ملفات خاصة

 
 
 

ثلاثة أفلام تسجيلية تمر على أحداث متباعدة

من الفن في عهد هتلر إلى ترمب مروراً بجون لينون

ڤينيسيامحمد رُضا

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الحادي والثمانون

   
 
 
 
 
 
 

«ماريا»، الذي سبق وتناولناه هنا قبل يومين، ليس سوى أحد الأفلام المعروضة على شاشة الدورة 81 لمهرجان «ڤينيسيا»، (انطلق في 28 من الشهر الماضي وتسدل ستارته في 7 سبتمبر «أيلول» الحالي)، الذي يتناول حياة شخصيات شهيرة. إذ إن هناك أفلاماً عدّة تتحدّث عن شخصيات حقيقية أخرى بينها ثلاثة أفلام غير درامية.

إنها أفلام وثائقية وتسجيلية عن أسماء مشهورة تتباعد في أزمانها وشخصياتها كما في أدوارها في الحياة. هناك «رايفنشتال» عن المخرجة الألمانية ليني رايفنشتال التي عاشت نحو 101 سنة، و«جون ويوكو» عن حياة المغني جون لينون (من فرقة البيتلز) والمرأة التي ارتبط بها، كذلك يطالعنا فيلم المخرج التسجيلي إيرول موريس «منفصلون» الذي يتناول بعض ما تمر به الولايات المتحدة من أزمات بخصوص المهاجرين القادمين من فنزويلا وكولومبيا ودول لاتينية أخرى.

في هذا النطاق، وبالمقارنة، فإن «ماريا» للمخرج التشيلي بابلو لاراين، يبقى الإنتاج الدرامي الوحيد بين هذه المجموعة متناولاً، كما ذكرنا، الأيام الأخيرة من حياة مغنية الأوبرا.

المخرجة المتّهمة

«رايفنشتال» للألماني أندريس فايَل فيلم مفعم بالتوثيق مستعيناً بصور نادرة ومشاهد من أفلام عدّة للمخرجة التي دار حولها كثير من النقاشات الفنية والسياسية. حققت ليني في حياتها 8 أفلام، أولها سنة 1932 وآخرها «انطباعات تحت الماء» (Impressions Under Water) سنة 2002. لكن شهرتها تحدّدت بفيلميها «انتصار الإرادة» (Triumph of the Will) (1935)، و«أولمبيا» الذي أنجزته في جزأين سنة 1938.

السبب في أن هذين الفيلمين لا يزالان الأشهر بين أعمالها يعود إلى أنهما أُنتجا في عصر النهضة النازية بعدما تبوأ أدولف هتلر رئاسة ألمانيا.

دار «انتصار الإرادة» عن الاستعراض الكبير الذي أقيم في عام 1934 في مدينة نورمبيرغ، الذي ألقى فيه هتلر خطبة نارية أمام حشد وصل تعداده إلى 700 ألف شخص. فيها تحدّث عن ألمانيا جديدة مزدهرة وقوية وعن مستقبل كبير ينتظرها.

الفيلم الثاني من جزأين كان عن الأولمبياد الرياضي الذي أقيم صيف 1936، وحضرته أمم كثيرة بعضها من تلك التي تحالفت لاحقاً ضد الاحتلال الألماني لأوروبا.

شغل المخرجة على الفيلمين فعلٌ فني لا يرقى إليه الشك. تصوّر بثراء كل ما يقع أمامها من الجموع إلى المسيرات العسكرية والرياضية، ومنها إلى هتلر وهو يخطب ويراقب سعيداً الاستعدادات العسكرية التي خاضت لاحقاً تلك الحرب الطاحنة التي خرجت ألمانيا منها خاسرة كلّ شيء.

تبعاً لهذين الفيلمين عدّ الإعلام السياسي الغربي المخرجة رايفنشتال ساهمت في الترويج للنازية. تهمة رفضتها رايفنشتال مؤكدة أنها نفّذت فقط ما طُلب منها. في مقطع من الفيلم مأخوذ عن مقابلة مسجّلة تنفي أنها كانت تنفّذ ما طُلب منها تنفيذه، وإنها لم تنتمِ إلى الحزب النازي (وهذا صحيح) ولم تكن تعلم، شأن ملايين الألمان، بما يدور في المعتقلات.

يستعرض الفيلم حياة المخرجة التي دافع عن أعمالها نُقاد السينما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وإلى اليوم. فيلماها لا يزالان من أفضل ما طُبع على أشرطة في مجال الفيلم الوثائقي إلى اليوم، وذلك عائد إلى اختياراتها من اللقطات والمشاهد وتوثيقها لحدثين مهمّين لا يمكن تصوّر السينما من دون وجودهما بدلالاتهما المختلفة. النتيجة الواضحة إلى اليوم، حتى عبر المقتطفات التي يعرضها الفيلم، تفيد بحرفة متقدّمة وتعامل رائعٍ مع الحدث بأوجهه المتعدّدة.

ينتهج المخرج فايل موقفاً يشيد فيه بالمخرجة ومجمل أفلامها السبعة. لا يفوته الاعتراف بأن رايفنشتال كانت فنانة سينما حقيقية، لكن يوجّه مشاهديه في الوقت نفسه إلى أن هذا الفن لم يكن سوى مظهر دعائي للنازية، وأنها لعبت الدور المباشر في البروباغاندا في الفترة التي سبقت الحرب.

حيال سرد هذا التاريخ يستعين المخرج فايل بمقابلات متعددة أدلت بها (معظمها بعد نهاية الحرب) وواجهت فيها منتقديها كما يعمد المخرج إلى مشاهد من حياتها الخاصة. زواجها. رحلتها إلى السودان خلال اضطرابات عام 2000 حيث تحطمت الطائرة المروحية التي استقلّتها وأصيبت برضوض. رحلتها تلك كانت بصدد التعرّف على البيئة النوبية، وكانت قد حصلت على الجنسية السودانية قبل سنوات (إلى جانب جنسيتها الألمانية وإقامتها البريطانية)، وبذلك كانت أول شخص غربي يُمنح الجنسية السودانية.

لا يأتي الفيلم بجديد فِعليّ لما يسرده ويعرضه. هناك كتب عديدة دارت حولها أهمها، مما قرأ هذا الناقد، «أفلام ليني رايفنشتال» لديفيد هنتون (صدر سنة 2000) و«ليني رايفنشتال: حياة» الذي وضعه يورغن تريمبورن قبل سنة من وفاة المخرجة عام 2003.

هو فيلم كاشف، بيد أنه يتوقف عند كل المحطات التي سبق لمصادر أخرى وفّرتها. محاولة الفيلم لتكون «الكلمة الفصل» ناجحة بوصفها فكرة وأقل من ذلك كحكم لها أو عليها.

جون لينون ويوكو أونو

في الإطار الفني، ولو على مسافة كبيرة في الاهتمام ونوع المعالجة، يأتي (One to One: John & Yoko) «واحد لواحد: جون ويوكو» لكيڤن ماكدونالد، الذي يحيط بحياة الثنائي جون لينون وزوجته يوكو أونو اللذين وقعا في الحب وانتقلا للعيش في حي غرينتش فيلاج في مدينة نيويورك مباشرة بعد انفراط فريق «البيتلز» الذي كان جون لينون أحد أفراده الأربعة.

النقلة إلى ذلك الحي لم تكن اختياراً بلا مرجعية سياسية كون غرينتش فيلاج شهدت حينها حياة ثقافية وفنية وسياسية حافلة تعاملت ضد العنصرية وضد حرب فيتنام، وكانت صوت اليسار الشّعبي الأميركي إلى حين فضيحة «ووترغيت» التي أودت بمنصب الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون. يكشف فيلم مكدونالد (الذي سبق وأُخرج قبل أعوام قليلة، فيلماً عن المغني الجامايكي بوب مارلي) عن اهتمام لينون وزوجته بتلك القضايا السياسية. جون الذي باع منزله المرفّه في ضواحي لندن واستقر في شقة من غرفتين في ذلك الحي، ويوكو التي لعبت دوراً فنياً وتثقيفياً في حياته.

لا يكتفي الفيلم بالحديث عن الثنائي معيشياً وعاطفياً بل عن المحيط السياسي العام ما يُعيد لمشاهدين من جيل ذلك الحين بعض الأحداث التي وقعت، ويوجه المشاهدين الذين وُلدوا سنوات صوب تقدير الثنائي، كما لم يفعل فيلم ما من قبل. ليس لأن «واحد لواحد: جون ويوكو» فيلم سياسي، بل هو استعراض منفّذ مونتاجياً بقدر كبير من الإجادة لحياة ثنائيّ موسيقيّ مطروحة على الخلفية المجتمعية المذكورة.

إرث ترمب

نيسكون مضى ومعه قناعاته وبعد عقود حلّ دونالد ترمب ليسير على النهج اليميني نفسه.

يرتسم ذلك في «منفصلون» (Separated) للمخرج المتخصص بالأفلام التسجيلية والوثائقية السياسية إيرول موريس. من بين أفضل أعماله «ضباب الحرب» (The Fog of War)، الذي تناول الحرب العراقية وكيف تضافرت جهود الحكومة الأميركية على تأكيد وجود ما لم يكن موجوداً في حيازة العراق، مثل القدرات النّووية والصواريخ التي يمكن لها أن تطير من العراق وتحط في واشنطن دي سي (وكثيرون صدّقوا).

«منفصلون» لديه موضوع مختلف: إنه عن ذلك القرار الذي اتخذه ترمب خلال فترة رئاسته ببناء سياج على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة لمنع تدفق المهاجرين القادمين من الدول اللاتينية بدافع الفقر وانتشار العنف.

كان يمكن تفهّم هذا القرار لو أنه توقف عند هذا الحد، لكن ترمب تلاه بقرار آخر يقضي بفصل الأطفال عن ذويهم الراغبين في دخول البلاد عبر الحدود. بذلك لدى هؤلاء إمّا العودة من حيث أتوا مع أولادهم، أو العودة من دونهم على أساس وجود هيئات ومؤسسات أميركية ستعني بهم.

مثل هذا الموقف، يؤكد الفيلم، غير الأخلاقي، وكان له معارضون ومؤيدون. بعض المعارضين من أعضاء الكونغرس انقلبوا مؤيدين ما بين مؤتمر صحافي وآخر.

محور الفيلم هو رفض هذا الانفصال على أسس أخلاقية وإنسانية والمتهم الأساسي في فرض العمل به هو ترمب الذي لم يكترث، والكلام للفيلم، لفظاعة الفصل بين الآباء والأمهات وأطفالهم. تطلّب الأمر أن يخسر ترمب الانتخابات من قبل أن يلغي بايدن القرار على أساس تلك المبادئ الإنسانية، لكن بذلك تعاود أزمة المهاجرين حضورها من دون حل معروف.

يستخدم المخرج موريس المقابلات لتأييد وجهة نظره المعارضة وأخرى لرفضها، لكنه ليس فيلماً حيادياً في هذا الشأن. مشكلته التي يحسّ بها المُشاهد هي أن الفيلم يتطرّق لموضوع فات أوانه منذ أكثر من عامين، ما يجعله يدور في رحى أحداث ليست آنية ولا مرّ عليه ما يكفي من الزمن لإعادة اكتشافها ولا هي بعيدة بحيث تُكتشف.

 

الشرق الأوسط في

01.09.2024

 
 
 
 
 

براد بت وجورج كلوني يتحدّثان لـ«الشرق الأوسط» عن فيلمهما الجديد

صديقان في الواقع يتواجهان على الشاشة

ڤينيسيامحمد رُضا

Wolfs (هكذا يختار الفيلم كتابتها) هو الفيلم السادس الذي يجمع بين الممثلَين المشهورَين عالمياً جورج كلوني وبراد بت. وهو مختلف؛ كونه من بطولتهما منفردَين. في أفلامهما المشتركة السابقة لعب كلوني البطولة في فيلم «اعترافات عقل خطير» (Confessions of a Dangerous Mind)، وأدى بت دوراً صغيراً فيه (من باب الزمالة).

في سلسلة (Ocean) مثلاً هما متساويان، لكن ضمن فريق من الممثلين الأُول الآخرين أمثال كايسي أفلك، ومات دايمون، وبرني ماك، وساندرا بولوك، وآن هاذاواي، وإليوت غولد، ودون شيدل. هذه السلسلة امتدت من 2001 إلى 2018 وشملت ثلاثة أعمال.

معاً أيضاً في فيلم إيثان وجووَل كووَن «أحرق بعد القراءة» سنة 2007. ثم قاما بالأداء الصوتي في فيلم أنيميشن هو «If» هذا العام. لم يلتقيا خلال التسجيلات لأنها كانت منفردة.

«وولفز» يختلف أيضاً في كونه أكثر إشباعاً لمن يرغب في مشاهدتهما معاً أو منفصلين. حكاية كتبها وأخرجها جون واتس، عن امرأة (آمي رايان)، وجدت نفسها في شقة شاب مات على حين غرّة. لا تدري كيف تتصرف إلا بالاتصال بمن ينظّف المكان ويبقيها بعيداً عن التحقيقات. يطلّ جورج كلوني ويفحص المكان ويعدها بأنه سينظّفه تماماً. بعد قليل يدخل براد بت المُرسَل من قِبل المشرفة على المبنى التي اختارته ليقوم بالمهمّة نفسها. يتعارضان من اللحظة الأولى لأن كلاً منهما اعتاد أن يعمل منفرداً على أنه ذئب منفرد أو كما يُعرف في الأدبيات البوليسية (لون وولف). إذ يجدان نفسيهما تحت الأمر الواقع ينطلقان لإخفاء الجثة، لكنهما يُفاجآن بأن الميت (أوستن أبرامز) ما زال حيّاً يُرزَق. هذه ليست سوى واحدة من المفاجآت العديدة التي يسردها الفيلم في نحو 110 دقائق (نقد الفيلم يوم الجمعة المقبل).

براد وجورج على خلافاتهما على الشاشة، يعملان معاً بطلاقة. كلٌّ بشخصيّته النافذة والمثيرة للإعجاب. براد هو البارد وجورج هو أعلى حرارة ببضع درجات. ليسا شريرين لكنهما يعملان خارج القانون بالطبع.

ليس معروفاً بعد كم تكلّف صنع الفيلم، لكنَّ كلاً من جورج كلوني وبراد بت نالا 75 مليون دولار مناصفةً عن دوريهما.

إجراء مقابلة مع أيٍّ منهما في رحى مهرجان يحتوي على نحو 2000 صحافي وناقد ومصوّر فعلٌ ازداد صعوبة خلال السنوات الأخيرة. كثرة الطلبات كانت أمراً عادياً، وإذا كان الملحق الصحافي للشركة المنتجة يعرفك فسيساعدك حتماً. الآن تختلف الصورة. بعض الصحافيين الذين يجولون المهرجانات لا يكترثون للأفلام بل للخروج في مقابلات. كل واحد لديه من 10 دقائق إلى ربع ساعة. «ربع ساعتنا» امتدت لتسع عشرة دقيقة.

بالنسبة لجورج كلوني وبراد بت ربحت شركة الإنتاج (كولومبيا) الوقت بضمّهما معاً في غالبية المقابلات. في واحدة من الجزر الصغيرة التي لا تبعد أكثر من ربع ساعة باليخت نُقلنا إليها. إنها الجزيرة نفسها التي قابل فيها هذا الناقد جورج كلوني مرّتين سابقتين.

تعرّف كلوني عليّ سريعاً وبترحيب واضح. همس بشيء لبراد بت، وهذا سألني إذا ما كنا تقابلنا ذات مرّة في هوليوود. هززت رأسي بالإيجاب وذكرت له مناسبتين، الأولى خلال تصوير «أوشن 13»، والأخرى هنا بعد عرض «آد أسترا» سنة 2019، ابتسم ومد يده مصافحاً.

صداقة وطيدة

ما تاريخ هذا الفيلم بالنسبة لكل منكما؟

- براد بت: بحكم أن شركتي (Plan B) هي إحدى الشركات المنتجة، قرأت السيناريو مطلع سنة 2022 ثم قرأته بعد إعادة كتابته في نهاية تلك السنة. وجدته سيناريو ذكياً وعندما تناقشت وجون (المخرج) اتفقنا على أن جورج هو أفضل من يقوم بالبطولة معي.

- جورج كلوني: كنا تحدثنا قبل ذلك التاريخ أيضاً عن بضعة أفكار تجمعنا، لكن هذا المشروع كان المناسبة الأفضل بين ما طُرح بيننا.

حين تجالسنا سلّم جورج عليّ بحرارة. تذكرني على الفور. براد بت تبعه بالقول إنه يذكر أننا تقابلنا مرّة واحدة في لوس أنجليس. ابتسامته العريضة كانت بدورها مرحّبة.

هل الدافع للعمل معاً تلك الصداقة التي تربطكما؟

- براد: نعم، لكن بالنسبة لي ليس بمنأى عن الإيمان بأن جورج هو أحد أفضل نجومنا اليوم.

- جورج: أستطيع أن أقول الشيء نفسه عن براد. أحد السينمائيين الذين لا يمكن تفويت الفرصة للعمل معه. سيكون الأمر خطأ مهنياً كبيراً.

جورج، ترمب لديه رأي آخر بك... قال إنك أسوأ ممثل في هوليوود.

- جورج (ضاحكاً) هل تعتقد أنه سيقول عن غريم له شيئاً مختلفاً أو أن أحداً سيأخذ رأيه على سبيل الجد؟

تفاؤل

في الفيلم هناك تلك المشاهد التي كان يمكن لفيلم آخر لمخرج آخر تصويرها على نحو كوميدي واضح... مَن الذي تدخَّل لمنح الفيلم تلك النبرة الفنية؟ هناك ضحك لكن ليس هناك تهريج أو استهزاء.

- جورج: السيناريو كان واضحاً جداً. جون واتش كتب حواراً ذكياً في رأيي وصاغ أسلوباً يملك كل شيء من دون أن يتحوّل إلى فيلم من تلك المنتشرة هذه الأيام.

- براد: هذا هو أحد أهم الأسباب التي جعلتنا نقرّر أن هذا الفيلم يجب أن يكون مختلفاً حين تحقيقه. في الواقع تحاشى جون كل المواقف المتكررة في أفلام تستخدم مفهوم الثنائي للعب على التناقض ولتوفير حوارات لا قيمة لها. أعتقد أن الفيلم ما زال جماهيرياً ومسلياً لكنه يعكس قيمة فنية رائعة.

هل توافقان على ما ذكره جيمس كاميرون ومارتن سكورسيزي من أن هوليوود أصبحت مصنعاً لتفريخ أفلام المسلسلات فقط وأن ذلك سيؤدي إلى كارثة؟

- براد: نعم. أعرف أن الأمر بات أكثر صعوبة بالنسبة لأي سينمائي يريد تحقيق فيلم بحكايات منفردة. التهمت الأفلام المصنوعة بالمؤثرات عشق الجمهور للسينما وتكاد تكون النوع الوحيد السائد بين كل الأفلام.

- جورج: لا يمكن لي أن أفكر في فيلم من هذا النوع. غير مهتم على الإطلاق. أفهم قيمة بعض الأفلام مثل سلسلة «أڤاتار» لكنه ليس من أفلام الكوميكس، كذلك سلسلة «سيد الخواتم» (The Lord of the Rings) مثلاً لكنه أيضاً رواية كاملة وليس كوميكساً.

- براد: أعتقد أن هذه الموجة بلغت أوجها وستتوقف. لا أمانع في أن تبقى لكن على هوليوود أن تفكّر أكثر بالتنويع.

إلى تورنتو

ما توقعاتكما لهذا الفيلم إذاً؟ كيف سينخرط في عداد الأفلام حين عرضه تجارياً؟

- جورج: أعتقد إن لديه نصيباً كبيراً من فرص النجاح. هو فيلم مختلف مع نجمين يعرف الجمهور قيمة كلّ منهما.

- براد: بعد «ڤينيسيا» سنتوجه بالفيلم إلى تورنتو. هل ستحضره؟

كنت أود ذلك لكن لا أعتقد بسبب تضارب مواعيده مع هذا المهرجان هنا.

- براد: على أي حال، هو مهرجان مهم للتسويق. ڤينيسيا مهرجان مهم لكل ما هو فن، ومؤشر جيد لمصير بعض الأفلام كما لاحظت، لكنَّ «تورنتو» هو الأرضية التي تساعد على إطلاق الفيلم عملياً.

أتمنى لكما وللفيلم كل التوفيق

- براد وجورج (معاً): شكراً جزيلاً.

 

الشرق الأوسط في

02.09.2024

 
 
 
 
 

بابلو لارين يصوّر الأسبوع الأخير من حياة السوبرانو العظيمة:

مهلاً... أين «الديفا» ماريا كالاس؟

شفيق طبارة

تتوالى عروض الدورة الحادية والثمانين من «مهرجان البندقية السينمائي الدولي» الذي استقطب، في أسبوعه الثاني، أنظار الحاضرين بـ «ماريا». الفيلم الذي يشارك في المسابقة الرسمية، لا يختلف عن الأفلام الأخيرة التي قدمها المخرج التشيلي بابلو لارين. إذ ذهب هذه المرة إلى تصوير الأسبوع الأخير من حياة أعظم مغنية أوبرا في العالم، ماريا كالاس (1923 – 1977). إلا أنّ الشريط كان مخيّباً، ولم يكن اختيار أنجلينا جولي للعب شخصية السوبرانو صائباً. مع ذلك، فقد اشترت نتفليكس العمل، ما يعني أنّها ستدفع ببطلته إلى الواجهة في موسم الجوائز. المخرج الأرجنتيني لويس أورتيغا، الذي حقّق أكبر نجاحات شباك التذاكر في تاريخ السينما الأرجنتينية في عام 2018 بفيلمه «الملاك»، يعود إلى البندقية بـ «اقتل الجوكي» الذي يرصد انزلاق شخصية ناجحة إلى القاع مع توالي الخسارات والفشل. أما الفيلم الذي أضفى الإثارة على الحدث، فهو إباحي من بطولة نيكول كيدمان وإخراج امرأة (الهولندية هالينا). إنّه شريط عن الساديّة والمازوشية في اللعبة الجنسية، لكنّه ابن عصره لا يجرؤ على تخطّي كتاب تعليمات حركة «مي تو»!

طوال مسيرته السينمائية، غمر بابلو لارين نفسه بالأساطير الشعبية الخاصة بالقرن العشرين، واقترب من الشخصيات التاريخية الشهيرة بهدف تشريح التصوّرات الاجتماعية والسياسية للأزمنة والأمم. في «نيرودا» (2016)، استخدم السينمائي التشيلي مواطنه بابلو نيرودا (1904 ـــ 1973) وأحد أعظم شعراء أميركا اللاتينية، للتعمّق في متاهة الهوية لدى الأمة التشيلية، بينما سمح لنفسه في «جاكي» (2016) بدراسة وضع جاكلين كينيدي (1929 ــــ 1994) بعدسة معاصرة أظهرت السيدة الأميركية الأولى شاهدةً على عصرها. وفي فيلمه «سبنسر» (2021)، كرّر لارين ما فعله في «جاكي»، لكنّه هذه المرة، اقترب من شخصية الليدي ديانا (1961 ــ 1997). وفي العام الماضي، قدّم فيلمه «الكونت» (2023- متوافر على نتفليكس) في «مهرجان البندقية»، عن حياة الديكتاتور التشيلي أوغستو بينوشيه (1915 ــ 2006)، الذي استولى على السلطة عام 1973 في انقلاب دموي، ومعه بدأ أحد أقسى الأنظمة الديكتاتورية في التاريخ الذي استمر حتى عام 1990. جديده «ماريا» الذي يشارك في المسابقة الرسمية لـ «مهرجان البندقية» لا يختلف عن الأفلام الأخيرة الذي قدمها، إذ خصّصه لحياة أعظم مغنية أوبرا في العالم ماريا كالاس (1923 – 1977).

تدور أحداث فيلم «ماريا» في عام 1977، ويبدأ بوفاة ماريا كالارس (أنجلينا جولي) في 16 أيلول (سبتمبر) في شقتها الباريسية، عن عمر 53 عاماً. قد يكون واضحاً أنّ بناء فيلم عن ماريا كالاس بطريقة أوبرالية أمر بديهي، وقد وجد لارين نفسه يقع في فخ هذا الإغراء غير المستحبّ. ينقسم «ماريا» إلى ثلاثة فصول وخاتمة، تربط بينها وبين المشاهد لحظات موسيقية، وتهدف إلى تحويل كالاس إلى نسخة من إحدى البطلات التراجيديات التي لعبتها على أرقى مسارح العالم. لذلك، فإن التقدم البطيء نحو الموت يمرّ عبر العودة إلى حياتها، لمحاولة تتبّع المرأة التي نظر إليها العالم كإلهة.

سنعود إلى حياة كالاس عبر موتها، وسنشهد الأيام الأخيرة للسوبرانو العظيمة معزولةً عن العالم، تحت رعاية فيروتشيو وبرونا (بييرفرانشيسكو فافينو وألبا روهراشر)، كبير الخدم الذي يضطر إلى تحريك البيانو كل يوم بحسب مزاج ماريا، والخادمة الطاهية التي تحافظ على المنزل مرتباً، والمطلوب منها أيضاً الحكم على الأداء الغنائي لذلك الصوت الذي لم يعد مثالياً كما كان من قبل. ماريا لم تأكل منذ أيام، تملأ معدتها بماندراكس (مضاد اكتئاب قوي)، ولم تغنِّ منذ سنوات، لكنها لا تستطيع قبول فكرة عدم قدرتها على الغناء بعد الآن.

نرافق كالاس عبر شوارع باريس في آخر أسبوع من حياتها، في ضياع مستمر بين واقع متخيّل وإعادة تصوير أهم لحظات حياتها العامة والخاصة مع الصحافي الذي يدعى «بالصدفة» ماندراكس (كودي سميث ماكفي- حيلة سردية خيالية ابتكرها لارين للفيلم). نبحر مع ماريا بين طفولتها حيث أجبرتها والدتها على الغناء مقابل المال في بيت النازيين، وحياتها مع شريكها منذ عام 1959 أرسطو أوناسيس (هالوك بيلغينر)، الرجل الشوفيني والأناني الذي يحصل على كل شيء بدفتر شيكاته.

لم يكن هناك مثل ماريا كالاس «لا كالاس» (كما كانوا ينادونها)، نجمة الأوبرا العظيمة والأكثر غموضاً. وكان متوقعاً من لارين الهروب من ظل أفلام السير الأكاديمية، لكن من العار ألا يحتضن الفيلم هذا بشكل كامل. بمجرّد بداية الفيلم، تتلاشى المفاجأة وقدرة لارين على تقديم فيلم استثنائي، ليصبح الشريط تقليدياً أكثر مما ينبغي وأكثر مما يعتقد على الأرجح. منذ البداية، يلعب الفيلم بصور كالاس الأرشيفية (أو مشاهد شبه أرشيفية لوجود أنجلينا جولي فيها)، وفي اللقطة الأولى، تظهر جولي تغني، وتفتح فمها الضخم بينما يركز لارين على كل عضلة من وجهها، وهنا يأتي اليقين بأنّ جولي لا تشبه بأي حال من الأحوال كالاس، لا في وجهها ولا في أنف كالاس المتوسطي وحتى لون بشرتها، ولا حتى شخصيتها. ونتأكد من ذلك في مشاهد تتر النهاية، حيث مشاهد كالاس الحقيقية، التي تبتعد كل البُعد عن جولي. هذه الصور والمشاهد الأرشيفية الوثائقية تظهر مدى عبثية كل الجهد الذي وضعته جولي ولارين وعدم ضرورته ولا حتى ملاءمته.

اشترت نتفليكس الفيلم وستضع كل أوراقها على الطاولة لتكون أنجلينا جولي ممثلة هذا العام في موسم الجوائز

مشاهد الخيال في الفيلم والفواصل الصوتية المسرحية غير محسوبة ومتكررة جداً، ولا تسمح للفيلم بالتقدم عبر قوس ثابت. بدا الفيلم كلّه عبارةً عن أسبوع حياة مؤلم، وأظهر كالاس بطريقة تراجيدية، حزينة، وحيدة، معتمدة على الأدوية تتخيل حياتها السابقة. ومرّ الفيلم مرور الكرام على علاقتها بوالدتها وشقيقتها، عدا عن تصوير مدير خدمها وخادمتها الطاهية بطريقة سطحية جداً. كل ما أظهره الفيلم هو كالاس البائسة التي تنتظر موتها، وترك كل عظمتها خلف كواليسه.

جمع لارين الكثير في الفيلم، حتى إنّه وضع لقاء بين كالاس ورئيس الولايات المتحدة الأميركية جون كينيدي، ومشهد مارلين مونرو عندما غنّت له في عيد ميلاده. وألمح إلى جاكي كينيدي التي أصبحت لاحقاً زوجة أوناسيس. كل هذا بدا كأنه حشو لا داعي له، ابتعد فيه الفيلم عن مضمونه، ليصبح كأنّه أطروحة تاريخية للارين، كأنه يقول لنا إنّه يعلم الكثير. لا نخفي سراً أن هناك بعض المشاهد الجيدة في الفيلم، وطريقة التصوير والأزياء، واستمتعنا بالغناء طبعاً (غنت جولي بنفسها في الفيلم، في المشاهد التي تغني فيها كالاس بطريقة سيئة). لكن كل هذا ذهب هباءً، لطموح لارين الفوضوي غير المتماسك.

لقد اشترت نتفليكس الفيلم، ومن المؤكد أنها ستضع كل أوراقها على الطاولة لتكون أنجلينا جولي ممثلة هذا العام في موسم الجوائز، كما أنّ لارين مجتهد، وتحبّه الأكاديمية. سوف يحدث الفيلم ضجةً عندما يُطرح في الصالات، ولكنّه لا يعطي كالاس حقها، كل ما شاهدناه امرأة في آخر أسبوع من حياتها تعيش تحت تأثير الأدوية، تتخيل أشياءً وتتحدث مع نفسها وتمشي غير مدركة، ولا تستطيع الغناء بينما تحاول استعادة ماضيها، ثم... تموت.

 

####

 

«الجوكي» يركض صوب موته!

شفيق طبارة

في عام 2018، أصبح فيلم «الملاك» الممتاز للمخرج الأرجنتيني لويس أورتيغا، أحد أكبر نجاحات شباك التذاكر في تاريخ السينما الأرجنتينية. بعد ست سنوات، عاد ارتيغا بفيلم جديد يشارك في المسابقة الرسمية من «مهرجان البندقية» بعنوان «اقتل الجوكي». فيلم محفوف بالمخاطر، جذري، رمزي مثل أعمال أورتيغا، ملحمة ذات ادعاءات كبيرة، خالٍ من الفصاحة التي لا داعي لها حول الشخصيات الناجحة التي تنزلق إلى الخسارة والفشل. كائنات تحاول الانفصال عن المتوقع والانطلاق في مغامرة للعثور على حياة جديدة. ريمو (نايول بيريز بيسكايارت) هو أسطورة حقيقية في عالم الخيول والسباقات، جوكي عظيم، لكنّ سلسلة انتصاراته انقطعت فجأة. أدى إفراطه في تناول الكحول والمواد الأخرى (حتى الكيتامين المخصّص للخيول) إلى زيادة إصابته بالحوادث، التي تنتهي بدخوله المستشفى. الشخص الذي يبدأ في الفوز بالسباقات هو أبريل (أوسولا كوربيرو)، حبيبته، التي أصبحت حاملاً منه في ذروة تألّقها الرياضي، ولا تعرف الآن إن كانت ستستمر في الحمل أم لا. هذه ليست سوى نقطة البداية لفيلم متحوّل لا يمكن التنبؤ به ومتشعّب ومتغيّر، إذ يتحول ريمو إلى روح ضائعة، زومبي، يتجول في شوارع بيونس أيريس. رجل فقد موهبته وأصبح كائناً يدمّر ذاته، أو يُعيد إحياءها بهوية جديدة. قنبلة موقوتة للجميع، ولنا نحن المشاهدين أيضاً. سيرغب رجل العصابات الذي يمتلك الأحصنة ويمتلكه إلى إعادته وربما قتله. يركض فيلم «اقتل الجوكي» نحو الكوميديا السوداء المأساوية، والدراما الرومانسية والإثارة النفسية وأفلام العصابات وديناميكيات السجون والواقعية الاجتماعية الغرائبية الأرجنتينية. كل هذا تحرّكه تقلبات أحداث الأفلام الرياضية (عالم مضار السباقات في فيلمنا هذا). يستمد الفيلم روحه من عالم أفلام الفلندي آكي كاوريسماكي (مدير تصوير الفيلم هو تيمو سالمينين، المتعاون دائماً مع آكي)، وأيضاً من روح السوريالية الأرجنتينية، ومن أفلام الإسباني بيدرو المودوفار (المنتظر فيلمه في المهرجان). تهرب الشخصيات من نماذجها التقليدية وتحول جنسها لبدء حياة جديدة. «اقتل الجوكي» فيلم ذو شحنة رمزية قوية. لغز أصيل تتراكم فيه الإشارات السينمائية والأدبية والعامة. فيلم قد يربك المشاهد في بعض الأحيان، لكنه في كثير من الأحيان الأخرى قد يفتن ويغوي بأكثر الموارد إبداعاً ومفاجأة في السينما.

مثل جميع أفلام أورتيغا، يوجد في «اقتل الجوكي» فلسفة الحياة التي تعطي قيمةً كبيرة لممارسة الحرية التي تضمن الانفصال عن كل الروابط التي تربط الشخصيات بالمجتمع المنظم. ومن هنا ينطلق أورتيغا في الفيلم في إضافة موضوعات وأفكار وزخارف، ما يجعل الفيلم مادةً خصبة بالموسيقى والألوان والرقص والجنس والفكاهة السخيفة التي تلفت الانتباه لدقتها البلاستيكية المتقنة وفعاليتها الكوميدية. «اقتل الجوكي» فيلم حر ينفتح على سلسلة من التحديات القوية، وينجح في إثارة الدهشة بالطريقة التي يرقى بها في كل لحظة تقريباً إلى مستوى الرهان الهائل. «اقتل الجوكي» لوحة مفرطة من الواقعية والسوريالية، وليمة من التفاصيل، مليء بالحيوية، غريب ومأساوي لكنه منطقي وممتع، يمنح المشاهد تجربة غير متوقعة في رحلة مرحة ولكن عميقة، مجنونة مثل مخرجها الذي يمزج الواقع بالخيال في رمزية مثيرة جداً.

 

####

 

Babygirl... فيلم إباحي يلتزم بتعليمات MeToo#!

شفيق طبارة

يبدأ فيلم Babygirl ببيان واضح وصريح. بطلته هي رومي (نيكول كيدمان)، امرأة ناجحة، على رأس شركة ذات ميزانية كبيرة. نراها تمارس الجنس مع زوجها المخرج المسرحي جاكوب (أنطونيو بانديراس)، ثم تغادر السرير بسرعة وتذهب إلى الغرفة المجاورة للاستمناء وللوصول إلى النشوة بمساعدة مشهد فيديو إباحي (BDSM). رومي امرأة لها ماض مؤلم خلفها، تعذّبها الرغبة الجنسية المازوشية، والميول التي لا يستطيع زوجها المحب إشباعها بالجنس التقليدي. تستمني وهي تشاهد الأفلام الإباحية، وتطارد النشوة الجنسية التي تُجبر على تزييفها بين ملاءات السرير الزوجي. تسعة عشر عاماً هما معاً. ينقلب كل شيء عندما يصل المتدرب الجديد في الشركة الشاب صامويل (هاريس ديكسون)، فتترك رومي نفسها خاضعة للهيمنة، وصامويل يأخذ دور المهيمن البدائي الذكوري للغاية. تراه للمرة الأولى في شوارع نيويورك، عندما تشاهده يهدئ كلباً أسود عدوانياً قادماً نحوها، لكن الكلب يبتعد عندما يناديه الصبي ويتمكن من تهدئته. بعد فترة، يدخل هذا الشاب شركتها، وحياتها، وسريرها، ويجلسها على ركبتيها، حرفياً. تبدأ العلاقة السادية المازوشية سراً، ومعهما تبدأ المخرجة الهولندية هالينا ريين حرية قلب لعبة التبعية وتقريب الفيلم وحياة رومي إلى أخطر الهاويات. يهبط فيلم «بيبي غيرل» على جزيرة الليدو للمشاركة في المسابقة الرسمية لـ «مهرجان البندقية»، ليخلق شيئاً للحديث عنه. كل مهرجان يستحق القليل من إثارة الجدل. تتمكّن ريين من اقتراح لعبة شهوانية، من دون الوقوع في فخ تكرار نموذج هذه الأفلام وهذه المواضيع التي نراها كثيراً في السينما. نعم، ما نراه هو الجنس، الكثير منه، بين المزيف والمبهرج والحسي، ومعه نرى الاسرار والزواج والحقيقة وممارسة السلطة والموافقة والهيمنة والتبعية والخيانة والذكورية والنسوية والأخلاق والطموح المهني.

الحقيقة أنّ «بيبي غيرل» طفل عصره، الولد الوقح غير المنضبط لهوليوود بمعايير أميركية. فيلم إباحي نوعاً ما، يكتشف ما تعلّمه من MeToo# ويهندس لعبته حول ذلك. صحيح أنّ هالينا تخاطر، لكنها ليست متهورة. نرى دوماً في الفيلم شبكات الأمان المتعددة التي تنشرها طوال الحبكة كي يظلّ الفيلم ضمن اللائق سياسياً، ونسوياً إلى حد ما. بعبارة أخرى، يتوخى الفيلم الحذر في لعبه بأدوات الهيمنة والجنس، وهنا يفقد قوته. يركز على فكرة التخلي طواعية عن السلطة للآخر (Consent)، للحصول على المتعة من تنفيذ الأوامر واستكشاف الحدود. ويفعل ذلك بأناقة، من دون نوايا تحطيم أصنام هوليوود، ولا الأفكار النسوية، لتبقى رومي دوماً مسيطرة ولو خاضعة.

لا يصل إلى مكانة فيلم «معلمة البيانو» لمايكل هانيكي، ولا «شبق» لرارس فون ترير

يصوّر «بيبي غيرل» ما تحاول السينما الأميركية المعاصرة فعله عندما تجد نفسها في صراع مع قصص الرغبة الجنسية، فتطبع معها، وتحولها إلى شيء راق في حدود ما هو مسموح به في مجال السينما التجارية الأميركية. الفيلم مليء بالعبارات التي يمكن الوقوف عندها، لأنها موجودة فقط كي تقال بصوت عال، لا كي تخدم السيناريو، مثل جملة رومي «إذا كنت أريد أن أهان، فسوف أدفع لشخص ما للقيام بذلك». نظراً إلى أن الفيلم يروى من منظور انثوي ضيق، يبدو كل شيء كأنّه معلّب، جاهز للهضم، ولا يدعو كثيراً إلى التفكير. نأخذه كما هو، جيد في بعض حالاته، وسطحي في بعضه الآخر. يمكن اعتبار «بيبي غيرل» فيلماً جنسياً اخلاقياً خجولاً، لا يبحر في أعماق السادية والمازوشية، فنحن بالتأكيد لسنا أمام فيلم يصل إلى مكانة فيلم «إمبراطورية الحواس» لناغيسا أوشيما، ولا «معلمة البيانو» لمايكل هانيكي طبعاً، ولا «شبق» لرارس فون ترير. ولكنّ الفيلم يخرج من يد مخرجة واثقة من نفسها، بالحد التي سمحت به لنفسها، وقد اقتنعت نيكول كيدمان ليس بالكشف عن جسدها فحسب، بل بتصويرها وهي تخضع لحقن البوتوكس، وهذه خطوة شجاعة وذكية، وتصريح نسوي يحاول الفيلم دوماً البقاء تحت عباءته. نتذكر أنّ ديمي مور أيضاً فعلت الشيء نفسه في فيلم «المادة» الذي أثار الضجة في «مهرجان كان» الأخير. سنرى من سيذهب بعيداً في السباق على الاوسكار برفقة انجلينا جولي!

 

الأخبار اللبنانية في

02.09.2024

 
 
 
 
 

رسالة فينيسيا السينمائي: "ما زلت هنا"

سليم البيك/ محرر المجلة

بالكاد وصل مهرجان فينيسيا السينمائي إلى منتصفه حتى خرج لنا باحتمال أحد أفضل أفلام دورته الحالية، تحديداً في السيناريو. فالفيلم مأخوذ، بحِرفية وحساسية، من كتاب مذكّرات "أكثر مبيعاً"، كتبها ابن لسياسي وبرلماني برازيلي (روبنز بايفا) كان اختُطف في حقبة الديكتاتورية العسكرية هناك، أوائل السبعينيات، واختفى. سنعرف لاحقاً أنه قتل بالتعذيب.

المادة الحكائية هنا مضمونة، يلحقها التصوير وكان مخلصاً للسيناريو، في موثوقيته وجودته. الفيلم المتمكن من عناصره، سيكون، بمعزل عن السينما، شهادة فنية رصينة وجميلة ضد الديكتاتوريات والعسكريتاريا، في كل العالم.

فيلم "ما زلت هنا" (I'm Still Here) للبرازيلي فالتر سالس، جاء به بعد أخرى له ممتازة، أهمها Central Station عام ١٩٩٨، و Behind the Sun عام ٢٠٠١، و The Motorcycle Diaries عام ٢٠٠٤، وبأفلامه هذه وتحديداً جديدها، يكمل سالس خطه الإنساني بأصوله الواصلة حتى تيار "سينمانوفو" البرازيلي.

يبدأ الفيلم في تصوير حياة يومية لعائلة سعيدة من الطبقة الوسطى، الأب فيها سياسي يساري، اتُّهم بالشيوعية، تجتاج الشرطة العسكرية بيته بعد عملية للمقاومة في خطف السفير السويسري لاستبداله بسجناء سياسيين في تشيلي، يُعتقل الأب وتختفي أخباره قبل أن يصل للأهل خبر موته. تناضل زوجته لمعرفة المزيد عنه، ثم تسعى لحماية أولادها وبدء حياة جديدة معهم، وتبدأ النضال في قضايا حقوقية برازيلية.

في وقت يمكن لقصة الفيلم أن تكون تفصيلاً تاريخياً في البرازيل، تكون كذلك حالة إنسانية تتشاركها مع العائلة مئات غيرها في كل بقعة حكمها الطغاة. وتاريخية الفيلم وإنسانيته قيمة إضافية للكتابة والتصوير للمخلصين.

الصور العائلية، كلحظات أمكن تثبيتها ونقلها عبر السنوات، تماماً كالحق،  لكن بحمايتها، اللحظات، بالتقاطها صوراً، كانت أساساً في استمرارية الحكاية والقضية، مع عودة الزوجة بين وقت وآخر إليها، استعادة لحياة أتلفها النظام العسكري، وأملاً بتلك الحياة مجدداً لأولادها كما سنرى في المشاهد، والصور الأخيرة الملتقطَة.

الفيلم مليء بالمشاعر، بالحيرة، بالغصة، بالدموع، وكذلك بالضحكات، وهذه الأخيرة كانت في كل الصور، وفي صورة لصحيفة أرادت أن تجري حواراً مع الأم، فأتى الصحافي ليلتقط صورة لها مع أولادها في موضوع زوجها المختطف. أراد أن يتوقفوا عن الابتسام وأن يكونوا حزينين بما يلائم الموضوع، فضحكوا عليه ومنه وأبقوا الضحكة لتكون ثابتة في الصورة.

الفيلم، كما هو عن وحشية نظام عسكريتاري، هو كذلك عن الأمل. تتناول الزوجة شهادة الوفاة لزوجها بعد عشرات السنوات من المطالبة بها. وستتصور، كذلك، أمام الصحافة، وبها، تضحك.

 

مجلة رمان الثقافية في

02.09.2024

 
 
 
 
 

فيلم إيطالي يأخذنا إلى أجواء الحرب العالمية الأولى من منظور نفسي

"البندقية 81": "ميدان المعركة".. الطبيب في زمن الحرب

 أحمد العياد

إيلاف من البندقيةأن تقدم فيلماً عن الحرب بلا مشاهد حرب، هكذا تضمن الفيلم الإيطالي الجديد "Campo di Battaglia" (ميدان المعركة) الذي عُرض للمرة الأولى ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية السينمائي الدولي في نسخته الـ81، وهو من إخراج المخرج الإيطالي المخضرم جياني أمليو في سابع حضور له في مهرجان فينيسيا.

المخرج الحائز على جائزة الأسد الذهبي قبل 26 عاماً من "البندقية" يصحبنا في تجربته الجديدة لفيلم درامي تاريخي يعود بنا إلى أواخر الحرب العالمية الأولى، حيث يتناول الأثر النفسي والأخلاقي للحرب على الأطباء العسكريين الذين يُعهد إليهم معالجة الجنود المصابين.

تبدأ أحداث الفيلم في عام 1918، خلال الأشهر الأخيرة من الحرب العالمية الأولى. وبعيداً عن ساحات المعارك وويلات الحرب، يركز الفيلم على الصراع الداخلي الذي يعيشه طبيبان عسكريان يعملان في مستشفى قريب من الجبهة. داخل المستشفى يصل جنود لتلقي العلاج، لكن بعض هؤلاء الجنود تكون لديهم عدم رغبة في العودة للحرب مجدداً، بل أصابوا أنفسهم بإصابات حاولوا من خلالها جعل أنفسهم غير قادرين على استكمال المعارك.

يؤدي غابرييل مونتيسي دور ستيفانو، وأليساندرو بورغي دور جوليو، وهما صديقان منذ الطفولة ويعملان الآن كطبيبين داخل المستشفى، لكنهما يجدان معظم الجنود الذين يعالجونهم يعانون من جروح ذاتية سببوها لأنفسهم للهروب من ساحة المعركة.

يرى ستيفانو أن ما فعله الجنود خيانة، فيقوم بتسريح المرضى والتأكيد على صلاحيتهم للعودة للمعركة، لكن صديقه جوليو يصطحب العديد منهم داخل المستشفى ليزيد من سوء جروحهم إلى الحد الذي لا يمكنهم معه العودة إلى الجبهة.

في المقابل، تقف آنا (فيديريكا روسيليني)، وهي ممرضة في الصليب الأحمر، بجانب أفكار ستيفانو حول الجنود. وعندما تُكتشف أفعال جوليو، تتعرض علاقته مع ستيفانو وآنا للخطر، وكذلك نزاهته المهنية.
من بين الاختلافات البارزة عن الرواية الأصلية المأخوذ عنها الفيلم اختيار أمليو لبطلي الفيلم، خاصة ستيفانو الذي كُتب في الأصل كشخصية أقل جاذبية مما يبدو عليه غابرييل مونتيسي. أما أليساندرو بورغي، فيجسد شخصية جوليو الأكثر تعقيداً وذكاءً بطريقة مميزة، ويجذب الأنظار بشخصيته المثيرة للاهتمام، التي تتصرف جزئياً من منطلق التمرد على الدور الذي اضطر إلى لعبه. وكما هو متوقع، ينتشر بين الجنود المصابين السمعة التي اكتسبها جوليو، فينكشف أمره في النهاية
.

لكن فجأة، يبدأ وباء إنفلونزا خطير في الفتك ليس فقط بالجنود، بل بالسكان المحليين أيضاً. ومع انتهاء الحرب، تبدأ معركة أخرى، مما يجبر الأطباء على إعادة تقييم دوافعهم.

استخدم الإيطالي المخضرم جياني أمليو في الفيلم لوحة ألوان خافتة يغلب عليها اللونان الرمادي والأزرق، مما يعكس الأجواء القاتمة والمأساوية المحبطة التي تحيط بالشخصيات. الإيقاع البطيء والمتزن للفيلم كان من عيوبه، على الرغم من أنه خلق جواً من التأمل العميق.

أحد العناصر البارزة في الفيلم هو استخدام الأقنعة الطبية، لما لها من أثر في تعزيز الإحساس بالعزلة والتوتر الذي تعيشه الشخصيات. فاختلاف صفات الطبيبين والتفاعل بين الشخصيتين عكس بوضوح التوترات الداخلية التي تغذي القصة.

"Campo di Battaglia" هو عمل سينمائي أصيل وكلاسيكي يعكس مرة أخرى براعة جياني أمليو في تناول القضايا الإنسانية العميقة من خلال عدسة تاريخية. على الرغم من بعض العيوب، وأهمها السرد الطويل، فإن الفيلم يقدم تجربة سينمائية ثرية تجمع بين الأداء القوي والمواضيع الأخلاقية المعقدة.

في المؤتمر الصحفي الذي أُقيم على هامش عرض فيلم "Campo di Battaglia" في مهرجان فينيسيا السينمائي لعام 2024، تطرق المخرج جياني أمليو إلى عدد من النقاط الرئيسية حول الفيلم ورؤيته الفنية، إذ أوضح أن الفيلم لا يتعلق فقط بالحرب، بل يركز بشكل كبير على الصراعات الأخلاقية والإنسانية التي يواجهها الأطباء في زمن الحرب.

تناول الصحفيون أسئلة حول كيفية اختيار أمليو للمواقع التي تم تصوير الفيلم فيها، حيث كشف عن أنه اختار مواقع في منطقة فريولي فينيتسيا نظراً لأهميتها التاريخية خلال الحرب العالمية الأولى.

كما تطرق إلى موضوع التعاون مع الممثلين الرئيسيين مثل أليساندرو بورغي وغابرييل مونتيسي، وكيف ساهموا في تقديم أداءات تعكس التعقيد النفسي لشخصياتهم.

يؤكد بورغي أن دوافع جوليو في الأحداث مفهومة، فهو يبدو وكأنه البطل في القصة، يفعل كل شيء لإعادة الجنود إلى المنزل، مشيراً إلى أنه كأب، يسأل نفسه: هل سيكون سعيداً لو حدث هذا لابنه؟ وهل الأفضل إنقاذ الحياة أم الحفاظ على السلامة الجسدية؟ وإلى أي مدى يكون من الإنساني أن تحرم شخصاً من حاسة البصر مقابل وعده بالخلاص؟ أسئلة يرى في إجابتها مبررات لدوافع جوليو في الأحداث.

 

موقع "إيلاف" السعودي في

02.09.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004