"الأيدي
الذهبية" الاتحاد السوفيتي عبر الإعلانات
محمد هاشم عبد السلام
من يعرف أن النزعة الاستهلاكية والشيوعية قد سارتا ذات يوم جنبًا
إلى جنب ويديهما معقودتين معًا؟ وذلك، دون وجود لأي تناقض يذكر بين
النزعة الاستهلاكية ابنة الاقتصاد المفتوح والسوق الحر، والشيوعية
ذات الاقتصاد الموجّه والسوق المغلق والنهج التقشفي الصارم. وهذا
ما يثبته لنا الفيلم الإستوني الفنلندي الإنتاج "الأيدي الذهبية"
من إخراج "كيور أرما" و"هاردي فولمر"، على مدى أربعة وسبعين دقيقة
هي زمن هذا الفيلم المشوق والممتع في نفس الوقت، رغم تمحوّره كلية
حول الإعلانات التجارية.
يتناول فيلم "الأيدي الذهبية" نشأة وتألق ثم انهيار الإمبراطورية
الصناعية لاستوديوهات السينما الشهيرة بالاتحاد السوفيتي السابق
"إستي ريكلام فيلم". وهي الشركة الوحيدة لإنتاج الإعلانات في
الاتحاد السوفيتي، والتي كانت توفر العمل لمئات الأفراد من
العاملين في هذا المجال غير المطروق آنذاك. والغريب في الأمر أن
هذه المؤسسة الاشتراكية التي عملت في ظل قوانين الاقتصاد الموجه،
استطاعت أن تُحقق أرباحًا أسطورية ونجاحًا باهرًا على امتداد سنوات
عملها، بالرغم من أن مجرد كلمة "إعلان" كانت لها دلالة لدى آلاف
الموظفين الرسميين في الدولة، وحتى المواطنين، تماثل مفردات مخيفة
وغير مرغوبة مثل "المخابرات الأمريكية" أو "كوكا كولا". وكان على
رأس تلك الإمبراطورية ومؤسسها وقائد نجاحها المخرج السينمائي
والمنتج والمدير الإستوني الناجح "بيدو أويما".
كانت فكرة ذلك الاستوديو من بنات أفكار "بيدو أويما"، الذي ظهرت
عنده روح المبادرة في سن مبكرة عندما بحث عن الأجزاء المهملة من
نيجاتيف فيلم "طرزان" ثم قام بطباعتها وبيعها على هيئة صور
فوتوغرافية لأصدقائه بالمدرسة. ثم سرعان ما عمل بيدو كمراسل لصحيفة
"إيفننيج بوست"، ثم بعد ذلك كصحفي يقوم بتغطية الأفلام من داخل
الاستوديوهات أثناء صناعتها.
وبعدما انتهى بيدو من دراسة السينما، راح يُنفِّذ بعض الأفلام
القصيرة التجريبية له ولأصدقائه بنفقات جد محدودة، اقتدى فيها بذلك
النهج الذي تسير عليه الإعلانات التجارية التي كان يشاهدها
بالتليفزيون الفنلندي، حيث كان الإرسال يصل لبعض المناطق الشمالية
من إستونيا دونما رقابة تذكر من جانب الروس. وقد سعى بيدو في أول
الأمر لتنفيذ الأمر بإستونيا، وأسّس استوديو خاص به هناك، "إستي
ريكلام سينما"، وأنتج بعض الدعايات البدائية به. وبداية من عقد
الستينات فصاعدًا اعتُبر بيدو أويما، الرائد الإستوني لتلك الصناعة
الوليدة، شخص شديد البراعة لدرجة أنه في إعلاناته: "بمقدوره أن
يجعل أهل الإسكيمو يرقصون البولكا!".وعندما سمح الاتحاد السوفيتي
وأعطى تصريحًا لصناعة الإعلانات التجارية المُصورة، كانت
استوديوهات "إستي ريكلام فيلم" هي الوحيدة الموجودة والتي في
الصدارة، فبدأت إعلاناتها في التدفق مع مطلع عام 1967.
وقد ظلّ الاستوديو يتبوأ تلك المكانة حتى استقلال إستونيا، وتفككه
مع انهيار الاتحاد السوفيتي بعد أربعة وعشرين عامًا من تواجده
بمفرده بالسوق السوفيتية، صنع فيها الاستوديو ما يزيد عن أحد عشر
ألف فيلمًا على مدى سنوات إنتاجه، شاهدها الملايين، وفاز أحد
المخرجين العاملين به على جائزة "أسد كان الذهبي" في المهرجان
الدولي للدعاية بمدينة كان الفرنسية، والذي تحول اسمه الآن إلى
المهرجان الدولي للإبداع بكان.
هذا كله دار على أرض الاتحاد السوفيتي السابق، في وقت لم تكن
للإعلانات التجارية بالتليفزيون أي وجود أو حتى أي أهمية تذكر
نظرًا للنقص الشديد أو حتى ندرة المنتجات والبضائع والسلع التي يتم
الإعلان عنها، لا سيما في ظل كل تلك القيود والقوانين الباطشة من
جانب الرقابة الحكومية. ناهيك عن القدرة الشرائية لدى المواطنين
العاجزة عن تسديد قيمة المشتريات نقدًا. وبالطبع لم يكن الجمهور
الذي يلتهم كل تلك الإعلانات المُبهرة والمُذهبة لعقله يدري أنها
لمنتجات غير موجودة في الأغلب الأعمّ أو لكماليات لا لزوم لها،
وأنه خاضع لسطوة رجل كان مخوّلا له بيع، ما لا حاجة له لمن ليسوا
بحاجة إليه. لكن لماذا اللجوء من جانب الدولة لمثل هذه السياسة،
ولماذا كان يبيع الفنان أويما الهواء للجمهور عبر الإعلانات التي
تنتجها استوديوهاته؟
تأتينا الإجابة المثيرة للدهشة عبر متابعتنا لأحداث الفيلم، فندرك
أنه في ظل كل تلك القيود والقواعد والقوانين الصارمة المتحكمة، كان
هناك قانون بعينه يفرض على الشركات حتمية أن تخصص ما يساوي نسبة
واحد بالمئة على الأقل من ميزانيتها للإعلانات التجارية. في حين أن
معظم تلك الشركات لم تكن بالفعل في حاجة لمثل تلك الإعلانات لأن
منتجاتها كانت بالفعل تنفد من الأسواق قبل حتى الإعلان عنها. وثمة
شركات أخرى لم تكن بعد قد أصدرت منتجاتها أو استوردتها وبالتالي
كانت تأمل أن يكون الإعلان متواكبًا وقت عرض أو نزول السلعة إلى
الأسواق. أما بعض الآلات العجيبة المعروضة فكانت محض اختلاقات
زائفة وليست اختراعات حقيقة. ومع وجود هذا النقص في كل شيء، حتى
قبل البريسترويكا، لم يتوقف المعلنون عن تسويق المنتجات التي لم
تكن موجودة، لأن الإعلان عنها كان أيسر كثيرًا من إنتاجها. لكن
السؤال الآخر هنا، لماذا سمحت الدولة، بصرف النظر عن وجود ذلك
القانون، بهذا القدر من الكذب أو الزيف؟
وتأتينا الإجابة على النحو التالي: للمساعدة في إدامة بعض الأوهام،
مثل الطلب المتزايد على المنتجات أو السلع حتى تلك التي كانت
تنتجها الدولة. في حين تجعل من ندرة الزبدة والسكر والزيت التي
تباع من فورها دون الحاجة لدعاية أمرًا مبررًا، وتخلق في الوقت
نفسه، مع تواجد السلع، صورة زائفة عن مجتمع الوفرة والاقتصاد
الكاسح المُنتج لكل وأي شيء. والمثير في الأمر أن الحزب الشيوعي
الحاكم بسياساته القابضة ورقابته الصارمة حتى على البرامج
التليفزيونية العادية وما كان يقدم بها من مادة، كان متحررًا
تمامًا ولم يكن يبالي بالمرة بما تُروّج له الإعلانات من منتجات أو
حتى مطبوعات جنسية، وما يظهر بها من موديلات عارية أو شبه عارية.
وقد جمعت إعلانات الاستوديو بين المظهر أو الأسلوب الذي للإعلانات
التجارية الغربية والمحتوى أو الحسّ الاشتراكي، الأمر الذي أدى في
النهاية لخروج محتوى إعلاني غريب الأطوار بعض الشيء، لكن له عشاقه.
ومع ذلك يحسب للمخرجين بهذه الإعلانات، تقديم محتوى موسيقي جذاب في
إعلاناتهم. كما برزت الحرفية الشديدة في المونتاج، وجرأة الأفكار
وجدّتها ومضمونها أحيانًا. ولولا الحفاظ على كم كبير من تلك المادة
الإعلانية ونجاتها من التدمير بعد إغلاق الاستوديوهات، لما صار
سهلا بالمرة صناعة مثل هذا الفيلم الرائع، القائم بالأساس على تلك
المادة الأرشيفية المثيرة والمبهجة والمتنوعة في حد ذاتها على نحو
بالغ الثراء، والتي يغلب على معظمها الطرافة والجدة والجرأة في
الطرح، وعلى البعض الآخر أثر الزمن وسذاجة التنفيذ والإخراج.
يظهر بيدو أويما، الذي توفي قبل أشهر قليلة، على فترات بالفيلم في
مراحل عمرية مختلفة عبر لقطات أرشيفية مُسجّلة بالأبيض والأسود أو
معلقًا بصوته أو مُتحدثًا مباشرة للكاميرا. كما نراه لمرتين أو
ثلاثة، خصوصًا مع نهاية الفيلم، وهو جالس على كرسي متحرك بإحدى دور
العرض الخاوية يشاهد مجموعة من الإعلانات التي أخرجها ونفذتها
استوديوهاته على مدى مساره المهني. كما يظهر على فترات بالفيلم
مجموعة من المخرجين الذين عملوا معه أو خبراء في صناعة الإعلانات
أو كُتّاب سيناريو شاركوه العمل أو موديلات أو مغنيين اشتغلوا
بالعديد من إعلاناته التجارية.
وقد هدف المخرجان من وراء فيلميهما إلى السخرية من النظام الشيوعي
وتلك الحقبة برمتها، عبر فضحهما للإعلانات التي كانت تروج آنذاك،
والتي في نفس الوقت، باعتبارها وثائق تسجيلية في حد ذاتها، رصدت
دون أن تدري التطورات الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية التي مرّت
بها البلاد خلال أكثر من عقدين تقريبًا هي عمر تلك الاستوديوهات.
وكذلك تتبُّع مسار التطورات الفنية والسينمائية التي كانت رائجة في
ذاك الوقت والتي خرجت من رحمها الكثير من الإبداعات الحالية في سوق
الدعاية الإعلانية في عصرنا الحالي، والتي يرجع الفضل في معظمها
لذلك الرائد الشديد التميز في مجاله.
ومن
ثم، أثبت هذا الفيلم أن تلك المادة ممكن أن تكون مسلية وممتعة جدًا
في زمانها في حين تصبح لاحقًا شديدة الإفادة لدراسة جوانب كثيرة
اجتماعية واقتصادية وتاريخية وسياسية وفنية.
ولد المخرج "كيور أرما" في الخامس والعشرين من يونيه عام 1975، وهو
صحفي في التليفزيون الإستوني، وتخرج في جامعة تارتو عام 1997، وعمل
أيضًا ككاتب سيناريو ومنتج، وهذا الفيلم هو أول أفلامه كمخرج.
ولد المخرد "هاردي فولمر" في عام 1975، وهو مغني في فرقة روك "سنجر
فينجر"، وأيضًا كاتب ومخرج سينمائي. ومن بين أفلامه القصيرة، "لا
أحد حتى الآن" (1996)، و"كل ما لدي عن لنين" (1997)، و"بربري"
(2003)، و"صور حية" (2013)، وهذا هو فيلمه الأخير.
سيرة أليس ووكر: الكفاح والإبداع ثمنا للعيش
طاهر علوان
(1)
بهذه الكلمات تُحّلق الروائية والكاتبة الكبيرة والمناضلة "أليس
ووكر" لتُلخِّص سيرتها الانسانية كما الإبداعية التي امتدّت إلى
أكثر من نصف قرن وما تزال منتجة ومبدعة، إنها خلاصة تاريخ شامل
عرفته أرض الولايات المتحدة وخاصة ولايات الجنوب أو مايعرف بالحزام
الامريكي من السكان السود أو من الأصول الإفريقية، الفتاة التي
ترعرعت في عمق الجنوب، في ولاية جورجيا وسط حقول القمح التي
تتهادى مع الريح على أنغام أغاني الجنوب فيما تظهر صورة جدة
الكاتبة التي كابدت مآسي التمييز العنصري والعرقي، تظهر الجدة
متكئة على عصا فيما تمضي وسط تلك السهوب لتعلن أليس أنها قد
استمدّت اسمها الفني "ووكر" من مسير جدتها وكفاحها المضني، بهذه
الصور المتدفقة نتابع فيلم "أليس ووكر". الفيلم من إخراج بارتيبا
بارمر والذي عُرض مؤخرا في المهرجان الدولي للسينما الوثائقية في
أمستردام كما طاف العديد من المهرجانات من حول العالم.
تتدفق الصور بالأبيض والأسود مع مراحل طفولة وصبا وشباب أليس ووكر
وهي في وسط ذلك لن تستغني عن كتابة الشعر في المراحل المبكرة من
حياتها الإبداعية معلنة:" كان للآخرين مشكلة في اختياراتي، مع ما
أحب وأي شيء أفضله أو أختاره، كنت على الدوام أواجَه بالمشاكل".
وفي واقع الأمر لم يكن طريقها إلا طريق الكفاح والدفاع عن الحريات
المدنية لاسيما وأنها واكبت انتفاضات السود آنذاك ممثلة في ثورة
مارتن لوثر كنج وقد شاهدته بعينيها ساعة أُلقيّ القبض عليه لتصرخ
"لقد تغلغل مارتن في قرارة روحي". ثم لتسجن هي أيضا إبان تلك
الحركات الاحتجاجية دون أن تتوقف عن كتابة شعرا يتغنّى بالحياة
والحرية
.
(2)
في الطفولة المبكرة ومن بين ثمانية من الأخوة والأخوات يصرخ أحد
العنصريين في وجه الأم: كان عليك أن تتخلصي من كل هؤلاء الصبية
والأطفال لأنهم بلا فائدة لكنها تنتفض في وجهه مؤكدة أن أبناءها
سيتعلمون وسيكونون شيئا، ولهذا ستعمل الأم 11 ساعة في اليوم في
مقابل 17 دولار أسبوعيا لتغطية نفقات دراسة أليس، هذا ما ترويه،
وتبقى تلك الكلمات تتردد أصداؤها في عقلها الصغير لاسيما وهي ترحل
نحو ولاية أتلانتا بعد حصولها على زمالة دراسية ولتتخرج في العام
1965 في قمة ثورة الحقوق المدنية للسود في الولايات المتحدة
.
تمضي وقائع الفيلم في تتبُّع يوميات تلك الفتاة والتحولّات التي
مرّت بها في حياتها في بناء كثيف تقطعه وقفات مع نصوصها الشعرية
وخواطرها ومذكراتها، وهي نصوص لا تفارق بيئة الجنوب فهي تمزج صورا
بالغة الشاعرية موغلة في عشق الطبيعة أرض الجنوب الخضراء وسماءه
الصافية، وفي نفس الوقت أصوات الشقاء والمظلومين في تلك البقاع
.
تحت وقع ثورة الحريات وأغاني منتصف الستينيات تلتقي ووكر كاتبا
وثائرا مدنيا ولكنه أبيض وديانته يهودية وهو الشاعر والمؤلف
المعروف ( ميلفين ليفنثال ) ويرتبطان بعلاقة وثيقة تتوج بالزواج
والإنجاب وسط استغراب بيئتها الثائرة أصلا على البيض ونزعتهم
العنصرية إبان تلك الحقبة ولهذا كانت على الدوام تردد: نعم أنا
مختلفة.. لكن الصدمة الأكبر كانت صدمة أسرة ميلفين نفسها كما تتحدث
في الفيلم في رفضها القطعي لتلك العلاقة وذلك الزوج.. الزوجان
السابقان والصديقان والطليقان يرويان جوانب من تلك الذكريات بمزيد
من الحنين.
(3)
يتابع الفيم مرحلة النضج في مسيرة ووكر، مرحلة تجمع فيها بين
التدريس والكتابة في وسط أجواء محتدمة تنادي فيها بحقوق المرأة
وحريتها من خلال الحركات النسائية التي تناغمت مع احتجاجات السود
لتعمل في مجلة
(Sisterhood)
وهي علاوة على كونها مجلة فقد تحولت إلى ملتقى للنساء السود ومنبرا
فكريا مُهمّا استقطب الكثير من الكاتبات والناشطات المدنيات، وبسبب
انهماكها في تيار مساندة الحريات تعلن أنها تشعر مرات أنها "تحمل
في عقلها صور وحياة 12 شخصا يعيشون ويتكلمون في رأسها وأن عليها
العناية بهم". واقعيا ظلّت أصداء ناس الجنوب لا تفارق
مخيلتها،العذابات والاضطهاد ،صراخ الضحايا ،الازدواجية والعنصرية
كلها تجلّت في كتاباتها
.
يقدم الفيلم مزيجا من نصوص أليس ومذكراتها وأجواء الحركات النسائية
والمدنية في تدفّق مؤثر عميق للشاعرية، وهو ما رفع من شعبية وأهمية
أليس ووكر ومنحها مكانة رفيعة ظلّت تتعزّز في جميع الأوساط على
أنها الكاتبة السوداء المتفردة التي ولدت لكي تكون كاتبة ولهذا
تواصل جولاتها في المدن الأمريكية، تقرأ من نصوصها وتلتقي جمهورها
وتُعرِّف بالنضال من أجل الحقوق المدنية التي نذرت نفسها من أجلها.
وهي تعلن مرارا مقولتها الشهيرة:" إن صفتي كناشطة هو الأجر الذي
عليّ أن أدفعه ثمنا للعيش في هذا العالم" ، ولهذا ستضيق بها
الساحات وسيتسع كفاحها وينطلق صوتها باتجاه بؤر الأزمات في العالم
وحيثما وجد الظلم : من إفريقيا إلى فلسطين، سيصدح صوت أليس ووكر من
أجل المظلومين
.
(4)
بعد رواياتها التي احتلّت صدارة المبيعات: الحياة الثالثة لجرانج
كوبلاند1970 ورواية مريديان 1976 وصولا إلى روايتها الأشهر
"اللون القرمزي" التي نالت عنها جائزة البوليتزر عام 1982 وهذه
الرواية تحكي فصولا من حياة عائلات إفريقية في ولاية جورجيا في
حقبة الثلاثينيات وفيها كثير من الذاتية وكثير من العنف أيضا
ومناقشة قضايا السود، وقد حفل نشرها بطبعاتها المتعددة بجدل واسع
في أوساط السود فضلا عن أوساط النقاد وهو ما لفت أنظار المخرج
الكبير ستيفن سبيلبيرغ حيث بدأ بمراسلة الكاتبة طالبا إعداد
روايتها للسينما وظلّت مراسلاتهما المشتركة لسنوات حتى رأى الفيلم
النور في العام 1985 من تمثيل داني جلوفر و ووبي جولدبيرغ فضلا عن
صاحبة البرامج التلفزيونية ذائعة الصيت أوبرا وينفري، وقد رشح
الفيلم لنيل 12جائزة أوسكار في مختلف الأقسام كأفضل إخراج وأفضل
سيناريو وأفضل تمثيل وأفضل موسيقى وغيرها .. لكنه لم يفلح في
الحصول على أي من تلك الجوائز
.
وفي المقابل تروي ووكر كيف جوبه الفيلم بانتقادات من جهات شتى،
تقول أنها استمعت لكثير من النقد الذي خلاصته أنها قد قامت بتشويه
حياة وتاريخ السود من خلال تلك العلاقات المختلة وغير الطبيعية
والتي لم تظهر حقيقة الشخصيات ودوافعها بل ألحقت بها تشويها
مُخلّا، فيما هي تدرأ عن نفسها هذه الاتهامات معلنة أنها قدّمت
عملا مهما وسبيلبيرغ أكمل المهمة في تقديم فيلم متميز بدليل النجاح
الذي أصابه كلا من الرواية والفيلم وهو مالم يشفع كثيرا لها أمام
موج الانتقادات التي طالت الرواية والفيلم
.
(5)
تجول ووكر من خلال الفيلم في فضاءات حياتها، تعيش في منزلها الصغير
وسط الطبيعة التي لاتستطيع أن تتخلى عنها بعد أن تخلّى عنها
العديد من الناس، تسترجع صورا يكتنز بها الفيلم لطفولة ابنتها
الوحيدة ريبيكا التي صارت - وياللمفارقة - عدوة لها ، تعتبرها
أنانية وأمّا غير صالحة، وتعترف هي أنها كثيرا ما انشغلت عنها بسبب
كثرة أسفارها والتزاماتها لكنها لم تتخلّ عن حبها يوما، وهي تشعر
بالألم لما تُصرِّح به ابنتها مرارا
...
تستشعر تلك المرارة لتروي كيف كادت تفقد عينها عندما كانت صغيرة
وأطلق شقيقها باتجاهها سهما بلاستكيا من تلك التي يعبث بها الصغار
مما جعلها تدفع الثمن من قدرتها على الرؤية لأن أمها لم تستطع
حينها أن تنقلها إلى المستشفى لعدم وجود مستشفى قريب آنذاك،
وتتداخل الصور في ذاكرتها لكنها تخرج من وسط كل ما كان لتعلن أنها
حرة تماما وتدافع عن المظلومين لتتوِّج سيرتها في دفاعها عن غزة
المحاصرة وتشارك في رحلة إلى هناك عام 2009 ولتروي فصولا من مآسي
ما شاهدت.
وكانت قبلها وفي مهرجان في مدينة تورنتو الكندية قد طالبت من خلال
عريضة وقعها عشرات المبدعين إلى إدراج الكيان الصهيوني كنظام للفصل
العنصري وهو ما أثار ضدها تيارات الضغط واتُهمت بمعاداة السامية
ومازالت حتى اليوم تهاجَم وتشوَّه سمعتها في كل الاتجاهات بسبب هذا
الموقف لكن ذلك لم ينل شيئا من سيرة واسم أليس ووكر المبدعة
الكبيرة والإنسانة
. |