على ذلك: 6 من الأفلام الأعلى نجاحا في الولايات
المتحدة هي لأفلام مسلسلات. الأفلام الأخرى هي لتلك التي تصلح أن
تكون مسلسلات في المستقبل.
الـ6 المنتمية إلى مسلسلات هي «ألعاب الجوع: موكينجاي 1» (300
مليون دولار) و«كابتن أميركا: جندي الشتاء» (260 مليون دولار)
و«ترانسفورمرز: عصر الإبادة» (245 مليون دولار) و«رجال إكس: أيام
المستقبل الماضية» (234 مليون دولار) و«فجر كوكب القردة» (209
ملايين دولار) و«سبايدر مان المذهل 2» (203 ملايين دولار).
الأفلام الطموحة للتجربة ذاتها هي «حراس المجرّة» (أنجز 333 مليون
دولار في الولايات المتحدة) و«ذَ ليغو موفي» (258 مليون دولار)
و«غودزيللا» (201 مليون دولار).
*
حسب الروزنامة
مايكل كيتون ليس وحده الممثل الذي يحاول أن يلتقط وهجا مضى. نجد آل
باتشينو في «الإذلال» لباري ليڤنسون في السياق ذاته: ممثل سابق
سيعود إلى المسرح لإثبات أنه لا يزال الفنان الكبير الذي جمع المجد
من أطرافه سابقا. كلاهما يجد في المسرح الملاذ والفعل المجازي هنا
هو أن المسرح لا يزال، إلى حد بعيد جدّا، خاليا من الثورة الرقمية
على عكس السينما التي تنهل منها لدرجة بات يُخشى عليها من الاندثار
تحتها. مثل هؤلاء الممثلين الذين لا يجرؤون على الانفصال عن أفلام
المسلسلات (خوفا من أي يتحوّلوا إلى مايكل كيتون آخر) الأفلام
ذاتها التي تخشى أن تفقد جمهورها إذا ما عمدت إلى التخلّي، ولو
بمقدار معيّن، عن علاقتها بالمؤثرات الغرافيكية والرقمية.
لكنها ورطة كما سبق وذكرنا سنة 2013 في استعراض ذلك العام وورطة
كما لا تزال حاليا. معظم نجاحات الصيف (الذي يبدأ حسب روزنامة
هوليوود في الربيع) وغالبية الأفلام المذكورة أعلاه، من بين ما عرض
في هذا الموسم العاجق، عليها أن تعتمد على ما يثير الجمهور فيقبل
على الصالات، وهذه الإثارة لا يمكن أن تتم عبر الأفلام محض كوميدية
أو درامية أو عاطفية أو حتى بوليسية، بل بأفلام السوبرهيروز التي
كان منها، فوق ما ذكر آنفا: «سلاحف النينجا المتحوّلة» و«300: صعود
الإمبراطورية» و«أنا أصول»
I Origins
و«هركوليس» و«سن سيتي 2».
لا يعني ذلك أن كل ما يعرض في الصيف ينجح. الواقع أن كل واحد من
هذه الأفلام المذكورة هنا سقط أو شارف على السقوط، لكن الكم الأكبر
من إيرادات هوليوود لا تزال تحدث في الصيف داخل وخارج الولايات
المتحدة الأميركية بعدما تمّت برمجة جداول العروض في العالم حسب
الروزنامة الأميركية فإذا ما يعرض في صيف نيويورك ودالاس ونيوجيرسي
هو ما يعرض أيضا في صيف لندن وستوكهولم ودبي.
*
عقل حاسوبي
هذا من أهم الأسباب التي تجد فيها السينمات المحلية من القاهرة إلى
باريس ومنها إلى ريو دي جانيرو صعوبة في تقدّم صناعاتها المحلية.
خذ الوضع الأوروبي على سبيل المثال تجد أن عام 2014 استند في
نجاحاته الأوروبية على ما دخل تلك الأسواق من أفلام هوليوود.
النسبة المبدئية (ما زالت بحاجة إلى إعلان نهائي) تشي بأن 71 في
المائة من تذاكر صالات السينما الأوروبية بيعت لأفلام أميركية ما
يعني أن أقل من 30 في المائة هو مجمل ما بيع من تذاكر لأفلام
أوروبية.
تأثير ذلك في عام 2014 كان أيضا من تبعات الأعوام السابقة لأن ما
نشهده هو امتداد لظاهرة صاحبت اعتماد السينما الأميركية الملح على
الإمكانات المبهرة وذلك منذ أن اخترق المخرج ستيفن سبيلبرغ موسم
الصيف بفيلمه «جوز»
Jaws
سنة 1975 (قبله وبعده إلى سنوات قليلة كان موسم الصيف موسما تقوم
فيه معظم صالات السينما حول العالم بإعادة القديم فقط). هذا ما لا
تستطيع الأفلام غير الأميركية توفيره إلا لماما. أحد هذه الأفلام
النادرة هذا العام هو «لوسي» الذي أنتجه وأخرجه الفرنسي لوك بيسون
من بطولة سكارلت جوهانسن. لكن بيسون في نهاية المطاف هو أكثر
المخرجين الفرنسيين تشبّثا بـ«الموديل» الهوليوودي وينجز أفلامه
حسبه.
«لوسي»
من ناحية ثانية، كانت له علاقة وطيدة بفيلم أناريتو «بيردمان». تجد
هذه العلاقة في التناقض: بطل «بيردمان» يحاول المستحيل لنجاح خارج
إطار الزمن المعاصر. نجاح لا يعترف بالإنترنت وتوابعه. «لوسي»، في
المقابل، هو عن امرأة مصنوعة لتواكب العصر. مخّها، حسب الفيلم،
جهاز حاسوبي من نوع أوّل يستطيع فعل معجزات غير مسبوقة. وبطبيعة
الحال، نجح «لوسي» بين الجمهور أكثر مما نجح «بيردمان» ما يؤكد أن
النجومية باتت اليوم أيضا من منتجات هذه المؤثرات بأكثر من طريقة.
*
الروس ينتقدون
بالحال هذه، فإن ما يرفع من مستوى السينما لا يزال تلك الأفلام
المختلفة عن السائد. والعام بدأ وفيرا في هذا الصدد. وكالعادة فإن
مهرجان برلين هو المهرجان الكبير الأول الذي يطالعنا بما ينقذ
ذواتنا من الانصهار في أتون سينما الأكشن المجرد وهذا العام لم يكن
مختلفا في هذا الصدد. الفرنسي ألان رينيه عرض آخر أعماله: «حياة
ريبلي» ثم رحل. السينما الألمانية قدّمت فيلمين جديرين هما «محطات
الصليب» لديتريتش بروغمان و«الشقيقتان المحبوبتان» لدومينيك غراف.
ورشيد بوشارب عرض آخر أعماله «رجلان في البلدة» بنجاح محدود لكن
«البيت الصغير» للياباني يوجي يامادا عوّض الباحث عن سينما تريد
قول شيء مفيد ومختلف كذلك سودابه مرتضاي (نمساوية من أصل إيراني)
التي قدّمت فيلما جيّدا عن الإسلام وجاليته في «ماكوندو» (يلتقي
ذلك بموضوع في «رجلان في البلدة» إلى حد).
صحيح أن لجنة التحكيم وجدت في الفيلم الصيني «فحم أسود، ثلج رقيق»
استحقاقا للجائزة الأولى وهو الأمر الذي يبدو أقرب إلى لطخة في
دورة هذا العام من برلين، إلا أن مهرجانا عرض اثنين من أهم أفلام
السينما الأميركية المستقلة هذا العام، وهما «صبا» لرتشارد لينكلتر
و«ذَ بودابست غراند هوتيل» لا يمكن إلا وأن يفوز بالأولوية بين
المهرجانات الأخرى.
الفيلم الفائز بذهبية مهرجان «كان» السينمائي بعد أشهر قليلة كان
الفيلم التركي «سبات شتوي» لنوري بيلج شيلان. مثل الصيني الذي
أخرجه دياو يينان، عليك أن تكون رحب الصدر لتقبل هذه النتيجة على
هنّاتها. لكن هل عرف المهرجان الفرنسي عملا خارقا هذا العام؟
الفيلم الذي كان عليه أن ينال الذهبية في «كان»، حسب آراء كثيرين
هو الفيلم الروسي «حوت» («ليفيثيان») لأندريه زيغنتسف. من ناحية هو
فيلم جريء في طرحه النقد السياسي الموجّه لروسيا اليوم، من ناحية
أهم هو أكثر شغلا ودراية وعمقا فنيا من أي شيء عداه. وهو واحد من
أفلام مشابهة تم تحقيقها ضمن الهدف ذاته من بينها «الغبي» ليوري
بيكوف (مهرجان لوكارنو أولا) و«الليالي البيضاء لساعي البريد»
لأندريه كونتشالوفسكي (فينيسيا) و«تجربة» لألكسندر كوت (أبوظبي).
*
مواضيع شائكة
عربيا، بات مهرجانا أبوظبي ودبي محجة الباحث عن أفلام جيّدة تؤويه
من ظلمة الأيام العصيبة. لولاهما، نقول ذلك بقدر كبير من الواقعية،
لما كان من الممكن لهذه السينما أن تنمو على النحو الحاصل. الحذر
الذي كان بدأ ينتاب الجهات الأوروبية حيال تمويل شبه مفتوح لمواهب
عربية، وهو الحذر الذي لاحظناه في نهاية عام 2013 استمر. صناديق
الدعم الإماراتية والقطرية باتت المعيل الأول. الجوائز الممنوحة في
مهرجاني أبوظبي ودبي (وإلى حد قطر) وتلك التي تتبرّع بها مؤسسات
ثقافية واقتصادية أوروبية بمناسبة هذا المهرجان أو ذاك، باتت
المعيل الفعلي الذي يمكن كاتب السيناريو والمخرج من تحويل المشروع
إلى فيلم. عدا ذلك، عليه أن يعتمد على المنتج الخاص الذي لا يتبرّع
بل يخوض ما يراه مضمونا.
وفعل الضمانة غير موجود. في الحقيقة الالتباس الحاصل في هذه السنة
خلال هذا العام لا يزال على ما هو: مع غياب أسس الصناعة (إنتاج،
توزيع، جمهور) كيف يمكن لمثل هذا الدفق من الأفلام أن يتم؟ ما
الغاية منه؟ ما الذي يستفيده الفيلم الذي ينتهي بعد عرضه إذا لم
ينل توزيعا محليا أو عالميا أو جائزة تعوّض بعض تكاليفه؟
الكلام مسحوب على جميع الإنتاجات بما فيها المصرية رغم أن وضعها
التجاري لا يزال أفضل منه في معظم الدول الأخرى. في عام 2014
استطاعت هذه السينما الأقدم عربيا إنتاج 34 فيلما في حين اكتفت
المغربية بنحو 22 فيلم. باقي الدول المنتجة عادة (لبنان، العراق،
الأردن، سوريا، فلسطين، الجزائر، الكويت، تونس، اليمن، البحرين)
تراوحت إنتاجاتها بين الفيلم والـ7 لكل منها (نتحدّث عن الأفلام
الروائية أو التسجيلية الطويلة وليس القصيرة).
وحاولت السينما المصرية التطرّق لمواضيع حادّة في أفلام واجهتها
الرقابة بحزم مثل «الملحد» لنادر سيف الدين (الدين) و«أسرار
عائلية» لهاني فوزي (المثلية) و«حلاوة الروح» لسامح عبد العزيز
(الجنس) لكن الغالب بقي أفلام الأكشن والكوميديا مثل «الحرب
العالمية الثالثة» و«الجزيرة 2» و«الفيل الأزرق».
ليس من بين هذه الأفلام ما هو أعلى مما يرغب فيه الجمهور السائد.
لكن مهرجان القاهرة، الذي عاد برئاسة قوية لسمير فريد، عرض عملين
بارزين فنيا (ولو أن ذلك لا يعفي أحدهما من الهفوات) وهما «ديكور»
لأحمد عبد الله و«باب الوداع» لكريم حنفي. بينما فاز مهرجان دبي
بفيلم أحد المخضرمين الجادين وهو «قدرات غير عادية» لداود عبد
السيد بينما ذهب «القط» لإبراهيم البطوط إلى أبوظبي. كلاهما خرج من
دون جوائز.
*
الوضع الماثل
لكن في حين أن السينما المصرية عرفت كيف تحافظ على الكم في الوقت
الذي تتقدم فيه خطوات إلى الأمام بفعل رغبة بعض مخرجيها الخروج من
النمط والتقليد، نجد أن السينمات العربية الأخرى توزّعت معالمها في
اتجاهات متعددة ولو أنها فاعلة.
بعض هذا التفعيل ما زالت له علاقة بالأوضاع السياسية والأمنية
السائدة في بعض أرجاء هذا العالم العربي. هذه منحت الفرصة لأكثر من
مخرج لكي يطرح الحاضر والماضي معا. لا حديث عن المستقبل.
في الشأن السوري المهدور شاهدنا «مياه الفضّة» لأسامة محمد
و«العودة إلى حمص» لطلال الدركي و«رسائل إلى اليرموك» لرشيد
مشهراوي و«من غرفتي» لحازم الحموي. كلها تفي بالغرض في اتجاهات
شتّى، لكن أكثرها التزاما بالسعي لتمكين فن الصورة من قول كلمته
هما «العودة إلى حمص» (عن بداية الثورة قبل أن تميد بها العواصف)
و«من غرفتي» عن الرسم كتعبير عن الحالة الحاضرة. «رسائل إلى
اليرموك» و«مياه الفضّة» يشتركان في أن تنفيذهما معدّ بواسطة
الكومبيوتر: مراسلات من الداخل يولّفها المخرجان مشهراوي ومحمد
ويعطيانها وجودا فيلميا.
وفي حين أن الوضع العراقي لم يأت بجديد إلا أن 3 أفلام برزت من هذا
«اللا - جديد» هي «أوديسا عراقية» للمخرج سمير (كما يكتفي بذكر
اسمه) و«صمت الراعي» لرعد مشتت و«ذكريات على حجر» لشوكت أمين كوركي.
فلسطينيا، لازمت الأفلام رغبتها في الإعلان عن مواقف ولا يمكن
لومها على ذلك كون الواقع على الأرض ما زال كما هو. لكن المخرجة
سها عراف هي الأكثر ابتعادا عن المألوف هذا العام إذ التزمت بخط
درامي يقع في نطاق الطائفة المسيحية من دون الدخول في تفاصيل الوضع
القائم. بذلك ضمنت التركيز على الوضع من دون شحنات سياسية على عكس
ما أقدمت عليه نجوى النجار في «عيون الحرامية». فيلمان عن
فلسطينيين يرفضون قيام السلطات الإسرائيلية بانتزاعهم من بيوتهم
هما «روشميا» لسليم أبو جبل و«قهوة لكل الأمم» لوفاء جميل والثاني
أفضل من الأول.
«فوكسكاتشر»
فيلم جيد عن ملياردير قاتل
عين المخرج ميلر على العلاقات النفسية
لوس أنجليس: محمد رُضا
قبل نهاية عام 2014 بيوم واحد كتب مارك شولتز على فيسبوك وتويتر
مهاجما المخرج بَنِت ميلر وفيلمه الجديد «فوكسكاتشر». السبب هو أن
الفيلم يوحي بأن بطل العالم الحائز على ميداليتين ذهبيتين في
المصارعة الحرّة كانت له علاقة جنسية مثلية مع الملياردير جون إ.
دو بونت أيام ما قام الملياردير باحتواء مارك شولتز في فريق سمّاه
«فوكسكاتشر تيم» ورغب منه أن يربح الميداليات الذهب وأن يحقق
لأميركا ريادتها السابقة في هذه الرياضة.
كان ذلك في منتصف الثمانينات، وسواء ارتبط بطل العالم بعلاقة مثلية
مع الملياردير، الذي كان يرأس الفريق ويضم في راحات ممتلكاته
الشاسعة أفرادها، أم لم يرتبط، فإن الفيلم يوحي بأن شيئا ما كان
تحت رادار تلك العلاقة. هذا الشيء قد يكون الدافع الخفي لقيام جون
إ. دو بونت بقتل شقيق مارك، وهو ديف شولتز، في عام 1996، الجريمة
التي حوكم عليها بالسجن من 13 سنة إلى 30 سنة. في عام 2010 مات جون
إ. دو بونت في السجن فعلا.
*
تحسين صورة
*
الدافع الخفي الذي يوحي به الفيلم هو أمر، والغلاف الخارجي هو أمر
آخر.
«فوكسكاتشر»
من أفضل أفلام العام الماضي ولا عجب أن مخرجه بَنِت حصل على جائزة
أفضل مخرج من مهرجان «كان» السينمائي. لجنة التحكيم (التي رأستها
النيوزلندية جين كامبيون) منحت الذهبية لفيلم «سبات شتوي» للتركي
نوري بيلج شيلان، وإن سألت الكثير من النقاد عمّن كان يستحق السعفة
فعلا لانقسموا لـ3 فئات واحدة تحبّذ فيلم شيلان، والأخرى فيلم
بَنِت والثالثة الفيلم الروسي «حوت» لأندريه زفياغنتسيف.
الغلاف الخارجي المذكور هو أن الفيلم إنما يصوّر البارون دو بونت
رجلا ذا مثاليات وطموحات ضلّت طريقها فارتطمت بالوهم. حين تبنّى
مارك شولتز أراد بالفعل الخير له ولنفسه ولأميركا كوطن. قال له:
«السوفيات يساندون لاعبيهم» (ويعني بذلك الدولة ذاتها) ثم أكمل:
«أريد العزّة لأميركا وأتوسم فيك هذا النجاح».
لكن دو بونت (كما يؤديه بإجادة فريدة ستيف كاريل) أخذ يخلط بين
الحقيقة والوهم تحت ضغوط نفسية. يظهره الفيلم على أنه كان يحاول
دوما الفوز برضا والدته (دور قصير بارع جدا لفينسيا ردغراف) التي
كانت ترى في المصارعة «رياضة وضيعة». حبّها «الرياضي» كان للجياد
التي كانت تملك منها ما تعتبره أفضل الأنسال. مع هذا الرد منها
تلقّى الابن صفعة عاطفية، ثم صفعة أقوى عندما دخلت أمّه المقعدة
(تجرّها إحدى المشرفات) عليه أثناء تدريبه الفريق. حين يلاحظها،
ينصرف لمحاولة التأثير إيجابا عليها. تحسين صورته في عينيها. كان
يحتاج إلى حنانها وهي لم تكن تملك ما تهبه له وقد غدا في منتصف
العمر. تخرج من القاعة وينطفئ الأمل من عينيه.
أول ما ماتت، دخل الاصطبل حيث تلك الخيول الجميلة وأطلقها.. لم يعد
يريد أن يراها.
المخرج بَنِت ميلر يسرد الوضع النفسي بالموجز من اللقطات والأعين.
لا حاجة لأكثر من ذلك صوتا أو صورة. والنتائج المترتّبة هي على
النحو ذاته. في أحد مشاهد الفيلم الدالة، يتابع دو بونت فيلما تم
تسجيله قبل سنوات قليلة عندما استقبل مارك شولتز (شانينغ تاتوم) في
قصره. بذلك عاد إلى أحلامه. وتبعا للإحباط الذي واجهه مع والدته،
رأى في مارك شولتز ذلك الحلم الذي لم يتحقق. لكن عدم تحقيقه
بالنسبة إليه لم يكن سببه والدته بل شقيق مارك الأكبر ديف شولتز
(مارك روفالو) فهذا صد هيمنة دو بونت على شقيقه وحافظ على المسافة
بينه وبين دو بونت عندما عرض عليه العمل مدرّبا في فريقه فلم يخنع
له كشقيقه مارك. جون دو بونت أحال فشله إلى ديف الذي ساعد شقيقه
على الخروج من حلم دو بونت ورؤيته وعالمه. عليه قاد سيّارته إلى
حيث كان ديف مشغولا بتصليح سيارته. هناك، وأمام عيني زوجته (سيينا
ميلر) أطلق عليه ما لا يقل عن 3 رصاصات قاتلة.
*
لعبة الهيمنة
*
النقاد الغربيون هم الذين حمّلوا الفيلم ما لم يحمله. الفيلم لا
يُشير إلى علاقة مثلية، حتى ولو أن مسارات العلاقة النفسية قد تشي
بانجذاب ذكوري بين الاثنين دو بونت ومارك شولتز. المخرج ميلر يغزل
الفيلم بعناية، ولو أنه أراد قول ذلك بوضوح لما منعه شيء. لم يمنعه
شيء من تقديم شخصية مثلية في فيلمه الأسبق (والأول له مخرجا)
«كابوتي» (عن الصحافي والكاتب المعروف) ولو أن مثليته لم تكن موضع
عرض أو تداول. يبدأ ميلر تقديم شخصية مارك الذي كان نال الميدالية
العالمية في المصارعة الحرّة قبل 3 سنوات من بدء حكاية الفيلم،
لكنه لم يحقق بعد ذلك إنجازا يُذكر. يعيش في شقة فوق دكان، ويقف في
الصف في الملاجئ الخيرية. لديه شقيق رياضي بدوره يقوم بالتدريب
(وسبق له أن فاز بالميدالية الذهبية ذاتها أيضا) ومتزوّج وأكثر
استقرارا. أيام حالكة لا إضاءة فيها والممثل شانينغ تاتوم يعايشها
بصعوبة. فجأة يأتيه هاتف من سكرتير دو بونت ومارك يستجيب. يطير إلى
ذلك المكان الشاسع المحاط بممتلكات العائلة التي جنت ثروتها بصنع
الكيماويات. دو بونت يستقبله ويمنحه الأمل والطموح ويحذّره من
أخيه: «يريدك أن تبقى تحت إبطه. عليك أن تستقل».
ومارك يستقل من تحت إبط شقيقه لكنه يقع تحت إبط دو بونت. يرفض
الحديث لأخيه ويقابله بجفاء قبل أن يكتشف أنه كان مموها بأكثر من
الكوكايين الذي وفّره له دو بونت. لا عجب أن دو بونت قتل ديف لأنه
لم يعتد أن يخسر أحدا، فما البال بحلمه بأسره؟
*
مصارع روسي!
*
تستطيع أن تتحدّث عن هذا الفيلم طويلا. عن الإخراج وتوظيفه
المفردات البصرية وكيفية ذلك. عن الخلفية وما اختاره المخرج منها.
وعن النهاية التي تصوّر مارك وقد استمر في توهانه بعد فقدانه شقيقه
فأصبح مجرد لاعب في المباريات المفبركة يتم تقديمه على أنه «بطل
روسي». يسقط أرضا ويتلقى نصيبه من الأجر.
لكن أبرز ما تستطيع الحديث فيه هو التمثيل.
هناك غرابة لا تحد في أن ترى الكوميدي ستيف كاريل في دور جون دو
بونت بأنف كبير ونظرات مات التعبير فيها وبقامة تعاند للوقوف في
وجه ما تتصدّى له. يزيح كلا من مارك روفالو وشانينغ تاتوم. شخصيّته
هي الأعمق وستيف كاريل يوفّر ما تحتاجه شكلا ومضمونا. حين يأتي
الأمر إلى مارك وشانينغ هناك غرابة أخرى: هل كان هذان الممثلان
مصارعين قبل أن يصبحا ممثلين؟ طبعا لا. لكنهما يقبلان على إتقان
المطلوب لدرجة أنهما الشخصيّتان فعليا. لكن ستيف كاريل يبقى جوهرة
الفيلم. يجسّد الرجل الثري الذي يحاول أن يتصرّف كما لو كان جارك
العادي. هنا تكمن المفارقة لأنه كما يخفق الفقير في التصرّف كثري،
يخفق الثري في التصرّف كفقير. دو بونت كان غريب الأطوار من دون هذا
التصرّف، لكنه يصبح أكثر غرابة كلما حاول أن يدخل حياة الآخرين قبل
أن ينتهي مهزوما من قبل والدته وخيولها ونظرتها إلى ما يحاول أن
يقدم عليه ومن قبل أحلامه ومارك وشقيقه ديف.
* 3
أفلام واتجاه واحد
*
هذا هو ثالث فيلم للمخرج بَنِت ميلر بعد «كابوتي» (2005)
و«مونيبول» (2011). الأول يتعاطى مع الصحافي الذي يستثمر مأساة
قاتل لأجل مصلحته الخاصّة. الثاني دار حول ملاعب الكرة. الفيلم
الحالي، يتحدّث عن ذلك الاستثمار وينتهي بجريمة قتل ويتعامل مع
رياضة أخرى.
شاشة الناقد
*
آني Annie
*
في الأساس: «آني» هي شخصية «كوميكس» من العشرينات حول الفتاة التي
تعيش في ميتم باسم آني تحت وطأة مشرفة قاسية القلب. وعن ذلك الثري
الكبير دادي وورباكس الذي يقرر أن يأخذها تحت جناحه ويتبناها
لعفويتها وصدقها وجمال روحها. من صفحات الكوميكس إلى المسرح ومن
المسرح إلى ذلك الفيلم الذي أقدم على إخراجه سنة 1982 جون هيوستون
ثم عودة إلى المسرح بنجاح قبل أن يتحوّل إلى فيلم جديد تحت إدارة
مخرج لا يزال في بداياته اسمه ول غلوك.
«آني»،
نسخة اليوم، مشغول جدّا بتصوير آني
(كوڤنزانه
ووليس) البريئة والمرحة ومربّيتها (كاميرون داياز) التي تحاول
التشبّث بالشباب والرغبة وتسيء، خلال ذلك، معاملة من آل إليها من
أطفال يتامى. ومشغول بتصوير ذلك الكلب الظريف التي تنطلق آني للبحث
عنه مجتازة شوارع نيويورك المزدحمة قبل أن ينقذها من الدهس
داديوورباكس (جايمي فوكس). لكن لا أحد يستطيع إنقاذ هذا الفيلم من
ركاكة تنفيذه العامّة ومن أن المشاهد يدرك كل ما سيقع حتى وإن لم
يشاهد من قبل آني لا مرسومة ولا ممسرحة ولا في فيلم هيوستون الأفضل.
*
في الغابة
Into the Woods
*
روب مارشال هو المخرج الذي أعاد للميوزيكال لياقته عندما حقق قبل
أعوام ليست بالكثيرة «شيكاغو» الذي اختطف أكثر من أوسكار وجوائز
مرموقة أخرى. وهو يكاد يفعل ذلك في الساعة الأولى من هذا الفيلم
الذي يجمع فيه كل تلك الحكايات الفانتازية الكلاسيكية التي تقع
أحداثها في الغابة من «سندريللا» إلى «جاك وشجرة اللوبيا» ومن
«ليلى والذئب» إلى «رد رادينغ هود» وسواها. تتداخل الحكايات جيّدا
وينتقل السيناريو المقبول المأخوذ عن مسرحية ستيفن سوندهايم الأقل
تميّزا بين أعماله، بين شخصياتها: آنا كندريك في دور ساندريللا،
كريستين بارانسكي في دور أمّها بالتبني ودانيال هتلستون (جاك)
وجيمس كوردون (الخبّاز) وإميلي بْلنت (زوجته) مع ميريل ستريب في
دور الساحرة وجوني دب في دور الذئب. كل هؤلاء يتماوجون جيّدا في
الساعة الأولى قبل أن تتراكم الحكايات لتدخل عنق الزجاجة، كل تريد
أن تنصهر في بوتقة واحدة تأتي أضعف شأنا مما سبق. على ذلك، يبقى
مسلّيا وغنائياته مثيرة وإن كان لا يبقى في البال أي منها.
*
ليلة في المتحف: سر الكفن
Night at the Museum
*
بعد 8 سنوات على المغامرة التي خاضها بن ستيلر في المتحف أول مرّة،
عندما بثت الأرواح في التماثيل واللوحات والأشكال المختلفة وعاشت
معه ليلة مشهودة في فيلم ناجح، ها هي التركيبة ذاتها تعود ناقصة
الحيوية والطموح. يبدو الفيلم الجديد استطرادا اتفق عليه الممثلون
مع الشركة المنتجة مقابل أجور مرتفعة (حسب مجلة «فوربس» يتقاضى بن
ستيلر أعلى بكثير مما يجب). تعود الأرواح إلى تلك الأشكال المتحفية
لكن لا حياة فيها بل تمثيل يتحرك بالرموت كونترول.
شون ليفي (أحد أسوأ مخرجي العصر) هو من يمسك بالجهاز عن بعد. هناك
موقع جديد للأحداث. المتحف الحاضر هو متحف بريطاني لكن هل ينقذ هذا
حكاية تسير على خطي السكّة ذاتها؟
مؤسف مشاهدة موهبة روبن ويليامز (دوره الأخير) وهي تنحدر، لكن عزاء
معجبيه أن كل الممثلين الآخرين (ستيلر، أووَن ولسون، بن كينغسلي،
ستيف كوغن، ريكي جرفيز) قد رضوا الانحدار ذاته.
TOP10
*
منافسة بين فيلمين
*
حافظ «ذا هوبيت: معركة الجيوش الـ5» على موقعه الأول كما كان
متوقّعا لا في الولايات المتحدة وكندا فقط، بل في عواصم مختلفة من
العالم. لكن المنافسة الأشد هي بين «في الغابة» و«غير مكسور» وهو
جديد المخرجة أنجلينا جولي. في أيام الأسبوع الأولى اعتلى «غير
مكسور» المركز الثاني وأنجز «في الغابة» المركز الثالث بإيراد
متقارب جدّا. خلال الأسبوع انقلب الحال قبل أن يستوي مجددا لما كان
عليه.
*
الأفلام
* 1 (1) The Hobbit: The Battle of Five Armies (Fantasy):
$42,420,102
2 (-) Unbroken (Drama): $31,748,340
3 (-) Into the Woods (Musical): $31,021,775
4 (2) Night of the Museum: The Secret of the Tomb (Comedy):
$20,600,962
5 (3) Annie (Musical): $15,882,004
6 (5) The Hunger Games: Mockingjay 1 (Adventure): $9,710,311
7 (-) The Gambler (Drama): 9,307,251
8 (15) The Imitation Game (Spy): $7,930,747
9 (4) Exodus: Gods and Kings (History): $6,612,003
10 (10) Wild (Adventure): $5,415,288
سنوات السينما:
1946: شرير هيتشكوك
* «مشهورة»
Notorious
فيلم جاسوسي آخر من المخرج ألفرد هيتشكوك ومن النوع الذي يحتاج،
وعن قصد، بعض الوقت لتشرّب أهميّته: إنغريد برغمان ابنة رجل متهم
بخيانة بلاده اسمه هوبرمان. ما إن تفيق من حكم المحكمة (الفيلم لا
يقول إنه بريء) حتى يدخل حياتها عميل للمخابرات الأميركية اسمه
دفلن (غاري غرانت) ويطلب منها دخول شبكة جواسيس نازية لاستسقاء
المعلومات. في طي ذلك، وبأسلوب هيتشكوك الغريب، هذا فيلم عاطفي.
غرانت الوسيم عليه أن يكون قاسيا وشبه شرير خدمة لبلاده، لكنه واقع
في حب المرأة إلى أعلى رأسه.
المشهد:
كلاسيكيات موسيقية
*
المعجبون بالفيلم الميوزيكال (الاستعراضي - الغنائي الذي قد يكون
أيضا راقصا أو قد لا يكون) باتوا قليلين حول العالم. لكن هوليوود
ما زالت تجرّب النوع الذي بدأ مع بداية نطق السينما.
*
السبب في أنه بدأ مع نطق السينما يعود إلى أنه، وحتى نهاية
العشرينات عمليا، كانت السينما ما زالت صامتة. أول ما نطقت فعلت
ذلك على مرحلتين متقاربتين في فيلمين للمخرج ألان غروزلاند حققهما
لحساب وورنر الأول «دون جوان» (1926) والثاني «مغني الجاز» (1927)
ولو أن الثاني هو الذي فاز بتوقيع المؤرّخين.
*
لو أننا نريد حسبان التاريخ بدقّة فإن أول فيلم ناطق كان «سيرانو
دي برجيراك» للفرنسي موريس كليمان الذي بقيت منه نحو دقيقتين و20
ثانية على «يوتيوب» يمكن مشاهدتها. هذا تقنيا أول فيلم استخدم
الصوت للحوار وذلك قبل 27 سنة من «مغني الجاز» إذ تم تحقيقه عام
1900.
*
أول ما نطق في هوليوود سنة 1927 (ولو كان هذا النطق جزئيا) أخذ
المنتجون يفكّرون في استغلال الصوت غنائيا وتم إنجاز 20 فيلما ما
بين 1927 و1929 من النوع الذي عرف من حينها باسم «ميوزيكالز» من
بينها «لحن برودواي» لهاري بيومونت (أوسكار) و«سانت لويس بلوز»
لدادلي مورفي.
*
اليوم، وبعد أكثر من 500 فيلم ميوزيكال معظمها هوليوودي، تشهد
نيويورك فيلمين من هذا النوع: «آني» لويل غلوك و«داخل الغابة» لروب
مارشال وآني، عن المسرحية التي كان جون هيوستون حوّلها إلى فيلم
سنة 1982، يضيع في غابة الفيلم الآخر. يأتي أضعف منه شأنا وأكثر
ركاكة ولو أن بطلته الصغيرة كويفنزاني ووليس تخطف القلوب.. على ذلك
لم تخطف قلوبا كثيرة. والفيلم أنجز 54 مليون دولار منذ افتتاحه قبل
أسبوعين ولا يزال تحت خط التكلفة، يصدّقون أن تماثيل المتحف تعود
للحياة (في «ليلة في المتحف 3») أكثر مما يصدّقون أن هناك
مليارديرا يرق قلبه على فتاة يتيمة فيتيح لها حياة أفضل.
* «في
الغابة» أفضل صنعا على أي حال ويوظّف كل الحكايات الخيالية
المتوارثة (اقرأ النقد عنه في مكان آخر من هذه الصفحة): إنه «سندريللا»
على «رد رايدينغ هود» و«سنو وايت» على الحكاية التي ترجمت لدينا
باسم «سمير وشجرة اللوبيا». وهو اعتلى المركز الثاني إنما ببعض
الجهد وربما يتحسّن وضعه إذا ما فاز بالغولدن غلوبس بعد أيام.
*
لكن على وجه عام، قلّ عدد المرتادين لأفلام الميوزيكالز. يخلو
المشهد حاليا من أصناف أفلام «ماي فير لايدي» و«وست سايد ستوري»
و«صوت الموسيقى» وأصناف مشاهديها. السينما المصرية كان لها ما
يشابه تلك الأفلام الكلاسيكية الأميركية الأولى (الخمسينات) مثل
«مولد نجمة» (جورج كيوكر، 1954) و«حبني أو اتركني» (كينغ ڤيدور،
1955) أو «أولاد وبنات» (جوزف ل. مانكوفيتز، 1955). النسخ المصرية
كانت مثيرة للاهتمام لأن حركة الكاميرا وتصميم الرقصات كان جيّدا
ولو أن القصص بقيت على حالها البدائي. |