ملفات خاصة

 
 
 

الفيلم المصري المتوج في كان

"ريش".. عن أب تحول دجاجة ومصائب أخرى

أحمد شوقي

عن فيلم «ريش»..

لـ «عمر الزهيري»

   
 
 
 
 
 
 

بين عشية وضحاها، صار فيلم "ريش" ومخرجه عمر الزهيري عنوانًا للساعة وهدفًا للمتابعات الصحفية والبرامج التلفزيونية. كيف لا والفيلم حقق مالم يحققه أي فيلم مصري طويل من قبل، فجمع جائزة أسبوع النقاد الدولي في مهرجان كان السينمائي الرابع والسبعين وجائزة الإتحاد الدولي للنقاد (فيبريسى) التي يتنافس عليها قرابة الخمسين فيلمًا في قسمي أسبوع النقاد ونصف شهر المخرجين. الإنجاز الذي لم يحققه فيلم مصري في كان من قبل، والذي جعل هذا الاهتمام الإعلامي الضخم مقبولًا، وإن لم يسبقه اهتمام مماثل قبل الجوائز، لكنها ضريبة يدفعها كل من يعمل خارج نظام النجوم.

إلا أن الحديث عن الأفلام من زاوية الجوائز دائمًا أمر خادع، ليس فقط لأن التاريخ يعلمنا أنه لطالما فازت أفلام بجوائز كبرى ثم سقطت من الحسبان سريعًا، في مقابل أفلام أخرى لم تنل جوائزًا لكنها نجحت في اختبار الزمن وصارت من علامات السينما. ولكن لأنه مدخل يضع السينما في حيز التنافس الرياضي الصفري، مقسمًا الأمور لرابح وخاسر، أبيض وأسود، بينما في حقيقة الأمر كلما ازداد ارتباط الفيلم بمعنى السينما الحقيقي، كلما تموضع أكثر في المنطقة الرمادية، المحركة للأسئلة لا الإجابات، والدافعة للاشتباك مع الأفلام أكثر من الوقوع في غرامها. تلك المساحة التي ينتمي "ريش" إليها بجدارة، والتي سنحاول النظر للفيلم من خلالها في هذا المقال.

جدير بالذكر هنا أن المقال قد كُتب بعد مشاهدة متعمقة للفيلم، وقد يحتوي عن بعض التفاصيل التي قد تحرق بعض الأحداث، لكنه أمر بلا قيمة في فيلم لا تمثل الحبكة فيه أكثر من مدخل للمشاهدة. لكنه يظل مقالًا تُفضل قراءته (أو إعادة قراءته) بعد مشاهدة الفيلم.

الحكاية التي صارت معروفة للجميع من كثرة نشرها كالآتي: رجل صعب المراس، رب أسرة فقيرة من الطراز التقليدي، يتحول في ظروف غير مفهومة وخلال عيد ميلاد طفليه دجاجة، ليتحتم على زوجته أن تخرج إلى العالم للمرة الأول، محاولةً تدبير نفقات أسرتها وحماية أطفالها من تهديد التشرد بالطرد من منزل لم يدفع الأب إيجاره قبل مغادرته عالم البشر.

أي أننا لو حللنا الحكاية إلى عناصرها الأولية فسنجد أننا بصدد التفكير في كل من الأب، الدجاجة، البيت والدجاجة.

الأب.. داخل عالم "جت ف السوستة"

قبل أعوام قليلة، انفجرت على موقع فيس بوك للتواصل الاجتماعي شهرة "جروب" مغلق اسمه "جت ف السوستة". فكرة الجروب ارتبطت بكونه مقتصرًا على الرجال، يتبادلون في النصائح والخدمات، الأمر الذي لاقى نجاحًا هائلًا في حينه، ليدعوني أحد الأصدقاء للانضمام للمجموعة التي لم أحتج أكثر من ساعات لأدرك معاناتها من كافة عيوب التجمعات المصرية المقتصرة على الذكور: قدر هائل من الرجعية والمحافظة، ذكورية مسممة، أحكام قاطعة بالعهر والفحش، وانعدام كامل للقدرة على معارضة هذا السياق العام ولو بكلمة.

هناك بالطبع جانب إيجابي، فالكثير من الأعضاء وجدوا وظيفة أو قضوا مصلحة بمساعدة عضو آخر، لكنها مكاسب تأتي ضمن صفقة الثمن فيها هو التواطؤ والسكوت عن التناقضات الفجة. شعور يدركه كل شاب اضطر لإخفاء بعض قناعاته خلال جلسته اليومية مع أصدقاءه في المقهى خوفًا من التعرض للازدراء أو التحول مادة للسخرية على أحسن الفروض.

يبدو الحديث السابق بعيدًا عن موضوع الفيلم، فما علاقة جروب على فيس بوك بفيلم عمر الزهيري المتوّج في مهرجان كان؟ الإجابة هي أن فيلمًا مصريًا لم ينجح في دخول عالم الذكورية المسموم كما فعله المخرج الموهوب ومعه شريكه في الكتابة أحمد عامر.

الأمر يبدأ من الأب، الذي يعتبر الجنيهات القليلة الممزقة التي يعطيها لزوجته مطلع كل يوم تضحية عظمى، على جميع أفراد الأسرة مقابلها أن يتعايشوا مع صرامته وجلافته وشطحاته. الرجل يروي قصصًا جنونية ويعد أولاده بأمور مستحيلة ويضيع قروشه في شراء نافورة مستعملة تزيد منزلهم قبحًا على قبح، بينما لم يسدد الإيجار المتراكم عليه.

بإمكان كل منّا أن يجد بسهولة نقاط تشابه واضحة بين رجال عاشرهم طيلة حياته وشخصية الأب، رغم طريقة تقديمها العبثية التي باتت أسلوبا انتهجه الزهيري منذ فيلمه القصير السابق "ما بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمام بالكيلو 375". هذا التشابه يرسم النبرة العامة للفيلم، والتي تمزج بين وعي المشاهد بأن ما يراه خيالي فانتازي وبين إدراكه أن الجوهر ليس بعيدًا عن الواقع اليومي الذي لا يقل عبثية في تفاصيله.

هذا العالم الذكوري الذي يرفض تسلل أي أنثى داخله يمتلك قانونه وهيراريكيته الداخلية، التي ينصاع فيها الأب متواضعًا لزميله المهرب معتبرًا حضوره عيد الميلاد تكريمًا يستحق الاحتفال، بينما يذهب المهرب نفسه ليقدم ذات فروض الولاء والانحناء لمدير شركة حقيرة، لديه هو الآخر بالتأكيد درجة أعلى في السلم عليه أن يصغر أمامها مكملًا اللوحة السوريالية. حتى الأبناء أنفسهم مفتونون بوالدهم رغم كل ما فيه، يتطلعون إليه، ولو لم يتحول دجاجة (أو ربما حتى بعد أن تحوّل) سيغدون بمرور الأعوام نسخًا منه، أعضاءً في "الجروب".

الدجاجة.. هل ما حدث بالفعل معجزة؟

سيلاحظ المشاهد المدقق لفيلم "ريش" أن الوجود الحيواني في الفيلم لا يقتصر على الدجاجة، وإنما تظهر الحيوانات بشكل مستمر وبصورة تبدو غريبة في اعتياديها: قرد يقفز على زجاج سيارة، حمار وحشي يظهر في خلفية الكادر، كلب يقف بجوار طابور صرف المرتبات وكأنه يستعد لأخذ موقعه من الشباك، وهكذا.

هذا الوجود يساهم بطبيعة الحال في رسم الانطباع الغرائبي لفيلم تبدأ غرابته من فكرته المجردة، لكن القليل من التفكير في الأمر قد يقودنا إلى تفسير مغاير. تفسير يرتبط بالفروق بين عالمي الإنسان والحيوان.

الفلاسفة يقولون إن الإنسان يتشارك مع الحيوانات في نفس الوظائف الحيوية: يأكل ويشرب وينام ويتكاثر، لكن الفارق بين العالمين يتلخص في القدرة على الاستمتاع، فالإنسان وحده هو من يمكنه أن يختار طعامًا في مكان أبعد أو نظير مقابل أعلى لأنه يستمتع بمذاقه، وهو من يمكنه أن يمارس الجنس خارج إطار دوره التطوري كوسيلة للتكاثر، يمارسه بطرق غير اعتيادية وبغرض يتلخص في متعته، والأمر ذاته مع النوم وطقوسه وظروفه.

القياس يدفعنا تلقائيًا للتفكير في طبيعة الحياة التي تعيشها تلك الأسرة. حياة يقتصر فيها الطعام على وجبة مكررة. "النهارده وبكره بتنجان" يقولها الزوج في البداية مؤسسًا لنمط الأسرة الغذائي. طعام لا يلعب أكثر من دوره الوظيفي في سد الرمق، نوم حتمي لإراحة الجسد قبل بدء يوم جديد من المشقة. هل هذه حياة تنتمي نفسيًا لعالم البشر أم عالم الحيوان؟

أو لنطرح السؤال بطريقة أخرى: ما الذي خسرته هذه الأسرة بتحول الأب دجاجة؟ هل خسرت مساحة من الدفء والحميمية والأمان كما يفترض على الأب أن يكونه؟ أم أن المعاناة تقتصر على الحرمان من مصدر للجنيهات القليلة التي تضمن لأفراد الأسرة آخر ما يربطهم بالإنسانية: سقف فوق رؤوسهم؟ من يتابع كل محطات المعاناة التي مرت بها الزوجة يؤكد أن الاختيار الثاني هو الأقرب للصحة. هي فقط فقدت الحد الأدنى من الأمان المالي، وافتقرت كذلك لوجود ذكر يحمي العش من هجوم ذكور آخرين.

باختصار: هل كان الوضع سيتغير لو كان غياب الأب سببه موت مفاجئ أو قرار بالرحيل والهرب؟ الإجابة المؤلمة هي النفي، في الحالتين الأمر سيان، ومحاولات الزوجة المحمومة لإعادة الأمور كما كانت عليه هي مجرد محاولات حيوان يحاول النجاة من فخ صياد، لا إنسان يحاول استعادة شريك عمر. تعاملها مع الأمر باعتباره محنة تحاول الخروج منها ينفي عن جوهر الحكاية الحس الفانتازي الذي يوحي به ملخصها. إذا غاب الخيال غابت الإنسانية، يقولها هرم ماسلو قبل أن يؤكدها الزهيري.

لذا، ما حدث للأسف ليس معجزة خارقة للواقع، هو فقط مجرد انتقال من صورة حيوانية إلى أخرى.

البيت.. أبطال العالم في الديلفري

يفرض البيت حضوره في "ريش" من اللحظات الأولى للفيلم. منزل صغير متهالك أشبه في منطقة نائية، منعزل بما ينفي انتمائه لإحدى العشوائيات المكتظة، يمر القطار خارجه فيندفع الدخان من النوافذ. وفي الداخل، يبدو كل شيء مقفرًا أشبه ببيت مهجور تركه أهله. المحتويات مينمالية بصورة تتناقض مع ما نعرفه عن بيوت المعدمين التي تتراكم فيها مقتنيات بلا قيمة.

البيت يثير التساؤلات حول كنهه قبل أن نفهم كونه وحدة من مساكن أحد المصانع المقامة على هوامش المدينة، لكنه يساهم قبل أن نبلغ هذا الفهم في تأسيس طبيعة العالم الفيلمي الذي يجمع الواقعية والفانتازيا معًا، فهو مكان "يشبه الواقع" لكنه ليس الواقع نفسه، بل يرسم صورة سينمائية له ملائمة لما سنراه لاحقًا. وفي خضم هذا المزيج القاتم بين القبح والفقر والتقشف، نجد الأب "يُجمّل" البيت بنافورة ستمنحه "شكلًا جماليًا"!

تلك التفصيلة في العلاقة مع البيت، الذي سرعان ما سيتحول كابوسًا يطارد البطلة التي تفعل كل شيء في وسعها، بل وتضحي بمستقبل أحد أبنائها من أجل البقاء داخله، تُشكل أحد أهم وأعمق الخيارات التي أخذها الزهيري في فيلمه: التناقض العجيب بين بؤس المكان وأفعال أصحابه.

الأب يبحث عن الحس الجمالي في شبه بيت. الشوارع والسيارات في حالة مزرية والناس فيها لا ينتبهون. الرجال يصفون مقهى البلياردو بأجمل مكان في حياتهم دون أن يحاولوا إزالة الغبار المتراكم في كل مكان حتى على الطاولة التي يلعبون فوقها. المصنع والشركة وحتى فيلا الأُثرياء كلها أشباه أماكن، لا يزيد عن قبحها سوى عبثية الكيفية التي يأخذ أصحابها أنفسهم وأماكنهم على محمل الجد. الجميع يمتلك سطوة وحيثية واحترام نتيجة لوجوده في مكان لا يفترض أن يثير لدى أي إنسان عاقل سوى التقزز.

في خلفية الذهن يعلو صوت ويجز وهو يصدح بفخر "جامدين ومفيش إلا احنا.. حلوين ومفيش الأحلى"، بينما يتحدث عن سائقي توصيل طلبات للمنازل بإمكان كل من يمتلك عدة جنيهات أن يحركهم لقضاء مشترياته.

هذا ليس تقليلًا من شأن أي عمل بطبيعة الحال، لكنه نقد اجتماعي وفكري من الطراز الرفيع يقدمه "ريش" دون كلمات: قبل أن تفخر بمكانتك الرفيعة داخل منطقة/ شركة/ مدينة/ دولة، تأكد في البداية أن الأمر يستحق الفخر، حتى لا تصير مثل هذا "الباشا" الجالس بمنتهى الثقة والغرور يلقي التوجيهات ويأكل السميط في صالة بلياردو حقيرة.

الأم.. قطعة الحلوى تتمرد على الذباب

عذرًا لاستخدام واحد من أكثر التشبيهات سخافة في تاريخ جدلنا المجتمعي: تشبيه المرأة بقطعة الحلوى التي يجب أن تُغطى كي لا تصير مادة جاذبة للذباب. الرد المعتاد والمنطقي أن الأمر فقط لا يهين الأنثى باعتبارها مفعولًا به، مجرد جماد لا يملك رأيًا أو إرادة أو قدرة على المقاومة، بل يهين الرجال باعتبارهم ذبابًا بلا عقل تحركه شهوته دون اعتبارات أخرى. لكن الفيلم يطرح الأمر من زاوية أخرى أكثر قتامة: ماذا لو كان الرجال بالفعل ذبابًا؟

تجد البطلة نفسها فجأة ملقاة وسط عالم من الرجال. عالم ممنوع على النساء دخوله، موظف المصنع فيه لا يجد بأسًا في أن يحل طفل لا يكاد يبلغ عمر التعليم محل والده الغائب لكنه يتمسك بمنع عمل النساء في المصنع.

قد يكون الموظف من داخله راغبًا في المساعدة بدليل عرضه حل عمل الطفل، وقد تجد البطلة دعمًا من هذا الرجل أو ذاك في بعض المواقف تعاطفًا مع أزمتها، لكن المشكلة تكمن في "لائحة المصنع" التي تقبل كل شيء إلا عمل النساء، في النظام العام الطارد والرافض الذي يحيل حياتها جحيمًا تقديسًا للقواعد التي لا يعرف أحد من وضعها ولن تفهم أبدًا لماذا يجب أن تظل قائمة رغم تعارضها مع أبسط قواعد الإنسانية.

اللائحة هي النظام الذكوري الأبوي، تلك الشبكة اللانهائية من الرجال الواثقين جدًا من أنفسهم، المصدرين للأحكام والمتحكمين في المصائر، وأولهم الزوج نفسه بحضوره الثقيل المُتعب لمن حوله، سواء في صورته البشرية الأولى، صورته الداجنة أو صورة البشرية الثانية. لذا فكان من الضروري أن تأتي النهاية في صورة فعل قاطع، تمردي، تعلن به البطلة تمردها على عالم الذباب وممثله الدائم في بيتها. قرار عفوي لكنه منطقي، لا ضمانة لأن ما سيأتي بعده سيكون أفضل، لكنه بالتأكيد سيكون أقل سماجة.

"ريش" هو أحد أذكى الأفلام المصرية الحديثة وأكثرها قدرة على إثارة الأفكار الهامة، دون أي صياح أو خطابة أو مداعبة لذائقة ما، سواء كانت ذائقة الجمهور العريض أو مبرمجي المهرجانات. فيلم بإمكانك أن تتفق وتختلف مع تفاصيله، تشتبك معه بأريحية. فيلم لا يشبه إلا نفسه وصانعه، بصريًا وفكريًا، وهو ما يستحق التقدير والإعجاب بغض النظر عن فوزه بالجوائز من عدمه.

 

موقع "في الفن" في

27.07.2021

 
 
 
 
 

الرجل..الدجاجة

بقلم مجدي الطيب

لن أكون مبالغاً إذا ما قلت إن فوز المخرج المصري الشاب عمر الزهيري، الذي ولد عام 1988، بالجائزة الكبرى لأسبوع النقاد الدولي بمهرجان كان السينمائي الدولي 2021 (وقدرها 15 ألف يورو) عن فيلمه “ريش”(دراما كوميدية في 112 دقيقة

عن “امرأة أُجبرت على التعامل مع تداعيات خدعة سحرية انحرفت فتحول زوجها المُستبد إلى دجاجة” ووصفته “هوليوود ريبورتر” بأنه “استخدم السريالية للتخلص من الحقائق الأعمق)، لم يكن مفاجأة بالنسبة لي؛ ففي عام 2014 حملت لنا الأخبار نبأ مشاركته لأول مرة في نفس المهرجان عبر مسابقة “سينيفونداسيون” لأفلام الطلبة بفيلم يحمل عنواناً طريفاً هو “ما بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمام بالكيلو 375″، ويومها وصفته “فرانس 24” في الخبر الذي بثته ب “تشيكوف المصري”، ربما لأن الفيلم كان مقتبساً من رواية قصيرة للكاتب الروسي أنطون تشيكوف. ويومها حرصت على مشاهدته، وكدت أطير من السعادة بسبب أسلوبه الساخر الممتع، كما استمتعت بفيلم آخر قصير من إخراجه تحت عنوان “زفير”، نال تنويهاً في مسابقة المهر العربي للأفلام القصيرة في الدورة الثامنة لمهرجان دبي السينمائي الدولي. وأيقنت أننا أمام مخرج واعد بحق.

غير أنني لابد أن أشيد اليوم بالناقد المصري المقيم في باريس : صلاح هاشم؛ كونه أول من توقع فوز فيلم “ريش” بالجائزة العالمية الرفيعة؛ عندما كتب، في موقع ” سينما إيزيس ” الجديدة، عقب عرض الفيلم مباشرة في الدورة الأخيرة للمهرجان الدولي ذائع الصيت، مقالاً بعنوان : فيلم ” ريش ” لعمر الزهيري : فيلم مصري عبقري لمخرج ..ولد كبيراً”. وأضاف :”شاهدت اليوم فيلم ” ريش ” للمخرج المصري عمر الزهيري – العمل الأول لمخرجه – في تظاهرة ” أسبوع النقاد ” من ضمن التظاهرات السينمائية الموازية المهمة، وتحتفل خلال هذه الدورة 74 بمرور 60 عاما على تأسيسها، وقد أعجبت بالفيلم العبقري كثيرا جدا، وهنأت مخرجه، بعد أن وقفت الصالة بأكملها بعد العرض لتصفق للفيلم طويلاً، لأن الفيلم العبقري، الذي يحكي عن رب أسرة فقير – عامل في مصنع- يختفي أثناء نمرة يقدمها ساحر، أثناء الاحتفال بعيد ميلاد أحد ابناء العامل، علشان يفرح العيال ، فاذا برب الأسرة يختفي، وتظهر دجاجة في مكانه ، ثم حين تنتهي النمرة ، ويفرح العيال مع الحضور ومن ضمنهم صاحب المصنع يفشل الساحر في إعادة رب الأسرة وتبقى الدجاجة وتضطر أم العيال بعد ان تحول رب الأسرة الى دجاجة، أن تعول أسرة بأكملها وتكافح من أجل البقاء على قيد الحياة مع أسرتها بأي ثمن، في ظروف جد فكاهية ومأساوية و مرعبة وسريالية. والفيلم لا يُحكى، كما في جل الأفلام المصرية، بالكلام والثرثرة، والجعجعة الفارغة، وكل ماهو خارج السينما الفن، التي تحكي فقط بلغة الصورة، ولاتحتاج لترجمة كلام، ورغي عقيم، ولاتقول رحنا وجينا، وكان وأصل وفصل، وهات يا كلام، ورغي وحكي.. لما قرفنا وزهقنا من أفلامها، وهلكتنا بموضوعاتها المكررة المعادة. هنا في ” ريش ” الذي سوف يستغرقك، ومنذ أول لقطة في الفيلم – نسمع صوت رجل يتألم ويصرخ ملتاعا في الظلام، قبل أن يظهر وقد اشتعلت النار في جسده، في المنظر الطبيعي الذي يذكرك بإشاراته وإحالاته بفيلم إيراس هيد EREAS HEAD للأمريكي دافيد لينش وعوالمه الغريبة مثل روايات فرانز كافكا. هنا حيث يكمن الفن، كما في أفلام المخرج الأسباني المجيد لوي بونويل في اللقطة والمشهد والصورة، شرط السينما- الشعر المصفى – التي لاتعرف التنازلات، أو المجاملات، لتحتفظ بأصالتها ومصداقيتها وطزاجتها، حتى لو وجدها البعض قاسية ومرعبة في تصويرها للبؤساء الفقراء المهمشين المطحونين المعذبين وعذابات كل يوم وكفاحهم من أجل البقاء”. واختتم بقوله :”سوف يبقى ” ريش ” الفيلم معك مثل كنز ثمين، فهو فيلم مصري أصلي – ” ريش ” الفيلم هو البطل، بممثلين غير محترفين، “ريش” هو النجم، بلا جعجعة أو طحن، “ريش” لن يتركك بعد مشاهدته، بل سوف يسكنك، بحكايته الغريبة العجيبة الأثيرة – ولانريد أن نسرد عليكم حكايته وكيف تطورت حتى لانقطع عليكم متعة مشاهدته ، ويهبط بك الى قاع المجتمع المصري. “ريش” للمخرج المصري الشاب عمر الزهيري فيلم رائع – عصير سينما – وأعتبره ” إضافة ” حقيقية لتطوير فن السينما ذاته ، في بلدنا، وهو يفتح سكة للسينما المصرية الجديدة ،بكل ابتكارات واختراعات الفن المدهشة، لمخرج – ومن دون مبالغة – ولد كبيرا.. في كوكب ” كان 74 المنير”.. مبروك للسينما المصرية. وشكرا لكل من ساهم – وقد استغرق الأمر أكثر 6 سنوات – في إنتاج وإخراج هذا الفيلم المصري العبقري – فرحتي بالفيلم لاتوصف وأرشحه للحصول على جائزة في المسابقة الرسمية لتظاهرة إسبوع النقاد، وربما حصد جائزة ” الكاميرا الذهبية ” التي يشارك فيها كل أول فيلم لمخرجه في التظاهرة الرسمية وكل التظاهرات السينمائية الموازية في الدورة 74

كان فيلم “ما بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمام بالكيلو 375” هو الثاني وقتها لعمر الزهيري المتخرج من المعهد العالي للسينما في مصر. وترأس لجنة تحكيم المسابقة وقتها المخرج الإيراني الشهير عباس كيارستمي، وكان المخرج التشادي محمد صالح هارون عضواً فيها. وقال المخرج الواعد قبل تقديم العرض أنه يأمل أن نرى في هذا الاقتباس من تشيكوف “الجانب المضحك وليس المبكي”؛ حيث تتناول قصة تشيخوف “موت موظف” قضية رضوخ الموظفين لمسؤوليهم. وقال إنه قرأ ذات يوم القصة فاتصل في اليوم التالي بكاتب السيناريو صديقه شريف نجيب، وأضاف : “كتبنا السيناريو في ظرف أربعة أيام. لم يكن الأمر صعبا أبدا وإنجاز الفيلم إجمالا تم بسرعة طبقاً لتوجهاتي الشخصية، لأن موضوع القصة كان يهمني لذلك استطعت بعد أن قرأتها أن أتخيلها دون صعوبة كبيرة. وبالعكس فالعمل على نص أدبي سهّل لي الأمر وكانت تجربة مفيدة جدا”.

عمر الزهيري عمل، رغم صغر سنه مع العديد من المخرجين المصريين مثل : أحمد عبد الله، يسري نصر الله وكاملة أبو ذكري. وعن تجربته معهم قال : “اكتسبت جانبا تقنيا كبيرا في التعامل مع تصنيع الأفلام وهو ما يمكنني من العمل كمخرج بطريقة احترافية. لكن على المستوى الفني والإنساني فالأمر يختلف حسب المخرجين”.

خبر اللحظة الأخيرة :

نجحت إدارة مهرجان الجونة السينمائي في الحصول على حق العرض الأول للفيلم في مصر ضمن فعاليات الدورة الخامسة التي تُعقد في الفترة من 14 حتي 22 أكتوبر / تشرين أول 2021 بمنتجع الجونة؛ حيث ينافس في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة.

 

سينما إيزيس في

19.07.2021

 
 
 
 
 

فاز بجائزة مهرجان «كان».. «ريش» سريالية من مصر يتحدث عنها العالم

محاسن الهواري

جاء فوز الفيلم المصري «ريش» للمخرج عمر الزهيري بالجائزة الكبرى لأسبوع النقاد في مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الـ74 بالإضافة إلى جائزة الفيريبسي لأفضل فيلم في المسابقات الموازية بمثابة مفاجأة سارة للسينما المصرية لا سيما وأن الفيلم قد لقى استحسانا جماهيريًا ونقديًا عالميًا واسع النطاق حتى أن موقع هوليوود ريبورتر المرموق قد وصفه بأنه» جوهرة مهرجان كان الدرامية الكامنة التي خرجت من عبثية الفقر والدواجن»!.

ويعتبر فيلم «ريش» هو العمل الروائي الطويل الأول للمخرج عمر الزهيرى بعد أن قدم مجموعة من الأفلام القصيرة منها «زفير» وما بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمام بالكيلو 375 والذي شارك به أيضًا منذ سبع سنوات فى مهرجان كان عام 2014.

وتدور الأحداث في الفيلم حول ربة منزل تقوم بأعباء منزلها اليومية المملة المتكررة وذات مرة تنقلب حياتها رأسا على عقب بعد حفلة عيد ميلاد ابنها الصغير عندما يشارك زوجها - وهو شخصية استبدادية ويعيش دور سيد المنزل - في خدعة سحرية تتسبب في تحوله إلى دجاجة وتصبح المشكلة بعد ذلك أنه لن يرجع بشكله الإنساني مرة ثانية.

بعدها تجبر الزوجة والتي هي أم لثلاثة أطفال على التعامل مع تداعيات هذه الخدعة السحرية التي انحرفت عن مسارها، فتجد نفسها بعدها مضطرة للبحث عن دخل ورعاية كل من أطفالها وحيوانها الأليف الجديد - الدجاجة التي تحول زوجها لها وباتت تبتلع البذور ليل نهار، وتحاول أيضًا إيجاد طريقة لعكس الخطأ السحرى ليعود زوجها كما كان.

وتظهر الشخصيات في الفيلم عفوية وتلقائية لتعبر عن قصة يمكن لأى شخص أن يشعر بها أو كما يقول عمر الزهيري» أردت صناعة فيلم بطريقة عفوية ليصل إلى القلب وكانت كل الاحتمالات مفتوحة أمامي، فليس هناك قواعد صارمة ولا سيناريو متقن، فقد كانت هناك الحياة والمشاعر والإنسان، وقد اخترت ممثلين موهوبين ولكن ليسوا على علاقة بالكاميرا مثل الممثلين المخضرمين، لأني أردت للمشاهد أن يرى لوحة حياتية».

كما تحدث عن فكرة الفيلم السريالية قائلا:«اعتقد أنه في السينما عليك أن تُظهر للجمهور شيئًا لم يسبق لهم أن رأوا له مثيلا من قبل فى حياتهم ، شيء هم بحاجة إلى رؤيته من خلالك، وقد وجدت أن السريالية تتناسب مع طبيعتى ومع الطريقة التى أرى بها الأمور بصفة عامة».

وقال الزهيري أيضًا: «حكاية العائلة التي تفقد معيلها الرئيسي وتضطر فيها الأم إلى إيجاد طريقة للعيش لإعالة أسرتها حكاية مكررة وتعتبر فكرة الريش بالنسبة لي هي عنصرًا دراميًا رئيسيًا لسرد الحكايات وكشف الحقائق، لأنها تخبر الكثير عن شعور الناس تجاه أنفسهم وحياتهم ووضعهم وإدراكهم لأنفسهم وللعالم من حولهم».

وأشار موقع سكرين ديلي للفيلم واصفًا إياه بأنه «يعكس واقع عبثي فالزوج في الفيلم حتى لو كان في الأحداث مجرد دجاجة من الدواجن فهو لا يزال فردًا متطلبًا ومدللًا في الأسرة وتتركه الزوجة يعيش على السرير الزوجية الذي كان ينام عليه قبل أن يتحول إلى دجاجة، ذلك الزوج هو نفسه الذى كان يعيش يقدم لأسرته وعود خيالية في شقته القذرة فهو يعد ابنه بفيلا بحمام سباحة يوما ما، وهو يدرك أن وعوده مجرد اوهام لن تتحقق، ليعكس صورة عبثية لواقع الفقر والأحلام». 

 

بوابة أخبار اليوم المصرية في

20.07.2021

 
 
 
 
 

وزيرة الثقافة تكرم صناع فيلم «ريش» بعد جائزة مهرجان كان

كتب: سعيد خالد

تكرم وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبدالدايم، صناع فيلم «ريش» للمخرج عمر الزهيري، في احتفالية ينظمها المركز القومي للسينما، برئاسة السيناريست محمد الباسوسي، وذلك بعد غد الثلاثاء، بمركز ثروت عكاشة الثقافي.

يأتي ذلك التكريم تقديرا لتميز العمل ولحصوله على جائزة الفيبريسي لأفضل فيلم في الاقسام الموازية وجائزة أفضل فيلم بأسبوع النقاد بمهرجان كان.

وتدور قصة الفيلم حول أم تعيش في كنف زوجها وأبنائها، حياة لا تتغير وأيام تتكرر بين جدران المنزل الذي لا تغادره ولا تعرف ما يدور خارجه. ذات يوم يحدث التغير المفاجئ ويتحول زوجها إلى دجاجة، فأثناء الاحتفال بيوم ميلاد الابن الأصغر، يخطئ الساحر ويفقد السيطرة ويفشل في إعادة الزوج، الذي كان يدير كل تفاصيل حياة هذه الأسرة، هذا التحول العنيف يجبر هذه الزوجة الخاملة على تحمل المسؤولية بحثاً عن حلول للأزمة واستعادة الزوج، وتحاول النجاة بما تبقى من أسرتها الصغيرة، وخلال هذه الأيام الصعبة تمر الزوجة بتغيرٍ قاسٍ وعبثي.

ويمزج الفيلم بين الواقع والفانتازيا، إذ يتناول قصة أب يقرر إقامة عيد ميلاد ابنه الأكبر فيحضر ساحرا لتقديم بعض الفقرات المسلية للأطفال، وفي إحدى الفقرات يدخل الأب في صندوق خشبي ليتحول إلى دجاجة ومع محاولة الساحر إعادته مرة أخرى تفشل الخدعة ويبقى الأب في هيئة دجاجة.

يعد «ريش» هو أول الأفلام الروائية الطويلة للمخرج عمر الزهيري، وقد اشترك في تأليفه مع السيناريست أحمد عامر، وهو من إنتاج الفرنسيين جولييت لوبوتر وبيير مناهيم، من خلال شركة Still Moving، بالمشاركة مع Lagoonie Film Production للمنتجة شاهيناز العقاد، وفيلم كلينك والمنتج محمد حفظي، درك جان وارينك وكوجي نيليسين (Kepler Film)، جيورجوس كرنفاس وكونستانتينوس كنتفركيس (Heretic) وفيرونا ماير، وتتولى توزيعه في العالم العربي شركة Film Clinic Indie Distribution.

وتم تطوير مشروع الفيلم بدعم من جائزة baumi لتطوير السيناريو، تورينو فيلم لاب ومؤسسة Cinefondation، ونال جائزة الأطلس لما بعد الإنتاج في ورشة الأطلس ضمن المهرجان الدولي للفيلم بمراكش 2020.

 

المصري اليوم في

01.08.2021

 
 
 
 
 

وزيرة الثقافة تكرم صناع فيلم «ريش» الفائز بجائزة أسبوع النقاد في مهرجان كان

كتب: سعيد خالد

كرمت الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، صناع فيلم ريش، من إخراج عمر الزهيري، بعد الفوز بجائزة مسابقة أسبوع النقاد في الدورة الـ74 من مهرجان كان السينمائي الدولي، خلال الاحتفالية التي نظمها المركز القومي للسينما برئاسة السيناريست محمد الباسوسي بقاعة ثروت عكاشة بالمركز القومي للسينما، بحضور الدكتور خالد عبدالجليل مستشار وزيرة الثقافة لشؤون السينما وكوكبة متميزة من السينمائيين وصناع الفيلم.

وقالت عبدالدايم إن الفوز بالجائزة يعد إنجازاً تاريخيا باعتباره أول فيلم مصري يحصل عليها خاصة أنها المشاركة الأولى بهذه المسابقة، وتابعت أن الجائزة تعد خطوة جديدة على طريق استعادة الريادة المصرية في مجال السينما، وأشادت بالمستوى الفني المميز للفيلم وصناعة وحثتهم على بذل المزيد من الجهد لاستمرار التفوق، وأكدت الفخر بهذا الإنجاز موجهة تحية تقدير لمبدعي الفيلم ووعدتهم بتقديم كافة أشكال الدعم، ووجهت الشكر للسيناريست الباسوسي لجهوده الدؤوبة في تطوير المجال السينمائي، وللمخرج محمد حفظي والمنتجة شاهيناز العقاد لإيمانهم بقدرات الشباب من أبطال الفيلم.

كما أبدى صناع الفيلم سعادتهم البالغة بتكريم وزيرة الثقافة لهم واهتمامها بإثراء ودعم الحركة السينمائية المصرية.

وكان الحفل قد استهل بمشاهد مسجلة عن الفيلم وصناعه أثناء مشاركتهم بالمهرجان وحصولهم على الجائزة ثم كرمت وزيرة الثقافة فريق العمل بتسليمهم الدروع التذكارية وشهادات التقدير وهم المنتج محمد حفظي، المنتجة شاهيناز العقاد، المخرج عمر الزهيري، مديرالتصوير كمال سامي، مهندس الديكور عاصم على، المونتير هشام صقر، المنتج المنفذ محمد الراعي، مدير الإدارة الإنتاجية سامر صلاح، مصممة الملابس هبة حسني، مهندس الصوت أحمد عدنان، مدير الإنتاج هشام أبوزيد، مساعد المخرج أحمد عماد والممثلين دميانة نصار (عن دور الزوجة)، سامي بسيون (عن دور الزوج)، محمد عبدالهادي (عن دور صديق الزوج)، فادي مينا (عن دور الابن الأكبر)، أبوسفين نبيل (عن دور الابن الأصغر )، نعيم عبدالملك (عن دور الساحر)، محمد صدقي (عن دور مسؤول المصنع)، يوستينا سمير (مسؤولة ممثلين المنيا)، ناصر جلال (عن دور صديق الزوج)، عبدالله (عن دور مساعد الساحر)، سامية (عن دور صديقة الزوجة).

فيلم ريش سيناريو عمر الزهيرى بمشاركة أحمد عامر ويمزج بين الواقع والفانتازيا، حيث يتناول قصة أب يقرر إقامة عيد ميلاد ابنه الأكبر فيحضر ساحراً لتقديم بعض الفقرات المسلية للأطفال وفي إحدى الفقرات يدخل الأب في صندوق خشبي ليتحول إلى دجاجة، ومع محاولة الساحر إعادته مرة أخرى تفشل الخدعة ويبقى الأب في هيئة دجاجة وتحاول الام استعادة زوجها من خلال رحلة شاقة تجرب فيها كل الحلول.

 

المصري اليوم في

03.08.2021

 
 
 
 
 

فيلم «ريش» لعمر الزهيري: ذكر مصري لا ينفع

نسرين سيد أحمد

كان ـ «القدس العربي»: شاهدنا فيلم «ريش» للمخرج المصري عمر الزهيري في أسبوع النقاد في مهرجان كان، وفور إضاءة أنوار قاعة العرض بعد انتهاء الفيلم، كنا قد تيقنا أننا أمام فيلم مهم لم تشهد السينما المصرية ما يضاهيه إبداعيا منذ أعوام. ولم يخيب الفيلم الظنون، حيث فاز بجائزتي أسبوع النقاد الدولي في المهرجان، وبجائزة الاتحاد الدولي للنقاد (فيبريسى فيلم يجمع بين الواقع والفانتازيا، في ما يشبه عالم الواقعية السحرية، ليضعنا أمام صورة قاتمة ساخرة للأسرة المصرية، وللذكر المصري، وللمرأة في مصر وما تشهده من عذابات في المقام الأول.

ولتكن بدايتنا من عنوان الفيلم، «ريش».. الفيلم ببساطة عن رجل مصري، زوج وأب، يتحول إلى دجاجة، لم يختر الزهيري لفيلمه مثلا اسم «دجاجة» لأن في الدجاجة ما ينفع، فيها لحم يمكن أن يقيم الأود، أو يمد الصغار بالزاد، أو يوفر لهم البيض أو ما شابه. لكن ما نفع الريش! الريش هو سقط المتاع هو ما يُتخلص منه أو يُلقى في النفايات بعد الحصول على ما ينفع من الدجاجة.

هذا الزوج والأب المصري إذن هو سقط المتاع، هو ما لا يجدي وما لا ينفع.. هو أب وزوج فقير يحتفظ بجنيهاته القليلة في صندوق عتيق يحتفظ بمفتاحه، ويمن على زوجته بقروش معدودة تشتري بها ما يسد أفواه الصغار. ويقرر هذا الأب، الذي يعيش هو وأسرته في منطقة صناعية فقيرة، يكسوها دخان المصانع والغبار، أن يقيم حفل عيد ميلاد لطفله الصغير، وفي ذلك الحفل يتحول الأب بفعل لعبة ساحر إلى دجاجة. يترك زوجته خفيضة الصوت دوما، منحنية الهامة والرأس دوما، المنصتة لتعليماته دوما، لتواجه العالم في محاولة لتدبير قوت يومها، وما يوفر لقيمات معدودات لصغارها. لو أننا محل هذ الأم المسكينة، لربما فكرنا في ذبح هذه الدجاجة التي كانت أبا لإطعام الصغار. لكن هذه الأم والزوجة التي تشربت من المجتمع هذا التبجيل للرجل والأب والذكر، تقرر أن تمنح هذه الدجاجة/الزوج/الأب مكان الصدارة في البيت، متخلية عن غرفتها وفراشها لهذا الريش. بيد أن الأمر الساخر حقا في الفيلم هو أن هذا الزوج/الدجاجة ليس بأسوأ نماذج الرجال في الفيلم، أو في المجتمع المصري ككل. هو رجل أفضل ما يمكننا وصفه به هو أنه رجل قليل الحيلة، صاحب تطلعات ذكورية سلطوية على ضعفه. هو رجل يعيش خيلاء الذكورة على فقره، فيحدث زوجته عن بعثة زار فيها أحد البلدان، الذي يوفر لكل فرد بقرة يشرب حليبها باردا أو ساخنا، حديث يفترض به أن يبهر تلك المرأة الصامتة، التي لم تخبر من الدنيا شيئا. هو رجل يمني طفليه رثي الثياب بطاولة بلياردو. هو رجل يرى أن شراء نافورة يزين بها البيت الرث ويباهي بها ذاته أمام الجيران والأصدقاء خير من سداد إيجار منزله المتأخر المتراكم منذ عدة أشهر. هو رجل قدوته ومن يتطلع له في الحياة ليس خيرا من ذلك الذي يعمل في تهريب السلع والبضائع، بل إنه يتزلف إلى هذا المهرب علّه يحصل منه على بعض المال.

إحدى المفارقات الرئيسية في الفيلم هي أن هذه الدجاجة التي كانت رجلا تعيش حياة أفضل مما يعيشه البشر في الفيلم. هذه الدجاجة تنام على فراش وتحصل على طعامها قبل باقي الأسرة، وحين تمرض تهرع بها الزوجة إلى المستشفى لتدفع مئات الجنيهات لعلاجها، رغم الهوان والذل والتنمر والتحرش الذي تواجهه الزوجة للحصول على قروش معدودة لإطعام الصغار. نرى اللحم قاسما مشتركا في العديد من مشاهد الفيلم، تعمل الزوجة في مصنع للحوم الدواجن بعد تحول الزوج، لحوم لا تجرؤ حتى على اشتهائها لفقرها الشديد، ثم نراها تعمل في قصر سيدة ثرية تطعم كلبها المدلل لحما تتوق الزوجة لمذاق قطعة منه، تسرقها خلسة للصغار، ثم نراها تنظف لحم السمك من الأشواك لتقدمه لمخدومها في متجر ما. هي امرأة فقيرة تشتهي اللحم بمعناه الحرفي، اللحم الذي يقيم أود الصغار ويغذي الجسد الضعيف، لكنها هي أيضا ينظر لها الرجال على أنها قطعة لحم يمكن افتراسها. تدرك بعد فترة وجيزة أن مساعدة الرجال لها لا تأتي إلا مشروطة بتحرشهم بها أو باستغلالهم لاحتياجها. هم يرونها قطعة لحم سائغة لمجرد غياب الرجل/الدجاجة.

يقدم الزهيري عالما سيرياليا غرائبيا، كما لو أن الأبوكالبس قد حل بمصر فاستحالت رمادا ودخانا وغبارا، لكن هذا الواقع الغرائبي الذي تواجهه هذه الزوجة والأم لا يختلف كثيرا عن المعاناة والتنكيل والتحرش والاستضعاف الذي تواجهه الكثير من النساء في مصر.

والسؤال الذي يراودنا أثناء مشاهدة الفيلم هو، ترى إذا عاد هذا الرجل إلى صورته الأولى وذهبت الدجاجة هل ستختلف حياة هذه المرأة؟ هل ستتحسن؟ هل ستجد بعض الراحة؟ ربما تشير نهاية الفيلم الصادمة إلى إجابة هذا التساؤل. واقع الحال هو أن هذه المرأة ستواجه الأمرين، وتواجه شظف العيش، وأعين الرجال وأيديهم، وستواجه قسوة المجتمع وغلظته، سواء كانت بمفردها أم حاملة لحفنة من الريش.

 

القدس العربي اللندنية في

05.08.2021

 
 
 
 
 

دميانة نصار بطلة فيلم "ريش":

كان نفسى أكون زى الفنانين بس كنت خايفة جوزى يمنعنى

كتب بهاء نبيل

حل صناع وأبطال فيلم "ريش" الحاصل على جائزة الفيبريسي لأفضل فيلم في الأقسام الموازية وجائزة أفضل فيلم بأسبوع النقاد بمهرجان كان، ضيوفا فى برنامج "معكم" للإعلامية منى الشاذلى المذاع على قناة Cbc، وكشفوا عن بداية فكرة الفيلم واختيار أبطاله، حيث قالت بطلة الفيلم دميانة نصار: "جاء المخرج عمر الزهيرى في الصعيد وكان عاوز واحدة تعمل دور في فيلم، وبنتى عرفتنى المعلومة دى فقلتلها ماشى هاروح أشوف".

وتابعت دميانة نصار: "كان دايما جوايا إحساس نفسى أكون زى الفنانين ولكن عمرى ما اتكلمت وقلت حاجة لحد وكله جوايا وبقولى نفسى أكون زى الفنانين، ومكنتش بتكلم في الموضوع ده خالص، وخايفة زوجى يمنعنى، ولكن لما عرض المخرج عمر الزهيرى الموضوع واخدت رأيه قالى ده حلو ليكى ووافق علطول".

وقال المخرج عمر الزهيرى: "طريقتى فى الشغل عكس كل الطبيعى سواء في اختيار الأفكار أو طريقة تنفيذها وأنا بشتغل بالحدث والإحساس، وكل اللى بدور عليه طلة معينة ولما شوفتها في دميانة شوفت كل الفيلم اللى في بالى في اللحظة دى، وأنا بهتم بطريقة الناس الحقيقية اكتر من التمثيل نفسه، ومن هنا اشتغلت على الانطباع اللى جالى".

وتدور قصة الفيلم حول أم تعيش في كنف زوجها وأبنائها، حياة لا تتغير وأيام تتكرر بين جدران المنزل الذي لا تغادره ولا تعرف ما يدور خارجه، ذات يوم يحدث التغير المفاجئ ويتحول زوجها إلى دجاجة، فأثناء الاحتفال بيوم ميلاد الابن الأصغر، يخطئ الساحر ويفقد السيطرة ويفشل في إعادة الزوج، الزوج الذي كان يدير كل تفاصيل حياة هذه الأسرة، هذا التحول العنيف يجبر هذه الزوجة الخاملة على تحمل المسؤولية بحثاً عن حلول للأزمة واستعادة الزوج، وتحاول النجاة بما تبقى من أسرتها الصغيرة، وخلال هذه الأيام الصعبة تمر الزوجة بتغيرٍ قاسٍ وعبثي.

ويمزج الفيلم بين الواقع والفانتازيا، إذ يتناول قصة أب يقرر إقامة عيد ميلاد ابنه الأكبر فيحضر ساحرا لتقديم بعض الفقرات المسلية للأطفال، وفي إحدى الفقرات يدخل الأب في صندوق خشبي ليتحول إلى دجاجة ومع محاولة الساحر إعادته مرة أخرى تفشل الخدعة ويبقى الأب في هيئة دجاجة.

يعد "ريش" هو أول الأفلام الروائية الطويلة للمخرج عمر الزهيري، وقد اشترك في تأليفه مع السيناريست أحمد عامر وهو من إنتاج الفرنسيين جولييت لوبوتر وبيير مناهيم من خلال شركة Still Moving، بالمشاركة مع وLagoonie Film Production للمنتجة شاهيناز العقاد وفيلم كلينك والمنتج محمد حفظي، درك جان وارينك وكوجي نيليسين (Kepler Film)، جيورجوس كرنفاس وكونستانتينوس كنتفركيس (Heretic) وفيرونا ماير، وتتولى توزيعه في العالم العربي شركة Film Clinic Indie Distribution.

وتم تطوير مشروع الفيلم بدعم من جائزة baumi لتطوير السيناريو، تورينو فيلم لاب ومؤسسة Cinefondation، ونال جائزة الأطلس لما بعد الإنتاج في ورشة الأطلس ضمن المهرجان الدولي للفيلم بمراكش 2020.

 

####

 

بطلة فيلم "ريش": سألت ابنى يعنى إيه مهرجان كان..

والمنتجة: زغرط وعيط فى نفس الوقت

كتب بهاء نبيل

حل صناع وأبطال فيلم "ريش" الحاصل على جائزة الفيبريسي لأفضل فيلم في الأقسام الموازية وجائزة أفضل فيلم بأسبوع النقاد بمهرجان كان، ضيوفا فى برنامج "معكم" للإعلامية منى الشاذلى المذاع على قناة Cbc، وتحدثوا عن كواليس المشاركة في مهرجان كان وحصوله على الجائزة، حيث قال المنتج محمد حفظى: "لم أتوقع أن يحصل الفيلم على جائزة بهذا الحجم مش عشان بقلل من الفيلم ولكن عشان محصلتش قبل كدة، لأن مفيش أى فيلم عربى أخدها، فكانت مفاجأة، بس كنت حاسس إن الفيلم هيتم اختياره للمشاركة في مهرجان كان".

وتابعت المنتجة شاهيناز العقاد: "أنا مروحتش مهرجان كان بس مكنتش متخيلة إننا هناخد جائزة وكلمت محمد حفظى وعمر الزهيرى وقالولى احنا قاعدين مع بعض ومش مصدقين فقلتلهم أنا كمان مش مصدقة، وحفظى بعتلى الفيديوهات من الحدث وقالى مبروك، وحمدت ربنا إنى مكنتش معاهم لأن أنا كنت حاسة أن قلبى هيقف أكننا أخدنا كاس العالم وقعدت أزغرط وأعيط في نفس الوقت".

وقال المخرج عمر الزهيرى: "أنا بشوف السينما أنواع مختلفة عندنا في سينما تجارية وفى سينما بنحتاجها من حين لآخر تربك اللى متعارف عليه وأنا بحب لما اشتغل على فيلم إنى أكون أنا بس اللى ممكن أعمله، والحاجة التانية والمهمة اننا نعمل حاجات للجمهور ميكونش معتاد عليها ويكون فيها شوية خيال مع وجود المشاعر الإنسانية العادية".وقالت دميانة نصار، بطلة الفيلم: "لما المخرج عمر الزهيرى عرض عليا الدور قالى انى هعمل نفس شخصيتى بنفس شكلى بنفس ملابسي اللى بلبسها، وقلتله أنا مش متعلمة فقالى عادى وأن الدور مش هيكون في كلام كتير وهايكون صامت أكتر".

وعن لحظة علمها بفوز الفيلم بجائزة مهرجان كان قالت دميانة نصار: "ابنى بيقعد على النت وهو اللى عرفنى الخبر، كان عندنا عيد وكنت راجعة من الكنيسة وهو قالى عندى ليكى خبر حلو وأن الفيلم أخد جايزة في مهرجان كان، فقلتله يعنى إيه مهرجان كان، وقلتله انا رايحة أنام فقالى استنى هاشرح ليكى وقعد يشرحلى ويقرأ لى اللى مكتوب على النت".

وتدور قصة الفيلم حول أم تعيش في كنف زوجها وأبنائها، حياة لا تتغير وأيام تتكرر بين جدران المنزل الذي لا تغادره ولا تعرف ما يدور خارجه، ذات يوم يحدث التغير المفاجئ ويتحول زوجها إلى دجاجة، فأثناء الاحتفال بيوم ميلاد الابن الأصغر، يخطئ الساحر ويفقد السيطرة ويفشل في إعادة الزوج، الزوج الذي كان يدير كل تفاصيل حياة هذه الأسرة، هذا التحول العنيف يجبر هذه الزوجة الخاملة على تحمل المسؤولية بحثاً عن حلول للأزمة واستعادة الزوج، وتحاول النجاة بما تبقى من أسرتها الصغيرة، وخلال هذه الأيام الصعبة تمر الزوجة بتغيرٍ قاسٍ وعبثي.

ويمزج الفيلم بين الواقع والفانتازيا، إذ يتناول قصة أب يقرر إقامة عيد ميلاد ابنه الأكبر فيحضر ساحرا لتقديم بعض الفقرات المسلية للأطفال، وفي إحدى الفقرات يدخل الأب في صندوق خشبي ليتحول إلى دجاجة ومع محاولة الساحر إعادته مرة أخرى تفشل الخدعة ويبقى الأب في هيئة دجاجة.

يعد "ريش" هو أول الأفلام الروائية الطويلة للمخرج عمر الزهيري، وقد اشترك في تأليفه مع السيناريست أحمد عامر وهو من إنتاج الفرنسيين جولييت لوبوتر وبيير مناهيم من خلال شركة Still Moving، بالمشاركة مع وLagoonie Film Production للمنتجة شاهيناز العقاد وفيلم كلينك والمنتج محمد حفظي، درك جان وارينك وكوجي نيليسين (Kepler Film)، جيورجوس كرنفاس وكونستانتينوس كنتفركيس (Heretic) وفيرونا ماير، وتتولى توزيعه في العالم العربي شركة Film Clinic Indie Distribution.

وتم تطوير مشروع الفيلم بدعم من جائزة baumi لتطوير السيناريو، تورينو فيلم لاب ومؤسسة Cinefondation، ونال جائزة الأطلس لما بعد الإنتاج في ورشة الأطلس ضمن المهرجان الدولي للفيلم بمراكش 2020.

 

اليوم السابع المصرية في

20.08.2021

 
 
 
 
 

جارتي صارت بطلة فيلم... ظلمها العالم وأنصفتها السينما

محب سمير

عجيبة هي السينما، وساحرة. ومن ضمن عجائبها وسحرها، أن تجعل من جارتي؛ السيدة الأمّية البسيطة "أم ماريو"، بطلة فيلم ريش (Feathers) المصري، الذي حصد جوائز عدة في مهرجانات عالمية، هي المرأة التي لا تعرف عن السينما سوى الأفلام التي تشاهدها في تلفزيون بيتها.

إن فوز الفيلم المصري "ريش"، للمخرج المصري الشاب عمر الزهيري، بالجائزة الكبرى في مسابقة أسبوع النقاد، في الدورة الأخيرة لمهرجان "كان" السينمائي، يُعدّ سابقة للسينما المصرية، التي لم ينل أي من أفلامها هذه الجائزة من قبل، على الرغم من تاريخ السينما المصرية، وفي مشاركاتها بمهرجان "كان" تحديداً. كذلك، حصد "ريش" جائزة "فيبريسي" لأفضل فيلم، التي تُمنح للمخرجين المشاركين للمرة الأولى في المهرجان نفسه. فجاءت الجائزتان لتنصفان تياراً كاملاً من صناع السينما المستقلة في مصر، ولتعيد الأمل من جديد في النهوض بالفن السابع المصري، على يد أبنائها المخرجين الشبان، خريجي معهد السينما المصري العريق، مثل الزهيري ورفاقه.

هنا في قرية البرشا، مركز ملوي، في محافظة المنيا، تسكن دميانة نصار؛ المرأة الأربعينية، التي تعيش حياة على الهامش، على الأصعدة جميعها، مثل معظم نساء قريتها. لا أحد تقريباً يعرف اسمها الحقيقي، ولا أحد يذكره، سوى السجلات الرسمية. يعرفها الجميع بـ"أم ماريو" فحسب، وأحياناً "أم هايدي". وهايدي هي ابنتها الكبرى، ابنه الرابعة عشر، والتي كانت تمر بظروف نفسية سيئة بسبب غياب والدها عن بيته، منذ ست سنوات في ليبيا، للعمل، وانقطاع أخباره، فاشتركت في فرقة مسرح ناشئة للفتيات في القرية، وفرحت الأم بتغير مزاج ابنتها نحو الأفضل. عرفت قيمة الفن والمسرح في علاج النفس، فشجعت ابنتها، وسمحت لها بالسفر مع الفرقة في رحلات عروض في محافظات مصر. كانت تتمنى لها النجاح والشهرة في التمثيل، لكن القدر اختار الأم لتنال ذلك كله، مكافأةً لها على كفاحها.

جاءت الجائزتان لتنصفان تياراً كاملاً من صناع السينما المستقلة في مصر، ولتعيد الأمل من جديد في النهوض بالفن السابع المصري

هل كان يعلم المخرج عمر الزهيري ذلك كله عن بطلته التي سيختارها؟ هل رأى "أم ماريو" في أحلامه، طوال السنوات الست، منذ تخرجه من معهد السينما، والتي أنجز فيها فيلم تخرجه القصير "ما بعد وضع حجر الأساس لمشروع الحمام بالكيلو 376"، الذي شارك في مسابقة Cinefondation التابعة لمهرجان كان السينمائي الدولي عام 2014، وفاز بجائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان "بالم سبرينجز" السينمائي الدولي عام 2014؟ منذ ذلك الوقت، يفكر المخرج في فيلمه الروائي الطويل الأول "ريش". عكف على كتابة السيناريو طوال عامين، والبحث عن جهة إنتاج مستعدة لخوض تجربة إنتاج فيلم لأبطال لم يقفوا أمام الكاميرا من قبل، فيناقش قضايا مجتمعية خطيرة، بطريقة مختلفة، فيها الكثير من الفانتازيا، والقتامة، والبؤس، مغرقاً في الواقعية، لنسبة كبيرة من فقراء مصر.

قصة بطلة فيلم "ريش" تمشي جنباً إلى جنب مع حياة أم ماريو الحقيقية، وبأسلوب عجيب، وصورة مطابقة تقريباً. عندما بحث المخرج عن بطلة فيلمه، طاف قرى محافظة المنيا، عامين آخرين، ليرى مئات السيدات، قبل أن يستقر القرار على "أم ماريو"، فور رؤيته لها، في مقر الفرقة المسرحية التي تشارك فيها ابنتها، وكان يجري هناك مقابلات مع نساء القرية. وفي اليوم الأخير، دخلت "أم ماريو" لتسأل عن ابنتها الصغيرة. وبمجرد أن رآها، عرف أنه وجد ضالته أخيراً، وسيبدأ تصوير الفيلم الذي كان جاهزاً تماماً، وينتظر بطلته.

يتناول فيلم "ريش" قصة غير مسبوقة، ممتلئة بالرموز والمفارقات. اعتمد مخرجه في مشاهده على الصورة بشكل كامل، فالحوار معدوم تقريباً، إلا من بضع جمل قصيرة بين الممثلين. إنه "بورتريه" اجتماعي لوضع المرأة المصرية الممثلة في الأم، التي تعتمد بصورة شبه كلية على زوجها؛ صاحب القرار في كل شيء في حياة أسرته؛ ما يأكلون، وما يلبسون، وهو الذي يعطي زوجته مصروف البيت يومياً من حصالة معدنية، وهو الوحيد الذي يمتلك مفتاح قفلها. فجأةً، يغيب هذا الزوج بصورة فانتازية، إذ يتحول إلى دجاجة في عيد ميلاد ابنه الصغير، على يد ساحر أحضره الأب ليسعد ابنه.

هذه الزوجة البائسة، التي تعيش في شقة حقيرة، في جوار مصنع متهالك كان يعمل فيه زوجها، تنطلق في معترك الحياة القاسية، وهي لا تملك أي سلاح لتواجه به تلك القسوة، ومن دون مساعدة من أحد. فحتى أولئك الذين يعرضون المساعدة، يحاولون استغلالها جنسياً، كصديق الزوج، الذي عندما تفشل محاولاته معها، يطاردها من أجل الحصول على أمواله التي صرفها على أسرتها، طوال فترة غياب الزوج. تضطر الزوجة إلى أن تخرج إلى العالم، لإعالة أسرتها المكونة من ثلاثة أطفال، آخرهم رضيع، وتفعل المستحيل من أجل إعادة زوجها إلى وضعه الطبيعي. تمر بمصاعب جمة، مثل اتهامها بالسرقة، وتضطر إلى خوض عالم السحر والشعوذة، لإعادة زوجها إلى صورته الآدمية.

قصة بطلة فيلم "ريش"، تمشي جنباً إلى جنب مع حياة "أم ماريو" الحقيقية، وبأسلوب عجيب، وصورة مطابقة تقريباً

حياة تغيب فيها أشكال التكافل أو الرحمة كلها. عالم لا يعرف غير لغة المال. حتى إيجار الشقة البسيط، لا تصبر هيئة الإسكان على الأسرة لدفعه. تتم مصادرة ممتلكات الأسرة الفقيرة، مقابل الإيجار المتأخر. والمصنع الذي يعمل فيه الزوج لسنوات طويلة، لا يعترف بتبريرات غيابه عن العمل، فيتم فصله. لا تجد الأم سبيلاً، إلا بدفع ابنها الطفل البريء للعمل محل الأب.

الأمر الملفت للنظر في فيلم "ريش"، هو غياب الموسيقى التصويرية تماماً. فالمقاطع الموسيقية في العمل، تخرج كلها من أجهزة صماء؛ من كاسيت سيارة، أو من جهاز التلفاز الذي يعرض أفلام الكارتون فحسب، أو مشاهد من أغنيات أجنبية راقصة لفتيات مثيرات. لقد نزع المخرج كل لمحة قد تدل على السعادة في حياة أبطاله، لنرى صورة المأساة كاملة. وقد نجح في مسعاه.

على الرغم مما حدث كله، جراء كارثة تحول الأب إلى دجاجة، إلا أنه ساعد الأم في نيل حريتها، ومواجهة ضعفها. لقد تخلصت من السلطة الذكورية المتمثلة في الزوج، ومن قبله والدها، الذي يعاود الظهور، ليضيف عبئاً جديداً عليها، بينما هي مضطرة إلى إعالته، بعد أن أصيب بالشلل، وفقد النطق.

وعلى نحو موازٍ، غيرت التجربة التي خاضتها دميانة نصار حياتها تماماً، وحياة من حولها. ليس بسبب تجربة الشهرة والظهور في البرامج التي تحب مشاهدتها فحسب، ولا بسبب الأجر الذي تقاضته عن العمل، هي التي لم تحلم بأن تحصل على نصفه. لكن الأهم، هو خروجها، وتعلمها الكثير من ذلك العالم الساحر للسينما، والعمل مع عدد كبير من البشر، والتعامل معهم بلا رهبة، مدة ثلاثة أشهر. ثلاثة أشهر تعلمت فيها ما لم تفعله الأعوام الأربعون التي عاشتها في قريتها فحسب. القرية التي يرى أهلها أن عمل المرأة غير ضروري، فيهاجمون الفتيات اللواتي يشاركن في عروض التمثيل، ويحثون الأهالي على منع بناتهن من المشاركة فيها، ومنهم "أم ماريو" التي لم تستمع إلى نصائحهم، وتركت ابنتها هايدي تمارس ما تحب. اليوم، وبعد النجاح والشهرة كلها التي حققتها، ازداد الإقبال من الفتيات والشبان، بل ومن السيدات، على المشاركة، ومحاولة التعلم، ليكبر الحلم، ويثمر. وفي اعتقادي، هنا يكمن دور السينما الأكبر.

* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

 

موقع "المنصة" في

31.08.2021

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004