«حرث
السماء» للمخرج المكسيكي هوراسيو أكالا:
تحريض على اكتشاف شغف الحياة
رشا حسني
الشغف
من المؤكد أن الهدف من الحياة لا يقتصر فقط على ما يبدو لنا من
مظاهرها وفقط، ولكن هناك أهداف أسمى، أجمل وأمتع من أن يحيا
الإنسان مثله كمثل الكثيرين ممن يسيرون على وجه البسيطة، من دون
هدف، من دون غاية والأهم من دون «شغف». فالشغف هو ذاك الهاجس أو
الدافع الذي يظل يطارد الإنسان كي يكتشف ما بداخله من قدرات
ومقومات تجعل منه إنساناً مختلفاً، إنساناً ناجحاً، فالشغف ببساطة
هو سر استمتاع المرء بحياته.
يعتبر الفيلم الوثائقي»حرث السماء» للمخرج المكسيكي هوراسيو أكالا
فيلماً مُحرضاً ومُلهماً في الوقت نفسه، فهو يُحرض كل من يُشاهده
على اكتشاف شغف حياته، شغفه تجاه ما يريد فعلاً أن يفعله، بل
ويتفوق في فعله ومُلهماً لأنه من الممكن أن يتلمس المُشاهد من خلال
قصص أبطال العمل أولى خطواته لتحقيق حلم حياته وشغفه. الفيلم مرآة
تعكس لمُشاهده ما لا يراه وما يجب أن يراه ويبحث عنه.
يُلقي الفيلم الضوء على تجارب أداء «سيرك لو سوليه» بفرنسا لاختيار
مؤدين جدد للسيرك ليغوص الفيلم داخل مجموعة حكايا اختارها المخرج
بعناية شديدة تتمتع بالتنوع والتميز الإنساني والحركي والبدني،
ولقد تم تصوير الفيلم في إحدى عشرة دولة مختلفة بثلاث لغات مختلفة.
الاختلاف
يندرج فيلم «حرث السماء» تحت فئة الأفلام الوثائقية، ولكن ومنذ
الوهلة الأولى يمكنك أن تشعر بمدى اختلافه عن المفهوم التقليدي
والشائع للفيلم الوثائقي، من وجود عدد معين من الضيوف أو المتحدثين
في أماكن تتكرر روتينياً في أحجام لقطات ثابتة يغلب عليها الحجم
المتوسط، ويظل هؤلاء الضيوف يروون حكاياهم ويسردون ذكرياتهم لتلك
الآلة الصماء التي أمامهم برتابة شديدة حتى إن كان حجم المعلومات
التي يلقونها تفوق ما يمكن العثور عليه من خلال عشرات الكتب
والمجلدات.
البداية
يبدأ الفيلم بجملتين من أهم الجمل التي جاءت في الفيلم على ألسنة
أبطاله أولاهما «أنه حتى عشرين عاماً مضت كان العمل في السيرك
قاصراً فقط على أبناء وأقارب العاملين بالسيرك»، وهي جملة جيدة
لجذب انتباه المشاهد من حيث اهتمامه بالذي حدث بعد ذلك ليتأخر
المخرج وعن عمد عن الإجابة على هذا التساؤل حتى منتصف الفيلم
تقريبا، وهو النهج الذي اتبعه على مدار الفيلم، فكان يعرض لنا
بداية حكاية أحد أفراد السيرك ثم لا يكملها ليذهب بنا إلى حكاية
أخرى أيضاً لا يكملها حتى نقترب من نهاية الفيلم لينسج لنا في
تتابع سردي بصري مُحكم نهايات الحكايا لتتشابك – لا إراديا – لدى
المشاهد عناصر الحكاية الأساسية للفيلم، مع نهايات حكايا أبطال
الفيلم ليصل المشاهد إلى خط النهاية أخيرا مُحملاً بقدرٍ هائلٍ من
التساؤلات الجوهرية الشخصية التي يفرضها عقله عليه عقب انتهاء
مشاهدته للفيلم. ويُعد هذا في حد ذاته قيمة مضافة للفيلم، فالفيلم
الجيد هو الذي يظل مع مشاهده وجدانياً، عقلياً وعاطفياً ويظل
يُمتعه ويُثير بداخله التساؤلات كلما تذكره.
أما الجملة الثانية «نظرياً أي شخص من الممكن أن يكون فنان سيرك»،
فهذه الجملة أيضاً من نوعية الجملة السابقة التي تطرح في ذهن
المُتلقي العديد من التساؤلات على شاكلة، إذن ما الذي يُميز فنان
سيرك عن آخر وما الذي يجعل فناني السيرك مختلفين عن غيرهم، هل هي
قدرتهم على التعامل والتحكم بأجسادهم، أم هل هي مداومتهم على
التدرب، أم هي قدرتهم على الإبداع من خلال حجم التجديد والاختلاف
لفقراتهم، ليظل ذهن المشاهد ومنذ اللحظات الأولى مُنشغلاً بالسيرك
وفنونه وعوالم أعضائه.
التحريض البصري
حرض المخرج المشاهد بصريا على البحث عن شغفه الخاص وحلمه الخاص، من
خلال سرد بصري راق ورائع ومختلف عن مجموعة حكايات لمجموعة من البشر
مختلفين في اللغة، في الشكل، في بلد الإقامة، في مستوى التعليم في
ما يفرقهم أكثر بكثير مما يجمعهم ولكن ما يجمعهم أهم بكثير مما
يفرقهم ألا وهو الشغف بحب السيرك وبأداء فنون أدائية جديدة ومبتكرة
تندرج تحت فن السيرك.
ثم كان التحريض أيضاً من خلال أبطال العمل فيقول أحد أبطال العمل
ما دفعه لابتكار فقرة أدائية جديدة وهي فقرة الرقص داخل العجلة، هو
حلمه بالطيران، وأكد على أن الإنسان من الممكن أن يحقق حلمه عبر
صور مختلفة عن الصور والأشكال التقليدية فهو يشعر وهو يؤدي فقرته
داخل العجلة بأنه يطير. وقال أيضاً بأن شغف الإنسان بما يفعل يجعله
يتغلب على أي صعوبات من الممكن أن تواجهه أثناء تحقيق حلمه.
وظف المخرج المكسيكي هوراسيو أكالا كل عناصر الوسيط السينمائي
لإضفاء روح مختلفة على عمله المختلف فنجده وبمساعدة مدير التصوير
بالطبع يستغلون عنصر الإضاءة استغلالا ماهراً من خلال الحكايا ومن
خلال تكوينات المخرج البصرية التي أعدها المخرج ببراعة كما لو أنه
يعدها لفيلم روائي وليس وثائقيا، وبتضافر هذه العناصر وغيرها
استطاع المخرج أن يجعل من فيلمه فيلماً وثائقياَ مختلفاً.
النهاية…. البداية
في نهاية الفيلم ومع تضافر خيوط الفيلم، من خلال وضوح حكاية كل بطل
من أبطال الفيلم، خاصة بعد الصعوبات التي مر بها كل منهم خلال
مشواره لتحقيق حلم نكتشف أنها ليست إلا البداية، بداية من تعرضوا
لإصابات بالغة منها ما هي في العمود الفقري كانت كفيلة بإقعادهم
مدى حياتهم ومنعهم من العمل مرة أخرى، وكيف أن إصرارهم على العمل
والنجاح كان كفيلاً بتذليل معوقات بدنية وحركية.
التواصل الإنساني…. يشعر المشاهد بأهمية القدرة على التواصل
الإنساني من جديد، رغم الصعاب الحياتية من خلال الحياة اليومية،
فهي قيمة ضرورية ليس فقط لنجاح فرق الأداء داخل السيرك، ولكن لنجاح
أي فريق عمل في أي مجال، فحين فقد لاعب السيرك لحظة التواصل
الإنساني التي تجمعه بشريكه سقط شريكه وتعرض لحادث مؤلم، وحينما
استطاعا التغلب على ذلك الفقد استطاعوا أن يستعيدوا لحظة التواصل
مرة أخرى كبداية جديدة.
الثقة…نجد الفتاة التي تذكر لشريكها بالفقرة الأدائية أنها لولاه
لما فعلت ما تفعله، لما امتلكت لا الجرأة ولا الشجاعة للقيام بمثل
تلك الحركات أو الفقرة كلها، كدليل على أن الثقة في العمل بين
العاملين شرط أساسي لنجاح أي عمل، فهي لا تأمن لا على جسدها ولا
على شكل أدائها مع أحداً غيره كدليل أيضاً على مدى التناغم
والتوافق الذي وصلا إليه كشريكين.
وأخيراً فاقد الشيء من الممكن أن يعطيه… ففي حكاية الشاب الفلسطيني
الذي افتقد لمدرسة أو مؤسسة يتعلم من خلالها فنون السيرك، خاصة بعد
تعرضه لإصابة شديدة بعموده الفقري، نجده ليس فقط يتعلم فنون السيرك
رغم إصابته، ولكنه يعود لوطنه بل ويجوب العالم لتعليم ذوي
الاحتياجات الخاصة الذين يحلمون بتعلم وممارسة فنون السيرك الذين
لا تتاح لهم تلك الفرصة، فيقوم بتدريبهم ومعاونتهم على تحقيق حلمهم
ليغير من مفهوم فن السيرك ليس فقط في وطنه، ولكن بشكل عام أن من حق
أي شخص يريد أن يتعلم أو يُتقن أي شيء أن يجد نافذة ولو صغيرة
تعينه على تحقيق حلمه وشغفه. لينتهي الفيلم بسؤال تحريضي للمشاهد
على اكتشاف شغفه بالحياة «هذه هي قصة حياتي فما هي قصتك؟
*ناقدة مصرية
الفيلم الاسرائيلي «أصوات بلا رقابة»:
السلطة مفسدة في إسرائيل والبلاد العربية
حسام عاصي - لوس أنجليس – «القدس العربي»
في غياب للأفلام التسجيلية العربية التي كانت عادة تسلط الضوء على
صراعات الشرق الاوسط ومشاكله السياسية والاجتماعية الشائكة، توجهت
الانظار في مهرجان «صندانس» هذا العام الى الفيلم التسجيلي
الاسرائيلي «أصوات بلا رقابة»، الذي يكشف عن جرائم بشعة ارتكبها
جنود الجيش الاسرائيلي خلال حرب الايام الستة عام 1969 التي انتهت
باحتلال اسرائيل للقدس، والضفة الغربية، وغزة، وسيناء والجولان، من
خلال اعترافات ادلى بها بعض الجنود من الكيبوتسات الاسرائيلية في
لقاءات مع زملائهم – منهم المؤلف المشهور عاموس عوس- بعد 10 أيام
من انتهاء الحرب. وهذه المرة الاولى التي سمح فيها الجيش
الاسرائيلي بنشر هذه اللقاءات.
بينما كان الغرب يمجد بطولاتهم ويمدحهم على دحر الجيوش العربية
«الهمجية» بسرعة هائلة، كان الجنود الاسرائيليون مشغولين بقتل
الاسرى والمدنيين المصريين والفلسطينيين والسوريين وتشريد أهالي
قرى في الجولان وسيناء والضفة الغربية من ديارهم.
وقال الجنود إنهم تلقوا أوامر بان لا يرحموا أحدا وأن يقتلوا أكبر
عدد من العرب. ولهذا اطلقوا النار على كل من تحرك إن كان جنديا أو
مدنيا. «كنا نشاهد الناس يمشون في مدن في سيناء ونطلق عليهم النار.
نراهم يسقطون على الارض ولكن لم يهربوا. فكنا نقتلهم كلهم ولم نشعر
شيئا تجاههم»، يقول أحد الجنود.
وكانت الصدمة الاولى لهم عندما واجهوا الاسرى المصريين. «كانوا
يتوسلون بنا ويقبلون اقدامنا لاعطائهم الماء. لم يكونوا متوحشين،
كما كنا نتخيلهم. وهنا شعرت بالإثم على ما ارتكبناه من قتل. ولكن
في الوقت نفسه كنت اأدرك أنه لو نحن كنا المهزومين لفعلوا بنا ما
نفعل بهم. لا أريد هذه الحرب المقرفة». وكشف الجندي أنه تم نقل
جنود أسرى مصريين الى مناطق معزولة في سيناء، حيث أجبروا على حفر
قبورهم قبل إعدامهم ودفنهم.
وقال أحد الجنود إن فئة من القوات الخاصة أوقفت قافلة قرويين من
الجولان متجهة الى سوريا واعدموا كل الرجال تاركين النساء والاطفال
مع الأغنام والعتاد. اما في الضفة الغربية فكانوا يطلقون النار على
كل من يظهر وراء شباك أو على سطح بيته. «قلت فى نفسي «إنهم مدنيون
– هل يجب أن نقتلهم أم لا؟ ثم استطرد.. إننى حتى لم أفكر في ذلك.
فقط أقتل! أقتل كل شخص تراه عيناك».
وقارن الجنود تصرفهم بتصرف النازيين، مشبها الضحايا العرب باليهود
الذين كانوا يُقادون الى الموت في المحارق». نحن لسنا قتلة. ولكن
في الحرب، أصبحنا جميعا قتلة»، اضاف الجندي. ولكن عندما طلبت من
مخرجة الفيلم، مور لوشاي، أن تعلق على ذلك، في لقاء أجريته معها
هنا في «صندانس»، ردت غاضبة. «لا يجوز أن تقارن جنودنا بالنازيين.
لأن جنودنا يشعرون بألم الجانب الآخر. هم ذكروا النازيين لانهم
عانوا من بشاعتهم». حقا أن الإسرائيليين حساسون تجاه المحرقة
والنازيين. ولكنها أيضا لم توافق على مقارنة جرائم الجيش
الاسرائيلي بجرائم «داعش»، رغم أن الجنود اعترفوا بقتل المدنيين
والأسرى. «يجب أن تعلم أن جنودنا لم يكن لديهم خيار وكانوا يدافعون
عن وطنهم من الجيوش العربية»، تقول لوشاي.
غريب أن الاسرائيليين دائما يبررون قتلهم العشوائي المتعمد
للأبرياء بالدفاع عن النفس، كما فعلوا مؤخرا في غزة. وتؤكد لوشاي
أن الفيلم موجه للشعب الاسرائيلي وليس للرأي العام العالمي، رافضة
أي شجب لاسرائيل. «الحرب والاحتلال يفسدا روح الإنسان، ولكن هذا
الفيلم ليس عن جرائم حرب. هذا فيلم عن جنود تكهنوا بعواقب تلك
الحرب، التي ما زلنا نعاني منها حتى اليوم، وعلى المجتمع
الاسرائيلي أن يستمع لما يقولونه ويشعر بألم الشعب الفلسطيني من
اجل خلق واقع جديد يمهد الطريق لوقف سفك الدماء لكي نعيش بسلام.»
من السذاجة أن يظن أحد أن هذا الفيلم سوف يؤثر على عقلية
الإسرائيليين او يخفف من كراهيتهم للعرب، اذ فضحت عدة أفلام
إسرائيلية سابقة جرائم الدولة العبرية ولن تحرك ساكنا عندهم. عادة
هذه الأفلام لا تجد إقبالا جماهيريا وتقتصر مشاهدتها على
اليساريين، الذين انكمشوا في السنوات الأخيرة الى نسبة ضئيلة من
المجتمع الاسرائيلي. والجيش الإسرائيلي ما زال يرتكب جرائم أشد
بشاعة من سابقها. «لو غيرنا عقلية شخص واحد فقط، فهذا يكون نجاحا.
التغيير يأتي على مراحل وعلينا أن نستمر بتوعية المجتمع الاسرائيلي
حتى نحقق السلام»، تقول لوشاي.
الحقيقة هي أن الإسرائيليين لا يختلفون عن غيرهم من البشر في
ارتكاب جرائم حرب ضد ضحاياهم. فالسلطات العربية ترتكب جرائم قتل
وتشريد وتعذيب ضد شعوبها لا تقل بشاعة. وهذا الموضوع كان محور
فيلمين آخرين في المهرجان وهما «المختَبِر» و»اختبار سجن ستانفورد»
اللذين يتناولان تأثير السلطة على عقلية الإنسان وتصرفه.
فيلم «المختَبِر» يسرد قصة عالم نفس يهودي من جامعة ييل الامريكية،
ستانلي ميلغرام، الذي قام باختبار في بداية السيتينيات لكي يرد على
السؤال: هل كان الجنود النازيون الذين نفذوا الهولوكوست شركاء في
الجريمة؟
يشارك في اختبار ميلغرام ثلاثة مشتركين: المشرف (السلطة) والمشترك
(المعلم) والممثل (التلميذ). المعلم يعاقب التلميذ، الذي يجلس في
غرفة اخرى، بصعقات كهربائية كلما اخطأ في رده على سؤال. الصعقات
تزداد شدتها تدريجيا الى 450 فولت (وهذه الصعقة القاتلة) حتى يرد
التلميذ بالجواب الصحيح.
المشرف يلح على المشترك للاستمرار في أداء دوره في الاختبار، رغم
صراخ الممثل، الذي يدعى بأنه مريض بالقلب، وتوسله بالرحمة عليه.
المدهش هو أن 65 ٪ من المشاركين استمروا بمعاقبة التلميذ حتى صعقة
الموت (450 فولت)، رغم أنهم عبروا عن اشمئزازهم من الأمر. ولم
يتوقف أي مشارك قبل مستوى صعقة الـ 300 فولت (وهي مؤلمة جدا). كما
لم يقم أحد منهم بمغادرة الغرفة للتحقق من سلامة التلميذ.
نتائج الاختبار كانت متشابهه في مختلف بقاع العالم بغض النظر عن
دين وجنس وعرق المشارك. هذه النتائج ترجح أن الطبيعة البشرية غير
جديرة بالاعتماد عليها لتبعد الإنسان عن القسوة والمعاملة اللا
أخلاقية، عندما تتلقى الأوامر من قبل سلطة فاسدة. نسبة كبيرة من
الناس مستعدون لتنفيذ اوامر السلطة الشرعية حتى لو كانت تتناقض مع
مبادئهم وترفضها ضمائرهم. نتائج مشابهة نشاهدها في فيلم «اختبار
سجن ستانفور» الذي يجسد دراسة نفسية قام بها فريق من الباحثين
يقوده فيليب زيمباردو من جامعة ستانفورد. ويشترك في الاختبار 24
طالبا متطوعا، 12 منهم مساجين و12 حراس في قبو في الجامعة يحاكي
السجن تماما.
الحراس ارتدوا ملابس عسكرية وتسلموا عصي شرطة وزُودوا بنظارات
عاكسة لتجنب التواصل مع المساجين الذين كانوا يلبسون رداء فضفاضا
من دون ملابس داخلية وصنادل مطاطية، ويعتمرون قبعات ضيقة من
النايلون ليبدوا محلوقي الرأس وخُيطت ارقام على ملابسهم عوضا عن
اسمائهم.
نتائج الاختبار كانت مذهلة اذ تعامل الحراس، الذين مُنحوا السلطة
المطلقة، بتعسف وبشاعة تجاه المساجين من اليوم الاول. وعندما حاول
المساجين التمرد، اشتدت ممارسات الحراس السادية والمهينة ضدهم مثل
منعهم من دخول الحمامات واجبارهم على تنظيف المراحيض بأيديهم
المجردة واجبارهم على النوم عراة بعد اخراج فراشهم من الزنزانة
وحرمانهم من الطعام والتحرش بهم جنسيا. وكان استجاب السجناء بأحدى
ثلاث طرق: أما المقاومة، أو الإنهيار أو الرضوخ والطاعة. وتم ايقاف
التجربة بعد 6 أيام بسب تفاقم الامور.
وفي نهاية الفيلم يسأل أحد المساجين حارسا: «لماذا تصرفت بتلك
القذارة؟». فرد عليه: «أنا كنت اقوم بدوري واردت أن اجرب اشياء
تمنحني اياها السلطة، لا يمكنني أن أفعلها في حياتي العادية. أنا
متأكد بانك كنت تتصرف كذلك لو سنحت لك الفرصة. السلطة تغيرك». وهذا
ما أكده علماء النفس: سلوك الشخص تتغير حسب المحيط والبيئة التي
يكون فيها. المثير هو أن الجندي الاسرائيلي ذكر في «أصوات بلا
رقابة» أن السلطة التي منحته اياها الحرب على ضحاياه العرب كانت
مصدر متعة وقوة هائلة مكنته من التعسف تجاههم واذلالهم كما يشاء.
واستغرب ان ضحاياه كانوا يطيعون اوامره بدون اي مقاومة او تحد،
مثلما كان اليهود يرضخون لأوامر النازييين. هذا الجندي الاسرائيلي
كان في بداية العشرينات من عمره مثل الطلاب المتطوعين في اختبار
سجن ستانفور. فهل هو مجرم أم انه ضحية لغريزتة او أنه مطاوع يلبي
اوامر قادته؟ وهل هناك فرق بينه وبين الجندي النازي او عنصر «داعش»
او الجندي السوري الذي يقتل ابناء بلده ويغتصب بناته ويدمر مدنه؟
twitter@husamasi
توماس باكلز: فيلم «زوجة فرعون» عاد للحياة من لا شيء وجمعناه من
روسيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا
رانيا يوسف: الأقصر – «القدس العربي»
أقام مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية لقاء مفتوحا بين
توماس باكلز، المشرف على ترميم الفيلم الألماني الصامت «زوجة
فرعون» وجمهور الأقصر أعقبه إعادة عرض للفيلم الذى افتتح الدورة
الثالثة للمهرجان.
قال توماس إنه كان من المهم أن يعرف المشاهدون كيف تم ترميم هذا
العمل وإعادته للحياة من لا شيء، مشيرًا إلى أنه بالرغم من
التعليقات الجيدة التي تلقاها عن الفيلم، إلا أن النسخة المعروضة
حاليًا ليست كاملة، وذلك لأن الفيلم تم فقده لمدة 60 عامًا، وهو ما
جعل تجميعه مرة أخرى يأخذ وقتًا كبيرًا.
وأضاف باكلز أنه أثناء البحث عن أجزاء الفيلم وجد منها 60 % في
روسيا وكان يحمل الترجمة الروسية، ويعتبر هذا الجزء هو الأكبر من
الفيلم الذي تم إيجاده في بلد واحد.
وقال باكلز إلى أنه بالرغم من الوصول إلى السيناريو الخاص بالفيلم،
إلا انه عند مطابقته مع المادة الفيلمية التي عُثر عليها، وجدوا أن
هناك جزءا كبيرا لم يكن موجودا في النسخة الروسية، ومع استمرار
البحث وجدوا جزءا كبيرا منها في النسخة الموجودة في إيطاليا.
وأضاف «الجزء الموجود في إيطاليا كان حوالي 35 دقيقة، وكان في
حيازه شركة كوداك التي تحتفظ به في الأرشيف الخاص بها، ورفضت
الشركة التعامل مع الأرشيف الألماني المسؤول عن الترميم.
وقالت إنها ستتولى مهمة الترميم وتكمل الفيلم بنفسها، وفي محاولة
شخصية مني حاولت مع كوداك لإقناعهم بأن يعطونا الجزء الموجود
لديهم، وأننا سنحافظ عليها، وأن كل هدفنا هو خروج الفيلم مرة أخرى
للنور بصورة جيدة، وبالفعل أقنعتهم ونجحت في الحصول على الجزء
الإيطالي».
ومع تجميع الجزء الإيطالي مع الجزء الروسي أشار توماس أنه وجد هناك
ترابطا بين الجزأين، وعند مطابقتهما سويًا وجد أن هناك مشاهد تكمل
الأخرى بينهما، وأضاف عليها بعد ذلك الجزء الموجود في باريس، والذي
كان عبارة عن 3 دقائق، وجزء آخر صغير في سينما في ألمانيا، وعندما
جمع تلك الأجزاء كان الفيلم بدون صوت، حيث أن السينما في ذلك الوقت
لم يكن دخل عليها الصوت.
وأشار باكلز أن الفيلم لم يكن له صوت حتى عام 2011 وكان حتى ذلك
الحين يتبع السينما الصامتة، ومنذ ذلك الوقت بدأنا العمل على الصوت
الخاص به، ولجأنا إلى المقطوعة الموسيقية التي وزعها ادوارد كونكي للفيلم
عند صنعه عام 1922، وقمنا بعزفها لأول مرة.
واستطرد المسؤول عن ترميم الفيلم الألماني حديثه قائلًا «واجهتنا
مشكلة أخرى بعد الجمع وهي أن الثقوب الموجودة على جانبي النيغاتيف
حول الصورة في بعض الأماكن لم تكن موجودة، وهو ما صعب عملية النقل
للديجيتال، حيث كانت المدة الخالية من الثقوب 20 دقيقة، ولكن قمنا
بعمل العديد من المحاولات لتسهيل عملية النقل».
وأكد باكلز على أن الفريق كان يسعى إلى ترميم الفيلم بشكل سليم
فقام الفريق بترقيم المشاهد وتم عمل لها عملية المسح الضوئي
لتحويلها إلى الديجيتال، وتمت المعالجة بنجاح. |