«ذيب»
في عرضه العربي الأول.. بعد فوزه بـ«آفاق» مهرجان «فينيسيا»
حب وخيانة واستعمار
المصدر: علا الشيخ - أبوظبي
عندما فاز فيلم «ذيب»، للمخرج الأردني ناجي أبونوار، بجائزة أفضل
مخرج ضمن مسابقة «آفاق جديدة» في مهرجان «فينيسيا» الفائت، كانت
ردود الفعل من قبل مهتمي السينما العربية أن ما يعجب العقل الغربي
ليس بالضرورة أن يماثله الإعجاب نفسه من قبل العقل العربي، لكن بعد
عرض الفيلم في الدورة الثامنة من مهرجان أبوظبي السينمائي، التقى
العقل العربي والغربي معاً في مستوى الإعجاب نفسه، الذي يترجم من
خلال ردة فعل المشاهدين الذين وقفوا تحية للعمل، إضافة إلى آراء
نقاد مشاركين في الدورة.
الفيلم الذي صور في بادية الأردن، تكمن أهميته في طريقة عرض حياة
البادية في فترة الراحل الشريف حسين، وضعت أحداث الفيلم يدها على
جرح هؤلاء الذين كانوا بين (حانا) العثمانيين، و(مانا) الإنجليز.
جمالية الصورة، التي جعلت من فيلم مدته 100 دقيقة مسلطة فقط على
الرمال الذهبية بمساحاتها الواسعة، تجعلك كمشاهد تترقب المزيد
وتنتظر «الأكشن»، الذي ليس من الضروري أن يظهر، لكن حالة الترقب
وحدها كانت كفيلة بإرسال مشاعر السرور وأنت تشاهد هذا الفيلم الذي
اعتمد على ممثلين جدد، يعيشون فعلاً في البوادي، الطفل الذي أدى
دور «ذيب» واسمه جاسر عيد، ليس مبالغة أن يوصف بالمذهل، فقد استطاع
بهيئته الرثة، ونظرة عينيه الحادة، أن يوصل رسالة أن الذيب لا ينجب
إلا ذيباً.
يظهر كطفل فضولي، يسأل كثيراً ويريد أن يجرب كل شيء، يساعده في
تحقيق هذا الفضول شقيقه الأكبر حسين، الحقيقي في حنانه وحبه لشقيقه
الأصغر، المدرك تماما أن وقع وفاة والدهم يجعله ولو للحظات هذا
الوالد، وتعلق ذيب أيضا بشقيقه حسين هو التعلق المنوطة به فكرة
الفقدان، والتي تحدث حقا.
تبدأ الحكاية التي لن ندخل في تفاصيلها، لأنه حسب المخرج، من
الممكن عرض الفيلم في دور السينما العربية قريبا، مع منطقة وادي رم
جنوب الأردن، ومع بداية ملامح الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف
حسين، ويظهر في المشهد الأول الطفل ذيب وشقيقه حسين، وهما يلهوان
تارة ويقومان بالاعتناء بالجمال تارة، ورمي الرصاص عبر بندقية حسين
الذي أراد تعليم ذيب إطلاق الرصاص على الهدف، لكنه لم يضع الطلقة
فيه وقال له «عندما تعرف كيف تعبي البندقية سأعلمك الطلق».
يتضح بعد ذلك أن ذيب وحسين ابنان لرجل بدوي صيته الشرف والشهامة،
حتى تظهر أول معضلة ، عندما جاء رجل بدوي يرافقه عسكري إنجليزي من
طرف الشريف حسين إلى قبيلة أبومحمد (والد حسين وذيب)، هنا تلتفت
الكاميرا فوراً إلى عيون الطفل ذيب الذي يرى لأول مرة في حياته
رجلاً أشقر اللون، يدقق في تفاصيله، ويلفت انتباهه صندوق مغلق، هذا
الصندوق سيكون الشغف الآخر الذي أرسله المخرج أبونوار للمشاهدين
الذين أصبحوا يريدون معرفة ما في داخله مثل ذيب.
الهدف الذي أتى إليه العسكري الإنجليزي هو معرفة طريق البئر
الرومانية، التي بدورها ستدله على منطقة سكة الحديد، التي كانت هي
الشوكة الأولى في صدر البدو من ناحية أنها لا تشبه بيئتهم، ومن
ناحية أنها قطعت أرزاق دليل الحجاج آنذاك.
في هذه المرحلة تبدأ الانقسامات بين القبائل، التي من جهة تحمي
العثمانيين، ومن الجهة الأخرى تحمي الإنجليز، والتساؤل في عيون ذيب
حاضر بقوة: «ومن الذي يحمينا؟».
من السهل وصف الفيلم بالسياسي، الذي ناقش مرحلة غيرت تاريخ وشكل
المنطقة العربية، لكن الدخول إلى صفات وعقل الفرد البدوي كان أقوى،
خصوصاً بعد أن قرر الطفل ذيب اللحاق بشقيقه حسين، الذي قرر بناءً
على طلب من الشريف حسين أن يدل العسكري الإنجليزي والبدوي الذي
رافقه إلى مكان البئر الرومانية، الطفل ذيب لديه فضول آخر هو معرفة
ما بداخل الصندوق الذي كلما اقترب منه ينهره بغضب شديد العسكري
الإنجليزي، إضافة إلى تعلقه الكبير بشقيقه.
المحك الأول الذي يظهره أبونوار في طريقة تعاطي الاستعمار مع
الحالة، أنه فعلا لا يهتم بحياة البشر، على قدر اهتمامه بالمنطقة
نفسها وهنا الاهتمام بسكة الحديد يظهر عندما وصلوا إلى البئر،
وأراد أن يشرب الإنجليزي منها، فكانت الدماء بدلاً من الماء في
فمه، فيدركوا أن الطرف الآخر وصل قبلهم، وهنا يقرر الإنجليزي
العودة مع البدوي دون مرافقة حسين وذيب لهم، فيرفض البدوي ذلك
ويقول إنه لا يترك إخوته، لكن كلام الليل يمحوه النهار ويستجيب له،
في المقابل لا يهون على حسين أن يترك البدوي والإنجليزي في الطريق،
فيلحقهما هو وذيب، وهنا يظهر خوفه على البدوي الذي من الممكن أن
يغدر هو الآخر.
تبدأ الإحداثيات في الفيلم، والتي كانت قليلة مقارنة بمساحات
الصحراء الشاسعة، لكن بذكاء أبونوار استطاع أن يجعل من تلك الصحراء
جزءاً أو شخصية في الفيلم، لذلك من الصعب أن تشعر بالملل، فجمالية
الصورة حاضرة بقوة بل وخلابة.
الحبكة الثانية تقريباً في الفيلم هي المواجهة مع شخصيات أخرى أشبه
إلى قطاع طرق منهم إلى ما يدعون أنهم دليل حجاج، يرتدون الأسود،
ويقومون بالقتل من كل صوب وجانب، وبلقطة فنية تدل على لغة الصحراء
بين القبائل، يقوم البدوي برفع رمال من الأرض ونثره، في إشارة أنه
من أهل الأرض، في المقابل لم يرد الطرف الآخر على هذه الحركة،
فأدركوا أنهم في خطر، وتبدأ المعركة بينهم.
الأحداث كثيرة في الفيلم، تقترب إلى النهاية، عندما لا يظل في
الصحراء سوى ذيب ومن قتل شقيقه، وحدهما، وحاجة كل منهما إلى الآخر
تجعلهما يتنازلان، فالقاتل مصاب، وذيب صغير السن لا يعرف طريق
العودة، وعلى مضض تقبل كل واحد منهما الآخر، لكن في صدريهما نية
مبيتة تنتظر الطعن.
ذيب ببساطة يريد أن ينتقم لمقتل شقيقه حسين، والقاتل وجد في ذيب
ذكاء من الممكن استغلاله، ويظهر هذا جلياً في المشهد الأخير، عندما
وصل إلى منطقة يسيطر عليها العثمانيون، وهو الذي يحمل في جعبته
المسروقات التي أخذها من قبل الإنجليزي، ويقوم ببيعها للضابط هناك،
على مرأى ذيب، الذي أراد من كل هذا معرفة ماذا يوجد داخل الصندوق.
في الحديث بين الضابط والقاتل البدوي، أدرك ذيب أنه مع شخص يتفنن
في الكذب، عندما ادعى أن البضاعة من مصر، وأن ذيب هو ابنه، وهذا ما
جعل ذيب يغضب بشدة، وأدرك أنه لم يكن سوى بمرافقة خائن،وقبل أن
يعطي مجالاً للضابط أن يسأله، يجيب ذيب: «هذا قالت أخوي»، وهنا لم
يكن الأخ فقط حسين، بل كل من مات بسبب الخونة.
الفيلم تجربتهم الأولى في عالم التمثيل
أبطال «ذيب»: الفيلم أنصـــفنا والدراما البدوية لا تعبر عنا
المصدر: إيناس محيسن ـــ أبوظبي
من رمال وسكون الصحراء العربية إلى بريق المهرجانات وأضواء السجادة
الحمراء وهتافات المعجبين؛ هذا هو ملخص رحالة «ذيب» أو الطفل جاسر
عيد وكل من حسين سلامة، وحسن مطلق، ومرجى عودة بقية أبطال الفيلم
الأردني «ذيب»، للمخرج ناجي أبونوار، حيث كان الفيلم الذي عرض مساء
أول من أمس، ضمن فعاليات مهرجان أبوظبي السينمائي في قصر الإمارات
بأبوظبي، هو أولى تجاربهم في عالم التمثيل.
«شاركنا
الفيلم عندما وجدناه يتناول قصة تخص منطقتنا ويطرحها بواقعية
وصدقية»، أوضح أعضاء فريق التمثيل خلال حوارهم مع «الإمارات
اليوم»، أنهم يرحبون بأي عمل يعكس واقع الحياة البدوية بطريقة
صحيحة وواقعية، «أما المسلسلات التي يتم تقديمها عنا فلا نجد
أنفسنا فيها، ولا تعبر عن حياة البدو».
وأشار عيد محمد، الذي أسهم في عمليات إنتاج الفيلم، وهو أيضاً والد
جاسر عيد «ذيب» إلى أن الدراما البدوية أحياناً تطرح قصص تمس
اليحاة البدوية أو مستوحاة منها، لكن الشكل الذي يخرج به العمل
يأتي مخالفاً للواقع وبه كثير من الأخطاء، مثل المبالغة في استخدام
الفنانات للماكياج، أو أن تقوم المرأة بتقديم القهوة أو الضيافة
للضيف، وهو أمر لا يمكن أن يحدث في الواقع، حيث ينقسم «بيت الشعر»
إلى قسم للرجال وآخر للحريم، ولا يمكن أن تخرج امرأة بدوية على
الضيوف.
وعن مشاركة ابنه في الفيلم؛ قال إن اختيار جاسر لتأدية دور «ذيب»
من بين عدد كبير من الأطفال، وفي البداية شعر بالقلق من عدم نجاح
جاسر في تأدية الدور، نظراً لصغر سنه، 11 عاماً في ذلك الوقت، لكنه
فاجأ الجميع بإتقانه للدور والتزامه ضمن فريق العمل. لافتاً إلى أن
الدور تضمن مشاهد صعبة مثل سقوط الطفل في البئر، ومكوثه في المياه،
وكذلك وجوده في قلب الصحراء حيث درجة الحرارة المنخفضة جداً، فكان
ينتفض من البرد فعلياً وليس مجرد تمثيل.
بينما أشار جاسر عيد «ذيب»، الذي يدرس في الصف التاسع، أنه خلال
العمل يعتمد على تعليمات المخرج ناجي أبونوار وشرحه لكيفية تأدية
المشهد، ما ساعده كثيراً في أداء المشاهد. موضحاً أن فكرة التمثيل
كانت بعيدة تماماً عن تفكيره قبل أن يحضر ناجي إلى منطقته ويدعوهم
للمشاركة في الفيلم، لكنه الآن ينوي مواصلة العمل في مجال التمثيل.
حسين سلامة، الذي قام بدور «حسين» شقيق ذيب الأكبر، والذي فتح له
الفيلم المجال للمشاركة في فيلم فلسطيني بعنوان «المدينة»؛ أشار
إلى أن حالة التفاهم بينه وبين جاسر في العمل ترجع إلى قوة العلاقة
التي تربط بينهما في الحقيقة، فهما ابنا عم وجيران، ويقضيان معظم
وقتهما معاً. لافتاً إلى أن موافقتهم على المشاركة في العمل جاءت
لأنه يتناول فترة تاريخية مهمة في حياة البدو، لكن من الصعب قبول
أي عمل آخر لا يحمل الطابع الجدي نفسه. وقال إنه كان يقوم في بعض
المشاهد باقتراح تغيير كلمات معينة أو تفاصيل صغيرة ترتبط بحياة
البدو والصحراء، وبالفعل كان يتم تغييرها. و«شخصيتي في الفيلم لم
تكن شريرة بقدر ما كانت ضحية للظروف»؛ قال حسن مطلق الذي قام بدور
دليل الحجاج الذي يتحول بعد استخدام القطار في المنطقة إلى قاطع
للطريق، بعد أن توقف عمله ومصدر رزقه. لافتاً إلى أن الأبعاد التي
تحملها الشخصية كانت سبباً في قبوله لها وترحيبه بأدائها، فهي تجمع
بين الخير والشر في الوقت نفسه. وذكر مطلق الذي شارك بدور في فيلم
«هالك 2»، عقب الانتهاء من «ذيب»؛ أنه لم يتمالك نفسه وبكى خلال
تصوير مشهد قتل «حسين»، وسقوط «ذيب» في البئر.
ونفى المخرج ناجي أبونوار أن تكون شخصيات الفيلم حقيقية، أو أن
يكون الضابط في الفيلم يمثل شخصية «لورانس العرب»، لكنه يقدم
شخصيات مختلفة تعكس واقع المنطقة في تلك الفترة والأحداث التي
شهدتها، وأن شخصية الإنجليزي استمدها من قصة جنديين عاشا في تلك
الفترة.
وقال إن اختيار شخصيات حقيقية لتأدية الشخصيات كان ضرورياً من أجل
صدقية الفيلم، فسكان الصحراء هم الأكثر دراية بأجواء المكان
والحياة فيه، واللهجة المستخدمة في المنطقة، والعادات والتقاليد،
وكذلك لديهم مهارات معينة مثل ركوب الجمال والسير في الصحراء
وغيرهما، كل هذه الأسباب جعلت من الضروري اختيار ممثلين من سكان
المنطقة.
وأوضح أبونوار أنه قام بالتصوير مع 250 شخصاً يصلحون للتصوير، ثم
اختار منهم 20 شخصاً التحقوا بورشة عمل لمدة يومين، وتم اختيار 11
شخصاً هم الذين قاموا بأداء الشخصيات في الفيلم. بينما لفت المنتج
كاتب السيناريو باسل غندور إلى أن العمل على تلك الحقبة الزمنية
تطلب بحثاً ودراسة لشكل الحياة والملابس واللهجة، وغيرها من
التفاصيل المهمة، ومن أجلها قام بالاستعانة بالكثير من الصور
الفوتوغرافية التي تتوافر في المتاحف البريطانية وفي مكتبة
الكونغرس الأميركي، إلى جانب مناقشة المشاهد مع أهل وادي رم،
والاستماع إلى تعليقاتهم والمعلومات التي لديهم. كما كان هناك
اهتمام بالاسلحة التي كانت مستخدمة في عام 1916، الذي تقع فيه
الأحداث، والفرق بين الأسلحة التي كانت توجد مع القبائل، وتلك التي
يستخدمها قطاعو الطرق. |