الإبحار في تاريخ الفنان السعودي "عبد المحسن النمر" يشبه
الدخول إلى أعماق البحر، لاستخراج حكاية ٤٠ عاماً من العطاء الفني، والجهد
الذي قدمه خلال مسيرته عبر العديد من الأعمال الدرامية والمسرحية، والتي
أظهرت قدرته على تقمص الشخصيات المتعددة، وربما الصعبة.
وخلال جلسة حوارية أدارها الزميل الإعلامي "ماجد إبراهيم" ضمن
برامج مهرجان الأفلام السعودية،
والذي افتتحت فعالياته يوم أمس، استطاع أن يسجل سطراً جديداً في قلوب
جمهوره الذي حضر بمقر مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي "إثراء".
بدأت الجلسة الحوارية، حين الحديث عن مسرح "الطابوقة" كما
سماها "النمر" في حديثه، حيث ذاك المسرح الذي اختاره في طفولته بالقرب من
منزلهم العتيق، ليضع عددا من أحجار الطابوق ويعتلي عليها، ويقدم مشاهده
لأطفال الحارة، ومن حينها بدأ الشغف يتغلغل في داخله ليكون ممثلاً حقيقياً،
وتوالت المواقف والقصص، ومرت السنوات، ليصبح نجماً عربياً يُشار له بالبنان.
الشاطر حسن
واسترسل النمر حديثه، حين كانت قصة الشهرة في مرحلة مبكرة
عبء كبير ومسؤولية أكبر على الممثل الصغير "النمر"، والذي أصبح مشهوراً بين
عشية وضحاها، فبعد أول تجربة تلفزيونية مكونة من ٣٠ حلقة، هذه الشهرة التي
فرضت عليه سلوكا معينا، تحدث عنها النمر خلال الحوار وعن التغيير الذي عاشه
خلال تلك المرحلة بسبب الشهرة.
وتأثر النمر بمتابعة القنوات الفضائية التي ظهرت -على حد
تعبيره- بخيارات كثيرة خلال طفولته، منها تلفزيون الظهران، فقد كان محظوظاً
بهذه المنطقة الحية ثقافياً وقدرته على مشاهدة هذه القنوات التي شكلت في
داخله فكرة التمثيل.
فانطلق من جديد في مسرحية "بيت من ليف" عام ١٩٨٠م، لعب فيها
دور عاشقين خلال دور صامت، يضع يده على قلبه ويسقط على الأرض، مواجهاً
الجمهور بهذا العمل الذي ربطه بالمسرح في البدايات.
تأثير الصحوة
بعد 40 عاماً من العمل الفني، قال عبد المحسن النمر: اكتشفت
أنني على الطريق الصحيح، فالفكرة عندي وكنتُ مؤمناً بها، وأعرف أنني في
الاتجاه الصحيح على الرغم من التصادم المضاد لفكرتي، وما يجري في داخلي من
حالة الصراع واختراعات اللحظة الجميلة، بعد قتال لسنوات طويلة، تحولت تلك
الصراعات إلى قناعة المجتمع بفكرك وتوجهي، فأطلقت على هذه المرحلة لقب
"قفزة" لأنها جاءت من أرض صلبة، اختصرت المسافة والتجربة وحققت النجاح الذي
حلمت به.
رسالة وداع
وبعد سؤال المحاور "ماجد إبراهيم" إلى ضيفه الفنان النمر،
عن رسالة سرية وداعية لأسرته، سلماها لهم الفنان سمير الناصر، أطلق "النمر"
العنان لذاكرته للحديث عن رسالته قائلاً: كانت والدتي ترفض عملي في مجال
الفن، وعلى الرغم من دعم الفنان سمير الناصر لي، والذي أخذ على عاتقه دخولي
لهذا المجال، إلا أن والدتي كانت مستمرة في الرفض، ما جعلني أكتب رسالة
أقول لأسرتي فيها: "أعذروني فإنني لا أرى نفسي في هذا المكان، وسأكون بخير
بعد أن أتعلم ما أحبه، وسأتواصل معكم عندما تستقر أوضاعي"، واتجهت إلى دولة
الكويت من خلال الفنان عبد الناصر الزاير، وبدأتُ في التسجيل في المعهد
العالي للفنون المسرحية بدعم من مدير المسرح الذي وافق على تسجيلي، إلى أن
جاءت لحظة وجود أخي أمام باب المعهد، والذي احتضنني وهمس في أذني كلاماً،
عُدت فوراً معه إلى السعودية، لأني أيقنت أن خياراتي لا يجب أن تكون على
حساب الآخرين.
مسرحية الكماشة
وكان لمسرحية الكماشة نصيب كبير من ذاكرة "النمر" بعد
مشاركة أهم نجوم الخليج في هذا العمل، والذي أخذه إلى مرحلة جديدة من مراحل
الشهرة، فاستطاع أن يحقق شعبية في المسرح الخليجي والاتصال مع الجمهور،
وقدم بعدها العديد من المسرحيات، منها مسرحية "العمياء" ولكنه لم يتوقف عن
المسرح سوى لأنه يبحث عن أعمال تشبهه، وهذا سبب عدم وجوده في المسرحيات.
أدوار جريئة
وعن مشاركاته في أعمال جريئة مثل مسلسل "خزنة" ودور متعاطي
المخدرات، أوضح أنه قام بإتقان الدور بعد اطلاعه على قصص لمدمنين من خلال
زيارة مستشفى الأمل، ليشاهد الأعراض الانسحابية لبعض الحالات، ونجح في تقمص
الدور لدرجة أن والدته بكت خوفاً عليه من الإدمان نفسه، وعن مشاركته في
مسلسل "أم هارون" قال: دخلتُ إلى عمق الدراما بهذا العمل، كوني أريد تقديم
عمل مهني متنوع على مستوى واسع.
وفي ختام الجلسة الحوارية، كشف الفنان عبد المحسن النمر
سعيه للسينما العالمية من خلال أعمال سعودية وخليجية تأخذ الجميع للعالمية.
أفلام السعودية
يذكر أن مهرجان أفلام السعودية، جاء بتنظيم جمعية السينما،
وبشراكة مميزة مع مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي "إثراء" وبدعم من
هيئة الأفلام التابعة لوزارة الثقافة.
ويشهد المهرجان مناقشة أكثر من 50 فيلماً متنوعاً ما بين
روائي طويل، وقصير، ووثائقي، فضلًا عن تقديم حزمة مميزة من البرامج
الثقافية التي تشمل الندوات والورش التدريبية المتقدمة، بالإضافة إلى توفير
منصة لشركات الإنتاج والمنتجين وصناع الأفلام لتمكين مشاريعهم من خلال سوق
الإنتاج. |