تعمق المخرج السينمائى الكبير سعيد مرزوق، وتفنن فى رصد الواقع
السياسى والمجتمعى من خلف الكاميرا فى أفلامه السينمائية التى
قدمها على مدى مشواره الفنى بطريقته وأسلوبه المتميز الذى اعتمد
على نقل الواقع بلغة الصورة والحركة السينمائية، فمنذ أن قدم فيلمه
الأول «زوجتى والكلب» مع السندريلا سعاد حسنى والنجمين محمود مرسى
ونور الشريف، نجح فى خلق روح سينمائية جديدة تختلف عن السائد وقتها
وتتسم بالشجاعة وكشف عورة المجتمع، وعقب عرض فيلمه الشهير والمثير
للجدل «المذنبون» للأديب العالمى الكبير نجيب محفوظ، أطلق عليه
نقاد السينما المصرية مخرج «الشغب السياسى». سعيد مرزوق المخرج
المهم والمبدع، قضى حياته خلف الكاميرا يصور ويقدم أفضل أفلام فى
تاريخ السينما المصرية خلال الـ40 سنة الأخيرة، بدءًا من «زوجتى
والكلب» و«مكان للحب» مرورًا بـ«أريد حلا» و«حكاية وراء كل باب»
و«إنقاذ ما يمكن إنقاذه» وحتى «هدى ومعالى الوزير» و«المرأة
والساطور» والمغتصبون» و«جنون الحياة»، وغيرها.
من مقر المستشفى الذى يعالج به تحدث المخرج الكبيرقائلاً: «اكتشفت
أن المرض نعمة وليس نقمة، وربما يتعجب البعض من كلامى لكن هذه
الحقيقة، لأنه يجمعنى بمن أحب، حيث يلتف حولى أصدقائى طوال الوقت،
فى صورة تدل على قيمة الوفاء والإخلاص تجاهى، ولا يمكن أن أحصى عدد
الأصدقاء الذين يتوافدون لزيارتى بصفة شبه يومية، ويهتمون بى،
ويحرصون على مداعبتى ويذكروننى بكواليس الأعمال التى جمعت بيننا،
وهذا ما يضيف إلى حياتى جوًا من البهجة». ويستكمل المخرج القدير
حديثه: «هنا فى المستشفى رأيت نماذج مختلفة من البشر، وأستطيع
القول بأننى أعيش فى عالم يتشابه إلى حد كبير مع الدنيا، وللحق هذه
النماذج تستحق الكتابة عنها، ورغم شغفى بها واندماجى معها، لم
أستطع الكتابة ولا التعبير عنها، لأنه منذ دخولى المستشفى لم أكتب
سيناريو واحدًا». ويصف فيلسوف الصورة السينمائية وصاحب روائع
السينما الحالية بقوله: «السينما الآن ليست فى حالتها الطبيعية،
وما يعرض على شاشاتها تهريج، ولا يمت لواقع المجتمع بأى صلة،
وصراحة لم أحرص على متابعة أى عمل فنى من هذه الأعمال لأنها لم
تجذبنى إليها»، مرجعًا أسباب انهيارها إلى ضعف الموضوعات، وعلق
بقوله «مفيش كتاب سينما».
وأوضح سعيد مرزوق، أنه لم يفكر فى العودة للسينما منذ إصابته
بالجلطة، حيث يقول: «طوال رحلتى السينمائية قدمت أفلامًا كثيرة
وأنا راضٍ عنها، والحمد لله أعتقد أننى أعطيت السينما بقدر ما أخذت
منها، فهى منحتنى الكثير، وفى المقابل حرصت على تقديم أفلامى بدمى
وأعصابى، وبذلت فيها مجهودًا كبيرًا، لتخرج بشكل جيد، وأيضًا أعتقد
أننى قدمت كل الذى أستطيع تقديمه فى مجال الإخراج والكتابة
السينمائية، لكن لو قدر لى الوقوف مرة أخرى أمام الكاميرا فسأصنع
فيلمًا عن الشخصية المصرية «بعبلها»، لأن شخصية المصرى لم يستطع أى
سينمائى اكتشافها إلى الآن، رغم مئات الأعمال التى قدمت عنه».
ويؤكد المخرج العبقرى أن أحب الأفلام إلى قلبه فيلمه الأول «زوجتى
والكلب» الذى قدمه مطلع سبعينيات القرن الماضى مع محمود مرسى وسعاد
حسنى، واستطاع من خلاله تقديم شكل جديد فى السينما المصرية، حيث
استعرض العمل الشكوك التى تحوم حول الرجل تجاه سلوك زوجته، وصنف
الفيلم كعلامة من علامات السينما المصرية.
ويعترف سعيد مرزوق بأن أفضل كاتب تعاون معه فى أعماله السينمائية
هو أديب نوبل العالمى نجيب محفوظ، الذى قدم معه فيلمه الشهير
«المذنبون» بطولة سهير رمزى وعادل أدهم، وهو العمل الذى أثار ضجة
كبيرة مع جهاز الرقابة على المصنفات الفنية، وتم منعه من العرض،
وتدخل وقتها الرئيس الراحل أنور السادات وأجاز عرضه. ويرى المخرج
السينمائى أن الواقع السياسى الذى حدث بمصر من قيام ثورتين لم يفرز
مواهب جديدة، عكس ما حدث عقب ثورة 52 يوليو، من ازدهار فى الفن
والموسيقى والسينما، حيث شهد هذا العصر تألقًا فنيًا على كل
المستويات، بخلاف ثورتى 25 يناير و30 يونيو، حيث لم نجد مواهب فنية
جديدة، وهذا انعكس على شكل السينما الحالية بالسلب، ويضيف مرزوق:
«كان نفسى أذهب لميدان التحرير فى ثورة يناير، لكن ظروفى الصحية لم
تسمح، ووجدت فيها مشقة بالنسبة لى ولم أستطع الذهاب، وللتاريخ
الثورة لم تصنع شيئًا حتى الآن»، ويستكمل المخرج الكبير: «لو كانت
صحتى تسمح لى بالنزول للميدان كنت فعلتها، وتمنيت أن يكون لى دور
فى الثورة من خلف وأمام الكاميرا، وحتى الآن لم نر عملاً واحدًا
يؤرخ لهذا الواقع السياسى»، ويعلق المخرج على عدم مقدرته على
النزول للميدان بقوله: «مفيش نصيب».
ويرى سعيد مرزوق أن 30 يونيو أكثر ثورية من 25 يناير، لافتًا إلى
أنه يتابع الحركة السياسية فى الشارع المصرى باهتمام من خلال شاشات
التليفزيون، والأخبار التى ينقلها له أصدقاؤه، موضحًا أنه يحرص
طوال الوقت على معرفة الجديد على الساحة للاطمئنان على المشهد
السياسى للبلد.
سعيد مرزوق المخرج الذى اهتم بقضايا المرأة واستطاع إلغاء بند «بيت
الطاعة» من قانون الأحوال الشخصية بعد تقديم رائعته السينمائية
«أريد حلا» مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، والنجم رشدى أباظة،
يرى أن المرأة ما زالت مظلومة، ويؤكد هذا بقوله: «الشعوب العربية
ما زالت تتعامل مع المرأة كونها امرأة ولا شىء آخر وهذا قمة
الظلم».
ورغم أن جهاز الرقابة على المصنفات الفنية اعترض على أغلب أعمال
المخرج الكبير سعيد مرزوق إلا أنه يقول: «أنا ضد الرقابة تمامًا،
لكن فى حقيقة الأمر لابد من وجودها حاليًا، لأن بعض السينمائيين
يستخدمون ألفاظًا لا تليق بالجمهور، ويجب حذفها أو الحد منها».
وعن أهم النجوم والنجمات الذين تعاون معهم فى رحلته السينمائية
يقول: أحببتهم جميعًا، فقد تعاونت مع أجيال مختلفة تدرك معنى الفن
وتأثيره فى المجتمعات، وعلى رأسهم فاتن حمامة وسعاد حسنى ومحمود
مرسى وأحمد رمزى وكمال الشناوى ونبيلة عبيد وسهير رمزى وليلى علوى
ونور الشريف وإلهام شاهين، وكواليس العمل دائمًا ما يتخللها المودة
والحب فيما بيننا، وتمنيت أن أتعامل مع أجيال أخرى، لكن «ملحقتهاش».
وعن خفوت نجم الفنانات فى هذه الفترة يرجع المخرج السبب إلى أن
الجيل القديم كان أكثر جدية فى العمل والاجتهاد من الجيل الحالى،
إضافة إلى تركيزه فى مضمون العمل لتقديمه بصورة مناسبة تليق
بجمهورهم فى الوطن العربى.
وحول شكل الفن المصرى فى عهد الرؤساء السابقين يقول السينمائى
الكبير: «الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان بيحب الأغانى التى
شكلت وجدان المصريين، وأشعلت حماسهم الثورى، لذلك ازدهرت فى عصره
الأغانى الوطنية لرموز الأغنية مثل عبد الحليم حافظ ومحمد عبد
الوهاب وأم كلثوم وشادية، والرئيس السادات كان لديه حس سينمائى
عالٍ، وحسنى مبارك لم يكن يفهم فى السينما، وللحق نظامه لم يعرقل
خطواتى أو يتوعدنى بشىء خلال رحلتى السينمائية ولم يصبنى أحد بسوء
رغم جرأة موضوعاتى».
وأعرب المخرج القدير عن سعادته بفوز المشير عبد الفتاح السيسى
بمنصب رئيس الجمهورية، حيث يقول: «الرئيس السيسى رجل عاقل جدًا
ويمتاز بالحكمة وهو الأنسب للمرحلة، وربنا يعينه على البلد». |