القبس في
مهرجان «كان» 61
في حفل
توزيع الجوائز.. انتصار لسينما
الواقع وهموم الناس
كان (فرنسا) ــ
صلاح هاشم
كاد شون
بن الممثل والمخرج الاميركي رئيس لجنة التحكيم في مهرجان
«كان»
الـ61 يبكي من فرط تأثره، وهو يعلن عن فوز الفيلم الفرنسي «بين الجدران»
ENTRE LES MURS
بجائزة السعفة الذهبية، وهو يرى فرحة مخرج الفيلم لوران كانتيه
والتلاميذ من الهواة الذين شاركوا في تمثيله ومجموعة طاقمه
الفني، يقفزون ويتصافحون
ويتعانقون ويهنئون بعضهم البعض، فأخيرا وبعد مرور 21 سنة، تمنح الجائزة
لفيلم ينتمي
الى الدولة المضيفة للمهرجان، أي لفرنسا، وكانت آخر مرة يفوز فيها فيلم
فرنسي بتلك
الجائزة «السعفة الذهبية» في المهرجان، فيلم «تحت سماء
الشيطان» للفرنسي موريس
بيالام منذ أكثر من عقدين. وظهر أن لجنة التحكيم برئاسة شون بن، انحازت في
اختياراتها لتوزيع جوائزها الى «سينما الواقع»، التي تحكي الآن عن هموم
الناس،
وتناقضات مجتمعاتنا الإنسانية، وأزماتها ومشاكلها.
الفيلم
الفائز مأخوذ عن
رواية كتبها فرانسوا بيجودو، ويحكي فيها عن ذكرياته خلال
الفترة التي عمل فيها
مدرسا في احدى المدارس الثانوية، قبل ان يتفرغ للتأليف والكتابة، وعن مشاكل
الطلبة
في
تلك المدرسة وفصولها، التي تعكس أيضا هموم ومشاكل واضطرابات «جيل» كامل في
فرنسا
اليوم، وتمنح الفيلم واقعيته ومصداقيته، وتجعله من خلال
«المدرسة»، كصورة مصغرة
للمجتمع الفرنسي الكبير، ابن الحاضر وزمننا الراهن وتشمخ به عاليا، في
مقابل أفلام
«الفارس»
الفكاهية التجارية الفرنسية الهشة، التي توظف فن السينما للتنكيت
والترفيه، ودغدغة المشاعر والعواطف، وعينها على شباك التذاكر، كما في جل
أفلامنا
المصرية، وتنسى الدور التعليمي المهم للسينما، كأداة ــ كما
يقول المخرج والمفكر
السينمائي الفرنسي الكبير جان لوك جودار ــ للتفكير في مشاكل الحاضر.
والجميل
في
الفيلم، ان كاتب الرواية بيجودو جسد بنفسه شخصيته الحقيقية في الفيلم ويمثل
هنا
لأول مرة، والجميل أيضا أن أن تكون البطولة فيه «جماعية»، وأن
يعكس من خلال الكيان
الطلابي الحاضر في الفيلم من خلال تلاميذ الفصل الصغار الهواة «تعددية»
المجتمع
الفرنسي وتناقضاته وتعقيداته، وهو يعلي في الوقت ذاته من قيمة وحضارة العلم
والدراسة والتعليم على المستوى الإنساني العام، من خلال
«النموذج» الذي يطرحه
الفيلم.
دلالات
ومعان
كما تكشف
دلالات ومعاني منح الجائزة لهذا الفيلم،
ومجموعة الأفلام الاخرى التي منحتها اللجنة جوائزها، أن لجنة التحكيم
الموقرة، كانت
تضع عينا على «الواقع» والعين الاخرى على «هموم» الناس في الحاضر. وعندما
نقول
الناس، فنحن نعني الأغلبية الصامتة المسحوقة في العالم التي
تعاني من مشاكل الحروب
والأمراض والمجاعات والاحتباس الحراري والكوارث الطبيعية والتلوث وغلاء
المعيشة
وتدهور العلاج، واتساع الهوة بين الأغنياء المرفهين والفقراء الكادحين،
ومشاكل
تعليم الأولاد وتربيتهم، ومشاكل الفقر وارتفاع الأسعار المخيف،
وهي تتعجب من بقائها
على قيد الحياة كل نهار بأعجوبة.
كما تدل
على أن اللجنة برئاسة شون بن، وعلى
الرغم من
وجود عدد كبير من الأفلام في المسابقة الرسمية التي ضمت 22 فيلما، كانت
على ما يبدو اتفقت في ما بينها على أن تمنح جوائزها فقط للأفلام التي تقدم
انعكاسا
فنيا فريدا وأصيلا لمشاكل «الحاضر»، والحاضر فقط،، على اعتبار
انه قد يكون جميلا
بالفعل، ان تحكي السينما كما في فيلم «تبادل» للامريكي كلينت ايستوود عن
مشاكل
امرأة مع سلطة البوليس، بعد أن فقدت ابنها، غير أن أحداث تلك القصة
الواقعية تقع
عام 1928 في اميركا أي منذ زمن.
والمهم
الآن كما ارتأت اللجنة، لا أن تروي لنا
السينما
حكاية أو قصة وقعت منذ زمن وصارت في ذمة التاريخ، كما في فيلم «فالس مع
بشير» الإسرائيلي مثلا، الذي يحكي عن مذبحة صبرا وشاتيلا التي وقعت منذ
عقدين،
وجعلنا نبكي من فرط التأثر في نهاية الفيلم ولم يفز بشيء، بل
أن تروي لنا قصة هي
بنت «الحاضر» الآن، لكي تقذف بها في وجوهنا، وتقلقنا وتحركنا وتصدمنا.
ومن هنا
ندرك الكيفية التي منحت بها اللجنة جوائزها، و«المعيار» أو «المقياس» الذي
تبنته في
الحكم على الأفلام، فالمهم هنا بالنسبة للجنة ليس الحكاية، بل
«حدثيتها» ان صح
التعبير، وحضورها القوي الراهن المعاصر الذي يفقأ العين، وكأن «رسالة»
الدورة الـ61
كما أرادت اللجنة برئاسة شون أن تنوه، تكمن في أن نفتح أعيننا أكثر على
حاضرنا
الآني الآن، لكي نحدق في مشاكل ومتناقضات واقعنا الإنساني
الراهن، ببؤسه وقبحه
وظلمه، بعنفه وبشاعته، ونتخذ موقفا عاجلا» من قضايا عصرنا، اذ لم يعد هناك
وقت لكي
تكون السينما فيه مجرد «ترفيه» بريء فقط، وترفا لا يقدر عليه سوى ملاك
البيوت التي
تكتظ رعبا، واستعراض عضلات وفذلكات فنية من خلال التلاعب
بالصور والخدع والمؤثرات
البصرية والألعاب النارية المدهشة، بل ينبغي أن تكون «ضرورة» وحاجة، مثل
رغيف
العيش، والهواء الذي نستنشقه، للتفكير في مشاكلنا الحالية، والوعي بأهمية
التغيير.
تكريم
السينما في اميركا اللاتينية
وانطلاقا
من ذاك «المنظور» وزعت
اللجنة برئاسة شون جوائزها، فمنحت جائزة أفضل سيناريو لفيلم
«صمت دارنا» للأخوين
داردين من بلجيكا الذي يحكي عن «واقع» المهاجرين اليوم، من خلال قصة مهاجرة
البانية
تتحايل للبقاء على قيد الحياة في بلجيكا، هربا من حياة الفقر والحاجة في
بلدها بأي
ثمن، حتى لو اضطرها الأمر لارتكاب الجريمة.
وعلى
الرغم من أن الفيلم لا يرقى الى
مستوى فيلميهما الأثيرين «روزيتا» و«الطفل» اللذين حصدا جائزتي
سعفة ذهبية من قبل
في
المهرجان، نعتبر أن منح الأخوين جائزة السيناريو هي بمثابة تكريم لهما على
النهج
السينمائي الواقعي الذي اعتنقاه، ومسيرتهما دوما على ذلك الخط، وتركيزهما
على هموم
الحاضر في بلجيكا، وتعاطفهما مع قضايا الغرباء والهامشيين
المنسيين في المجتمعات
الاوروبية الرأسمالية الاستهلاكية التي لا ترحم، كما في بلدهما.
أفضل
ممثلة
ومنحت
جائزة أفضل ممثلة الى الممثلة ساندرا كورفيلوني من البرازيل التي
لعبت دور الأم «كلوزا» المكافحة في فيلم «خط التمرير» لوالترساليس ودانييلا
توماس،
الأم التي تعاني الأمرين في تربية أبنائها الأربعة، وتشقى كخادمة من أجل أن
توفر
تضمن لهم ظروف العيش الكريم، رغم أحوال وأوحال البؤس والفقر في
مدينة سان باولو في
البرازيل، وأخطار الضياع والإدمان على المخدرات والانحراف التي تترصدهم ككل
أبناء
الطبقات الفقيرة المسحوقة.
ونعتبر
تلك الجائزة أيضا بمثابة تكريم للسينما في
اميركا اللاتينية، وحضورها وتوهجها في كل تظاهرات المهرجان كما نوهنا.
..وأفضل
ممثل
وعلى
الرغم من اننا لم نعجب بفيلم «تشي» للأمريكي ستيفن سودربيرغ الذي يحكي
عن
مسيرة المناضل الطبيب الأرجنتيني تشي جيفارا، واعتبرنا ان الفيلم لم ينجح،
على
الرغم من طوله الذي يتجاوز الأربع ساعات، في ان يقول لنا لماذا
أصبح جيفارا «أسطورة»
في عصرنا، وان الإجابة عن هذا السؤال، لم تكن بحاجة الى فيلم طويل وممل
كهذا الفيلم الذي لا يلمح حتى ولو من بعيد الى تواطؤ المخابرات الاميركية
السي آي
ايه في عملية اغتيال البطل الثوري الشهيد جيفارا على يد العسكر
في بوليفيا، فإننا
اعتبرنا أيضا ان الممثل الاميركي بينيسيو دو لو تورو، تألق وبرز في دور
المناضل
الثوري العظيم، ورشحناه للحصول على جائزة افضل ممثل، وكان يستحقها عن
جدارة.
ونعتبر
أيضا ان منحه تلك الجائزة، هي تحية الى الفيلم وتحية أيضا الى
أصحابه وهدفهم النبيل في تصوير قصة كفاح «أيقونة» من إيقونات النضال ضد
الامبريالية
والاستعمار في عصرنا.
الجائزة
الكبرى
وكان من
الطبيعي أيضا من ذلك المنظور أن
تمنح
اللجنة الجائزة الكبرى للمهرجان لفيلم «غومورا» الايطالي لماتيو جارون،
الذي
نجح في الكشف عن آليات وأساليب هيمنة الكومورا ــ المافيا النابوليتنية ــ
اليوم
على أقدار مدينة، وتحكمها في أهلها، وسيطرتها على الجريمة
المنظمة فيها، واعتبرناه
أحد أهم الأفلام القوية التي بهرتنا في المهرجان، حيث يصدمنا بل يرعبنا
بواقعيته
الدموي.
وكان
موريتزيو بروسي كاتب الرواية الواقعية المأخوذ عنها الفيلم قد حضر
الى المهرجان، وشارك في المؤتمر الصحفي الخاص بالفيلم تحت حراسة مشددة، بعد
ان تلقي
تهديدا بالقتل من عصابات الكومورا. ولا يسير هذا الفيلم
«السياسي» على نهج الأفلام
السياسية الباهرة التي ظهرت في الستينيات في أعمال الايطالي فرانشيسكو روزي
كما في
فيلمه «سلفاتور جوليانو» 1961 مثلا، بل يجدد ايضا في «النوع» ــ أفلام
الجريمة ــ،
ويضيف اليه من عنده، فيزيد من جرعة الواقعية وحدتها وبشاعتها
وعنفها، ولا يحكي قصة
كما في فيلم «الأب الروحي» لكوبولا مثلا، بل يجعنا نحبس أنفاسنا خوفا ورعبا
من هول
ما يحدث في الفيلم وجنونه، الذي انفجر مثل قنبلة في وجوهنا،
ونحن نتابع أحداثه
ونتفرج على مصائر أبطاله في المهرجان.
كما اهتمت
اللجنة بفيلم «الديفو»
الايطالي لباولو سرانتينو ومنحته لجنة التحكيم الخاصة لأنه يحكي عن مصير
رجل سياسة
معمر (70
سنة) من نوع نادر وفريد، وتحكي من خلال احتلاله لأرفع وأخطر المناصب
السياسية في ايطاليا عن تناقضات المجتمع الايطالي وتعقيداته وسلطة المافيا.
أفضل
مخرج
كما استحق
فيلم «3 قرود» للتركي نوري بيلغ شولان الذي يحكي عن انهيار أسرة
بالكامل لعدم قدرتها على مواجهة «الواقع» في تركيا اليوم جائزة أفضل إخراج،
وكنا
أفردنا مقالا كاملا من «كان» للحديث عنه، وعن اسلوبه وموضوعه
وبنيانه، في محاولة
للكشف عن أسرار صنعة الإخراج فيه التي بهرتنا، وهو يستحق تلك الجائزة عن
جدارة،
وكنا رشحناه بقوة للحصول على سعفة الدورة الـ61 الذهبية لجماله وقدرته على
الحكي
بالصمت، وفنه.
جوائز
خاصة
ونالت
الممثلة الفرنسية القديرة كاترين دينوف،
والممثل والمخرج الاميركي الكبير كلينت ايستوود جائزة «كان» الحادي والستين
الخاصة
بمجمل أعمالهما، وكنا نوهنا بدور كاترين في فيلم «حكاية عيد الميلاد»
الفرنسي،
وحضورها الشجاع المؤثر في فيلم «بدي شوف» للثنائي اللبناني
جوانا حاجي وخليل جورجي،
كما ذكرنا إعجابنا الكبير بفيلم ايستوود «تبادل» وصدقت توقعاتنا بحصوله على
جائزة
خاصة في المهرجان، وحصول فيلم «جوع» للمخرج الانكليزي ستيف ماكوين، الذي
يحكي عن
المناضل الايرلندي بوبي ساندز الذي دفع حياته ثمنا لحصول وطنه
على حريته، من خلال
اضرابه عن الطعام في السجن، وكان قد عرض في تظاهرة «نظرة خاصة»، حصوله كما
توقعنا
على جائزة «الكاميرا الذهبية»، كأفضل عمل أول في جميع تظاهرات «كان» 61
الرسمية
وغير الرسمية، كما بمجرد ما شاهدناه في حفل افتتاح تظاهرة
«نظرة خاصة» اعتبرناه «تحفة»
سينمائية، وأهم فيلم سياسي في المهرجان على الفور، ورشحناه مباشرة كما
كتبنا
للحصول على تلك الجائزة.
قائمة
بالجوائز
في ما
يلي قائمة الافلام الفائزة بجوائز الدورة الـ61 لمهرجان «كان» السينمائي
التي اعلنت
مساء الاحد.
•
السعفة
الذهبية: «انتر ليه مور» (بين الجدران) للفرنسي لوران
كانتيه.
•
الجائزة
الكبرى: «غومورا» للايطالي ماتيو غاروني.
•
جائزة
لجنة
التحكيم: «ايل ديفو» للايطالي باولو سورينتيو.
•
افضل
ممثلة: البرازيلية ساندرا
كورفيلوني
عن «لينها دي باش».
•
افضل
ممثل: الاميركي بنيسيو ديل تورو عن «تشي».
•
افضل
اخراج: «القرود الثلاثة» للتركي نوري بيلج جيلان.
•
افضل
سيناريو: «صمت لورنا» للبلجيكيين جان بيار ولوك داردين.
•
الكاميرا
الذهبية
لافضل فيلم قصير: «ميغاترون» للروماني ماريان كريسان.
•
الكاميرا
الذهبية:
«هانغر» (الجوع) للبريطاني ستيف ماكوين.
القبس الكويتية في 27
مايو 2008
|