في يومه الرابع: فينيسا أرض معركة بين الحرب والإنسانية
فينيسيا
-عصام
زكريا*
ليس أدل على حالة النفاق التي تمارسها الفعاليات الرياضية
والمهرجانات السينمائية الأوربية، من المقاطعة التي تفرضها على أي لاعب أو
فيلم يحمل الجنسية الروسية، فيما تسمح لإسرائيل ولاعبيها وفنانيها
بالمشاركة تحت رعاية وحماية قوات الأمن، وترفض نداءات المقاطعة المتزايدة.
بين الاستغلال والفن
في الدورة 81 لمهرجان
فينيسا السينمائي،
يشارك فيلم يحمل الجنسية الإسرائيلية هو
Of Dogs and Men
إخراج داني روزنبرج، والذي تشارك إيطاليا في إنتاجه من خلال شركة توزيع
RAI Cinema،
وهو عمل تبدو عليه السذاجة مصنوع على عجل يستغل الأحداث التي جرت في أعقاب
السابع من أكتوبر، وذلك من خلال قصة فتاة إسرائيلية صغيرة تعود إلى مسرح
الأحداث بحثا عن كلبها، وحسب كُتيب المهرجان، تشهد فظائع ما حدث، ثم تشهد
فظائع ما يحدث في غزة، وتجد نفسها بين من فقدوا إنسانيتهم، ومن لا يزالون
يتمسكون بها.
بجانب
Of Dogs and Men،
يعرض المهرجان فيلمين آخرين يتعلقان بإسرائيل، بالرغم من أنهما لا يحملان
جنسيتها، الأول هو
Why War
للمخرج المعروف آموس جيتاي، ويحمل الجنسيتين الفرنسية والسويسرية، كما
تشارك إيطاليا في إنتاجه أيضاً، وهو فيلم وثائقي تجريبي يستضيف فيه مخرجه
عدد من نجوم أوروبا منهم إيرين جاكوب وماتيو أمارليك، لأداء وقراءة فقرات
تدين الحرب.
الفيلم الثاني سويدي دنماركي فنلندي الإنتاج والجنسية، من
إخراج جوران هوجو أولسون، ويحمل عنوان "إسرائيل وفلسطين في التليفزيون
السويدي 1958- 1989
Israel Palestina pa Svensk TV،
وكما يدل اسمه يعتمد الفيلم على أرشيف التليفزيون السويسري الذي يعد أكبر
وأفضل أرشيف في العالم يوثق للصراع في الشرق الأوسط على مدار ثلاثين عاماً.
بالنسبة للفيلمين الأخيرين لا يمكن اعتبارهما يمثلان
إسرائيل، بالرغم من أن البيان الذي قام بتوقيعه 80 شخصية ثقافية إيطالية،
وانضم إليه بعض الفنانين العرب والأجانب المشاركين في مهرجان فينيسيا ضد
مشاركة إسرائيل في المهرجان يتضمن اسم فيلم
Why War،
بما أن جيتاي إسرائيلي الأصل.
وقد رد جيتاي على البيان في المؤتمر الصحفي بأن فيلمه (الذي
يعتمد على الرسائل المتبادلة بين عالم النفس سيجموند فرويد وعالم الفيزياء
ألبرت آينشتين حول الحرب العالمية الثانية) ليس موجها ضد الحرب الفلسطينية
الإسرائيلية بشكل خاص، ولكنه يتحدث عن الحروب بشكل عام ودور الاستعمار
والاقتصاد الرأسمالي في إشعالها، وقال جيتاي أن على المتطرفين في إسرائيل
وحماس أن يذهبوا؛ لأن الوضع لا يمكن أن يستمر على هذا المنوال.
حرب باردة وبيت دافئ
الحرب هي محور العديد من الأفلام المشاركة في مهرجان
فينيسا، ومنها الفيلم الإيطالي "أرض المعركة"
Campo di Battagilia
للمخرج جياني إميليو، والذي عرض، الأحد، ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان.
تدور أحداث "أرض المعركة" خلال الأيام الأخيرة من نهاية
الحرب العالمية الأولى، التي أدت إلى دمار هائل وموت الملايين، وتوجت
بجائحة الإنفلونزا الإسبانية التي قضت على عشرات الملايين في أوروبا
والعالم!
يدور الفيلم داخل مستشفى عسكري في إيطاليا من خلال ضابطين
طبيبين على طرفي النقيض، الأول، وهو مدير المستشفى، يقدس الحرب ويغلب جانبه
كضابط على جانبه كطبيب، وغالباً ما يعيد إرسال الجرحى، حتى أصحاب الإصابات
الخطيرة، إلى ميدان المعركة، ويعاقب بشدة الجنود الذين يحاولون التهرب من
الحرب، وهو ينتمي للطبقة الأرستقراطية الحاكمة، والثاني صديق طفولة للأول،
ولكنه على العكس منه رحيم، ويسعى لمساعدة الجنود بكل الطرق، كما أنه ينتمي
لأسرة بسيطة، ويرفض كل محاولات نزع الإنسانية منه أو إفساده بالرشوة.
معظم الأحداث تدور في المستشفى والقرية البائسة المحيطة
بها، ومن ثم لا نرى الحرب نفسها، بقدر ما نرى تداعياتها من موت وإعاقة
وصدمات نفسية وجوع ومرض.
"أرض
المعركة" فيلم قاس ومعاد للحروب بقوة، ولكنه فنيا يشبه الأعمال الدرامية
التليفزيونية، ولعل مشاركته في المسابقة الرسمية لفينيسيا تحمل نوعا من
التكريم لاسم مخرجه صاحب التاريخ الطويل.
على العكس من "أرض المعركة" الذي يبدو خاويا من المشاعر،
بالرغم من المأساة الإنسانية التي تلم بكل من يظهر فيه، يعرض فيلم "فيتوريا"
Vittoria
ملمحا آخر من السينما الإيطالية يذكر بروائع الواقعية الجديدة وأعمال
الأخوين تافياني.
الفيلم الذي قام بكتابته وإخراجه كل من أليساندرو كاسيجولي
وكيسي كاوفمان، يدور حول زوجة وأم لثلاثة أولاد من الأحياء البسيطة في
مدينة نابولي، تتمنى أن تحظى بطفلة، ومن ثم تقرر أن تقوم بتبني واحدة،
بالرغم من اعتراض زوجها واستياء أولادها.
القصة حقيقية، مثل الكثير من القصص المأخوذة عن وقائع
حقيقية، ومنها فيلم إيطالي آخر بعنوان "عائلة"
Familia،
ولكن شتان الفارق بين الاثنين: "فيتوريا" فيلم يبدو بسيطا، مصنوع بطريقة
الأفلام الوثائقية وأسلوب "سينما الحقيقة"، يعتمد فيه مخرجاه على الشخصيات
الحقيقية للقصة، ليعيدان تمثيل قصتهما أمام الكاميرات. ومن العجيب أنهما
يستخرجان منهما أداء ربما يعجز عنه كبار الممثلين!
وبالرغم من أن "فيتوريا" يشارك في مسابقة موازية هي "آفاق
إكسترا" (وهي أصغر من "المسابقة الرسمية" ومن "آفاق")، لكنه بالتأكيد أفضل
من أعمال كثيرة مشاركة في المسابقتين الكبيرتين، وغالباً سيكون له نصيب
كبير من جوائز المسابقة التي يشارك فيها.
*
ناقد فني |