على ما أذكر فقد بدأت قراءة أعمال إحسان عبدالقدوس الروائية
والقصصية وأنا تلميذ فى الثانوية العامة. كان أول ما قرأت له هو
رواية «شىء فى صدرى» وأذكر أننى قرأتها فى جلسة واحدة، حيث بدأت
قراءتها من الساعة العاشرة ليلا حتى الثانية صباحا فى قراءة
متواصلة بعد أن استحوذت علىَّ الرواية بأسلوبها الجميل وأحداثها
الشيقة.
وقد دفعتنى هذه الرواية إلى البحث عن كل ما كتبه إحسان عبدالقدوس
وأصبحت قارئا مداوما له. وبعد أن تخرجت فى كلية الآداب وعملت مدرسا
للغة الإنجليزية فى محافظة الإسماعيلية كنت أحرص كل أسبوع على شراء
مجلة «روزاليوسف» ومجلة «صباح الخير»، حيث كان إحسان عبدالقدوس
ينشر فيهما رواياته مسلسلة أو حكاياته التى كان ينشرها فى الصفحة
الأولى من مجلة «صباح الخير». وكانت رواياته تذكرنى بأعمال الكتاب
الواقعيين والطبيعيين فى فرنسا فى القرن التاسع عشر مثل بلزاك
وفلوبير وزولا.
ولشدة إعجابى بما يكتبه إحسان عبدالقدوس كنت أحلم بمقابلته والحديث
معه وكنت أحرص على الدقائق التى يقول من خلالها حديثه كل أسبوع فى
الإذاعة. ولم أكن أعلم أن القدر سوف يكون معى كريما إلى درجة أن
أحظى بكتابة السيناريو لعدد من رواياته وقصصه للسينما والتليفزيون،
حيث لم يحظ بهذا العدد أى كاتب سيناريو من الذين كتبوا له، ومازلت
سعيدا بهذا الإنجاز الذى حققته وصنع مجدا لى.
كانت أول قصة كتبت لها سيناريو هى قصة «ولايزال التحقيق مستمرا»
وقام بإنتاج وإخراج هذا الفيلم المخرج أشرف فهمى ومن بطولة نبيلة
عبيد ومحمود ياسين ومحمود عبدالعزيز، وقد حقق هذا الفيلم نجاحا إذ
استمر فى دور العرض 36 أسبوعا ولم تحظ نبيلة بمثل هذا النجاح من
قبل. كانت أفلامها لاتستمر فى دور العرض أكثر من ثلاثة أسابيع،
ولذلك حرصت بعد هذا الفيلم على أن تكون القصة دائما لإحسان
عبدالقدوس والسيناريو لمصطفى محرم فى حين تنوع المخرجون الذين قامت
بالعمل معهم.
توالت بعد ذلك بالنسبة لى ولنبيلة عبيد الأفلام المأخوذة عن أعمال
إحسان عبدالقدوس مثل الراقصة والطبال وأرجوك اعطنى هذا الدواء،
وأيام فى الحلال، ويا عزيزى كلنا لصوص، وغيرها وكلها حققت نجاحا
كبيرا وحققت مجدا لى ولكل من اشتركوا بالعمل فى هذه الأفلام. فقد
كانت بموضوعاتها تعتبر نوعية جديدة للأفلام المصرية.
وأسعدنى الحظ أيضا أن أقوم بكتابة مسلسلين أحدهما عن رواية إحسان
عبدالقدوس القصيرة «لن أعيش فى جلباب أبى» فإذا بهذا المسلسل يحقق
نجاحا منقطع النظير ويعيد البريق للنجم نور الشريف. فقد ظل هذا
المسلسل الذى رفع عبلة كامل إلى مستوى النجمات يجرى عرضه على شاشات
قنوات التليفزيون فى مصر وكل الدول العربية منذ أن جرى عرضه للمرة
الأولى وذلك بشكل متواصل حتى الآن منذ ما يقرب من ثمانية عشر عاما.
ولايمل أحد مشاهدته بل يقبلون على مشاهدته كل مرة فى لهفة واشتياق
وكأنهم يشاهدونه لأول مرة. وأذكر أن بعض النقاد كتبوا بأنه يجب أن
تؤرخ الدراما التليفزيونية قبل مسلسل «لن أعيش فى جلباب أبى» وبعد
هذا المسلسل. وأصبح كل الممثلين الذين عملوا فى هذا المسلسل نجوما
وأقبل عليهم المنتجون والمخرجون.
أما المسلسل الثانى فكان عن قصة إحسان عبدالقدوس «لمن أترك كل هذا»
وكان من بطولة ممدوح عبدالعليم وسمية ومن إخراج شاب جديد فى ذلك
الوقت وهو المخرج باسم محفوظ ابن الكاتب محفوظ عبدالرحمن، ورغم
أننى أعتبر هذا المسلسل أفضل ما كتبت لنبل قضيته ولكنه لم يحظ
بالنجاح الذى حققه مسلسل «لن أعيش فى جلباب أبى».
كان إحسان بعدالقدوس يحرص كثيرا على أن أقوم بكتابة الأفلام
المأخوذة عن أعماله ويشعر بالاطمئنان مثلما كان يحدث لنجيب محفوظ.
وكنت أنا بدورى أسعد كثيرا إذا ما كلفنى أحد المنتجين بكتابة
سيناريو لواحد من هذين العملاقين.
وأذكر أن آخر مرة قابلت فيها إحسان عبدالقدوس وتحدثت معه كان ذلك
بمناسبة العرض الخاص لفيلم «الراقصة والطبال» وكان أن اشتد به
المرض ولكنه حرص على مشاهدة الفيلم وعندما ذهبت إليه لمصافحته بعد
العرض أشاد بالسيناريو واعتذر لى برقته المعهودة لأنه لايستطيع أن
ينهض لمعانقتى. وكلما تذكرت هذا الموقف أجد الدموع تترقرق فى عينى.∎
لبنى عبد العزير: إحسان قال لى: لازم تمثلى
كتب : مصطفى ماهر
فنانة زمن الأبيض والأسود التى عاشت مع إحسان عبد القدوس أيامًا
طوالاً من الصداقة النادرة والمليئة بالحياة والأمل، «بنت الجيران»
التى سكنت بجوار منزل إحسان، تحدثت معنا عن العلاقة الإنسانية
والفنية التى بدأت قبل دخولها عالم السينما.. قبل أن يرشدها إحسان
إلى دخول مجال التمثيل- كما قالت.
جسدت الفتاة المنطلقة فى «أنا حُرة» وشاركت العندليب فى «الوسادة
الخلية»، وأبدعت مع الشاب الفقير فى «هى والرجال» واختتمت شراكتها
الفنية مع إحسان فى إضراب الشحاتين الذى أخرجه المُخرج الراحل حسن
الإمام.
«لبنى»
تحدثت إلى «روزاليوسف» وقالت إن إحسان استوحى شخصية بطلة رواية
«أنا حُرة» من شخصيتها، وذلك لأن إحسان كان على صلة وثيقة بها فى
ذلك الوقت، وجسد والد إحسان الفنان محمد عبدالقدوس دور والدها
بالفيلم.
∎
ما سر العلاقة الإنسانية التى جمعت بينك وبين إحسان عبدالقدوس؟
-
إحسان لم يكن مُجرد جار، بل كان والدى صديقًا له ولوالده، وكثيرًا
ما كان يصادفنى فى الشارع وأنا ذاهبة للجامعة قبل دخولى التمثيل
ويهتم بالسؤال عنى وعن تفاصيل يومى وماذا فعلت وماذا قرأت، كان
يتصل بى دائمًا فى بداية اليوم ليقول «صباح الخير»، واستمر فى
متابعة نشاطى فى الجامعة الأمريكية، سواء النشاط الأدبى أو المسرحى
أو الإذاعى، وحضر الكثير من أعمالى التمثيلية التى قدمتها فى
الجامعة.
∎
وما المواضيع التى كانت تسيطر على أحاديثكما؟
-
السياسة والأدب أكثر الموضوعات التى كنا نتحدث فيها، فكان لدى
خلفية سياسية بعد أن حاورت شخصيات عديدة فى إذاعة الجامعة آنذاك،
كان من أبرزهم الرئيس الراحل أنور السادات.
∎
وهل كانت صداقتك بإحسان سببًا فى دخولك عالم السينما؟
-
كان من أهم الذين ساعدونى فى دخول مجال التمثيل فى السينما، بعد أن
أستطاع المنتج السينمائى رمسيس نجيب أن يقنع والدى بالعمل فى فيلم
الوسادة الخالية الذى كتبه إحسان عبد القدوس.. ودائمًا ما كان يقول
لى إحسان: «عايزك تمثلى»، بالإضافة لاهتمامه بحضور ومتابعة أعمالى
الفنية على مسرح الجامعة الأمريكية.
∎
وما أكثـر الكلمات التى قالها لكِ ولا تنسينها أبدًا؟
- «إنتى
طاقة كبيرة».. قالها لى كثيرًا قبل دخولى التمثيل، وأحيانًا كنت لا
أفهم مقصده، فيشرح لى قائلاً: «يا لبنى انتى عاملة زى القماشة
العريضة اللى ينفع يتفصل منها حاجات كتير» وكان يقصد قدراتى على
التمثيل.
∎
وما هى أكثـر المواقف الإنسانية التى لا تنسينها له؟
-
كان إحسان آخر من ودعنى فى أواخر الستينيات، حين قررت الهجرة إلى
الولايات المتحدة الأمريكية مع زوجى، وظل ذلك المشهد عالقًا فى
ذهنى لا أنساه إلى اليوم، وحزنت أثناء رجوعى لمصر لأنه كان قد توفى.
∎
وكيف كنتِ ترين إحسان الأديب؟
-
كان يمثل لى أديبًا من أهم المفكرين الليبراليين فى عصره، وكثيرًا
ما عبرت له عن إعجابى بشجاعته فى الكتابة والتى تفرد بها طوال
حياته، بالإضافة لمشاعره ورومانسيته العالية التى تميز بها أيضًا.
∎
وهل قرأت لأحد الكُتاب الحاليين وقلت فى ذهنك «هذا يشبه إحسان»؟
-
الحقيقة أننى لا أرى أحدًا يشبه إحسان فى شخصه أو فى أدبه وكتاباته
المختلفة.. «مافيش حد زى إحسان دلوقتى».
∎
لكن ألم تنتقدى إحسان فى أى عمل كتبه؟
-
أتذكر أننى كنت أحب أن أجادله وأناقشة فى رواية «لا أنام».. وكنت
أقول له إن فكرة الرواية قديمة، وكان يعتبر ذلك «مناقرة» منى له.
∎
وسط نقاشاتكما السياسية والأدبية.. أين كانت المواقف الطريفة؟
-
فى ذلك الوقت كانت اللغة العربية لدى ضعيفة، وكان إحسان حريصًا على
أن يُعدل لى بعض الحروف والكلمات حتى أنطقها بالطريقة الصحيحة وهنا
كانت تعلو ضحكاتنا.. وكنت أحرص على زيارته فى منزل الزوجية لأكل
طبق «أم على» الذى كانت تُجيد صنعه زوجته.
∎
وما هى الرواية التى كنت تتمنين تجسيد دور بطلتها؟
- «الطريق
المسدود».. كان المنتج سعد الدين وهبة أبرم عقد الفيلم معى لكنى لم
أتمكن من القيام ببطولة الفيلم لدواعى السفر.
∎
وما أكثـر الأفلام قربًا لقلبك؟
- «هى
والرجال» الذى كتب قصته إحسان، أحبها كثيرًا، حيث الفتاة التى تحب
الشاب الفقير الذى يعيش فى غرفة فى السطح، وظلت ترعاه وتظهر له كل
الحب والاهتمام حتى تخرج فى الجامعة وسافر للإسكندرية، ثم تلحق به
إلا أنها تُصدم بالتغيير الذى حدث له وأثر على مشاعره تجاهها
وينقلب حاله ويتبرأ منها بعد أن أصبح رجلًا مهمًا.∎
حسن يوسف: صداقتى بإحسان بدأت بعزومة مع لبنى فى منزله
كتب : سمر فتحي
«الولد
الشقى» صاحب التاريخ الطويل حسن يوسف قال إن بدايته الحقيقية فى
السينما كانت عبر قناة «إحسان» الأدبية من بوابة فيلم «أنا حرة»
الذى شاركته فيه البطولة لبنى عبدالعزيز، وكان سببا فى بداية صداقة
طويلة وممتدة وحتى رحيل الأديب الكبير.
∎
حدثنا عن علاقتك بالأديب الراحل «إحسان عبدالقدوس»؟
-
معرفتى بـ«إحسان عبدالقدوس» بدأت من خلال فيلم «أنا حرة»، خاصة أنه
أول فيلم لى ويعتبر من الأدوار المهمة للفنانة «لبنى عبدالعزيز»
ولى أيضا وجسدت فيه شخصية شاب يعانى من ديكتاتورية وتسلط والده
وحرمانه من موهبته فى عزف الموسيقى، ثم التقيت به مرة أخرى من خلال
فيلم «فى بيتنا رجل» والذى يعد بالنسبة لى أهم أعمالى السينمائية
التى شاركت فيها من خلال مشوارى الفنى.
∎
وكيف نشأت علاقة الصداقة بينكما؟
-
بعد مشاركتى فى فيلمين لـ«إحسان عبدالقدوس» هما «أنا حرة» مع «لبنى
عبدالعزيز» و«فى بيتنا رجل»، فى العادة كان يقوم «إحسان» بدعوة
الفنانين الذين يجسدون روايته إلى بيته وعزومتهم، ولكنى طلبت منه
أن أزوره فى المجلة والتى كانت مقرها فى هذا الوقت بشارع «محمد
سعيد» فى بيت قديم مكون من ثلاثة أدوار، وفى هذا الوقت تقربت منه
وتعرفت على والدته السيدة «فاطمة اليوسف».. والتى رأيت فيها المرأة
القوية ذات السمعة الطيبة ومن قبل هذا تعاملت مع والد «إحسان»
الأستاذ «محمد عبدالقدوس» ومن هذا التعامل عرفت أن هذه العائلة
عائلة مثقفة وأدبية، هذا بالإضافة إلى السهرات التى كنا نقضيها أنا
و«إحسان» فى منزل «عبدالحليم حافظ» والتى كنا نستمع فيها إلى القصص
الشعرية والأدبية.
∎
باستثناء رواية «أنا حرة» و«فى بيتنا رجل» ما هى الروايات التى كنت
تتمنى أن تكون أحد أبطالها؟
-
لم أبحث فى روايات «إحسان عبدالقدوس» خاصة أن أبطال رواياته هى
المرأة، فهو كان يحمل فكراً حول المطالبة بحرية المرأة وإعطائها
جميع الحقوق التى تجعلها مثل الرجل، كما قدم روايات «النضارة
السوداء» «أنا حرة» وغيرهما من الأعمال التى نادت بتحرير المرأة.∎
عبدالناصر قالى: أنا سمعت إنك مطلع أمى غسالة
كتب : طارق الشناوي
هذا الحوار الذى أجريته مع الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس مضى عليه
31 عاماً.. كنت أحاور الكاتب الكبير عن الحرية وكان يبحث عنها
ويحكى عن المهر الذى دفعه، لكى يخطب ودها ولا نزال جميعاً نبحث
عنها ونطلب ودها.
∎
ألم تكتب للسينما أفلاما سياسية مباشرة ؟
-
مرة واحدة.. بفيلم (الله معنا).. أردت أن أستقبل الثورة بأداة فنية
أخرى غير القصة. ولهذا كتبت (الله معنا) مباشرة للسينما واشترك
(سامى داود) فى هذا السيناريو.. ولاقى الفيلم متاعب كبيرة لدرجة
أنه لم يظهر إلا بعد مرور ثلاث سنوات على الثورة.
∎
هل احتجت الرقابة على بعض مشاهد الفيلم ؟!
-
رحبت الرقابة بالفيلم، ولكن الأزمة التى حدثت بين جمال عبدالناصر
ومحمد نجيب كانت السبب.. كان لسه نجيب فى الحكم..
شاهد الفيلم بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة وقالوا: لازم تشيل محمد
نجيب من السيناريو، ثم يقول آخرون يجب أن يبقى محمد نجيب، طلعت
تشنيعات كثيرة على هذا الفيلم ومرة قال لى جمال عبدالناصر
:
أنا سمعت إنك عامل فيلم مطلع فيه أمى غسالة
.
يستطرد إحسان عبدالقدوس: أنا ابتعدت عن تحديد دور عبدالناصر فى
الفيلم، وجعلت البطل الذى يرمز لعبدالناصر يده مبتورة بعد أن عاد
من القتال وقد قام بدوره عماد حمدى - عشان ميباقش جمال عبدالناصر..
وأذكر أننى سألت عبدالناصر وقلت له: شفت الفيلم؟ قال: لا.. قلت:
شوف الفيلم وبعدين حاسبنى. وبالفعل شاهد عبدالناصر الفيلم فى
القناطر وكنت معه، واكتشف أن لا أمه غسالة ولا حاجة. وبعد أن حذف
دور محمد نجيب من الفيلم أمر بعرض الفيلم على الفور، بل أصر على أن
يحضر بنفسه الافتتاح. وده كان الفيلم السياسى الوحيد الذى كتبته
للسينما
!
∎
ولكنك دائما تضع بعدا سياسيا فى القصص التى تقدمها ؟
-
طبعا، المغزى السياسى تجده فى العديد من قصصى، مثل شىء فى صدرى، فى
بيتنا رجل، الرصاصة لا تزال فى جيبى، وغيرها إنما الفيلم السياسى
مش ممكن يضمن نجاحه إلا إذا كانت هناك حرية كاملة فى كتابته
وإعداده.. ثم حرية كاملة فى عرضه، ولكن الرقابة دائما عنيفة جدا
عندما تتعرض لفيلم سياسى.. ويكون هدفها هو قتل هذا الفيلم، ولهذا
تظهر هذه الأفلام بطريقة غير لائقة.
∎
السينما تعيش واقعا أليما
∎
أفلامك السياسية هل تعرضت لمقص الرقيب ؟
-
كل أفلامى لم تنج من مقص الرقيب، الرقابة تتغير مفاهيمها مع تغير
الحاكم، مثلا أيام السادات ظهرت أفلام صريحة جدا تقوم على نقد فترة
ما قبل أنور السادات، ولو كانت هذه الأفلام نقدت أنور السادات أو
الحكم فى فترة السادات لم يكن يسمح لها بالظهور.
∎
فى رسالة الماجستير التى قدمها (عصام نصر) عن الفيلم السياسى انتهى
إلى أن السينما دائما تنافق السلطة الحاكمة بنقد فترة الحكم
السابقة وليست الحالية ؟!
-
ليس نفاقا ولكنه واقع أليم، لا تستطيع أن تعرض فيلما سياسيا قويا
كاملا ينتقد الحكم القائم فعلا الرقابة لن تسمح به.. وحتى اليوم لا
نستطيع أن نعرض فيلما سياسيا إلا عن فترة سابقة، الأفلام اللى
طلعت فى نقد حكم عبدالناصر، ممكن يطلع مليون فيلم عن نقد أيام
السادات، ولغاية النهارده مطلعتش أفلام تنتقد السادات.
∎
هل يواجه الكاتب الروائى نفس المحاذير الرقابية التى يتعرض لها
السينمائى ؟
-
السينمائى يواجه صعوبة أكبر.. وخصوصا فى الفيلم السياسى، السينما
تعانى أكثر من الصحافة أو الكتابة الروائية لأن السينما تصل إلى
الطبقة الشعبية التى لا تجيد القراءة، والمعروف أن عدد الأميين فى
مصر أكبر من عدد القراء لذا تتشدد الرقابة.
∎
لهذا يلجأ كاتب القصة والسينمائى أيضا إلى الماضى لينتقده فى الوقت
الذى يريد أن يقول إن هذا هو ما يحدث الآن. مثل قصة (شىء فى صدرى)
التى تنتقد أوضاع ما قبل الثورة بغرض انتقاد ما حدث بعدها ؟
-
قطعا ده موجود، كان لازم أنسب القصة للماضى، شىء فى صدرى تعنى
المجتمع السياسى الذى كان قائما قبل الثورة، لكن هذا المجتمع فضلت
له أذيال بعد الثورة.
∎
الرقابة بين عبدالناصر والسادات
∎
هل كانت الرقابة أيام السادات أقل عنفا وتشددا بالمقارنة بفترة حكم
عبدالناصر ؟!
-
مفيش شك، أنها أقل عنفا من أيام عبدالناصر، لكنها ظلت قائمة بشكل
آخر، وهذا يعود للظروف التى أحاطت عبدالناصر والظروف التى أحاطت
بأنور السادات. السادات على سبيل المثال ألغى الرقابة على الصحف
اعتمادا على أن رئيس التحرير هو الرقيب وحتى اليوم لا تزال الصحافة
القومية مفروضا عليها نوع من الرقابة غير المباشرة.
∎
خد عقلى وأعطنى فنك
∎
قلت للكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس: هل هناك تعريف معين للفيلم
السياسى ؟!
-
لا يوجد تعريف معين، لكن الفيلم السياسى بوجه عام هو الذى ينقلك
كحالة سياسية لا تستطيع أن تعيشها إلا إذا كانت تعبر عن واقع،
ولهذا تلجأ الأفلام التاريخية التى لا تعبر عن واقع نعيش فيه
حاليا، إلى قوة المناظر والتمثيل والسيناريو والحوار، ولكن إذا
قدمت فيلما عن مرحلة حالية، فيجب أن تكون صريحا، وأن يمس هذا العمل
واقعك مسا صريحا.. ده الفيلم السياسى من وجهة نظرى.. مثل قصة
(الرصاصة لا تزال فى جيبى) كنت أمجد فيها انتصار أكتوبر 73 وحتى
أكون واقعيا وأجعل الناس تتعلق بهذا الفيلم.. بدأت بالهزيمة فى 67
حتى انتهيت إلى الانتصار فى 73 ورغم ذلك لم يمر هذا الفيلم بسهولة
مع الرقابة، وأنا أعتبره فيلما ناجحا لأنه واقعى وبه نقد صريح
للاتحاد الاشتراكى.. الفيلم السياسى يجب أن ينقل المتفرج للحدث
نفسه، زى ما أنا بقول دائما (خذ عقلى وأعطنى فنك)!
∎
هل يوجد عندنا أدب سياسى ؟!
-لا..
لا.. الواقع أن أدب القصة ليس به متخصصون، هناك كتاب سياسة متخصصون
فى هذه الناحية، لكن القصة لا تزال فنا جديدا بالنسبة لمصر حيث لم
يزد عمرها على 70 عاما.
فقط القصة تصدر عن إحساس وطنى وهذا الإحساس الوطنى مثلما يكتب عن «الترموايات»
يكتب عن مشكلة إسرائيل لا يوجد كاتب متخصص فى القصة السياسية لكن
هناك متخصصون فى المقالات السياسية.
∎
عبدالناصر.. الرقيب الوحيد المتفتح
∎
بعد هزيمة 67 قيل إن هناك بعض الحرية سمحت بها السلطة لامتصاص ثورة
الناس،فهل انعكست هذه الحرية على الأدب والفن والسينما؟
ـــ بعد 67 لم تكن هناك حرية ولكن كان هناك بعض النقد فى حدود ضيقة
ويدهشك أن الرقيب الوحيد الذى كان منفتحا ويستطيع أن يقدر ما ينشر
وما لا ينشر بعد 67 هو جمال عبدالناصر نفسه، أذكر أن أى قصة سياسية
أكتبها تواجه بالمنع لكن إذا قرأها عبدالناصر أفرج عنها على الفور،
أذكر قصة «علبة من الصدئ المصدى» كتبتها بعد الثورة وكنت أقول من
خلالها إن ما حدث أيام الملك يحدث أيضا أيام الثورة، وبعد أن ظهرت
القصة فى كتاب فوجئت بأن عبدالناصر يأمر بإنتاجها فى التليفزيون.
طلب منهم أن تظهر القصة كما هى فى التليفزيون وفوجئت بأنهم يطلبون
القصة وعندما عرضت القصة فى التليفزيون أخبرنى أنور السادات أن
عبدالناصر استأذن منهم أثناء أحد الاجتماعات وقال «أنا طالع أشوف
القصة فى التليفزيون «عشان قلتلهم ما يغيروش منها حاجة».
∎
لماذا كانت الرقابة متشددة خلال تلك الفترة؟
ـــ جمال عبدالناصر كان شخصية متفتحة جدا، لكن أى واحد تانى يقولك
أشطب أحسن لدرجة أن أحد أعضاء مجلس الأمة قدم سؤالا للمجلس عن قصة
«أنف وثلاث عيون» وهذا يحدث لأول مرة فى العالم العربى كان السادات
وقتها رئيسا لمجلس الأمة وقال لى إن هناك سؤالا موجها عن «أنف
وثلاث عيون» قلت له: حاجة مدسوسة عليه، قال لازم أدى للمجلس حرية
توجيه الأسئلة وعايزك تاخذ الموضوع ببساطة، ثم اتصل بى د.عبدالقادر
حاتم وزير الإعلام ذلك الوقت الذى كان عليه أن يرد على سؤال عضو
مجلس الشعب باعتباره وزيرا للإعلام وقرأ على نص الإجابة التى أعدها
للرد على العضو وقال فيها إن هذا ليس دفاعا عن القصة، لكنه يرفض أن
يتدخل المجلس فى أشياء من هذا القبيل.
وإذا كان لا يمكن لأحد أن يفرض قيدا على إحسان عبدالقدوس فى
الكتابة، فإن الذى لا يطيق هذه الحرية عليه أن يتقدم بشكوى أو بلاغ
للنيابة، بالفعل انتهى الموقف وجاء لى مقدم السؤال إلى مكتبى
واعتذر لأنه لم يقرأ القصة، وقال إنه كان ضحية لعبة سياسية.
∎الحكيم
حاول ثم تراجع
∎
ولكن هذا الاتهام بالإباحية دائما ما يتردد ضد أغلب إنتاجك الفنى؟
ـــ أنا أحارب سياسيا بمهاجمتى أدبيا لما يقولوا عنى كاتب جنس..
أنا أعتبر نفسى أقل الكتاب فى هذه الناحية.. ودليلى على ذلك أن
كثيرا من الكتاب افتكروا أن سر نجاح قصصى سببه الجنس.. وقدموا قصصا
مليئة بالجنس، لكنها لم تنجح بالطبع لأنه لا يمكن أن تنجح قصة إلا
إذا كانت مجردة من تعمد الجنس وأنا لا أتعمد الجنس كموضوع، أنا فقط
أعطى لنفسى صراحة فى المشاهد بلهجة مهذبة.
∎
الرقابة حاليا كيف تراها؟
ـــ حاليا لا يوجد اتصال بين الكاتب ومركز الصحافة، العنصر الوحيد
الذى يسيطر على كل الصحف هو رئيس التحرير نفسه، ورئيس التحرير ممكن
يمنع نشر ما لا يريد نشره، وكلنا تعرضنا لذلك حتى توفيق الحكيم.
ليس بسبب تدخل الرقابة ولكن بسبب رئيس التحرير وبالطبع هذا موجود
فى كل صحف العالم فرئيس التحرير هو الذى يحدد ما ينشر وما لا ينشر
ولكن ما هى العلاقة بين رئيس التحرير والحكومة.. هل يخضع لها أم
لا؟
∎
لا أخفى شيئا..
∎
عندما تكتب هل تخفى بعض أشياء حتى لا تصادر الرقابة ما تريد أن
تقوله؟
-
أنا من عادتى - وهذا هو ما تقوم عليه شخصيتى - حر جدا مع نفسى،
أنا منعزل بنفسى وأكتب ما أعتقد أنه صحيح وأقتنع به ولايؤثر أحد
على رأيى وأتذكر فى عام 54 كنت أقدم للإذاعة حديثا كل أسبوع.
هذا
الحديث بكلمة تصبحوا على خير تصبحوا على حب، وثار بعض المتزمتين
وقالوا إزاى تقولوا تصبحوا على حب، معنى كده أنه بينصح بممارسة
الجنس، اتصل بى جمال عبدالناصر وقال لى: ما تغير تصبحوا على محبة،
عشان تبعد الاتهام عنك، قلت لا.. لا يمكن، أنا أريد أن أضع هذه
الكلمة فى موضعها الصحيح، قاللى عبدالناصر طيب زى ما يعجبك، وبعد
أن قال عبدالناصر ذلك قررت أن أتوقف عن التسجيل للإذاعة منذ ذلك
التاريخ وبعد ثلاثين عاما لا أزال مصرا على ذلك!
وبابتسامة ودودة حانية لم تفارق ملامحه طوال الحديث يضيف إحسان
عبدالقدوس: الحب هو تبادل الإحساس بالمسئولية بين الناس كلها، أنا
مسئول عنك لأننى أعطى لك حديثا وأنت مسئول عنى لأنك سوف تنشر هذا
الحديث فإذا كنت أنا أحبك وأنت تحبنى فمن المؤكد أن هذا الحديث سوف
ينجح. الحب هو الله والوطن والناس.
كانت هذه رحلة طوال الأسابيع الماضية مع السينما والسياسة أثارتها
رسالة الماجستير التى حصل عليها «عصام نصر» المدرس المساعد بكلية
الإعلام، ربما لم تكن الإجابات كافية، ربما أخفى السينمائيون بعض
آرائهم.. ربما حجبوا بعض الحقائق، ولكن يبقى أن هذه أول محاولة تضع
السينمائيين والسياسة على خط ساخن.∎ |