ملفات خاصة

 
 
 

المستعمرة”: نموذج لسينما الفقر

أمير العمري- برلين

برلين السينمائي

الدورة الخامسة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

ليس المقصود من عنوان هذا المقال أن فيلم “المستعمرة”، وهو أول فيلم روائي طويل لمخرجه المصري محمد رشاد الذي عرض في قسم “وجهات نظر” بمهرجان برلين السينمائي الـ75، هو فيلم عن الفقر. قد يكون الفيلم كذلك بالفعل، لكن المقصود ليس الفقر الاجتماعي، بل فقر الخيال السينمائي، والعجز عن تطوير فكرة قد تكون لها جاذبيتها من الناحية النظرية، لكنها كانت تقتضي تدقيقا أكبر، سواء من ناحية السرد السينمائي (بناء السيناريو)، أو المدخل إلى التعامل الفني معها من خلال أسلوب الإخراج، بحيث نصبح أمام عمل فني جيد متماسك يبقى في الذاكرة.

ما يلفت الانتباه أولا، هو أن الفيلم- حسب تصريحات مخرجه- مأخوذ عن حادثة حقيقية. وهو أمر لا يضيف إلى الفيلم أو يدعمه، فقوة أي فيلم تأتي أساسا من داخله، ولا تتحقق الواقعية بشكل آلي، لمجرد أن الفكرة تستند إلى حدث حقيقي، بل ويمكن القول إن الفيلم رغم صورته الخشنة، وشخصياته الفقيرة التي تنتمي إلى قاع المجتمع، لا يشبه شيئا في الواقع. كيف؟

إن الشخصيات التي نراها هنا، وهي أساسا شخصية “حسام” (أدهم شكري)، وهو شاب في الـ23 من عمره، وشقيقه الصغير “مارو” (زياد إسلام) ابن الـ12 عاما، والأم (هنادي عبد الخالق)، وباقي الشخصيات مثل مدير المصنع، ومهندس الصيانة (إن وجدت) والشقي الذي يجلب المخدرات لحسام، كلها شخصيات تتحرك كما لو كانت أدوات اصطناعية، لا نعرف إن كانت حية أم ميتة، بل إن الأماكن المحدودة التي تتحرك فيها وخصوصا ما يطلقون عليه في الفيلم “المصنع”، كلها أماكن تشبه المقابر.

أما “المستعمرة” فهي المصنع الذي يعتبر أقرب إلى ورشة عتيقة تنتمي إلى القرن التاسع عشر: مجموعة من الآلات البدائية الضخمة الكائنة داخل بناء متهدم أيل للسقوط، أبرز ما فيها تلك الأقراص الحديدية التي تدور ولا نعرف لها أو للآلات التي تصدر صوتا مزعجا، أي وظيفة حقيقية، والبيئة قذرة متدنية لا تتوفر فيها أي شروط للأمان أو “السيفتي” safety وهي كلمة تتردد كثيرا في الفيلم بشكل مضحك على لسان مدير المصنع الذي يبدو أقرب إلى زعيم عصابة، فهو نفسه يظهر في شكل لا يقنعك بأنه “مهندس” كما يقولون، لكن هذه الصورة لابد أن تكون مقصودة أيضا، كما أن “المستعمرة” قصد أن تكون مثل “المقبرة”. خصوصا وان الفيلم يبدأ بعد مصرع والد حسام ومارو في حادث عمل أي أن هناك خللا وقع في إحدى تلك الآلات الشيطانية التي لا نعرف ماذا تنتج بالضبط أو ماذا تفعل (وهو نوع آخر من التجريد المقصود الذي يبعد الفيلم تماما عن الواقعية).

أما الحركة والحوار داخل الفيلم، فلم ألمح له أي صلة بالواقعية، فالحركة بطيئة روبوتية، والحوار يأتي على شكل نوبات متقطعة ولا يشبه أسلوب وطريقة أحاديث الناس في الشارع من تلك الطبقة، ويعاني الفيلم عموما من الترهل، وبهتان الشخصيات، وعدم تطوير الموضوع، والعجز عن الكشف عن التناقضات التي لابد أنها تصطرع داخل الشخصية الرئيسية (حسام) التي يضعف من تأثيرها ويبقيها على المستوى السطحي الخارجي من دون أي انفعالات أو مشاعر حقيقية، ذلك الأداء الضعيف للشاب الذي أسند إليه المخرج أداء الدور. وهو من غير المحترفين، شأن جميع عناصر التمثيل في الفيلم، وهنا مرة أخرى، فإن الاعتماد على غير المحترفين ليس ميزة في حد ذاته بل المهم هو ما يحصل عليه هؤلاء من تدريبات الأداء على يدي المخرج، ولكن الهدف كان على ما يبدو هو الاقتصاد في الميزانية رغم حصول الفيلم على دعم مالي من جهات كثيرة دون أن نرى أي انعكاس لتلك “الأموال” على الشاشة!

ما يلفت النظر أيضا في تصريحات المخرج محمد رشاد هو أنه قضى خمس سنوات في صنع هذا الفيلم، لا أعرف في ماذا بالضبط؟ هل في مرحلة الكتابة أو في التصوير والمونتاج؟ أغلب الظن أن معظم هذا الزمن انقضى في البحث عن ممولين للفيلم، وهو ما توفر من شركات ومهرجانات في السعودية وقطر وفرنسا وألمانيا بالإضافة الى الطرف المصري بالطبع.

 ما يؤكد ابتعاد الفيلم عن الواقعية رغم الشكل الخارجي للشخصيات، هو المكان الذي تدور فيه معظم الأحداث وهو عبارة عن ورشة ضخمة بدائية تقع في وسط منطقة نائية شبه صحراوية، وهناك كلام عن “جبل البدو” حيث يلجأ الخارجون عن القانون (وهي فكرة نظرية مستمدة من أفلام الثأر القديمة في الصعيد المصري فلا توجد أصلا أي جبال في محيط الإسكندرية، والمفترض أن “حسام” كان قد لجأ إليه بعد أن انحرف عن الصوب وأصبح يعمل لحساب عصابة لتوزيع المخدرات، ولكنه يعود إلى أمه وشقيقه بعد وفاة والده لكي يتولى رعاية أسرته، فيعرضون عليه في “المصنع” أن يحل محل أبيه في العمل، كترضية مناسبة مقابل عدم تصعيد الموضوع أو المطالبة بتعويضات لن تصرف لهم على أي حال، أو إبلاغ الشرطة..

إلا أن حسام يعود وهو يشعر بالمرارة والاضطراب، فهو من ناحية لا يشعر بالارتياح في العمل لأن الجميع ينظرون إليه في ريبة وتشكك بسبب ماضيه الإجرامي، كما يحاول من ناحية أخرى أن يتكيف مع عمل لم يدرب عليه، ويثبت إجادته له، رغم أن هذه الإجادة كما نرى في الفيلم لا تخرج عن نطاق إدارة تلك الأسطوانة الضخمة للآلة التي يعمل عليها والتي تظل تدور في الفراغ!

يصر “مارو” الصغير على الانضمام إلى شقيقه في العمل بالمصنع، ويهجر التعليم في المدرسة، ويظل يحرض حسام على ضرورة الأخذ بثأر الوالد الذي يشك في أنه “قُتل” بسبب إهمال عامل محدد، ولكن حسام متردد، يريد الابتعاد عن المشاكل، لكنه ربما سيحسم أمره في النهاية ويقوم بـ”الواجب” وإن كان الفيلم لا يوضح تماما هل قتل الرجل المتسبب في موت والده، جاء نتيجة خلل مفاجيء في الآلة التي كان يعمل عليها، أم أن حسام هو الذي دفعه نحو الآلة فمزقته. وقد تكون هذه تفاصيل غير مهمة طالما أننا لسنا أمام فيلم بوليسي.. ليته كان كذلك!

من أكثر مناطق الفيلم غرابة وشذوذا أن حسام بمجرد أن ينهي عمله في اليوم الأول بالمصنع، يتلقى مكالمة تليفونية من فتاة تقول إنها زميلته في المصنع، وأنها شاهدته، ونحن لا نعرف سبب اتصالها به، ولا يسألها هو السؤال البديهي: ماذا تريدين، بل يسألها بدلا من ذلك عن اسمها، ويظل يراقب الفتيات ويجري الاتصالات إلى أن يخبرها أنه عرفها جون أن نعرف نحن كيف. لكن هذا هو مستوى الإخراج..  وبعد أن يتوصل إلى شخصيتها ويراها وجها لوجه، لا يحدث أي تطور في هذه العلاقة، فالفيلم يمهد لنشأة علاقة قد تغير مسار الأحداث وتغير من سلوكيات شخصية حسام وتنقله إلى عالم مختلف، إلا أنها تنتهي كما تبدأ.

طبعا الانحراف في مسار السرد في الفيلم يأتي عندما يطلب مدير المصنع من حسام تزويده بنوع جيد من الحشيش، ليصعد حسام مع شقيقه إلى “الجبل” الافتراضي، ثم يلحق بهما المهندس الذي يأتي بسيارته (لا نعرف لماذا لم يذهب الاثنان معه من البداية ولماذا كان ركوب الباص والتوقف وكل الثرثرة البصرية التي لم نر لها أي تأثير)، ويأتي الموزع بالحشيش في مشهد يعاني من الضعف الشديد في الإخراج وفي الحوار، بل إن الفيلم بأكمله يعاني من ضعف الإخراج، وكأننا أمام أحد أفلام الهواة، رغم وجود مدير تصوير كفء هو محمود لطفي (الذي سبق أن صور عددا من الأفلام المتميزة)، وهو يحاول الاستفادة من المكان في لقطات معينة مثل تلك التي تظهر بالقرب من شاطيء البحر، واللقطات الليلية التي تدور في “الجبل” ولكن الألوان في الفيلم عموما، تبدو، شأن معظم هذا النوع من أفلام “السينما المستقلة”، شاحبة باهتة ضعيفة، وكأن الفيلم غسل بمسحوق أضاع قوة الألوان. صحيح أن الألوان القاتمة الكئيبة تغلب على الفيلم لدواعي تحقيق التأثير الخاص المرتبط بطبيعة الموضوع، لكن حتى مثل هذه الألوان نراها في أفلام العالم أكثر وضوحا، بل إن مشاهد النهار تبدو كما لو كانت تدور في الليل.. ليس بسبب الظلال، بل نتيجة الضعف العام في مستوى الصورة. هل يرجع هذا إلى نوع الإضاءة، أو بالأحرى إلى غياب الإضاءة المناسبة، أم إلى نوع الكاميرا؟ أم إلى سرعة التنفيذ؟ لا أعرف. لكن المقارنة أمامي مع الأفلام الأجنبية التي تدور في أجواء كابوسية قد تكو مماثلة، واضحة تماما.

إن سينما الفقر قد لا يعيبها مناخ الفقر الذي تصوره بل يصبح ركيزة لتقديم رؤية شديدة القوة والرونق والتأثير، كما فعل ألفونسو كوارون مثلا في فيلمه الكبير “روما”، لكنه قد ينتهي بالفيلم إلى الوقوع للوقوع في شباك “السينما الفقيرة”. زهو ما انتهى إليه فيلم “المستعمرة” بكل أسف!

 

موقع "عين على السينما" في

19.02.2025

 
 
 
 
 

فيلم "المستعمرة".. وميراث الأسئلة المعلقة

القاهرة -رامي عبد الرازق*

مع تولي بريشا تاتل خبيرة المهرجانات الدولية، مسؤولية الإدارة الفنية لمهرجان برلين السينمائي هذا العام، ظهر على أجندة البرامج الخاصة للدورة الماسية من البرينالة عنوان مسابقة جديدة تحت مسمى Perspectives أو وجهات نظر، والتي تمنح جائزة لأفضل عمل أول، وهي مسابقة تُقام بالشراكة مع مهرجان جورج واشنطن السينمائي، ويصل عدد الأفلام المشاركة في نسختها الأولى هذا العام 14 فيلماً روائياً، سيفوز واحداً منها بجائزة قيمتها 50 ألف يورو.

من بين الـ14 فيلماً المشاركين، يأتي الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرج المصري الشاب محمد رشاد "المستعمرة" بعد تجربته الوثائقية الملفتة قبل سنوات "النسور الصغيرة" مع المنتجة هالة لطفي، وكيانها الإنتاجي "حصالة"، وبدعم من مهرجان الجونة السينمائي وصندوق البحر الأحمر

"المستعمرة" لا يقدم قصة بالمعنى التقليدي، الفيلم كله يبدو كقطاع عرضي من حياة شخصيات تؤرقها رغبات سائبة، لا تكاد تستقر أو تعرف التحقق، يمكن اختصار القصة في حكاية الأخوين "حسام" و"مارو" اللذان يذهبان للعمل في المصنع الذي توفى والدهما وهو يعمل به، وهناك تفوح رائحة موت الأب مشبعة بالسر والأسئلة!.

حكاية الأسئلة 

المزيد من الحكايات لا يعني أن لديك فيلماً ملفتاً لديه الحق في أن يبقى في رأسك، ليست الحكايات هي التي تُبقي الأفلام في رؤوسنا بل الأسئلة، وكلما ظلت الأسئلة معلقة كحكايات غير مكتملة، كلما بقي الفيلم كأثر مربك في ذاكرتنا التي تميل إلى الخمول والنسيان.

يصنع رشاد في تجربته الروائية الأولى فيلماً عن ميراث الأسئلة المعلقة، هو حكاية الأسئلة، وليست حكاية عبر الأسئلة! محور هذه الأسئلة هو شخصية الأب الغائب، وهو ما يؤكد على كونها ميراث، ويزيد من كونها معلقة!.

يبدأ "المستعمرة" صوتياً قبل أن يظهر المشهد الأول، مؤثر صوتي يتكرر في المشهد الأخير أيضاً مع اختلاف السياقات الظاهرية، لكن بنفس وقع السؤال المعلق، نسمع في المشهد الأول صوت الأم المستجيرة من وقوفها بمفردها في مواجهة ولدين هما ميراثها الثقيل إثر رحيل الأب، والذي نظل لا نعرف حتى النهاية هل كان موته بسبب الإهمال أم عن عمد!.

ينطلق الشجار قبل بداية المشهد -كأننا ندخل مقطع حياتهما البائسة في لحظة تحول- "حسام" يؤنب أخاه الأصغر "مارو" الذي يرفض الذهاب للمدرسة متمرداً في طفولة، بينما نراه في المشهد التالي، وهو ينزع مطواة قرن الغزال من جنبه دلالة على رغبته ترك طريق الانحراف الذي كان يسير فيه، هذا قوس بداية جيد يمكن تتبعه حتى النهاية، وتحديداً بتأمل عينا "مارو" المعلقتين على سؤال مفتوح، ممسكاً بالمطواة/ميراث أخيه الهارب، بعد اتهامه بالثأر للأب، مفكراً في سؤال المستقبل المعتم كلية.

"أنت رميت حاجة أبوك؟".. هكذا يسأل "حسام" أخاه الأصغر عقب عودته للبيت بعد وفاة الأب، يبدأ الفيلم بسؤال الميراث، ميراث الأب الراحل، دولابه المغلق على بقاياه في المصنع، تاريخه الغامض المتقاطع مع تاريخ "حسام" المتلخص في مطواة قرن الغزال التي يتركها في دولاب منزله قبل الذهاب للمصنع، الكاب الذي يعثرون عليه في دولاب الأب، فيقوم "حسام" بتضييقه ليناسب رأس "مارو"، حكايات الأب الغائب التي يتبادلها زملائه كأنه حاضر بينهم، يتابع الولدين الحكايات، وتعلو وجوههما أسئلة كثيرة عن والدهما وسر رحيله! كأنهما لا يدركان كيف يتجاوبان مع ذكراه المعلقة على سؤال الرحيل المربك والسري.

"المستعمرة"

"المستعمرة" هو اسم المكان الموجود به المصنع القديم الذي كان يعمل به الأب، وهي منطقة تقع ما بين مدينتي القاهرة والإسكندرية، نرى لافتة تشير إليها في البداية، صفة القدم الملحقة بالمصنع لا تعني الأصالة! بل آثار الزمن المتهالك والمتصدع في كل ركن، يبدو المصنع أقرب للأطلال منه لبيئة عمل نشطة ومنتجة، بل لا يبدو أنه ينتج شيئاً سوى الأسئلة والأسرار، كأنه محط عبودية من دون عمل، أطلال ما بعد الأب وما بعد حتى الأسئلة المعلقة، ما بعد الحياة القصيرة غير المفهومة، التي لم تترك سوى أثر غير طيب يلوح في عيون الزملاء خوفاً من أن يباح به فيتسبب في المزيد من الألم والأسرار المقلقة والسخيفة.

حين نرى المصنع بزوايا التصوير العديدة التي قدمها رشاد نتساءل: هل يمكن أن تنتج هذه الأطلال سوى خردة بشرية!، نفوس منهكة وأسرار كامنة وعلاقات مبتورة وعيون لا تنام!.

أين تقع "المستعمرة" بالنسبة لمن لا يعرف المكان؟، لا يوجد بحر أو علامة جغرافية مميزة، "المستعمرة" حيث إنتاج مجهول، وطفل يعمل محل أباه! وتمرد مستمر ضد ما هو مستتر، هل مات الأب كمداً. أما انتقاماً؟ إهمالاً من المهندس المسؤول أم تلاعب بالماكينة من أجل رد الاعتبار حسب ما يشاع عن الزميل المتورط في سر الموت!.

ثمة تعمد واضح لبعض التجريد، ليس فقط في الجغرافيا، ولكن في الشخصيات نفسها، وفي اللغة القابضة على الصمت أكثر من البوح، حوار الفيلم مقتصد، محتقن، فاتر حتى بين الأم وأبنائها، تطلق الشخصيات الجمل كأنها متعبة، مثقلة بالأسرار والغضب والكبت الطويل.

"مارو"

"مارو" ينظر إلى "حسام" على اعتبار أنه مثله الأعلى، لا لشيء سوى لأن "حسام" بلغ مرتبة الحرية التي يتمناها، يراوده هاجس التحرر الكامل من سطوة الأم المتمثلة في مرضها (رجل الفيل)، وهو مرض يشوه هيئة الساق، ويجعلها في حاجة لدهانات مستمرة لا يقوم بها سوى الابن الأصغر الراغب في الانفلات من البداية.

يرتدي "مارو" تيشيرت "حسام" دون استئذانه، كأنه يقول له أريد أن أكون في حذائك، يراقب سكناته، يتبعه كتلميذ يتعلم، ينتشي داخلياً عندما يصطحبه "حسام" لجلب الحشيش من أجل مهندس المصنع البارد.

يبدو "مارو" في مستواه المجازي مثل سؤال ملح، لا يتوقف عن إطلاق علامات الاستفهام، طفولي وراغب في التصالح مع العالم بالعثور على إجابات مريحة، حتى لو لم تكن مقنعة بالنسبة له، يسأل "حسام" عن الثأر لأبيه والجبل -الجبل هو استعارة معروفة تخص إيواء الخارجين عن القانون- وساكنيه

يعيدنا السؤال عن الجبل لحزمة التجريد المتعمدة، "مصنع- بيت- جبل- طريق" رغم ألف ولام التعريف، إلا أن المحددات غائبة، والجغرافيا لا تشغل بال الأسئلة ولا الشخصيات، هي متورطة فيها؛ لأنها واقعها ولا يعنيها تحديده أو تأطيره.

نعود لـ"مارو"، نراه يقف على الطريق منتظراً أن "يقضي" حسام الحشيش من صديقه الديلر بعد أن طلب منه المهندس بالأمر المباشر مساعدته في ذلك، بحكم خلفية" حسام" المعروفة بالنسبة للمهندس، أنه ابن ليل ومنحرف حسب ما كان أباه الغائب يحكي.

لفهم جانب كبير من الحركة الداخلية في الفيلم، علينا تتبع العلاقة بين لقطات "حسام" و"مارو"، على سبيل المثال حين يسأل صديق الأب الذي ساعد "حسام" في الهروب بعد مقتل المهندس (هتعمل إيه؟) لا نرى رد السؤال على وجه "حسام"! بل نرى "مارو" وهو نائم على الرمل، كأن السؤال موجه له هو وليس لأخيه! أو كأن "حسام" في هذه اللحظة هو "مارو" المستلقي نائماً في تعب وإعياء.

التتبع يجعلنا ندرك في مستوى ما، أن "حسام" و"مارو" أقرب لشخص واحد، أحدهما شاب والآخر طفل، لا يجمع بينهما فقط الرغبة في الثأر للأب أو محاكمة غيابه القسري، ولا يجمع بينهما التيشيرت ولا المطواة التي ينتهي الفيلم و"مارو" يحدق في الفراغ ممسكاً إياها، يجمع بينهما كل هذا وأكثر، حتى في علاقتهما بالأم التي يتصالح معها "حسام" بالجلوس أسفل قدمها المصابة بدل "مارو" ودهانه لها.

محاكمة الأب

في فيلمه الأول "النسور الصغيرة"، يضع محمد رشاد أباه الحرفي -الذي كان عاملاً في مصنع ذات يوم- في دائرة سؤال المحاكمة الوجودية لفكرة الأبوة ومفهومها وسياقتها الملتبسة على الشاب السكندري صاحب الطموح الإبداعي والحالة الطبقية المزعجة وغير المريحة، يقارن بين أباه وآباء أصدقائه، يستحضره ويغيبه عدة مرات مستعيناً بتقنيات البوح والمجاز في الفيلم التسجيلي.

وفي تجربته الروائية الأولى يحضرنا الأب مرة أخرى، في غيبته القسرية، كسؤال وجودي جديد! يحاكمه "حسام" من أول مشهد معنفاً أمه عن أسلوب تربية "مارو" المنفلت والمتمرد، ثم يعاود محاكمته عندما يكتشف أن الأب قبل رحيله لم يترك حكاية عن انحراف "حسام" إلا وسردها لزملائه، وهو سبب توجس "حسام" منهم بعدما وجدهم يتبادلون الحكايات بأريحية، من دون خجل أو ذوق نسبي.

يظل الأب حاضراً في غيابه حتى النهاية، فلا ندري هل تسببت الماكينة في وفاة مهندس الصيانة، الذي أصبح بالنسبة لـ"مارو" و"حسام" هو المتهم الأساسي في موت الأب بالإهمال أو التراخي المتعمد، أم أن "حسام" قرر أن يستجيب لسؤال "مارو" التأنيبي "جاي تتشطر عليّا ومش عارف تجيب حق أبوك!"، حين يعاتبه "حسام" على اشتباكه مع شاب أكبر منه في المصنع بحكم احتقانه الدائم كطفل فقد أباه من دون سبب مفهوم بالنسبة له.

"عبير"

أكثر ما يفسده ميراث الأسئلة هو الانشغال عن الحياة بالإجابات التي قد لا تأتي!.

تفوح "عبير" -زميلة "حسام" الشابة في المصنع- بقدر من الأمل المحجوب خلف جهامة الواقع، ترصده يوم وفاة الأب،  وتشغله بالمكالمات الغامضة إلى أن يحدد شخصيتها

يأمل فيها إلى حد الرغبة في أن ينفلت من دسامة الحزن والغموض بين ذراعيها الرقيقين، واللذان لا تملكان أن تدفع عنه هماً ولا سؤال

نراه وهو يحتضنها وسط رمادية المصنع وبؤس جدرانه، فتضاف إلى حزمة الأسى التي نستشعره، حين نرى "حسام" وهو يستعد للصعود إلى الجبل مرة أخيرة، وربما من دون رجعة، يضاف سؤالها "إيه اللي حصل يا حسام؟" إلى سؤال الأم الذي سوف يظل معلقاً في رأس "مارو" طويلاً "أخوك فين؟". 

* ناقد فني

 

الشرق نيوز السعودية في

19.02.2025

 
 
 
 
 

أدهم شكر: فيلم المستعمرة تجربة ممتعة كأول دور بطولة لي

هشام خالد السيوفي

شارك الممثل الصاعد أدهم شكر، في الدورة الـ 75 من مهرجان برلين السينمائي الدولي بـ فيلم المستعمرة، ضمن مسابقة Perspectives، وهو الفيلم العربي الوحيد بالمسابقة التي تستضيف الأفلام الروائية الأولى لأصحابها من صناع الأفلام الشباب

فيلم المستعمرة من إخراج محمد رشاد، وفيه يجسد أدهم شكر دور حسام (23 سنة) الذي يعيش مع شقيقه مارو (12 سنة) في حي فقير على أطراف الإسكندرية، وبعد وفاة والدهما في حادث عمل بالمصنع، يُعرض عليهما وظائف كتعويض عن الخسارة بدلًا من رفع دعوى قضائية. وبينما يقبلان العمل، يبدآن في التساؤل عما إذا كانت وفاة والدهما فعلاً حادثًا عرضيًا أم أن ثمة شيء آخر.

عن هذه التجربة يقول أدهم شكر "العمل في فيلم المستعمرة، بأجواء العمال والمصانع والمناطق المهمشة على على أطراف الإسكندرية، كان تجربة مختلفة ومفيدة وممتعة كأول دور بطولة لي، وانطلاقه في مهرجان برلين يمثل خطوة مؤثرة ومشرفة في مسيرتي السينمائية، وأنتظر عرضه في مصر والعالم العربي لينال الفيلم الحفاوة التي يستحقها".

أدهم شكر ممثل مصري شاب، كان قد لفت إليه الأنظار في مسلسل الاختيار 3 الذي نافس بقوة في السباق الرمضاني (2022)، وخلق ظهور أدهم في الحلقة 16 ردود فعل قوية وتصدر الترند على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

####

 

بحضور الفنان حسين فهمي وسفير مصر بألمانيا

عرض عالمي أول للفيلم المصري «المستعمرة» بمهرجان برلين السينمائي

محمد طه

في الدورة الخامسة والسبعين من مهرجان برلين السينمائي الدولي (13-25 فبراير) شهد فيلم المستعمرة للمخرج محمد رشاد عرضًا ناجحًا أمس الثلاثاء 18 فبراير، حيث نال إعجاب الجمهور والنقاد على حد سواء، بحضور رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي حسين فهمي، وسفير مصر بألمانيا الدكتور محمد البدري، والوزيرة المفوضة السيدة يمنى عثمان، ومجموعة من صناع الأفلام من مختلف أنحاء العالم.

وعقب العرض مباشرةً، دارت ندوة نقاشية مع المخرج، الذي استقبل احتفاء الجمهور وتفاعل مع أسئلتهم حول قصة الفيلم وأماكن التصوير التي تركت انطباعًا جيدًا لدى كل من شاهد الفيلم.

 مستوحى من أحداث حقيقية، تتمحور أحداث الفيلم حول شقيقين - حسام (23 سنة) ومارو (12 سنة)- يعيشان في مجتمع مهمش في الإسكندرية، حيث عُرضت عليهما وظائف من قبل المصنع المحلي بعد وفاة والدهما في حادث عمل كتعويض عن خسارتهما بدلًا من رفع دعوى قضائية. وبينما يتوليان عملهما الجديد، يبدأ لديهما التساؤل عما إذا كانت وفاة والدهما عرضية حقًا.

بدافع من قصة شاركها معه شاب توفيّ والده في موقع بناء وضغطت الشركة على الأسرة للتنازل عن حقوقها مقابل عرض وظيفة بها، وجد رشاد - وهو من مواليد الإسكندرية وعمل والده في مصانع النسيج لأكثر من أربعة عقود - القصة فرصة قيمة لإلقاء الضوء على قضايا السلامة السائدة في بعض المصانع والممارسات غير القانونية التي تستخدمها الإدارة أحيانًا.

استغرق العمل على فيلم المستعمرة خمس سنوات، كما أوضح المخرج محمد رشاد الذي قال "خلال رحلة الفيلم، تمكنت من تحقيق طموحاتي، مثل اختيار ممثلين غير معروفين تمامًا وإشراك عمال حقيقيين في أدوار ومجموعات مهمة. كما صورت في مواقع حقيقية، والتقطت مشاهد في الإسكندرية تتطابق بشكل وثيق مع ما تخيلته، إلى جانب الأجواء الصناعية التي أجدها غنية فنيًا"، وأضاف "عرض الفيلم في مهرجان مهم كهذا والمنافسة في مسابقة جديدة يشير إلى أننا كمجموعة حققنا رؤيتنا".

الفيلم من بطولة المواهب الناشئة أدهم شكر وزياد إسلام وهاجر عمر ومحمد عبد الهادي وعماد غنيم. مدير التصوير محمود لطفي، ومونتاج هبة عثمان، التي تشمل أعمالها الفيلم السوداني الشهير وداعًا جوليا.

 

بوابة أخبار اليوم المصرية في

19.02.2025

 
 
 
 
 

إيثان هوك: فيلم «Blue Moon» أشبه برقصة نؤديها جميعًا معًا

هيثم مفيد

أحدث فيلم «Blue Moon» ضجة كبرى في مهرجان برلين السينمائي الدولي عقب عرضه، أمس الثلاثاء، ضمن فعاليات المسابقة الرسمية في نسختها الخامسة والسبعين، حيث حاز التحول الذي قدمه الممثل إيثان هوك ردود فعل إيجابية في ظهوره الأول مع المخرج ريتشارد لينكليتر منذ أكثر من عقد

حظيت الدراما الموسيقية والسيرة الذاتية للفيلم باستقبال حافل في العرض العالمي الأول، إذ تحكي قصة الشاعر الغنائي الأمريكي لورينز هارت (هوك) وهو يكافح إدمان الكحول والاكتئاب في ليلة افتتاح مسرحية «Oklahoma»، أول عمل موسيقي يكتبه شركاؤه الإبداعيون السابقون ريتشارد رودجرز وأوسكار هامرشتاين.

وبعد عرض الفيلم، تعالت الهتافات في أرجاء مسرح برليناله بلاست احتفاءً بلينكليتر وطاقمه، وبالأخص هوك، الذي ظهر في كل لقطة تقريبًا من الفيلم، حتى بدا من الصعب التعرف عليه على الشاشة. كما حظي زملاؤه في التمثيل، مارغريت كواللي وأندرو سكوت، بتصفيق حار.

وقال لينكليتر على خشبة المسرح بعد العرض: «كنا نأمل أن تكون نغمة الفيلم مثل أغنية لروجرز وهارت—مصنوعة بإتقان، ذكية، حزينة، مضحكة». وأضاف أنه عمل على الفيلم لمدة 12 عامًا، لكن هوك «كان صغيرًا جدًا بالنسبة للدور» حينها.

وخلال المؤتمر الصحفي، تحدث لينكليتر عن الفيلم قائلًا: «لا أعتقد أنني قدمت أي تنازلات على الإطلاق على مدار السنوات. لم نتعرض لأي ضغوط. نحن نفعل ما نريده. كان هذا فيلمًا بميزانية صغيرة، بلا عروض تجريبية أو أي شيء من هذا القبيل».

أما هوك، فتحدث عن نهجه في أداء الدور قائلًا: «لقد كان تمرينًا في البساطة. كنت أفكر باستمرار في الموسيقى أو رسم ماتيس، لقد كان الأمر بسيطًا بشكل لا يصدق».

وعند سؤاله عن المواضيع الجدلية التي يفضل تناولها مع لينكليتر، أوضح: «لكي يكون للفن الجريء والمثير للجدل تأثير، يجب أن يكون هناك اهتمام مجتمعي به. يجب أن نهتم به ونعطيه أهمية. فعندما يصبح المال هو الأولوية القصوى، نحصل على فن عام يسعى لجذب أكبر عدد ممكن من الناس».

وأضاف هوك: «إنها رقصة نؤديها جميعًا معًا. إذا كنت تحب الفن الجريء، فادعمه، لأن الناس لا يعتقدون أنه سيحقق أي أرباح».

فيلم «Blue Moon»، الذي يتنافس على جائزة الدب الذهبي، يبدو أنه منح المهرجان أول نجاح كبير ومهم يُعرض لأول مرة في برلين. ووفقًا لصفحة الفيلم على موقع برليناله، يعد العمل رحلة تأمل في الصداقة، والفن، والحب، حيث يجمع بين كُتّاب، وممثلين، وموسيقيين، وأصدقاء، ومخضرمين، ومشاهير، ومن سيصبحون مشهورين قريبًا. وبحلول نهاية هذه الليلة، سيكون لورينز هارت (هوك) قد واجه عالمًا تغير بشكل لا رجعة فيه بسبب الحرب، واستحالة الحب على ما يبدو.

 

موقع "فاصلة" السعودي في

19.02.2025

 
 
 
 
 

ينافس على جائزة «الدب الذهبي الـ 75» ..

مراجعة | «الرسالة» للمخرج إيفان فاند فيلم أرجنتيني على الطريق مصور بالأبيض والأسود

برلين ـ خاص «سينماتوغراف»

ينافس ”الرسالة، The Message “ أحدث أفلام المخرج الأرجنتيني إيفان فاند، على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الـ 75 بسيناريو لمارتين فيليبي كاستانيت وفند نفسه، وهو الفيلم الوحيد المشارك في المسابقة الذي تم تصويره بالكامل بالأبيض والأسود.

يجلب رجل عجوز سلحفاة إلى شاحنة صغيرة لا تحمل أي علامات، على أمل أن تتمكن فتاة صغيرة ذات قصة من التواصل مع حيوانه الأليف المحبوب، مقابل 12,000 بيزو أرجنتيني.

في هذا المشهد الافتتاحي، نبدأ بالفعل في اكتشاف هذه الحكاية الرثائية الأنيقة عن كيفية توجيه الأطفال إلى فقدان إحساسهم بالبراءة والدهشة - وكيف يسعى الكبار إلى الحفاظ على ما تبقى منها.

في الأرجنتين، يمكن للشابة أنيكا (أنيكا بوتز) التواصل مع الحيوانات، أو هكذا تقول الأقاويل في جميع أنحاء الريف. يبدو أن شخصيتيها الوهميتين ميريام (مارا بيستيلي) - المتحدثة باسم العملية - وروجر (مارسيلو سوبيوتو) - المدير المالي - غير المعروفين مهتمين على ما يبدو بالإعلان عن خدمات أنيكا الصغيرة التي تتواصل مع الحيوانات أكثر من اهتمامهما الفعلي بالفتاة الصغيرة ذات العيون الواسعة.

وبينما يعيش الثلاثي في شاحنة صغيرة، تتسلل ميريام لإرسال ملاحظات صوتية إلى الزبائن الجائعين بزعم أنها تعيد صياغة روح أنيكا التي تتكلم عن روح حيوان أليف، بينما تلعب أنيكا، الطفلة التي هي كذلك، أو تنام بعمق في الشاحنة.

من حيث المبدأ التجريبي، هم محتالون بميزانية منخفضة يستغلون الأفراد الحزينين أو المحبطين اليائسين من التواصل مع حيواناتهم الأليفة المحبوبة. ولكن في واقع العملاء، فهم صانعو معجزات.

تبقى هذه الازدواجية الفريدة من نوعها طوال الفيلم، حيث يكون كلا الأمرين صحيحين في نفس الوقت. ننزلق بسهولة خلال النصف الأول من العمل، حيث ديناميكيات الشخصيات المعقدة مثيرة للاهتمام بما يكفي لإمساك المشاهد.

بينما نشاهد ”أنيكا“ حنونًا بشكل واضح تجاه حراسها ولا تبدي استياءً كبيرًا من الإعداد الذي تقوم به المجموعة. ومع ذلك، نجدها في عدة مرات مطأطئة الرأس، حاملة ثقل بقائهم على كتفيها. أما المشاهد الليلية فنجد الظلام يطغى على الكادر، معبّرًا عن عزلة المجموعة الجماعية أثناء تنقلهم بحثًا عن الزبائن.

يقدم لنا فاند فيلمًا غير تقليدي عن الطريق، لا يتعلق بفعل السفر الصريح، بقدر ما يتعلق بالوجهات واللقاءات المجمعة التي يكون العديد منها مهمًا بشكل خاص للفتاة الصغيرة.

وهنا تكمن بعض النعومة التي يتم من خلالها نقل القصة، مما يشير إلى أن فاند مهتم بشدة بالطبيعة المشحونة بالعاطفة للرابطة بين الإنسان والحيوان الأليف. وبهذا، فهو قادر على التعليق بشكل موسع على رغبتنا في أن نفهم ونُفهم، رافضًا التقليل من رغبة الفرد في التواصل مع حيوانه الأليف في عالم يتجاوز فهمه. تتداخل خطوط لحنية نحاسية حرة وبسيطة ومتناثرة بشكل جميل خلال لحظات التأمل، ولا تغمر الفيلم بأي إحساس بالتعليم العاطفي. ما إذا كانت أنيكا ”تستطيع“ حقًا التحدث إلى الحيوانات أو هو أمر خارج عن الموضوع؛ فنحن نمنح الفتاة نفسها قدرًا محدودًا من التعمق في دواخلها، وربما يوحي لنا ذلك بأنها غير متأكدة - أو أن ذلك لا يهم.

ما يهمها هو ومضات صغيرة من الدهشة الطفولية، أو عدم وجودها: تضع أنيكا سنًا طفوليًا تحت وسادتها، لتجده في صباح اليوم التالي، مما يرمز إلى فقدان بطيء وغير رسمي للبراءة.

تثير اللحظات المخصصة للقطط والكلاب، بحق مشاعر المشاهدين: فالحيوانات هي أحد المصادر القوية للغاية التي نحتفظ من خلالها بالبهجة الطفولية والتساؤل في عالم يخبرنا باستمرار أن هذه التعبيرات هي علامات ضعف أو عدم نضج.

فيلم ”الرسالة“ بسيط ومثير للذكريات يحمل الكثير من الصدق، ويظهر فيه فاند مرة أخرى سيطرته القوية على هذا الوسيط، وهو عمل درامي مميز حقًا ومُعدّ بإتقان، ويقع في نقطة تقاطع بين الإشادة بتاريخ الوسط السينمائي (مع أصداء فيلم ”أليس في المدن“ لفيم فيندرز و”المناظر الطبيعية في الضباب“ لـ ثيو أنجيلوبولوس من حيث الأسلوب والسرد، سواء كان ذلك مقصودًا أم لا).

 

####

 

ينافس ضمن مسابقة «مهرجان برلين الـ 75» ..

مراجعة | «طفل الأم» للمخرجة جوانا مودر فيلم نمساوي بلمسة غموض

برلين ـ خاص «سينماتوغراف»

أحدث أعمال المخرجة جوانا مودر ”طفل الأم، Mother’s Baby “، يتناول حكاية أم مقتنعة بوجود مشكلة ما في طفلها حديث الولادة، وهو تشويق نمساوي بلمسة من غموض فيلم ”طفل روزماري“ - عُرض ضمن المسابقة الرسمية للدورة ال 75 من مهرجان برلين السينمائي الدولي.

جوليا (ماري لوينبرجر) هي قائدة فرقة موسيقية ناجحة وامرأة ذات إرادة قوية للغاية. تعيش مع شريكها الحنون جورج (هانز لوف)، وهما عازمان على إنجاب طفل. يمد لهما خبير التلقيح الصناعي الدكتور فيلفورد (كلايس بانغ) يد المساعدة، مما يسمح للزوجين بتحقيق طموحاتهما الأبوية. وبعد تسعة أشهر يعودان إلى نفس العيادة لتلد جوليا. وعندها يبدأ كل شيء بالانحراف عن مساره.

كانت الولادة صعبة للغاية، حيث تلد جوليا طفلاً يبدو بلا حياة. المولود الجديد لا يبكي وهو متصلب كلوح خشبي. يهرع به أطباء التوليد إلى وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة، تاركين جوليا وجورج في حالة من الذعر. يعودان بطفل يبدو بصحة جيدة في اليوم التالي، وكأن شيئًا لم يحدث. لكن جوليا لا ترتبط به. بل تنظر إليه نظرة قبيحة قبل أن تأخذه إلى المنزل بتردد.

يزداد رفض جوليا العاطفي لطفلها الرضيع. تقوم بتحميمه وإرضاعه وتغيير ملابسه على مضض. يمكن ملاحظة تعبيرات الازدراء على وجهها بوضوح. فهي تقرص الصغير وتباغته مرارًا وتكرارًا لكي تتأكد من أنه على قيد الحياة بالفعل، وتجد أنه لا يبكي بالقدر الذي كانت تتوقعه. لا تشارك هذه الأم الكئيبة زوجها وأصدقاءها الحماس. حتى أنها ترفض تسمية الطفل، على الرغم من اقتراب الموعد النهائي القانوني للتسجيل بسرعة. وهي تعترف لزوجها بحسرة: ”كنت أريد طفلاً، ولكن ليس هذا الطفل“.

تتفاعل بطلة القصة العنيدة بغضب عندما يسألها جورج اللطيف والهادئ عما إذا كانت قد أطعمت الطفل. تجد فكرة أن يشكك أي شخص في مهاراتها الأمومية مهينة للغاية. فهي لا تتبع نصائح الأصدقاء والمختصين. لأنها تعتقد أن جميع من حولها يحاولون تسليط الضوء عليها. إن مجرد ذكر اكتئاب ما بعد الولادة لديه القدرة على إطلاق العنان لإعصار من المشاعر. إذا كان بإمكانها التحكم في أوركسترا كبيرة تضم عددًا لا يحصى من الموسيقيين من جميع الأنواع، فمن المؤكد أنها قادرة على تولي زمام الأمور في عائلتها الصغيرة جدًا المكونة من ثلاثة أفراد.

تكمن فاعلية فيلم ”طفل الأم“ في قدرته على الحفاظ على الغموض طوال مدته التي تقارب الساعتين.

ليس من الواضح أبدًا ما إذا كانت جوليا تنزلق إلى الجنون، أو ما إذا كان المحيطون بها (خاصة الطاقم الطبي في العيادة) يتآمرون على المرأة المسكينة، وهو مأزق مشابه جدًا لمأزق فيلم ”طفل روزماري“ (1968) للمخرج رومان بولانسكي.

الفرق هنا هو أن الطفل قد ولد بالفعل. بعض القرائن الصغيرة تترك المشاهدين يفكرون في كلا الاتجاهين: إذا كان فريق فيلفورد يبدو من ناحية صادقاً ومحترفاً للغاية، فمن الغريب جداً من ناحية أخرى أن يغفلوا أن مريضة في نفس العيادة فقدت طفلها في نفس اليوم الذي أنجبت فيه جوليا طفلها.

السيناريو مترابط بشكل جيد للغاية، ولا يترك أي خيوط فضفاضة على الإطلاق. كل العناصر الصغيرة لها مغزى. تضيف سمكة المنزل المخيفة التي تعود لتطارد جوليا لمسة رمزية إلى القصة، بينما تثبت أيضًا أن الطفل الرضيع الأم بتسلسله الأكثر بشاعة.

تم وضع النوتة الموسيقية المشؤومة بشكل متساوٍ. الأوتار الدرامية - ربما تشبه موسيقى جوليا في العمل - منتشرة لكنها لا تجتاحنا أبدًا. وبمساعدة من تعبير لوينبرجر الذي لا يتزعزع عن الخوف، فإنها تساعد في خلق جو من التوتر الذي لا يلين. لكن ليست كل القيم الإنتاجية لا تشوبها شائبة: فمشهد الولادة قصير بشكل مفاجئ.

يشير عنوان الفيلم إلى أن الأمومة أكثر موثوقية من الأبوة. ويمكن للأم أن تتعرف دائمًا على طفلها، والعكس صحيح. أما الأب فلا يملك نفس الغرائز.

والسؤال هو هل ستتعرف جوليا على طفلها؟، توفر النهاية الغريبة صدمة للمشاهدين، حتى لو لم تجب على جميع الأسئلة.

 

####

 

شاهد | أبرز أحداث السجادة الحمراء لـ«بلو مون»  يكشف كواليس «برودواي» في «برلين السينمائي»

برلين ـ «سينماتوغراف»

فيلم «بلو مون»، عمل درامي موسيقي تدور أحداثه حول كواليس برودواي، عُرض ضمن المسابقة الرسمية في مهرجان برلين السينمائي الـ 75، وهو للمخرج الأمريكي ريتشارد لينكليتر، ومن بطولة الممثل إيثان هوك.

تدور أحداث الفيلم في عام 1934. يلعب إيثان هوك دور الروائي والشاعر الغنائي لورينز هارت المتحدر من نيويورك، وهو مؤلف أغنيات شهيرة لبرودواي بينها «ذي لايدي إيز إيه ترامب» و«بلو مون» التي حمل الفيلم اسمها.

يستحوذ إيثان هوك على موقع أساسي في معظم مشاهد الفيلم الممتد على 100 دقيقة.

وقال هوك على هامش مراسم السجادة الحمراء للفيلم، «تم تصوير العمل في الأساس كمشهد واحد. بمجرد انطلاقه، تبدأ كل عناصر العمل بالانكشاف في حركة واحدة».

اختار ريتشارد لينكليتر إحياء «الجانب الحرفي للمسرح الموسيقي من ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين»، مستلهماً الأغاني التي كتبها لورينز هارت وشريكه في كتابة الأغاني ريتشارد روجرز، الذي لعب دوره في الفيلم الممثل الأيرلندي أندرو سكوت.

وقال ريتشارد لينكليتر «كان هدفنا من هذا الفيلم معرفة ما إذا كان من الممكن أن نصنع عملاً يشبه أغنية لروجرز وهارت، أي ما إذا كان ممكناً أن يكون جميلاً وحزيناً ومضحكاً في الوقت نفسه».

 

####

 

نال إعجاب الجمهور والنقاد بحضور حسين فهمى ..

عرض عالمى أول للفيلم المصرى «المستعمرة» في «برلين السينمائي الـ 75»

برلين ـ «سينماتوغراف»

شهد الفيلم المصرى المصرى "المستعمرة"، الذى يشارك ضمن مسابقة وجهات نظر Perspectives الجديدة فى مهرجان برلين السينمائى الدولى فى دورته الـ75، للمخرج محمد رشاد، عرضًا ناجحًا أمس الثلاثاء 18 فبراير الجارى، حيث نال إعجاب الجمهور والنقاد على حد سواء، بحضور رئيس مهرجان القاهرة السينمائي الدولي حسين فهمي، وسفير مصر بألمانيا الدكتور محمد البدري، والوزيرة المفوضة يمنى عثمان، ومجموعة من صناع الأفلام من مختلف أنحاء العالم.

وعقب العرض مباشرةً دارت ندوة نقاشية مع المخرج محمد رشاد، الذي استقبل احتفاء الجمهور وتفاعل مع أسئلتهم حول قصة الفيلم وأماكن التصوير التي تركت انطباعًا جيدًا لدى كل من شاهد الفيلم.

فيلم المستعمرة مستوحى من أحداث حقيقية، وتتمحور أحداثه حول شقيقين - حسام (23 سنة) ومارو (12 سنة)- يعيشان في مجتمع مهمش في الإسكندرية، حيث عُرضت عليهما وظائف من قبل المصنع المحلي بعد وفاة والدهما في حادث عمل كتعويض عن خسارتهما بدلًا من رفع دعوى قضائية. وبينما يتوليان عملهما الجديد، يبدأ لديهما التساؤل عما إذا كانت وفاة والدهما عرضية حقًا.

بدافع من قصة شاركها معه شاب توفيّ والده في موقع بناء وضغطت الشركة على الأسرة للتنازل عن حقوقها مقابل عرض وظيفة بها، وجد رشاد - وهو من مواليد الإسكندرية وعمل والده في مصانع النسيج لأكثر من أربعة عقود - القصة فرصة قيمة لإلقاء الضوء على قضايا السلامة السائدة في بعض المصانع والممارسات غير القانونية التي تستخدمها الإدارة أحيانًا.

 

####

 

ينافس في مسابقة «برلين السينمائي الـ 75» ..

مراجعة | Blue Moon لـ ريتشارد لينكليتر ممل وغامض ويفتقر إلى العفوية

برلين ـ خاص «سينماتوغراف»

في عمل ريتشارد لينكليتر الجديد الممل والغامض (قمر أزرق، Blue Moon )، يجسد إيثان هوك شخصية كاتب أغاني أمريكي مشهور - وقد عُرض الفيلم لأول مرة في المسابقة الرسمية للنسخة الخامسة والسبعين من مهرجان برلين السينمائي الدولي.

العام هو 1943، والمكان نيويورك والطقس ممطر. ينهار كاتب الأغاني لورينز هارت (هوك) البالغ من العمر ثمانية وأربعين عاماً - وهو أحد نصفي الثنائي رودجرز وهارت في برودواي في كتابة الأغاني - وفي زقاق خلفي نتيجة الثمالة الشديدة. يصاب بالتهاب رئوي. وبعد أربعة أيام، يموت في المستشفى.

نعود إلى الوراء سبعة أشهر. يحضر هارت حفلة ليلة افتتاح أوكلاهوما، العرض الجديد لشريكه الفني السابق ريتشارد رودجرز. كانت معنوياته مرتفعة، واستهلاكه المفرط للكحول موجود بالفعل على القائمة. ومع ذلك فإن مهاراته الإدراكية لا تشوبها شائبة. الرجل ثرثار. يتألف ما يقرب من 80% من هذا الفيلم الذي تبلغ مدته 100 دقيقة من مونولوجاته المطولة، وندباته ومحادثاته الأنانية التي تتمحور حول نفسه.

يتمتع هارت بغرور هائل، مع لمسة من الاستنكار الذاتي والطيبة. ويصبح ساخطاً لأن شاباً جميلاً دعاه إلى حفلة خاصة لم يسمع سوى أغنية واحدة من أغانيه. ويكاد يغمى عليه من الحرج عندما يصف أحد الشباب مؤلفاته بأنها ”قذرة“.

الإنسانة الوحيدة التي يبدو أن هارت يكنّ لها بعض الإعجاب هي تلميذته إليزابيث (مارغريت كالي)، وهي امرأة رائعة الجمال وذات ملابس أنيقة في أواخر العشرينات من عمرها. وعلى الرغم من عدم وجود انجذاب جسدي بينهما، إلا أن هناك ”إخلاصاً“ صادقاً لبعضهما البعض. تكمن ميول هارت الجنسية مع نفس الجنس، وهو أمر يناقشه ويعلن عنه علانية.

ليست هذه هي المرة الأولى التي يتبنى فيها إيثان هوك المستقيم جداً شخصية مثلي الجنس. فقبل عامين فقط، لعب دور راعي بقر مثلي الجنس في فيلم ”طريقة حياة غريبة“ للمخرج ألمودوفار.

ليس هناك شك في أن الممثل الأمريكي البالغ من العمر 54 عامًا يمتلك مجموعة واسعة من المهارات التمثيلية. فشخصية ”لورينز هارت“ التي أداها في الفيلم تتسم بالحيوية والنشاط. حتى أنه كاريكاتوري بعض الشيء، لكن من المفترض أن هذا جزء لا يتجزأ من شخصيته الفنية.

يتحدث بطلنا ببلاغة وبلا انقطاع، بلسان حاد للغاية. وعلى الرغم من أن هذا الأمر متعب، إلا أنه لا يتعارض مع حرفيّ الكلمات. إحدى المشاكل هنا هي أن ثقة هارت المفرطة في نفسه تمتد إلى النص، الذي ينتهي به الأمر إلى الانزلاق إلى المزاح الفارغ والتسمم الفكري. أما المشكلة الأخرى فهي أكثر خطورة فالإساءة التي ألحقها خبراء الشعر والمكياج بشخصية هارت كانت إهانة مؤلمة.

لمسة لينكلاتر الإنسانية غائبة في ”القمر الأزرق“. فسيناريو الفيلم عبارة عن مونولوج تقريبًا، ويفتقر إلى العفوية المرتبطة بالمخرج الأمريكي البالغ من العمر 64 عامًا. وبدلاً من ذلك، ينصب التركيز على ذكر الأسماء، والألفاظ الخالية من المعنى، والتهكمات الفارغة. أما الموسيقى فهي خجولة للغاية، ربما لأن هارت كان كاتباً غنائياً وليس موسيقياً. وهو يغني لفترة وجيزة أغنية "القمر الأزرق" التي يحمل الفيلم عنوانها، فضلاً عن بعض كلمات أغنية "عيد الحب المضحك". ولكن هذا لا يكفي لرفع معنويات الجمهور. وأولئك الذين يتوقعون فيلماً موسيقياً عن سيرة ذاتية سوف يصابون بخيبة أمل كبيرة.

ولكن المشكلة الأكبر في فيلم "القمر الأزرق" هي أنه رتيب للغاية. والحوار المتواصل ممل. والموسيقى السردية (بيانو خافت في الخلفية) متكررة. ولوحة الألوان باهتة. والتصوير والمونتاج يفتقران إلى الخيال، ويتألفان في الغالب من لقطات متوسطة تلتزم تمامًا بقاعدة 180 درجة.

والأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن تسلسل الأحداث في بداية الفيلم لا يرتبط ببقية القصة. ولا يوجد سبب واضح وراء مساهمة هذه الأحداث المحددة التي وقعت قبل سبعة أشهر في وفاة هارت المفاجئة.

إن فيلم ”القمر الأزرق“ هو مسعى مقصور على فئة معينة، عمل يمكن أن يقدره أولئك الذين يعرفون أعماله، ولكن من غير المرجح أن يكسب أي معجبين جدد.

 

####

 

قُدم كعرض خاص في «برلين السينمائي الـ 75» ..

مراجعة | «الشيء ذو الريش» لـ بنديكت كامبرباتش مقتبس من أشهر روايات الأدب الإنجليزي الحديث

برلين ـ خاص «سينماتوغراف»

اختار الكاتب والمخرج البريطاني ديلان ساوثرن واحدة من أشهر روايات الأدب الإنجليزي الحديث، رواية ”الحزن هو الشيء ذو الريش“ لماكس بورتر، ليقتبس منها فيلمه الروائي الطويل الأول ”الشيء ذو الريش، The Thing With Feather “، وهو دراما نفسية مع عناصر من الفانتازيا والرعب، وقُدم كعرض خاص في مهرجان برلين السينمائي الدولي الـ 75.

يُظهر الفيلم ساوثرن كموهبة تستحق المشاهدة، مع نهج وأسلوب متميز يمكن أن نتوقع أن يصبح أكثر وضوحًا وثباتًا في المستقبل، لكن أسلوبه في الفيلم لا ينجح دائمًا من الناحية اللونية أو السردية.

من المحتمل أن تجذب نجومية الممثل الرئيسي بنديكت كامبرباتش الجمهور، وأداؤه هو ما يرسخ الفيلم الذي لا يتسم بالتكافؤ في كثير من الأحيان. يلعب دور شخصية تُدعى ببساطة ”أبي“، ويبدأ الفيلم مباشرة بعد جنازة زوجته. إنها بداية سوداوية وجادة، حيث يسأل الأب المنهك ولديه البالغين من العمر سبع أو ثماني سنوات، ويدعى الأولاد (التوأم هنري وريتشارد بوكسال) عما إذا كانا جائعين. يبدو الطفلان مصدومين، لكنهما ليسا تائهين مثل والدهما. في الواقع، يركز ساوثرن حقًا على الأب ورفضه لتقبل الخسارة.

الفيلم مقسّم إلى فصول تخبرنا من أي زاوية نشاهد الأحداث، وأحد هذه الفصول مخصص للأولاد، وأحدهم يقوم بدور الراوي، لكن هذا هو أضعف أجزائه وأقلها واقعية. الشخصية الأكثر حضورًا هي شخصية الغراب الخصم الظاهر. أبي هو كاتب قصص مصورة، وهذا المخلوق يخرج من صفحات رسوماته ويصبح تمثيلاً جسديًا حاضرًا جدًا للحزن - وهذا ليس مفسدًا بالنظر إلى عنوان المادة المصدرية.

يلعب دور الغراب الممثل ديفيد ثيوليس، وهو طائر كبير مجسم له يدان تنتهي بمخالب. نادرًا ما نرى أجنحته، والتي، على الرغم من التأثيرات الجسدية المكثفة للمؤثرات العملية، تجعله يبدو سخيفًا بعض الشيء في لحظات معينة. في بداية الفيلم، يستخدم المخرج مجازات رعب خفية ولكن واضحة لضبط الإيقاع، لذا فإننا ندرك في البداية أن الغراب يمثل تهديدًا مميتًا. ومع ازدياد ضياع الأب في يأسه، يتحول الغراب إلى صوت بلا جسد يوبخه على شفقته على نفسه ويناديه بـ”الأب الحزين“ أو ”الأرمل الإنجليزي“.

يصور مدير التصوير بن فوردسمان، الذي أبدع في فيلم ”القديسة مود“و”الحب ينزف“ بنسبة تصوير أكاديمية، حيث تطغى الظلال في منزل العائلة على الإضاءة الخافتة. وعلى العكس من ذلك، فإن الألوان دافئة مما يضفي على الفيلم طابعًا مميزًا.

يظهر بنديكت كامبرباتش في أكثر أدواره تفانيًا، وفي أكثر لحظات الفيلم رعبًا، والتي تبدو غير مستغلة بشكل كافٍ، يتخذ هو نفسه تدريجيًا سمات الغراب، ينعق دون وعي وهو يحاول إعداد الإفطار بشكل أخرق أو يلوي ذراعه خلف ظهره مثل الجناح.

وكما أخبر معالجه النفسي، فقد كان يعتمد على زوجته في كل شيء، لذا فإن رفضه الاستسلام للحزن سليم من الناحية النفسية. لكن تجلياته الجسدية ليست بذلك الاتساق، خاصةً مع دخول شخصية أخرى من عالم آخر تأخذ الفيلم إلى منطقة الرعب بشكل أعمق. ومع ذلك، يبدو هذا الأمر ضعيف الإعداد ومفاجئًا، مما يجعلنا نتساءل عن الغرض السردي الذي يخدمه حقًا.

 

موقع "سينماتوغراف" في

19.02.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004