"لم
تكن هنا حقّا أبدا"..
مطرقة في وجه المتاجرين بالأطفال
سعيد أبو معلا
ضمن برنامج سينما العالم عرض مهرجان دبي السينمائي
الدولي في دورته الـ 14، فيلم "لم تكن هنا حقّا أبدا" (95 دقيقة)
للمخرجة الاسكتلندية لين رامزي، في عرض أول في الشرق الأوسط وشمال
إفريقيا، وهو فيلم يضرب بقوة سينمائيا وموضوعا معالجا عبر قصته
البسيطة الحافلة بالمشاهد القاسية.
على المستوى الفني السينمائي، يعد الفيلم تحفة فنية
تمثيلا وإخراجا، أما على مستوى الموضوع فهو يقارب واقع فساد
المسؤولين في أمريكا الذين يعملون في مجال الاتجار بالقاصرات
واستغلالهن جنسيا. ذلك الموضوع الذي يؤرق العالم.
فأمام تنامي ظاهرة خطف المراهقات والاتجار بهن في
بيوت الدعارة يأتي هذا الفيلم ليقدم مقاربة فنية ناضجة جدا، وإن
قامت على العنف والمزيد منه، وفيما يبدو فإن طرق التعاطي مع هذه
المسـألة قانونيا مسألة غير ذات جدوى لتقدم المخرجة مقاربتها للرد
على هذه الظاهرة المتوحشة.
هذا فيلم المأخوذ عن قصة الكاتب جوناثان إميس، وهو
من بطولة خواكين فينيكس الحاصل على جائزة أفضل تمثيل في مهرجان كان
السينمائي، يقترح المطرقة (الشاكوش) في مواجهة الفاسدين وبائعي
أجساد البشر (وتحديدا الفتيات الصغيرات)، حيث يقوم بضربهم بها بقوة
مميتة مخلصا المجتمع من شرورهم.
ويحكي قصة قاتل مأجور مزدوج الشخصية ينفذ عملياته،
ومنها إنقاذ ابنة المسؤول الأمريكي "نينا" الذي لا يريد أن يخبر
الشرطة مخافة الفضيحة السياسية.
ينفذ المهمة التي يخالها اعتيادية، ومن خلالها يحضر
ماضية القاسي المرتبط بالمارينز الأمريكي، حيث يطارده سؤال: "ما
الذي أفعله؟" (في الماضي) والذي يحيلنا إلى اللحظة الراهنة، حيث
يقتل كل مَن يمارسون الإساءة من دون رحمة أو شفقة.
يكون أمام عملية تحرير "نينا" من خاطفين يعملون في
تجارة الفتيات وهناك يكتشف عمق تجذر هذا الأمر وارتباطه بالمسؤولين
الأمريكيين، وتتحول العملية المحددة الأهداف إلى أمر مدمر عليه
وعلى الخاطفين أيضا.
أحداث دامية وقاسية قدمتها المخرجة باقتدار من دون
أن تتناسى الجانب المضيء والإنساني في شخصية القاتل المأجور سواء
في علاقته مع والدته أو في علاقته مع الفتاة المخطوفة، فمن قلب
صخرة قبيحة تنمو مشاعر دافئة تجاه الحياة، وحتما هناك يوم آخر جميل
في نهاية الفيلم تعبيرا عن خلاص مؤقت من كل الأحداث الدموية التي
عرضها.
أبدع الفيلم في بناء الشخصية الخاصة بالقاتل
المأجور، حيث هو شخص ينفذ عمليات القتل بدون رحمة، لكنه في علاقته
مع والدته غاية في الرحمة والإنسانية، يلعب معها ويلاطفها ويخاف
عليها في الفترات التي تغيب فيها، حتى في اللحظة التي يجدها مقتولة
وغارقة في دمها يكون همه معرفة القاتل كي يعرف إن كانت قد شعرت
بالخوف قبل أن تقتل أم لا، فيما لمساته لقدميها وهي ممدة على
السرير غاية في السحر والتعبير عن الحب رغم قساوة المشهد.
كما عكس جسد القاتل "جو" الذي يمتلئ بالكدمات
والضربات عمق التشوه الذي يعانيه هذا الرجل البسيط، وهو يرينا عمق
الضربات والكدمات التي عاشها في حياته وجعلت منه هذا الكائن
"القادر على العنف"، بحسب وصفه.
هذا العنف المدمر والدموي يقابله رغبة القاتل (جو)
بالانتحار والرحيل عن هذا العالم المتوحش، والطفلة "نينا" التي
يشعر أنه مسؤول عن تحريرها وإنقاذها من حياة تحولت إلى عالم متوحش،
تلك الطفلة التي نرى أنها هي الأخرى تشوهت كثيرا بفعل ما تعرضت له
ليكون أمامهما طريق طويل معا رغم عدم إدراكهما للمكان الذي
يقصدانه.. فها هو يوم جميل آخر.
والمخرجة ولدت في غلاسكو، وهي إحدى الشخصيات
القديرة في السينما المستقلة في بريطانيا، فازت بجائزة لجنة
التحكيم في «كان السينمائي» في 1996 عن فيلم تخرجها «موتات صغيرة»،
تلتها بفيلم «غازمان» (1998)، أما أول أفلامها الطويلة «صائد
الفئران» (2000)؛ فحصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة في «مهرجان
كان السينمائي»، وحصد «نحتاج إلى الحديث عن كيفن» (2011) العديد من
الجوائز، منها: جائزة أفضل مخرج في جوائز السينما المستقلة
البريطانية، أما فيلمها الحالي فنال جائزة أفضل تمثيل وأفضل
سيناريو في مهرجان كان السينمائي.
####
الهوية والعزلة واللجوء..
ثيمات سعودية في "دبي السينمائي"
بوابة العين الإخبارية -
مصعب شريف
لم يقتصر الحضور السعودي في الدورة الـ14 لمهرجان
دبي السينمائي الدولي على فوز المخرجة هيفاء المنصور، بجائزة آي
دبليو سي للمخرجين، لتشكل المملكة حضوراً قوياً في المسابقة
الرسمية للمهرجان عبر عدة أفلام تنافس هي الأخرى بقوة.
ففي مسابقة المهر الخليجي القصير، تقدم المخرجة
السعودية هاجر النعيم، مقاربة متقدمة لمآسي الحرب واللجوء، عبر
فيلم "احتجاز" الذي يروي قصة الفتاة السورية "لارا" التي لجأت إلى
الولايات المتحدة الأمريكية هرباً من العنف في سوريا.
وتقدم لنا النعيم في 25 دقيقة تصويراً إنسانياً
لحياة "لارا" التي تنقلب بشكل دراماتيكي عقب توقيف الأمن الأمريكي
لوالدها، بسبب تورطه في عمل إرهابي.
ومن هذه النقطة تبرز لنا المخرجة السعودية برؤية
إخراجية عالية، أوجه الحياة المتنازعة بين إثبات البراءة والحياة
الطبيعية لتقدم هذه الرحلة في سلسلة متعاقبة من الافتراضات بحبكة
معقدة جداً.
وتعد النعيم من المخرجات السعوديات الشغوفات بصناعة
أفلام التشويق، وتركز في تجربتها على قضايا المرأة في منطقة الشرق
الأوسط، وهي حاصلة على ماجستير في الإنتاج السينمائي.
وفي ذات المنافسة يقدم مواطنها المخرج السعودي،
طلحة بن عبد الرحمن، تجربة مغايرة تماماً في فيلمه الروائي القصير
"كبش الفداء"، يروي من خلاله سردية العزلة والعدم عبر قصة "بول
دوغان"، الروائي الذي يقرر اعتزال الناس بشكل مفاجئ في كوخ ريفي
صغير، بعد أن انقطع عنه الإلهام السردي.
بيد أن محاولة استعادة الإلهام عبر العزلة سرعان ما
تأتي بنتائج عكسية، ليواجه دوغان أصوات شخصياته الروائية، التي
تأتي تباعاً لينتهي به الأمر إلى حالة تتراوح بين الجنون والانتحار
بعد محاولاته المتعددة لإعدام شخوصه الروائية التي خلقها بخياله.
يبرع المخرج السعودي في تقديم قصته بشكل متكامل
خلال 22 دقيقة، بفضاء مكاني محدود ولقطات متنوعة بلغة سينمائية
عالية، وتنويعات بصرية جعلت من تجربة المخرج الشاب، المولود في جدة
بالمملكة العربية السعودية والمتخرج في جامعة نيويورك للأفلام في
كاليفورنيا، سردية بصرية رائعة تنافس بقوة على جوائز المهر الخليجي
القصير لهذا العام.
وفي ثالث مشاركة للفيلم السعودي في المسابقة
الخليجية لدبي السينمائي، يقدم لنا المخرج الشاب مجتبى سعيد، وهو
من مواليد الدمام بالمملكة في عام 1987، تجربته السينمائية الثالثة
في فيلم "الظلام هو لون أيضاً"، حيث يروي قصة صياد يستميت في
مواجهة شبح التقدم في العمر دون جدوى.
ويعمل الصياد الذي يدعى "هورست" بعدة طرق على إيقاف
آثار زحف الأيام على وجهه، إلا أن محاولاته لاتسفر سوى عن أزمة
هوية، يبدأ بموجبها في التساؤل عن مغزى الوجود والأيام التي أمضاها
في الغابات والمساحات الشاسعة.
بيد أن رحلة جديدة تقود الصياد العجوز إلى آفاق
أخرى، عقب ضياع كلبه الذي يقوده البحث عنه للغوص في عمق الغابات،
لتتبدى له أسرار جديدة يعيد من خلالها تشكيل سؤال الهوية.
ويقدم لنا المخرج السعودي الشاب في الفيلم عدة
تساؤلات حول الهوية والارتباط والعزلة، كما يعالج بحرفية عالية
معاني الاكتشاف والتعرف على الزائف على الفضاء المحيط بنا، عبر
إعادة تعريف الصياد بمحيطه الجغرافي الذي يعرفه أصلاً، لكن هنا
بزاوية جديدة ومغايرة تماماً.
####
"كيمره"..
وجبة مكثفة من الرسائل الاجتماعية على مائدة "دبي السينمائي"
يعرض في صالات السينما المحلية والعربية بعد
المهرجان
بوابة العين الإخبارية حسان محمد
تجارب عديدة قدمها المخرج الإماراتي عبدالله
الجنيبي في السينما الإماراتية قبل أن يضع توقيعه على فيلم "كيمره"
الذي يعد باكورة أعماله الإخراجية في الشق الروائي الطويل، ليأتي
الفيلم ثمرة خبرة واسعة امتلكها عبدالله في التمثيل، حيث سبق له أن
لعب دور البطولة في أفلام عديدة.
تجربة الجنيبي الأولى لقيت صدى جيدا في مهرجان دبي
السينمائي، على الرغم من أنها تصب في خانة الأكشن، حيث بدا الجنيبي
في فيلمه يغرد خارج السرب الذي تعوّد أن تغرد فيه السينما
الإماراتية، ليأتي فيلمه حاملاً وجبة مكثفة من الرسائل الاجتماعية،
على الرغم من أن قصة الفيلم خيالية، ولا تمتّ للواقع بصلة، في وقت
يستعد فيه الفيلم لدخول صالات العرض التجارية بعد اختتام مشاركته
في مهرجان دبي السينمائي الدولي.
الجنيبي الذي تولى دفة التأليف أيضاً، إلى جانب
الإخراج، قدم فيلماً جميلاً بشكل عام، تدور أحداثه حول مجموعة شباب
يقررون الخروج في رحلة إلى البر، وذلك قبيل التحاقهم بالخدمة
الوطنية، وفي الوقت نفسه يقررون توثيق لحظاتها، عبر عدسة كاميرا
صغيرة، ولكن سرعان ما يكتشف الأصدقاء شخصا آخر يجري تعذيبه على يد
إحدى العصابات، فيقومون بتصوير ما يجري، إلا أن العصابة سرعان ما
تكتشف ذلك، لتبدأ بملاحقة الأصدقاء، الذين يفتقدون الخبرة في
التعامل مع ظروف الحياة الصعبة، وهو ما يوقعهم في فخ العصابة التي
تبدأ بالتخلص منهم واحداً تلو الآخر، ليجري ذلك كله أمام عين
الكاميرا التي توثق كل مشاهد التعذيب والقتل، حيث يعثر عليها
مجموعة أخرى من الشباب الذين يصلون إلى المنطقة لغرض الترفيه،
وبفتحهم لها يكتشفون ما الذي تعرضت إليه المجموعة السابقة، فيقررون
على الفور تسليم الكاميرا إلى الشرطة للإيقاع بالعصابة.
جرس إنذار
وجبة دسمة من الرسائل الاجتماعية يتضمنها الفيلم،
وفق ما أكده الجنيبي في حديثه مع "بوابة العين"، حيث اعتبر أن
الفيلم بمثابة "جرس إنذار" للشباب، بأن عليهم الاستعداد لمواجهة
الحياة، من خلال تعلم أساسيات القتال. وقال: "رغم أن قصة الفيلم
خيالية، إلا أن كل الرسائل التي يتضمنها مستوحاة من توجيهات
القيادة الرشيدة للشباب، بضرورة الالتحاق بالخدمة الوطنية التي
يمكن أن تُكسب الشباب الخبرة الكافية للتعامل مع العديد من المواقف
الصعبة، وهو ما يجعل منها طوق نجاة للشباب المواطن، وتقيهم الوقوع
في المخاطر".
تكلفة فيلم "كيمره" تصل إلى حدود 3 ملايين درهم،
وفي هذا الصدد يوضح الجنيبي أن السبب يعود إلى طبيعة مشاهد الأكشن
التي يتضمنها الفيلم، وقال: "تكلفة الفيلم عالية بسبب اعتماده على
الأكشن والإثارة، والتي عادة تفرض وجود تجهيزات مختلفة عن الأفلام
الأخرى، فضلاً عن أن الفيلم تم تصويره بأحدث التقنيات والأجهزة
السينمائية". وفي الوقت نفسه، اعتبر الجنيبي أن فيلمه "يفتح
أبواباً جديدة في السينما الإماراتية".
وقال: "فيلم "كيمره" يذهب ناحية الأكشن، وهو تصنيف
غير متوافر حالياً في السينما الإماراتية التي شهدت خلال السنوات
الماضية تقديم أفلام كوميدية ورومانسية الطابع".
وفي السياق، أشار الجنيبي إلى خطوات السينما
الإماراتية، حيث قال: "السينما الإماراتية واعدة، وهي تشهد حالياً
مرحلة محورية من تاريخها، مع بدء عجلة الإنتاج السينمائي في
الدولة، وهو ما يؤسس لصناعة سينما حقيقية، قادرة على الاستمرار،
وأن تفرض نفسها على الصالات التجارية".
خطط
ومع ولادة فيلم "كيمره" ورؤيته للنور، بدأت حركة
إنتاج شركة بريدج للإنتاج السينمائي التابعة لمجموعة فام القابضة
بالدوران، حيث تعمل الشركة على رفد السينما الإماراتية بأعمال
سينمائية أخرى، وبحسب الجنيبي، فإن الشركة قد وضعت ضمن خططها إنتاج
مجموعة أفلام طويلة خلال العام المقبل، لا يقل عددها عن ثلاثة، في
وقت يضع فيه الجنيبي والقائمون على شركة بريدج عينهم على صالات
السينما التجارية المنتشرة في الدولة، والمنطقة العربية.
وفي هذا الصدد، أكد الدكتور فيصل علي موسى، رئيس
مجلس إدارة فام القابضة، أن تأسيس شركة بريدج للإنتاج السينمائي
جاء بهدف تقوية عضد السينما الإماراتية، ورفدها بأعمال جديدة، تحمل
بين مشاهدها أفكارا جديدة ورؤى إخراجية مختلفة.
وقال: "ندرك أن السينما الإماراتية لا تزال في
بداية طريقها، ولكن ذلك لا يعني عدم امتلاكها للأسس الصحيحة التي
تقوم عليها، خاصة وأن الإمارات تمتلك العديد من المواهب السينمائية
في شتى المجالات بدءاً من التمثيل وليس انتهاءً بالإخراج".
وأضاف: "ما نسعى إليه في شركة بريدج هو التأسيس
لحركة إنتاج منتظمة لأفلام تجارية قادرة على جذب الجمهور المحلي
والعربي، عند عرضها في دور السينما المحلية والعربية". وأشار إلى
أن فيلم "كيمرة" يعد باكورة إنتاج الشركة التي تخطط حالياً لإطلاقه
في كل الصالات التجارية حول المنطقة. وقال: "بدأنا بالتفاوض مع عدد
من شركات التوزيع؛ من أجل ضمان عرض الفيلم في أكبر قدر ممكن من
الصالات، بحيث نصل إلى أوسع شريحة ممكنة من الجمهور المحلي
والخليجي والعربي".
وبيّن موسى أن وجود مهرجان دبي السينمائي، قد ساعد
على تقوية السينما الإماراتية، وساهم في رفع مستواها، قائلاً: "لقد
أصبح المهرجان بلا شك يشكل متنفساً لكل المواهب الإماراتية، وبوابة
لعرض أحدث الإنتاجات السينمائية المحلية". |