هند المؤدب: في «السودان تذكرنا» قادتني الصداقات لتوثيق
الثورة
احمد العياد
بوثائقي من قلب السودان، جاءت المخرجة التي تجمع أصولها بين
تونس والمغرب هند المؤدب إلى الدورة الحادية والثمانين من مهرجان فينيسيا.
في «السودان تذكرنا» توثِّق المؤدب نضالات الشعب السوداني
ضد الحكم العسكري خلال الفترة بين سقوط نظام عمر البشير في 2019 واندلاع
الحرب بين طرفي المكون العسكري (الجيش وقوات الدعم السريع) في 2023. ويوثق
تجربة المخرجة مع الحراك الشعبي السوداني، حيث بدأت القصة في باريس وتواصلت
في السودان بعد سقوط نظام البشير، مسلطًا الضوء على الأحلام والآمال التي
رافقت الثورة السودانية.
وفي حوارها مع «فاصلة»، تحدثت المؤدب عن سبب تقديمها فيلمًا
سودانيًا، يُنتظر عرضه في مهرجان تورونتو بعد الاحتفاء الكبير الذي لوقي به
في فينيسيا، وعن رحلتها إلى السودان بعد سقوط البشير، وأهمية الصداقات
والعلاقات الشخصية التي بُنيت هناك، بجانب التحديات التي واجهتها أثناء
التصوير وعلاقتها بالسودانيين.
·
لماذا اخترت تقديم فيلم عن السودان رغم ما تمر به بلدك
تونس؟
في الواقع، أنا لست تونسية فقط. فأمي من المغرب وأبي من
تونس. اختيار السودان رتبته الأقدار بشكل ما، ففي فيلمي السابق «باريس-
ستالينغراد»، تحدثت مع لاجئين سودانيين في فرنسا ورويت قصصهم. وكان لا بد
أن أكمل قصتهم بفيلم آخر، فخرجت فكرة «السودان تذكرنا».
ففي «باريس – ستالينغراد» رويت قصة سليمان، وهو لاجئ سوداني
وصل إلى فرنسا. وصورت معه ومع آخرين من أبناء وطنه الذين كانوا يعيشون في
شوارع باريس منتظرين الحصول على أوراق اللجوء.
·
كم استغرق صنع فيلم «السودان تذكرنا» ؟
بعد
أن أنهيت «باريس – ستالينغراد» عام 2019، بدأت الأحداث تتطور في السودان.
وقال لي أصدقائي السودانيين الذين شاركت معهم في التصوير: «عليك أن تذهبي
إلى السودان، يجب أن تري بلدنا».
بعد
سقوط عمر البشير، أصبح بالإمكان السفر إلى السودان وأصدقائي ساعدوني في
ترتيب الرحلة. ثم أعطوني أرقامًا للتواصل، مثل رقم شجن سليمان، التي تعرفت
عليها قبل سفري إلى هناك، بفضل صديق سوداني يدعى حسان ياسين، وهو لا يزال
صديقاً مقرباً لي في فرنسا.
وعندما وصلت إلى السودان، كنت على اتصال بالعديد من
السودانيين والثوريين الذين تعرفت عليهم في باريس. فالقصة بدأت في باريس،
وكان من الطبيعي أن أكملها في السودان.
يجب أن أشير إلى أنني لست صحفية، وأفلامي ليست عن تغطية
الأخبار أو الأحداث، بل عن القصص الشخصية والصداقات التي تتكون في حياتي.
وفيلمي يتحدث عن تجربتي الشخصية، عن علاقتي بوالدي، وعن الصداقة التي نشأت
بيني وبين شجن في السودان، وعن السودانيين الذين تعرفت عليهم في باريس.
كما أن القصة السودانية وثورتها أوسع من أن تحكى في فيلم
واحد، فهي تحتاج إلى عدة أفلام لتغطية كل جوانبها مثل الكنداكات، وحركات
المقاومة، وتاريخ السودان، وأيام حكم عمر البشير، وقصة الذهب، ومرتزقة
فاغنر وعلاقتهم بحميدتي (زعيم قوات الدعم السريع التي عرفت سابقًا باسم
الجنجويد)، والتأثير المصري على الثورة السودانية. فيلمي ليس عن هذه
الأحداث، بل هو عن تجربتي الشخصية.
·
كان هذا واضحًا في الفيلم، خصوصًا من خلال استخدام الأغاني
والشعر، هل كانت هذه العناصر جزءًا رئيسًا من احتجاجات الشعب السوداني أم
هي أن الفيلم أراد تعظيم أثرها؟
أردت أن يشعر الجمهور بما شعرت به في السودان. كل ما تراه
في الفيلم يعكس تجربتي الخاصة في رحلتي هناك.
عندما وصلت إلى السودان، كان كل شيء عبارة عن جمال وموسيقى.
كل ما رأيته هناك كان تجربة فريدة. كنت أتحرك وأجد أشخاصًا يغنون في كل
مكان. كان الأمر يشبه موجة، وأنا فقط قمت بتصوير تلك الموجة. لم يكن لدي
خطة مسبقة أو سيناريو محدد. وصلت إلى السودان وصورت ما رأيته بأم عيني.
·
لم يكن لديك سيناريو معين في ذهنك؟
لا، لم يكن لدي أي فكرة محددة. لم أكن أعلم أن كل هذا
سيحدث: الانقلاب العسكري، الحرب، كل هذه الأحداث. كنت أظن أن الأمور
ستتحسن، وأن السودان سيصبح دولة مدنية مع انتخابات حرة. فكنت أؤمن
بالسيناريو الأفضل. حتى لو لم يتحقق، كنت أرغب في أن أصدق بذلك.
مثلي في ذلك مثل كثير من السودانيين الذين كانوا يؤمنون
بتحقيق أهداف ثورتهم السلمية التي ووجهت بالرصاص والاغتصاب. لم يكن
بإمكانهم الخروج والتظاهر والمخاطرة بحياتهم إذا لم يكن لديهم إيمان بأنها
ستنجح. كنت مثلهم، كنت معهم، والفيلم تم تصويره وأنا أسير معهم يدًا بيد.
حلم السودان كان حلمي أيضًا، حلمي لوطني. قلت ذلك في
البداية لأن والدي من تونس وأمي من المغرب والجزائر. رأيت في السودان
مستقبلاً لبلداننا. لهذا السبب صورت الفيلم بعدسة الحلم، لأنه بدون الحلم
لا توجد ثورة، ولا فيلم. كل شخص في الحياة لديه حلم، حتى الشباب الذين
يخاطرون بحياتهم في البحر يبحثون عن حياة أفضل.
·
ما هي علاقتك بالشعر العربي قبل الفيلم؟
لغتي العربية الفصحى ليست قوية. أكبر ندم لي هو أن والدايّ
لم يسمحا لي بالذهاب إلى المدرسة في المغرب مع جدتي، بل أحضروني إلى فرنسا.
لم أتعلم اللغة العربية بشكل كافٍ. يمكنني القراءة كطفل صغير، لكن هذا لا
يكفي. أريد أن أقرأ الكتب بعمق. لهذا لم تكن علاقتي بالشعر العربي قوية
ولكني أعرف أهميته في تاريخ الفن العربي.
·
كم يومًا استغرقت في تصوير الفيلم؟
أحسبها
بالساعات، كان لدي خمسين ساعة من التصوير. بدأت في باريس.
·
وعلام بنيت المونتاج في ظل غياب السيناريو؟
عملت مع جلاديس جوجو، وهي مونتيرة لبنانية متمكنة هي من
قامت بعمل المونتاج للفيلم. كانت رائعة وساعدتني كثيرًا. كما عملت مع نادين
ناوس، التي ساعدتني في كتابة «الفويس أوفر» السيناريو.
شعرت أن الفيلم يركز بشكل كبير على الشباب، ولم يكن هناك
الكثير من الشخصيات الكبيرة في السن؟
في البداية، صورت الكثير من المشاهد مع أشخاص كبار في السن.
لكن في النهاية، وبسبب إيقاع الفيلم، قررت التركيز فقط على الشباب. ومع
ذلك، لدي الكثير من المشاهد التي صورتها مع كبار السن، مثل أزهري وأبوها،
ولكن لم أدرجها في الفيلم النهائي.
·
ما هي أصعب التحديات التي واجهتك أثناء تصوير الفيلم؟
أصعب شيء كان الحرب. كانت أصعب لحظات عندما كنت أصور والحرب
تندلع حولي. من الصعب أن ترى الأشخاص الطيبين يموتون بينما يبقى الأشرار
على قيد الحياة. مثل حميدتي والبرهان، ما زالا على قيد الحياة ويعيشان في
أمان بينما يحترق أبناء السودان وفقدنا الكثير من الشباب الطيبين. ولكن ما
جعل الفيلم مميزًا هو شعر شيخون. هو شخص مميز للغاية، وكان يعمل مهندسًا
للكمبيوتر في بنك الخرطوم، ولكنه أيضًا شاعر معروف. هو شخص رائع وقصته
مذهلة. كتب قصائد تلخص الثورة من بدايتها حتى نهايتها.
·
هل سيعرض الفيلم عربيًا مع تعدد عروضه في المهرجانات
الدولية؟
نعم، سيعرض في مهرجان مراكش، طلبت منهم أن يعرض الفيلم هناك
لكي يتمكن الناس من مشاهدته. إن شاء الله سيكون عرضًا مميزًا. |