العندليب 2015.. باي باي يا جدو
العندليب الأسمر ليس مجرد مطرب في تاريخ مصر ولكنه حالة اجتماعية
لا تتكرر في تاريخ الأمم كثيرًا.. فهو صوت الحب لطبقة لم تكن تحلم
بالزواج إلا من خلال الصالونات وهو صوت الثورة التي جعلت الفلاح
والعامل المصريين يأملان في غد أفضل.
العندليب هو النموذج الذي دفع الشباب للعمل من أجل الانعتاق من
اليتم والفقر كما حدث معه.
عبد الحليم حافظ هو ذلك المطرب الذي منح المرأة والفتاة المصرية
مكانة لم تكن تعلم أنها تستحقها حين غنى لها جبار، وهي في قمة
ضعفها الاجتماعي وغنى لها ظلموه بينما تعيش في موقع المظلوم دائما..
حليم الذي كان مطربا وتحول إلى رمز.. هل يعيش بيننا طيفه كما كان؟
أم أن التحولات الاجتماعية والاقتصادية والأجيال الجديدة بكل
أحلامها تراه بشكل آخر؟
عبد الحليم لما يحبني
نغم علام
حليم حليم بأسلوبه الرقيق، وعينيه الدامعتان، صوته الهادئ الذي
يجتاحه الألم، وشخصيته الحالمة إلى ما لا نهاية.. حليم الأسمر ذي
الملامح الريفية التي تتخفي خلف ابتسامة عذبة في الكبر وحائرة مع
ثقة خفية وتحد في بدايات الشباب.. حليم.. هل هو فتى أحلامي؟
وسط حياة سريعة ومجتمع غلب عليه التعقيد، ووسط زحام التكنولوجيا
والتطور هل يوجد مكان له من الأصل؟
حليم.. حاولت أن أتخيل أنه أحبني بكل تفاصيل شخصيته الساحرة ماذا
أفعل؟
فكرت كثيراً و تخيلت تلك العلاقة بكل تفاصيلها
من "تسبيل،
نحنحة،
ملل
غيرة لأتفه الأسباب
حب حالم،
وخيالي،
حياة بطيئة " لا تصلح لي في الغالب،
وتوصلت الى أنني سوف أعطف عليه، ولكنى أدركت حقاً أن حليم ليس له
مكان في مجتمعنا. خطرت على ذهني بعض المواقف المضحكة مثل:
"حليم
بعتلي ماسج عالواتس"
فمقارنةً بالتليفون القديم و مكالمة نص الليل بعد أن ينام والدي
حتى لا يكتشف سر هذا الحب،
وفي المقابل رأيت سهولة الحياة الحالية عندما يمكنه أن يعبر لي عن
حبه و سيصل لي في أي لحظة و كل هذا في أقل من نصف دقيقة فحليم ما
زال ليس له مكان بيننا.
ففي النهاية أود أن أوضح أنني لا أسخر من شخصية حليم و لكن فقط نحن
نضع محاكاة بسيطة لحياة حليم في 2015 بمناسبة ذكراه، رحم الله عبد
الحليم حافظ و عاش لنا فنه. فهل عبد الحليم يمكن أن يكون فتى
أحلامك في 2015 ؟!.
على قد الشوق اللي في عيوني يا حليم.. ح أتكلم
كرمة أيمن
حليم.. دنجوان فتيات الستينيات والسبعينيات.. أسرهم بحنية ودفاء
صوته ورومانسيته.. وتحول إلى رمز الحب بالنسبة لهم.
كل فتاة كانت تحلم برجل مثل عبد الحليم حافظ.. بشخصيته وأدواره
التي يؤديها في الأفلام.. الرجل العاشق المحافظ على العادات
والتقاليد، والصح والغلط، الرجل الذي يعشق ويدافع عن حبه.
عبد الحليم بالنسبة لهن فارس الأحلام، الذي يفعل أي شيء يخطر على
باله ليفوز بقلب حبيبته، فلا مانع لديه أن يذهب إلى المكان الذي
تسكن فيه فقط ليراها تنظر له من البلكونة.
ليس هذا فحسب، بل سحر صوته واستخدامه للتعبير عن حبه، جعله يسكن
القلوب ويجعلها تذوب امام عذوبة صوته ورقته، هذا غير كلمات أغانيه
التي انتقاها بعناية.
"الحلوة
الحلوة الحلوة.. برموشها السودة الحلوة.. شغلتني نادتني خدتني..
ودتني بعيد وجابتني.. والشوق الشوق غلبني.. الشوق كان ح يدوبني..
لولا ضحكتها الحلوة.. وعدتني بحاجات حلوة".
عبد الحليم الخالد في القلوب.. هل ما زال فارس أحلام الفتيات 2015.
بعد مرور تلك الأعوام.. ما زال فتيات 2015 يستمعن لأغاني العندليب،
ويسرحن مع صوته في ملكوت العشق والحب.
ويطرن مع أغانيه في سماء الحب السابعة، فدفء صوته وحنانه قادران
على إشعال نار الحب في أي زمان ومكان.
لكن.. يبقى السؤال.. مع كل هذا الحب المتدفق من إحساس العندليب..
هل ما زال الدنجوان الذي تتمنى الفتاة أن تكمل معه حياتها.
في 2015، منظور كل شيء اختلف كثير، في هذا الزمن الذي بات كل شيء
إلى زوال، وخاصة القيم والعادات، تبحث الفتاة عن رجل بمعنى الكلمة.
من أغنية "الحلوة" يبدأ الحديث.. أمثل تلك الشخصية أريد؟.. هل أنا
من سيناديه؟ وأوعده بالحاجات الحلوة؟..
أنا أحتاج لمن يناديني ويعدني بالأمان والحب والحنان، لمن أجد معه
ما حلمت به طيلة عمري، رجل يدافع عني مهما حدث ولا يتخلى عني، قادر
على الحوار ولا يتسرع في الحكم علي، ولا يكون "جبار" في تصرفاته.
ففي أغلب الشخصيات التي قدمها حليم رأيناه يتخلى عن حبيبته ويستسلم
للأوضاع التي تفرض عليه، ويتسرع في حكمه، لا مجال للحوار، وفي أغلب
الأوقات يسعى للانتقام.
وعلى الرغم من أن العندليب لم يستطع أن يحتل مكانته في قلوب بنات
2015، كما حدث في الماضي عندما انتحرت الفتيات حزنًا على موته..
لكنه سيظل رمز الحب.. والصوت الدافئ.. مهما مر الزمان.
بلاش عتاب يا حليم.. لو سمحت
آية فتحي
يفصلني عن وفاة عبد الحليم حافظ، ما يقرب من ضعف عمري، لكن أغانيه
التي ملأت بها "كارت الميموري" الخاص بهاتفي المحمول، جعلت منه
صديقًا لي في كثير من الأوقات، إحساسه نجح بتقدير ممتاز أن يقحمني
في كل حالات أغانيه، سواء كانت شجنا، عشقا، فرحا، أو غناء وطنيا.
فأنا أدين لعبدالحليم بالفضل في إخراجي من لحظات الكآبة والتي
كثيرًا ما تصيبني - حسب وصف صديقة لي بأني "عيلة كئيبة ونكدية"-
وعندما كنت أقلب في قائمة الأغاني على هاتفي الخاص، وفاجأني طلبه
قائلًا: "أي دمعة حزن ﻻ ﻻ"، وكذلك حالة الحماسة التي أصابتني عند
مقطع "وﻻ هرضى أبات مغلوب".. في أغنية "على حسب وداد قلبي".
وفي أوقات أخرى كنت أشتهي قتله، عندما يصرخ بصوته الذي يروق لي في
كل أحواله "فطريقك مسدود مسدود يا ولدي"، لماذا يا حليم؟ لماذا
تطرق بتلك القوة على لحظة الإحباط التي أمر بها؟ أعلم أنها كلمات
يحمل معناها بطن الشاعر نزار قباني مؤلف القصيدة، ولكن حليم جسدها
بصوته في أسلوب وﻻ أروع، كما كنت أبحث بين جيراني عن أحدهم، أفقده
لأغني له كما غنى هو "خسارة خسارة فراقك يا جارة.. عنيا بتبكي
عليكي بمرارة”، لكني فشلت في العثور عليه بين جيراني.
أتخيل عبد الحليم يُحيي حفلة ختام المؤتمر الاقتصادي في 2015،
ويشدو قائلاً: "عدّى النهار، والمغربية جايّة تتخفّى ورا ضهر
الشجر”، ثم يتراشق بأبشع الألفاظ من جانب معارضي النظام، ويحمل على
الأكتاف من قبل مؤيدي النظام مع ترديد عبارات "تحيا مصر"، وأتخيله
أيضًا وهو يطبطب على قلوب أمهات الشهداء في عيد الأم قائلًا: "لو
مت يا أمي ما تبكيش، راح أموت علشان بلدي تعيش”.
وأنا في عام 2015 يثير دهشتي خبر انتحار شابة حزنًا على وفاة عبد
الحليم، لن أتقمص شخصية مفتى الديار ﻷجزم أنها قليلة الإيمان بربها
وأنها كافرة كما تردد حول وفاتها، ولكنه حقًا خبر غريب، فهل يستحق
عبد الحليم أو غيره أن ينهي أي إنسان حياته بسببه؟
لا أعلم ملابسات الانتحار لكني أراها ”أفورة" بلغة فتايات جيلي،
فلا أتصور أن تنتحر "عاشقة تمورة" التي تصرخ في كل حفلاته بأنها
"بتمووووت فيه"، فجيلنا يعي جيدًا أن العمر ليس هينًا، ونوفر هذا
العمر كي ينتهي بالمظاهرات التي تطالب بالحرية، ومن ينتحر فيقدم
على تلك الخطوة بعد أن تضيق به الأرض بما رحبت سواء بعد مروره
بأزمة اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، و"بلاش عتاب يا حليم" جيلنا
لن ينتحر بسببك، حتى وإن كان يعشقك.
لا أمتلك باعا في مجال التوزيع الموسيقي أو النقد الفني، كي أجزم
أن صوت عبد الحليم أقوى وأفضل صوت بالعالم، أو العكس كما وصفه
البعض بأنه أخذ أكثر من حقه في الشهرة بسبب الكلمات التي كان يجيد
اختيارها، والألحان التي كانت تزيد على جمال الكلمات جمال، كل ما
أستطيع أن أجزم به هو أنه شخص ناجح، وأنا أعشق الناجحين، فرحمة
الله عليه كإنسان وأمد الله في عمر فنه.
عبد الحليم.. نصير الفقر
عربي السيد
العندليب.. كروان من زمن "فات وحاضر وقادم"، لم يختلف اثنان
على جمال صوته وعذوبة أغانيه، بمجرد سماع صوته تشعر بالراحة
النفسية، فهو رفيق "العشاق والمجروحين"، هو أسطورة لن تعوض مرة
أخرى نجم جميع الأجيال.
عشق الغناء وعشقه الغناء، فلم يترك مناسبة إلا وكان متواجدا فيها
ففي لحظات الفرح قدم أغنية "وحياة قلبي وأفراحه" وفى الاحتفال بعيد
الميلاد ترك أغنية "عقبالك يوم ميلادك"، وفي اللوم والعتاب
غنى "بلاش عتاب"، وفي وقت المعركة غنى "خلي السلاح صاحي"، ووقت
الهزيمة "عدى النهار"..
رافق صوت العندليب مرحلة المراهقة والشباب لأغلب الأجيال التي ولدت
بعد امتداد شهرته من المحبط إلى الخليج، فكان صاحب البصمة
الأولى في وجدان الجميع شبابا وشابات وقد نشر ما يشبه الثقافة
العاطفية لدى الجميع حتى أن المشهد الشهير له في فيلم الوسادة
الخالية مع لبني عبد العزيز حين يتحدثان تليفونيا بينما الجميع
نيام ويرفض كل منهما إغلاق سماعة التليفون حتي يغلقها الآخر – هذا
المشهد – قد يكون تكرر في التاريخ الاجتماعي لمصر بعدد أجهزة
التليفون وعدد الشباب والشابات بل إنه في بعض المراحل كان من
الممكن الحديث ببساطة عن استنساخ شعر حليم وسلوكه العاطفي في أغلب
شباب مصر.
لذلك من الصعب التعامل مع العندليب الأسمر على أنه مجرد مطرب، فقد
تجاوز ذلك إلى حالة مجتمعية دائمة التكرار عبر الأجيال المتعاقبة ,
لكن هذه الحالة ظلت تتحرك من المدينة إلى الريف عبر سنوات طوال منذ
رحيله إلى أن استقرت في أقصى مناطق الريف إيذانا برحيل نهائي بعد
انتشار الأغنية الشبابية في التسعينيات من القرن الماضي.
ومع التطور الموسيقي والانفتاح على العالم عبر شبكة الإنترنت يبدو
عبد الحليم محاصرا في زاوية التقليدي رغم كونه صاحب الريادة في
الأغنية المصورة وصاحب البصمة الكبرى في تطوير الأداء الغنائي، بل
ومن الإنصاف القول إن الظواهر المرتبطة بالغناء الحديث ينتمي
معظمها إليه.
عاش عبد الحليم علي إسماعيل شبانة الفقر والحاجة في طفولته وبدايات
شبابه ودفع به النجاح والشهرة إلى الثراء لكن حياة الفقر، انعكست
على أعماله، فقدم عبدالحليم 16 عملًا سينمائيًا ركز في أغلبها علي
الشاب الفقير النبيل الطموح والذي يملك موهبة خاصة تميزه عن غيره
ومن ثم تدفعه هذه الموهبة إلى النجاح والأفلام هي: "لحن الوفاء،
أيامنا الحلوة، ليالي الحب، أيام وليالي، موعد غرام، دليلة، بنات
اليوم، الوسادة الخالية، شارع الحب، فتى أحلامي، حكاية حب، البنات
والصيف، يوم من عمرى، الخطايا، معبودة الجماهير، أبي فوق الشجرة".
انشغل "العندليب" دائمًا بعشاقه، فبالرغم من مرضه إلا أنه كان يحب
الظهور في صورة حسنة أمامهم، أحب "السندريلا" وتزوجها عرفيًا خلال
رحلة إلى المغرب، وكان ينوي أن يعقد زفافه عليها ولكن بشرط واضح أن
تعتزل الفن، الأمر الذى رفضته وانتهت علاقتها به.
ولد "عبد الحليم" في قرية الحلوات التابعة لمركز الإبراهيمية
محافظة الشرقية، وهو الابن الأصغر بين أربعة إخوة هم "إسماعيل
ومحمد وعلية"، توفيت والدته بعد ولادته بأيام وقبل أن يتم عبد
الحليم عامه الأول توفي والده ليعيش اليتم من جهة الأب كما عاشه من
جهة الأم من قبل، ليعيش بعدها في بيت خاله الحاج "متولي عماشة".
كان يلعب مع أولاد عمه في ترعة القرية، ومنها انتقل إليه مرض
البلهارسيا الذي دمر حياته، ولقد قال مرة أنا "ابن القدر"، وقد
أجرى خلال حياته 61 عملية جراحية.
بدأ عبد الحليم مشواره الفني عام 1951 بعد أن غني قصيدة "لقاء" من
كلمات الشاعر صلاح عبدالصبور وألحان كمال الطويل في الإذاعة
المصرية، وبعدها قدم أغنية "صافيني مرة" في الإسكندرية ولكنها كانت
صدمة له بعد أن رفضها الجمهور وقذفه بالطماطم والبيض الفاسد
لاعتراضهم عليه، ولكن الأمل كان سمة يتسم بها فظل متمسكًا بتقديم
هذا اللون من الغناء وقدم نفس الأغنية مرة أخرى في نفس العام
بحديقة الأندلس بالقاهرة ونالت إعجاب الجمهور.
التحق بمعهد الموسيقى العربية قسم التلحين عام 1943 حين التقى
بالفنان كمال الطويل حيث كان عبد الحليم طالبا في قسم تلحين، وكمال
في قسم الغناء والأصوات، وقد درسا معا في المعهد حتى تخرجهما عام
1948
ورشح للسفر في بعثة حكومية إلى الخارج لكنه ألغى سفره وعمل 4 سنوات
مدرساً للموسيقى بطنطا ثم الزقازيق وأخيرا بالقاهرة، ثم قدم
استقالته من التدريس والتحق بعدها بفرقه الإذاعة الموسيقية عازفا
على آلة الأبواه عام1950.
قدم عبد الحليم أكثر من مائتين وثلاثين أغنية، امتازت بالصدق،
والإحساس، والعاطفة. وقد جمع مجدي العمروسي صديقه، أغانيه في كتاب
أطلق عليه " كراسة الحب والوطنية.. السجل الكامل لكل ما غناه
العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ"، تضمنت غالبية ما غنى عبد الحليم
حافظ. |