ملفات خاصة

 
 
 

البندقية 81 - "بايبي غرل":

نيكول كيدمان تكتشف رغبات المرأة

البندقية - هوفيك حبشيان

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الحادي والثمانون

   
 
 
 
 
 
 

لا يُحصى عدد ال#سينمائيين الذين تحدّثوا عن المرأة في السينما. هناك توجّه حالياً إلى اعادة النظر في تفاصيل أعمالهم واعتبارها قديمة ورجعية، فهي في نظر البعض فانتاسمات ذكورية. ربما! لكن ما تقدّمه السينما التي تعرّف نفسها باعتبارها تقدّمية ما هو سوى نسخ رديئة عن ال#أفلام الإيروسية التي كانت على الأقل ترينا العلاقة الجنسية بجمالياتها المتعددة.

هذه هي حال "بايبي غرل" لهالينا راين، أحد أحط أفلام مسابقة الدورة الحادية والثمانين من #مهرجان البندقية السينمائي (28 آب - 7 أيلول). عمل في منتهى الاسفاف والتسطيح والتفاهة. قبل بضع سنوات، كان يمكن للواحد منّا ان يسأل: ماذا يفعل عمل ضحل كهذا في السباق على "الأسد" في واحد من أعرق المهرجانات السينمائية؟ لكن، بعدما أصبح ضم مثل هذه الأشياء إلى المسابقة أمراً غير نادر، فما عاد الأمر مفاجئاً وصرنا نتعامل معه كأمر واقع، خصوصاً ان الجميع اليوم تقريباً يخضغ لأجندة ما يُعرف بـ"ثقافة الصحوة" الأميركية ("ووك كالتشر") التي يُمكن اعتبار "بايبي غرل" أحد أسوأ تجلياتها.

الاطلاع على أفكار المخرجة، من خارج الفيلم، قد يساعدنا على فهم ماذا أرادت ان تقوله مع عملها هذا الذي يعيد نيكول كيدمان إلى الصدارة بعد فترة أفول. تعتبر راين ان جميعنا يحمل صندوقاً أسود صغيراً مملوءاً بالتخيلات المحظورة التي قد لا نشاركها مع أحد: “أنا مفتونة بازدواجية الطبيعة البشرية، وهذا الفيلم محاولة للاضاءة على القوى المتعارضة التي تشكّل شخصياتنا. بالنسبة لي، النسوية حرية دراسة ضعف المرأة وخجلها وغضبها ووحشها الداخلي. التقدّم في السن يعني مواجهة اللانهائية في كلّ شيء. عند بلوغ منتصف العمر، لا يعود في إمكاننا الاختباء، ويجب أن نواجه شياطيننا الداخلية. وكلما قمعنا ظلّنا، أصبح سلوكنا أكثر خطورةً. تتيح العلاقة الغرامية في ”بايبي غرل“ لرومي وسامويل أن يمارسا ارتباكهما حول السلطة والجنس والعمر والتسلسل الهرمي والغريزة الأساسية. وعلى الرغم من طبيعتها المحظورة، فمتعة هذا الاستكشاف لها جانب علاجي وتحرري”.

في الفيلم، نيكول كيدمان إمرأة ناجحة، اذ انها تتبوأ منصباً مهماً في عالم محصور عادةً بالرجال. هي متزوجة من مخرج مسرحي (أنتونيو بانديراس). علاقتهما كعلاقة معظم المتزوجين بعد عقود من الارتباط، دخلت مرحلة الأفول. بضع مشاهدة كافية ليصلنا ذلك الاحساس، فنفهم ان الجنس ما عاد كما كان في البدايات. رومي (هذا اسمها) تحتاج إلى ألاعيب ذات طابع جنسي كي تشعر بالاثارة. بحكم عملها رئيسة لشركة كبيرة معنية بالتكنولوجيا، تلتقي طريقها بطريق متدرب (هاريس ديكنسون) يصغرها سنّاً بطبيعة الحال. يحاول الأخير إغراءها بكلّ الطرق والضغط على الأزرار التي تجعلها تسلّم نفسها له، وهو الشيء الذي ستخضع له تدريجاً، خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الخلف. ستنشأ علاقة بينهما، عابرة ومدّعية وسطحية (رغم ان الفيلم يحاول ان يوحي بالعكس)، مع ما يترتب عليها من مجازفة بالنسبة الى سيدة تشغل مثل منصبها. فلا أحد من حولها، بمن فيها هي، سعيدة بمخاطرة تشويه سمعتها كسيدة ناجحة جاهدت وتحدّت ووصلت، لكن الرغبة أقوى من أي شيء، والتجديد حقّ للجميع، خصوصاً اننا نتحدّث عن إمرأة تجاوزت منتصف العمر، وهي مرحلة عمرية فقزت السينما فوقها كثيراً. كونها امرأة نافذة تتحدّر من بيئة بورجوازية، ويدها طائلة، وصاحبة سلطة، فهذا ليس بالتفصيل، بل ان خطاب الفيلم كلّه يتناسل من هذا، ويعود اليه مراراً ليقول ما يود قوله، ولو برداءة لا مثيل لها. من دون هذا المنصب، لما انوجد الفيلم في الأساس. في الأخير، هذا فيلم آخر عن البورجوازية وما تخلّفه عند احتكاكها بالناس العاديين الطامحين إلى الصعود الاجتماعي.

هذه العلاقة ستنتج سلسلة من مشاهد الجنس وهي من أبشع ما صوّرته السينما في تاريخها الحديث. لا نرى كيدمان عارية حتى، بل تظهر أجزاء بسيطة منها فقط. إنها الإيروسية في زمن يشرف أناس يعرفون بـ"الكوتش" على المشاهد الحميمية. كان الفيلم يطمح ربما ان يكون عملاً لبولانسكي أو برتولوتشي مع امرأة خلف الكاميرا (لا يهم من هي!)، ولكن يخلص بأن يكون "تدرجات غراي الخمسون"، درجة ثانية. لا يكتفي الفيلم بهذا القدر من التسطيح، بل يعطينا درساً في كيفية مقاربة الأشياء في زمن تعديل الخطوط، مدعوما بفلسفة خاصة وتنظيراً في مسائل السلطة الذكورية.

في الثمانينات والتسعينات، تمردت السينما الشعبية الأميركية وراحت تنتج أفلاماً تحمل مشاهد جنسية جريئة. ما اعتُبر حينها نصوصاً ساقطة ورديئة، صار مع الزمن من الكلاسيكيات. اليوم، يدفعنا "بايبي غرل" إلى الاعتذار من صنّاع هذه الافلام. إحنا آسفين يا أدريان لاين وبول فرهوفن!

كلّ هذه الأفلام تعطينا الانطباع بأن السينما خلف الأطلسي اكتشفت فجأةً المرأة ورغباتها الدفينة وجسدها المتعطش. هؤلاء مساكين اذا كانوا فعلاً مقتنعين بذلك. أما اذا كانت مجرد متاجرة وركوب لموجة تجدّد من خلالها الرأسمالية نفسها، فالحديث يطول… في كلتا الحالتين، علينا دائماً التذكير بأن كلّ هذه المسائل سبق ان نُوقشت بشكل أعمق بكثير من كثر من السينمائيين. كلّ ما تفعله الموجة الحالية غير القادرة على أي ابتكار، هو ان تأتي بنسخ "ملعوبة" عن قصص قديمة بحجّة قضية المرأة التي أصبحت نوعاً من بزنس لا يُطاق، وعدد الذين ما عادوا يتحملون هذه الأدلجة أكثر ممّا نتخيل، لكن للأسف، التحفّظ والخوف من التهم يمنعان شرائح واسعة من الصحافيين والنقّاد عن الكلام.

واللافت ان من تولّى هذا الدور وكلها قناعة بأنها تساهم في كتابة البيان التأسيسي لاحدى الحركات الثورية، ليست سوى نيكول كيدمان! ولم ننسَ بعد ان كيدمان لعبت بطولة "أيز وايد شات" آخر أفلام كوبريك قبل أكثر من ربع قرن، وكان لها فيه من الكلام المباح الكثير، وهي تبدو فيه أكثر تقدّمية وتصالحاً مع نفسها من كلّ ما نراه هنا في هذا العمل المتحذلق الذي يبرر الخطأ من دون ان يحاول فهمه.

 

####

 

برادي كوربيت عرض تحفته في مهرجان البندقية وسط ذهول كبير:

“الوحشيّ” أيقظ حلم السينما البهيّ وكوابيسها بعظمة وطموح

هوفيك حبشيان

الأفلام، كسائر المخلوقات، لا تولد متساوية. بعض #الأعمال السينمائية تخلق عظيمة، لا يحدّها أي شيء، تحذّرك مما هي عليه منذ اللحظات الأولى. وهذا ما حدث مذ دخلنا صالة “دارسينا" في الليدو، مساء السبت، لنكتشف "الوحشيّ" ل#برادي كوربيت، أحد الأفلام الأميركية الخمسة التي تتسابق على "الأسد" حالياً في #مهرجان البندقية الحادي والثمانين (28 آب - 7 أيلول). سيكون من الصعب جداً على الأفلام الأخرى تجاوزه، بل والاقتراب منه، وهناك مَن أعلن منذ الآن رغبته في ان يفوز بأرفع جوائز "الموسترا".

الافتتاحية وحدها عظمة على عظمة على عظمة. ضربات متتالية تبثّ فينا الحيرة وتحبس أنفاسنا، اذ لا نعرف ماذا يحدث وماذا نرى تحديداً وما الذي ينتظرنا. نتابع تفاصيل خروج رجل من جبّ الأرض، تتعقّبه كاميرا محمولة. جبّ الأرض هنا هو سفينة محمّلة مهاجرين لدى وصولهم إلى أميركا. انها ولادة جديدة. أول مشهد "حقيقي" هو تمثال الحرية، لكن نراه بالمقلوب، ممّا يؤسّس للزاوية التي ستُروى منها الأحداث طوال الدقائق الـ215 التي يستغرقها الفيلم، وذلك لتوثيق أكثر من نصف قرن من سيرة إنسان سينتقل من ماضيه إلى مستقبله، بلا تحضيرات مسبقة، ومن دون ان يقضي الماضي الذي جاء منه على تطلّعاته. سيتعين عليه الخروح من سجن النازية إلى غابة الرأسمالية مدركاً لعبتها بسرعة. لكن ماذا لو كانت الرأسمالية سجناً آخر؟

بطلنا لن يتأخّر في الخروج من السفينة. هو المجري لاسلو توت (#أدريان برودي). مهندس معماري هرب من الحرب الدائرة في #أوروبا. يهودي نجا من المحرقة، لكنه ترك فيها زوجة (فيليسيتي جونز) وابنة اختها (رافي كاسيدي)، لا يعرف في البداية اذا كانتا لا تزالان حيّتين. لن يُقال الكثير لا عن الحرب ولا عن الهولوكوست، ليس هذا ملعب الفيلم الأول. بل سيتعامل مع الناجي في موطنه الجديد، أرض الأحلام والفرص وكلّ ما هو ممكن.

كالعديد من #اليهود الذين سُهِّل ترحيلهم إلى أميركا بعد الحرب، يحاول لاسلو ان يجد موطئ قدم له في "أرض الميعاد". للحظ والمصادفة مكان في تطوّر الأحداث اللاحقة، لكن العنصر الذي سيكون حاسماً في نجاحه هو الموهبة والبراعة والرؤية ولا شيء سوى الموهبة والبراعة والرؤية. أميركا ليست جمعية خيرية، بل تراهن على الأكثر كفاءةً، تلتقطهم وتمنحهم فرصة ثانية والباقي أعشاب برية. الفيلم يتعمّق في هذا السؤال طوال شقّه الأول. ماذا تعني النجاة، وأين دورها في صوغ نظرة جديدة إلى العالم؟ وكيف تلقي بظلالها على التجربة الشخصية والإنجاز الفنّي؟ هل تصح صناعة فنّ تحت وصاية اقتصادية؟ واستطراداً، هل يوجد ما يُعرف بـ"فنّ النجاة"؟ هذا كله يمكن التقاطه في طيات الفيلم. لا نجد أي تصريح (أو تقريباً)، كلّ شيء محسوس، ملموس، نتلقّاه عبر دفعات، وصولاً إلى الخاتمة التي تفجّر كلّ شيء لتقول ما حبسه الفيلم طويلاً.
ما سيحدث هو ان لاسلو سيصمّم مكتبة لملياردير أميركي (غاي برس)، والأخير سيكلّفه لاحقاً بناء مجمّع ضخم جداً يضم مكتبة وكنيسة وصالة ألعاب ومركزاً ثقافياً، تكريماً لأمّه الراحلة. تشييده سيغدو من أقسى الامتحانات له وللمحيطين به، وسيُغرق الفيلم في فوضى خلاّقة، بسبب ما يحمله من طموحات. سيجد لاسلو نفسه على حافة الجنون، ويصبح شيئاً أقرب إلى المهندس الآخر فيتسكارالدو (في فيلم فرنر هرتزوغ) وهو يحاول الصعود بالسفينة إلى قمّة جبلية. مشروع البناء سيشرّع الفيلم على مصراعيه. كلّ ما كان مسكوتاً عنه سيظهر؛ الصراعات ستتفاقم، وسنكتشف تباعاً الواقع خلف العناوين الحماسية التي في البداية. انه حرفياً نزول إلى الجحيم، لكن بلا نيران، بل سنشهد على الكثير من المواجهات بين الشخصيات، وفي مقدّمها زوجة لاسلو التي تكون قد انضمت إلى زوجها في تلك الأثناء. المشروع سيكون أشبه بهدية مفخّخة مزروعة في أرض أسقطت الحدود بين المستغِّل والمستغَّل، لكن هل سيقضى على لاسلو؟ هل سيكون مقبرة الناجي لا خلاصه؟

تلقينا الفيلم كصاعقة. عرضه بقياس 70 ملم كان لحظة ذروة هذا المهرجان الذي انطلق بخيبات متتالية. شهد العرض استراحة في منتصفه دامت نحو ربع ساعة، فلمسنا جواً من البهجة والاحتفاء بالسينما وسط الحاضرين، لم نلمسه في أي من العروض الأخرى. لماذا أذكر هذا كله؟ لأن هذه الشرارة نادراً ما تحدث. آخر مرة عشتُ شيئاً شبيهاً كان يوم عرض "إغماض العينين" لفيكتور إريثه في مهرجان كانّ ما قبل الأخير. هناك أفلام، نشاهدها كلّ يوم وتلمسنا، لكن ما نعيشه مع أفلام مثل "الوحشيّ" حكاية أخرى.

أعادنا الفيلم إلى منبت الفنّ السابع، خصوصاً انه يأتي بأبجديات سينمائية من الخمسينات، سواء على مستوى خامة الصورة ("فيستافيجن") التي شكّلها لول كراولي، أو أسلوب الأداء أو التصوير، أو حتى الموسيقى التي وضعها دانيال بلومبرغ. هذا ما يجعله عملاً كلاسيكياً على الفور. أنا وكثر غيري، تنشّقنا أوكسيجيناً مختلفاً ونحن نتابع العرض الذي رغم طوله لم يحسّسنا بأي دعسة ناقصة أو لحظة كان من الممكن تغييبها. كوربيت أيقظ حلم السينما البهي، مرتّباً لنفسه الظروف الملائمة لإعادة احيائها، كما انه أيقظ كوابيسها النائمة في الباحة الخلفية. انها السينما الأميركية كما نحبّها: طليعية، فذّة، نقدية، متماهية مع التاريخ والحاضر، تعري الأساطير وتأتي من خارج منظومة هوليوود والإنتاج المستقل.

هندس كوربيت الفيلم كما يهندس لاسلو العمارة المجيدة، المستوحاة من الطراز المعماري الوحشي الذي ظهر في الخمسينات. كلاهما، المخرج والمهندس، مشغولان بالعظمة والأحجام التي لا تعرف سماءً أو حدوداً. سيكون هناك حوار ضمني بينهما، فما إنجاز فيلم في الأخير سوى عمل هندسي يؤكّده كوربيت من خلال تشييده هذه الكاتدرائية السينمائية. هذا التقارب بين كوربيت ولاسلو يتحقّق على العديد من المستويات، أكثرها ظاهريةً ذلك الطموح الذي يجمع كليهما لإنهاء عمل فنّي يتحدّى القوالب الجاهزة وتوقّعات المُشاهد البليدة.

ذكّرني الفيلم الذي ينطوي على أربعة فصول، برائعة "ذات زمن في أميركا" لسرجيو ليوني، وعندما أقول "ذكّرني"، لا أقصد بالضرورة ان ثمة ما يتشاركه الفيلمان. هي روحية لا أكثر. أما على صعيد الطموح، فيجسّد الفيلم عملاً لا يقلّ أهمية عن "ستُهرق الدماء" لبول توماس أندرسون، الذي كان في عمر كوربيت (37 عاماً) عندما جاء بهذه الرائعة. كلاهما يرتقيان بفنّ الشاشة، وما جملة المخرج التي صرّح بها أثناء المؤتمر الصحافي أمس ("هذا الفيلم يفعل كلّ ما نُمنع عنه")، سوى تأكيد لطموح وجرأة مخرج لا يلتزم التعليمات.

تجمع ملحمة كوربيت شؤوناً عدة: علاقة فنّ العمارة بمحيطه وامتدادته الثقافية والاجتماعية والروحية داخل بيئته الحاضنة، الحبّ وصموده على انقطاع طويل، التروما، الاذلال، الثقة بالبورجوازية. كلّ واحدة من هذه المسائل، كفيلة بإنجاز فيلم على حدة، لكن تُموضع ضمن سياق حياة كاملة متكاملة، فلا يزاحم بعضها بعضاً. لا توجد كلمة تشعرنا بأنها زائدة ولا احساس في غير مكانه. كلّ المواضيع تصنع ما يُعرف في الموسيقى بالهارمونيا، من شدّة تكاملها بعضها مع بعض.

ولأن لاسلو يهودي (وهذا ليس مجرد تفصيل)، لا بد ان تأخذ الأمور بُعداً عقائدياً، ينجح الفيلم في التعامل معه بالقفّازات ومن دون أي تدليس. هناك في هذا الشأن، شقّان: العام والخاص. في العام، يرينا الفيلم من خلال مونتاج مواز مدهش (تولّاه دافيد يانتشو) الطقوس الدينية في الكنيس، بالتوازي مع إنجازات أميركا في الأربعينات ونهضتها الثقافية والاقتصادية التي ساهم فيها اليهود. أما على المستوى الخاص، فالكلّ يتعاطف مع لاسلو، لكن أحداً لا يفهمه ويفهم ما عاناه في المعسكر، وهذه نقطة يتشاركها كلّ منكوبي الحروب والصراعات الدموية، من كمبوديا إلى فلسطين. لا أحد يمكن ان يدخل في عقله ومعاناته، وهنا إحدى معضلات الفيلم. كلّ ما يمكن لأميركا ان تهبه إياه، فرصة كي يثبت نفسه من خلالها، ولكن بشروط. انه الفرق، وكلّ الفرق، بين الذي ولد في بقعة جغرافية وآخر يهاجر اليها.

النقطة المتعلّقة بالشأن اليهودي، لا تنتهي عند هذا الحد، بل تتبلور “على السكت”، كي تبلغ مرحلة الحديث عن إسرائيل، كـ"أرض ميعاد" للمّ شمل اليهود. في لحظة من اللحظات، بعد اصابتها بخيبة من أميركا، ستعلن الزوجة رغبتها في الرحيل إلى الدولة العبرية، بعدما سبقتها إليها ابنة اختها. الفيلم في هذا المجال حذر، يقارب فكرة دولة تضم يهود العالم برغبة في القفز فوقها، فلاسلو لا يؤيدها، معتبراً انه لن يكون أكثر يهوديةً في إسرائيل ممّا هو عليه في أميركا. ثم أي هجرة تلك التي تجعلك كائناً آخر في أرض جديدة، للمرة الثالثة، في غضون سنوات؟ وإن كان العيش في إسرائيل يبدو للآخرين الحلّ المناسب للعثور على مكان لا يُذَلّون فيه وليسوا في حاجة لإثبات قدراتهم. لكن الأمر في النهاية، وهمٌ بوهم، وما سينقذ لاسلو ليس ارتباطه بالهوية والدين، بل قدرته على التغلّب على شياطينه من خلال الفنّ، وتوظيفها في جماليات كتلك الجدران الشامخة المستلّة من المعاناة الفردية. نعم، لا يزال ثمة مكان للخيال حتى في أقسى ما نختبره.

لنسجّل للتاريخ: في الحادي والثلاثين من آب الماضي، ولد في البندقية مخرج رؤيوي اسمه برادي كوربيت، سيكون من الصعب جداً على أعضاء لجنة تحكيم إيزابيل أوبير صرف النظر عنه، لا بل انه أكبر امتحان لذائقتهم السينمائية.

 

####

 

البندقية 81 - "ثلاث صديقات": الحبّ واللاحب على الطريقة الفرنسية

#البندقية - هوفيك حبشيان

تحضر العلاقات العاطفية غير التقليدية مجدداً في أحدث #أفلام المخرج الفرنسي إيمانويل موريه، ”ثلاث صديقات”، المعروض في مسابقة مهرجان البندقية ال#سينمائي الـ81 (27 آب - 7 أيلول). أشياء مثل اللقاء الأول والانفصال والخيانة التي تجرجرها السينما الفرنسية خلفها منذ الأزل، لكن بحساسية أوروبية وقيم وأنماط مختلفة، تضع الإنسان وتناقضاته في قلب المعمعة. يمكن اعتبار موريه الذي يحمله على الراحات جزء لا بأس من النقّاد في فرنسا، "إريك رومير الألفية الثالثة"، لكونه مهووساً بالعلاقات بين ناس يلتقون وينفصلون، ثم يلتقون مجدداً بآخرين، وهكذا، في لعبة تبدو لوهلة بلا نهاية. طبعاً هذا اختزال لا يفي أجواء الفيلم حقّها، فهناك الكثير ممّا لا يمكن نقله هنا بلغة الكلام بل يُعتبر حرقاً للأحداث. على غرار رومير، يملك موريه موهبة الحكواتي، معطوفة على شيء من رغبة في استخلاص العِبَر من الحكايات المروية.

هنا، تأخذ القصّة من مدينة ليون مسرحاً لها، وتدور حول ثلاث صديقات )كاميّ كوتان، سارا فوريستييه، إينديا هير)، إثنتان منهن متزوجتان والثالثة "تحت نصيبها". الأولى ما عادت تحبّ زوجها والثانية زوجها يخونها مع الثالثة. لكلّ واحدة منهن نظرة مختلفة للحبّ، هذا اذا كان الحبّ شيئاً حقيقياً أصلاً، واذا كان فعلاً حقيقياً كم يدوم، وكيف نعرف انه الحب؟ هذه بعض الأسئلة التي يخوضها الفيلم من خلال التورط قلباً وقالباً في مغامرات الصديقات الثلاث. اللافت ان لا الانفصال ولا حتى الموت يعنيان نهاية عند موريه الذي يجيد تصوير نزوات القلب أكثر من أي مخرج معاصر آخر، تاركاً جزءاً كبيراً رهين الغموض واللبس. هذا فيلم عن البحث المستحيل عن شعور غامض وهجين نعظّم تقديره. ألا يجدر بالأحرى الحديث عن تعوّد، انجذاب، رغبة في الاستقرار، حبّ للذات، الخ؟ مجموعة أسئلة لا تتوقّعوا ان يجيب الفيلم عنها.

من أجل نقل هواجسه إلى الشاشة، يلجأ موريه إلى صيغة حكائية، فالشخص الغائب هو الذي يروي الحاضر، وسنراه من وجهة نظره المنحازة إلى زوجته، ذلك انه أصبح بعد موته شبحاً يحوم حولها بين حين وآخر. هناك مَن سيرى في هذا كله أجواء درامية مستلّة من عالم ماريفو قوامه بهجة الحبّ وتعاساته، وذلك بسبب ما يوحي به الفيلم من خفّة وكلام كثير يضعه كثيرون في خانة الثرثرة. الأجدر بنا ترتيب حالة موريه في إطار فيلموغرافيا أوسع، حيث كلّ فيلم أشبه بقطعة بازل تأتي برؤية شاملة للعلاقات على الطريقة الفرنسية.

 

النهار اللبنانية في

03.09.2024

 
 
 
 
 

قبل يومين من موعدها لحضور عرض «جوكر 2» ..

«ليدي غاغا» وصلت إلى «فينيسيا السينمائي» مع خطيبها وزوجها المستقبلي مايكل بولانسكي

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

وصلت ليدي غاغا إلى مدينة فينيسيا الإيطالية (ويبدو أنها مغرمة جداً).

لا شك أن دورة عام 2024 من مهرجان فينيسيا السينمائي ستدخل التاريخ بسبب العدد الكبير من المشاهير الحاضرين: أنجلينا جولي، وجود لو، وبراد بيت، وجورج كلوني، وجوليان مور، ونيكول كيدمان، وأنطونيو بانديراس، وريتشارد جير، وسيجورني ويفر، والآن مغنية المغنيات”غاغا“ التي وصلت مساء أمس إلى فينيسيا قبل يومين من موعدها المحدد، وكانت قريبة جداً من خطيبها وزوجها المستقبلي مايكل بولانسكي.

واللقطات المرفقة للمغنية والممثلة عند وصولها إلى مطار ماركو بولو مرتدية نظارات شمسية وفستاناً منقطاً، ثم توجهت على الفور - مع وقت كافٍ فقط لبعض التواقيع - نحو فندق نجوم المهرجان، ولدى وصولها إلى رصيف الفندق، كان في انتظارها المصورون الذين أعطتهم غاغا قبلة، ربما لمكافأتهم على ساعات الانتظار الطويلة.

كانت ليدي غاغا قد غابت عن الليدو لمدة ست سنوات: آخر مرة كانت مع برادلي كوبر لتقديم فيلم ”A Star is Born“.، وهذا العام قامت ببطولة الجزء الثاني من فيلم جوكر والذي حاز الجزء الأول منه على جائزة الأسد الذهبي وجائزة الأوسكار للمخرج تود فيليبس، والذي ينتظره الجمهور بفارغ الصبر ليس فقط بسبب التوقعات الكبيرة، ولكن أيضًا بسبب قيام غاغا بدور هارلي كوين.

 

####

 

بحضور دانيال كريغ ولوكا غوادانينو ودرو ستاركي ..

تعرف على | تفاصيل المؤتمر الصحفي لفيلم «كوير» في «فينيسيا السينمائي الـ 81»

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

شارك المخرج الإيطالي لوكا غوادانينو في مهرجان فينيسيا السينمائي اليوم الثلاثاء لعرض فيلمه الدرامي المثير الذي طال انتظاره ”كوير“ الذي يقوم ببطولته دانيال كريغ ودرو ستاركي في دور عشيقين عابرين في مكسيكو سيتي عام 1950.

تحدث كريغ في المؤتمر الصحفي الأول للفيلم في إيطاليا، ووصف عملية بناء علاقة مع ستاركي لتصوير المشاهد الجنسية المصورة للفيلم، مشيراً إلى أنهما بدآ بالتدرب على بعض الرقصات معاً قبل أشهر من بدء التصوير.

وأوضح كريغ قائلاً: ”الرقص مع شخص ما هو وسيلة رائعة لكسر الجليد، نعلم جميعًا أنه لا يوجد شيء حميمي في تصوير مشهد جنسي في موقع تصوير فيلم - فهناك غرفة مليئة بالناس الذين يشاهدونك - لذا أردنا فقط أن نجعل الأمر مؤثرًا وحقيقيًا وطبيعيًا قدر الإمكان.“

يمثل العرض الأول لفيلم ”كوير“ على السجادة الحمراء عودة مظفرة لجوادانينو إلى ليدو بعد أن اضطر فيلمه السابق ”تشالنجرز“ المثير في التنس إلى الانسحاب من افتتاح مهرجان فينيسيا العام الماضي بسبب التأخيرات المتعلقة بإضراب ممثلي هوليوود.

يثير فيلم ”كوير“ بالفعل ضجة كبيرة باعتباره منافسًا محتملًا على جائزة الأسد الذهبي وموسم جوائز هوليوود، حيث وصف المدير الفني لمهرجان فينيسيا ألبرتو باربيرا أداء كريغ بأنه ”يحدد مسيرته المهنية“.

الفيلم مقتبس عن رواية ويليام س. بوروز الكلاسيكية عن مغترب أمريكي (كريغ) في مكسيكو سيتي في خمسينيات القرن الماضي والذي ينشغل بشغف بطالب شاب (درو ستاركي).

يضم فريق الممثلين الداعم ليسلي مانفيل وجايسون شوارتزمان وأندرا أورسوتا ومايكل بوريمانس وديفيد لوري. أعاد كاتب سيناريو ”تشالنجرز“ جاستن كوريتزكيس كتابة هذا الفيلم المقتبس.

من جانبه، قال درو ستاركي إن تدريبات الحركة وتسلسلات الرقص مع كريغ ”حررتنا وحررت أجسادنا“ وسمحت لنا بالانفتاح لتجربة أشياء جديدة. وأضاف: ”عندما تتدحرج على الأرض مع شخص ما في اليوم الثاني من معرفتنا ببعضنا البعض، فهذه طريقة جيدة للتعرف على شخص ما.“

ونسب ستاركي الفضل إلى مصمم الرقصات بول لايتفوت في مساعدتهما على إيجاد موطئ قدم لهما. وقال: ”لقد مررنا بأشهر من هذه التجارب مع بعضنا البعض“، ثم حوّل انتباهه إلى الثناء على غوادانيينو. ”ثم قضينا أسبوعين من الاستكشاف فقط. يتيح لوكا أيضًا تلك المساحة لحدوث ذلك. إنه يدعو إليه ويرحب به. إنها تجربة فريدة من نوعها كممثل. لم أخض تجربة كهذه من قبل.“

ثم أضاف ضاحكًا إنه على الرغم من تسلسل الرقص، إلا أنه ليس راقصًا و"دان بالتأكيد ليس راقصًا - لكنني أعتقد أننا تعلمنا وتحسننا معًا.“

حدثت لحظة محرجة في المؤتمر الصحفي عندما تطرق أحد الصحفيين الأستراليين إلى موضوع ابتعاد كريغ عن سلسلة أفلام جيمس بوند من خلال دور البطولة في فيلم ”كوير“. هل كان لديه أي تحفظات حول هذا الاختيار وهل كان يعتقد أنه يمكن أن يكون هناك جيمس بوند مثلي الجنس؟

هز جوادانينو رأسه ورفض السؤال. وقال: ”يا رفاق، دعونا نكون بالغين في الغرفة لثانية واحدة، لا توجد طريقة للالتفاف حول حقيقة أنه لا يمكن لأحد أن يعرف رغبات جيمس بوند.“

ثم استخدم المخرج الأسئلة كوسيلة للثناء على بطله الرئيسي. وقال: ”لقد كنت معجباً بهذا الرجل منذ فترة طويلة“، مضيفاً أنه كان لديه حدس ”يخنقني“ بأنه يريد العمل معه لكنه حاول التركيز على الواقع بقوله لنفسه ”عليك أن تصنع أفلاماً وليس أحلام يقظة“.

ومضى المخرج ليصف كريغ بأنه ”أحد أعظم الممثلين“ الأحياء. وأضاف: ”بالنسبة لي، إحدى السمات الرائعة للممثلين العظماء الذين تحبهم وتريد أن تراهم على الشاشة وتتأثر بهم، أود أن أقول، هي سخاء النهج - القدرة على أن تكون بشريًا للغاية على الشاشة، وقليلون جدًا هم الممثلون الأيقونيون والأسطوريون الذين يسمحون برؤية هذه الهشاشة.“ وقال إن كريغ لديه كل ذلك.

وكشف كريغ أنه التقى غوادانينو منذ حوالي 20 عامًا وكان يرغب في العمل معه منذ فترة طويلة.

وقال صاحب الـ56 عامًا: ”أنظر إلى هذا العمل وأعتقد أنني لو لم أكن في الفيلم وشاهدته، لرغبت في أن أكون فيه، إذا كان هذا منطقيًا“. ”إنه من نوعية الأفلام التي أريد أن أشاهدها، وأريد أن أصنعها، إنه فيلم صعب، لكنني آمل أن يكون سهل المنال بشكل لا يصدق.“

شارك غوادانينو أيضًا بعض الأفكار حول ما يجب أن يفكر فيه الجمهور ويشعر به عندما يغادرون المسرح: ”أردت، على ما آمل، أن أترك الجمهور في نهاية العرض مع نوع من فكرة عن الذات. من نحن عندما نكون وحدنا ومن نبحث عنه؟ من الذي نريده بجانبنا؟

في بيانه الرسمي، وصف غوادانينو مقاربته للفيلم بكتابة ”كيف يمكن لرجل يرى ويشعر أن يكون غير حزين؟، يتساءل ويليام بوروز في آخر تدوين في مذكراته الشخصية قبل وفاته. وفي اقتباسنا لروايته الثانية التي نُشرت بعد أربعين عامًا تقريبًا من كتابته لها، حاولنا الاستجابة لهذا النداء المتواضع من هذا الأيقونة العظيمة لجيل الإيقاع“.

استحوذت A24 على حقوق توزيع فيلم ”كوير“ في الولايات المتحدة قبل أيام من عرضه العالمي الأول في مهرجان فينيسيا، ويخطط الاستوديو المستقل لإطلاقه قبل نهاية العام.

 

####

 

يمزج بين الخيال العلمي والواقع التخميني ..

فيلم «2073» يعرض خارج المنافسة ضمن فعاليات «فينيسيا السينمائي الـ 81»

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

يعرض فيلم "2073" للمرة الأولى عالميًا ضمن فعاليات مهرجان فينيسيا السينمائي الـ 81.

الفيلم الذي يقدم رؤية صارمة لمستقبل مظلم يُعتبر من أبرز الأعمال المشاركة خارج المنافسة في المهرجان.

يُصنف العمل كفيلم إثارة، ويتجاوز الحدود التقليدية للنوع السينمائي، ويدور في إطار مستقبل بائس. يحمل الفيلم بصمات المخرج البريطاني آصف كاباديا، الحائز على جائزة أوسكار وجائزة البافتا، ويشارك في بطولته سامانثا مورتون، ناعومي آكي، وهيكتور هيوي.

الفيلم مستوحى من الفيلم الفرنسي القصير "La Jetée" للمخرج كريس ماركر، الذي صدر في عام 1962، يتناول "2073" قصة مستوحاة من قصة مسافر عبر الزمن يخاطر بحياته لتغيير مسار التاريخ وإنقاذ البشرية.

وقد كان "La Jetée" الأساس لفيلم الخيال العلمي "12 Monkeys" للمخرج تيري جيليام، الذي قام ببطولته بروس ويليس وبراد بيت.

في الفيلم، يأخذ الجمهور خلال رحلة إلى عام 2073، حيث تتحقق أسوأ مخاوف الحياة الحديثة. تمتلئ السماء بطائرات مراقبة دون طيار تحت شمس برتقالية محترقة، وتجوب الشرطة العسكرية شوارع مدمرة، بينما يختبئ الناجون تحت الأرض، يكافحون للحفاظ على ذكرى حياة حرة ومتفائلة.

يوصف "2073" بأنه مزيج بين الخيال العلمي الرؤيوي والواقعية التخمينية، ويربط بين الأزمات العالمية الحالية، مثل التكنولوجيا غير المقيدة وعدم المساواة وتغير المناخ.

 

####

 

افتتح أسبوع النقاد في «فينيسيا السينمائي الـ 81» ..

نظرة أولى | فيلم «الكوكب ب» صرخة تحذير من الانهيار البيئي على الأرض

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

فيلم الخيال العلمي «الكوكب ب، Planet B»، تم تقديمه في افتتاح أسبوع النقاد السينمائيين ضمن فعاليات مهرجان فينيسيا السينمائي الحادي والثمانين.

تدور أحداثه عام 2039، حيث لم تعد أجزاء من الأرض صالحة للسكنى بسبب الانهيار البيئي الحاد وتجاهل معظم الدول لاتفاقيات باريس، وقد أدى ذلك إلى عالم في حالة من الفوضى.

ولمواجهة هذه الضائقة المتعلقة بالمناخ والفوضى الاجتماعية والسياسية، تقوم مجموعة من الإرهابيين البيئيين المعروفين باسم ”آر“ بالتحريض على شن عدة هجمات في جميع أنحاء البلاد مما يؤدي إلى القبض على عدد قليل من الأعضاء الأساسيين في المجموعة ووضعهم في سجن افتراضي لا مفر منه وغير قانوني للغاية يعرف باسم «الكوكب ب».

داخل هذا المكان الذي يبدو شاعريًا حيث أشعة الشمس الرائعة وآفاق المحيط الزرقاء الساطعة وحمام سباحة على طراز المنتجع، يتعرض الأسرى للتعذيب النفسي والمعاناة كل ذلك لكسر إرادتهم والكشف عن أسماء قيادة ”آر“.

تقوم مهاجرة أفغانية شابة تدعى نور (سهيلة يعقوب) بسرقة سماعة رأس واقع افتراضي من المجمع العسكري الذي تعمل فيه عاملة نظافة من أجل بيعها في السوق السوداء لدفع المال لمهربي البشر لمساعدتها على الهرب إلى كندا. تكتشف نور أن السماعة المسروقة تربطها متخفية بالكوكب ”ب“، وعندما تستكشف المناطق المحيطة بها، تلتقي بجوليا (أديل إكزارتشوبولوس)، وهي قائدة داخل ”آر“ وتقيم علاقة معها.

تشهد نور معاناة جوليا والسجينات الأخريات، وباعتبارها صحفية سابقة في بلدها الأم، تصبح نور شاهدة على معاناة جوليا والسجينات الأخريات، وتصبح مهتمة بمحاولة فضح العملية أمام الجمهور قبل فوات الأوان.

يقدم فيلم ”الكوكب ب“ سرداً مشوقاً مع أداء استثنائي من أبطاله والممثلين المساعدين.

تتفوق كل من يعقوب وإكزارتشوبولوس في تجسيد دور شابتين مرهقتين رغم إرادتهما القوية في القتال من أجل قضية تؤمنان بها.

تتنقل القصة بين محنة جوليا التي تتشبث بسلامة عقلها داخل حدود سجن الواقع الافتراضي ونور التي تحاول يائسة الفرار من الدولة الفرنسية القمعية والتدخلية. فوضعها كمهاجرة، وبالتالي ”أخرى“ داخل المجتمع يعني أنها تتعرض لمعاملة غير إنسانية ومضايقات، ولكن في الواقع، فإن نفس الإساءة (إن لم يكن أسوأ) تتعرض لها المواطنة الفرنسية جوليا ورفاقها من قبل السلطات.

كما أن بناء العالم الذي تبتكره آود ليا رابين مثير للإعجاب أيضًا. فنحن نشهد على الشاشة مستقبلًا مطبوعًا عليه عالمنا الحالي مع بعض الاختلافات والتطورات الطفيفة، ويأتي هذا التقدم في الغالب في شكل تكنولوجيا المراقبة والطائرات بدون طيار والأسلحة.

في هذا الصدد، تشبه الجودة الجمالية في هذا الفيلم البيئة الحضرية البائسة لفيلم ”أطفال الرجال“ (2006) للمخرج ألفونسو كوارون.

الاستثناء الوحيد للمشهد الحضري المتجهم هو المشهد الجميل على شاطئ البحر الذي نراه داخل موقع التصوير الافتراضي ”الكوكب ب“. إنها بيئة سريالية رائعة تهز الحواس. إنه يقدم تأثيرًا مزعزعًا للاستقرار، ليس فقط للمشاهد الذي ينفجر في عينيه فجأة بالضوء والجمال، ولكن أيضًا لأولئك الذين يقعون أسرى داخل البيئة. من الواضح أن هذه الوجهات ذات المناظر الطبيعية الخلابة قد اختفت منذ فترة طويلة من الكوكب، بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر والهواء الملوث، ومع وصول المزيد من الأسرى ”R“، تتراكم ”الزنازين“ فوق بعضها البعض، وتصبح الحياة أكثر فوضوية وغير صالحة للعيش.

هناك قصة إنسانية في قلب فيلم ”الكوكب ب“ تضمن أن يتواصل مشاهدو الفيلم مع محنة أبطاله، ولكن إلى جانب هذه المحنة يحمل الفيلم تحذيرًا سياسيًا ومجتمعيًا يجب الانتباه إليه.

فمناخ كوكبنا مضطرب بشدة، وستؤدي العقود القليلة القادمة إلى تغيرات في درجات الحرارة في مناطق شاسعة ستجعلها غير صالحة للعيش بالنسبة لغالبية الناس. ومن المحتمل أن تؤدي الزيادة الكبيرة في الهجرة إلى أن تتبنى البلدان المستقبلة للمهاجرين المزيد من التعصب تجاه الغرباء وانتخاب أشباه الفاشيين في السلطة الذين سيعدون بسياسات صارمة للتعامل مع الأزمة. وهذا سيعني إقامة الجدران، وعسكرة الحدود، والانكفاء على الانعزالية

نحن نرى بذور هذا المستقبل مزروعة بالفعل في معظم المجتمعات الغربية والخطاب المناهض للهجرة يكتسب زخمًا في وسائل الإعلام الرئيسية. لكن الخطاب والأفعال لن تتوقف عند المهاجرين. فالدولة الاستبدادية ستنقلب دائمًا على من تعتبرهم غير وطنيين أو خونة. كما نشهد في الفيلم.

تجربة ”الكوكب ب“ الذي يستخدم لتعذيب المواطنين الفرنسيين. قد لا يقدم الفيلم حلاً لها، إلا أنه يرسم صورة متواضعة ومقلقة لمستقبل نسير نحوه. مستقبل يجب أن نرفضه. فلا يوجد كوكب بديل، لدينا فقط كوكب الأرض، والقدرة على تغيير المسار عليه في أيدينا، لأن الوقت ضئيل.

 

####

 

أحد أفلام «عودة الجنس» إلى «فينيسيا السينمائي» ..

نظرة أولى | «كوير» لـ دانيال كريغ ولوكا غوادانينو يغوص في عالم الشواذ والمثلية

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الحادي والثمانين عُرض اليوم فيلم «كوير،Queer » لأول مرة للمخرج لوكا غوادانينو.

نحن في أوائل الخمسينيات، وقد ترك لي (دانيال كريغ) في منتصف العمر، بلده وذهب إلى المكسيك التي تعشق المتعة. يختلط مع الشواذ ذوي التفكير المماثل في الملاهي المحلية، وينخرط وسط الشباب المثيرين (مع القليل من المال دائمًا).

يصبح مفتونًا بجين (درو ستاركي)، وهو شاب وسيم جدًا وأصغر سنًا بكثير من مواطنه الذي لديه ”ميول جنسية ثنائية“.

في الواقع، انتقل ”لي“ إلى البلد الواقع في أمريكا اللاتينية لأنه أراد الفرار من عدو خطير للغاية وهو إدمان الهيروين المدمر للروح. وقد نجح في ذلك جزئياً، فبينما أتاحت له حياته الجديدة تجارب جديدة، إلا أنه لم يتخلص من هذه العادة تماماً، ويرتبط ذلك بلا شك بحقيقة أن هذه المادة الأفيونية متاحة بسهولة على الأراضي المكسيكية.

يدعو لي جين للسفر معه إلى أمريكا الجنوبية، ويتعهد بدفع جميع النفقات مقابل القليل من العطاء مرتين في الأسبوع، ويصلان إلى الإكوادور بحثاً عن مادة مهلوسة تسمى الياج.

تم إبلاغ لي بشكل موثوق أن المادة الكيميائية الطبيعية تمتلك صفات تخاطرية، ويأمل الرجل الأكبر سنًا أن يساعده العقار على التواصل مع جين الذي يزداد برودة وبُعدًا (لكنه يفي بالتزاماته ”التعاقدية“، ويرتجف من تقدمه بخلاف ذلك).

ولي يائس من تكوين شعور بالحب والألفة، إنه مقتنع بأن المخدر محفز وناقل للتغيير في آن واحد، ويأمل في العثور على طبيب أمريكي على دراية بالنبتة (المعروفة أيضًا باسم آياهواسكا) في قلب غابة الأمازون.

مشاهد تعثر الآياهواسكا جميلة وحسية. يسكب ”لي“ و”جين“ قلبيهما بكل معنى الكلمة، بينما يندمج جسداهما العاريان في جسد واحد.

من المؤكد أن هذا سيثير بعض الدهشة، وذلك لأن هذا المزيج القوي في الحياة الواقعية ليس مخدرًا جنسيًا ولا ترفيهيًا، بل هو مخدر روحي.

فهو يجعل الناس يتقيأون ويتبولون ويتغوطون لا إراديًا، وهذا ليس مثيرًا جنسيًا. لا يتناسب الغائط والبول بشكل دقيق مع عالم غوادانينو.

إنها رغبة ”لي“ الجنسية التي تبقيه على قيد الحياة، وتتيح العلاقة الحميمية مع ”جين“.

يتضمن الفيلم ربع ثانية تقريبًا من العري الأمامي (لشخصية ثانوية) ومشهدين جنسيين بين (لي وجين).

وبالمناسبة، فينيسيا هي المدينة التي تم فيها تصوير أحد أكثر المشاهد الجنسية جرأة في تاريخ السينما، في فيلم ”لا تنظر الآن“ لنيكولاس روج (1973).

يختار المخرج الإيطالي أغاني نيرفانا وسينيد أوكونور ونيو أوردر. موسيقى رائعة، وإن كانت بالكاد تتماشى مع الزمن الذي تدور فيه أحداث الفيلم. لا يهتم غوادانينو بالواقعية ولا بالتماسك الثقافي.

في 135 دقيقة، تتميز هذه الحكاية الشاذة بسيناريو جيد وأداء فارق لدانيال كريغ بعيداً جداً عما كان يقدمه في أفلام جيمس بوند، ويعد هذا الفيلم نقلة مختلفة في مسيرته السينمائية كممثل.

هناك مشهدان ينزلقان إلى عالم الذكاء الاصطناعي والتبهرج. وتشمل لقاءً غريبًا مع أفعى خبيثة على غرار فيلم إنديانا جونز (يبدو الأمر متنافرًا بعض الشيء)، وبعض اللقطات الجوية لمدن منتصف القرن والمناظر الطبيعية.

والملخص بشكل عام مما يعرض في فينيسيا السينمائي هذا العام، أن فيلم ”كوير“ يستخدم ممارسة الحب المثلي كمحرك سردي، وهو أحد الدعاة الأربعة الذي أشاد بهم المدير الفني للبينالي ألبرتو باربيرا لـ ”عودة الجنس“ (إلى جانب فيلم ”بيبي غيرل“ لهالينا راين، وفيلم ”إخلاء المسؤولية“ لألفونسو كوارون، وفيلم ”الحب“ لداغ يوهان هاوغرود).

 

####

 

عُرض خارج المنافسة في «فينيسيا السينمائي» ..

نظرة أولى | فيلم «2073» لـ أسيف كاباديا صرخة ضد موت الديمقراطية وكوكبنا

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

يفقد أسيف كاباديا مخرج الفيلم الوثائقي 2073، الذي عرض خارج المنافسة في الدورة الـ 81 لفينيسيا السينمائي، بعض الدقة لكنه يعالج قضايا كبيرة، حيث يتنقل بين أطلال ما بعد نهاية العالم في عمل مستقبلي كئيب.

العام هو 2073، حيث يقاتل الناس من أجل البقاء على قيد الحياة في ”سان فرانسيسكو الجديدة“، وهي نسخة مستقبلية غامضة من مدينة كاليفورنيا، مع سيارات طائرة وروبوتات كلاب وبعض الهاربين التعساء الذين يتجنبون الاعتقال بشكل يائس.

لقد تحول العالم إلى نوع من الفوضى في مرحلة ما بعد نهاية العالم، بعد حدث مروع في عام 2036. يتصارع هذا المجتمع الناجي مع الاستبداد الشديد والمراقبة. يرسل الخارجون عن القانون رسالة مكتوبة ”إذا وصل إليكم هذا الأمر، أرجوكم افعلوا شيئًا قبل فوات الأوان“.

ليس من الواضح أبدًا ما إذا كانت الرسالة موجهة إلى أشخاص من الماضي أو المستقبل، أو ما الذي حدث بالضبط في عام 2036، أو حتى إذا كان هناك ناجون خارج هذه المدينة. القصة غريبة وغير متماسكة كما تبدو.

في موازاة هذه اللقطات الضعيفة والغريبة للمستقبل، يقوم المخرج البريطاني البارع صاحب أفلام ”سينا“ (2010) و”إيمي“ (2015) و”دييغو مارادونا“ (2019) بإدراج لقطات من التطورات الأخيرة التي حدثت في السنوات العشرين الماضية أو نحو ذلك في أجزاء مختلفة من البلاد في آخر أعماله. وهو يركز على ثلاثة مواضيع، لكن يبدو أنه لا يفهم كيف تتقاطع وتكمل بعضها البعض.

والهدف من ذلك هو القول بأن أحد هذه التحديات هي السبب في كارثة عام 2036 التي لم يذكر اسمها. تكمن المشكلة في أن المواضيع فضفاضة وواضحة للغاية. يريد كاباديا أن يتناول جميع المشاكل الدنيوية في 82 دقيقة فقط. كان بإمكانه أن يكون أقل طموحًا، وأن يختار معاركه بحكمة أكبر.

الموضوع الأول هو الاستبداد. قال أن 72% من سكان العالم الحاليين يعيشون في ظل حكم استبدادي (الرقم ليس له مصدر ولا تفسير).

يتحدث أحد النشطاء الفلبينيين بإسهاب عن حكم إدواردو دوتيرتي المرعب، وهي المقابلة الوحيدة المستفيضة في الفيلم.

يتباهى الرئيس الفلبيني السابق بأنه قتل الناس بيديه. حتى أنه يعترف بأنه يستخدم خطابه كأداة لغرس الخوف والسيطرة على السكان. كما أن سياسات رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي العنصرية، ومحاولاته المتكررة لإذلال المسلمين ونبذهم هي أيضًا موضوع محوري. وكذلك الأمر بالنسبة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المعادي للأجانب الذي يتبناه نايجل فاراج زعيم حزب استقلال المملكة المتحدة، ومعاملة الصينيين للأويغوري.

كل مواطن من هذه الأقليات يتم تصنيفه من قبل بكين، مع جمع الحمض النووي ومسح الوجه وبصمات الأصابع على النحو الواجب. وتُقارن معاملتهم بالهولوكوست.

والغريب أنه يتم تجاهل إسرائيل والولايات المتحدة بالكامل تقريبًا. تظهر صور ترامب ونتنياهو لفترة وجيزة، ويُعترف بأنهما ينويان الاستيلاء على فلسطين.

الموضوع الثاني هو البيانات الضخمة والمراقبة الشديدة. يتحدث كل من إيلون ماسك وجيف بيزوس ومارك زوكربيرج عن هراء ويواصلون أعمالهم.

تشمل التصرفات الغريبة إطلاق الصواريخ إلى الفضاء وإسقاطها بعد ذلك إلى الأرض داخل كبسولة صغيرة. يقوم هؤلاء الأشخاص الثلاثة بإنشاء ملجأ لأنفسهم تحت الأرض وأيضاً على كواكب أخرى، في حال وقوع كارثة كبرى.

لا ينبغي أن يكون ذلك صعباً، نظراً لثرواتهم التي ترتفع بسرعة مكونة من 12 رقماً (تم توفير أرقام مفصلة). والأهم من ذلك أن هؤلاء السادة غير الجديرين بالثقة يمتلكون معلومات مفصلة عن كل واحد منا. وهذا ما يجعل أبناء الأرض المساكين ضعفاء للغاية، ويمنحهم نفوذاً أكبر من الحكومة.

الموضوع الثالث هو الاحتباس الحراري. حيث نشاهد مساحات شاسعة من غابات الأمازون البرازيلية تحترق، ونعلم أن الرئيس اليميني المتطرف السابق جايير بولسونارو ساعد على تشجيع إزالة الغابات. ويطلب صوت من السكان الأصليين أن يُترك للسكان الأصليين الاعتناء بالأرض، ولكن لا يوجد ما يشير إلى كيفية حدوث ذلك.

لا تنسجم اللقطات الأرشيفية مع مشاهد الخيال العلمي على الإطلاق. والنتيجة هي فيلم مهلهل من الناحية الجمالية ومفكك من الناحية الموضوعية. كما أن النتيجة الموسيقية الفظيعة لموسيقى قناة ديسكفري ستاندرد تجعل الأمر برمته أكثر غرابة. 2073 عبارة عن دعوة حسنة النية ولكنها فارغة. فهو يحث المشاهدين على أخذ زمام الأمور بأيديهم من أجل تجنب الحدث الغامض الذي وقع في عام 2036، ولكن مع وجود العديد من الموضوعات التي يجب أن يتناولها الفيلم من المستحيل تحديد من أين يبدأ.

فيلم 2073، وعظي، وسطحي. عمل ضعيف في مسيرة مخرج موهوب. ربما يجب على كاباديا العودة إلى ما يجيده وهو صناعة أفلام السيرة الذاتية.

 

موقع "سينماتوغراف" في

03.09.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004