صدمات رومانسية وسياسية فى «أحلام» برلين السينمائى
رسالة برلين: خالد محمود
إذا كانت السينما هي الأحلام، وتنفذ مباشرة إلى مشاعرنا
عميقاً.. بل وتتجاوز وعينا بالحياة، فإن تلك المقولة تتحقق بصدق في أحد
أجمل أفلام مسابقة مهرجان برلين السينمائي الدولي الـ75، والذي يحمل أيضاً
عنوان «أحلام -
Dreams»
للمخرج ميشيل فرانكو. حيث جسد الرومانسية التي تتخفى وراءها أزمة سياسية
واجتماعية برؤية فنية عميقة كما يجب أن تكون.. قضية ومشاعر.. إرادة وحياة..
نبض وطموح جامح.. سعادة وصدمات ووجع وأمل ويأس.. كلها أحاسيس غصنا معها ومع
أبطالها في متعة بصرية عبر سيناريو سلس يقتحم الوجدان وربما يتركك في حالة
من الذهول والإضطراب، ومن المرجح أن يظل يدور في رأسك لعدة أيام بعد
مشاهدته.
الفيلم في مجمله عن العلاقات بين الولايات المتحدة
والمكسيك، حيث يحلم فرناندو رودريجيز «إسحاق هيرنانديز»، راقص الباليه
الشاب من المكسيك والمهاجر غير الشرعي، بالشهرة العالمية والحياة في
الولايات المتحدة، حيث يترك كل شئ خلفه، وينجو من الموت أثناء عبور الحدود،
معتقدًا أن حبيبته وعشيقته جينيفر مكارثي «جيسكا تشاستين»، ستدعمه، وهي
سيدة مجتمع وإنسانة خيرية من سان فرانسيسكو، وكانت مؤسسة والدها تمول
المبادرات الفنية في مدينة مكسيكو.. ومع ذلك، فإن وصوله يعطل عالم جينيفر
الذي خططت له بعناية، فهي مستعدة لفعل أي شيء لحماية مستقبلهم معًا -
والحياة التي بنتها لنفسها حيث تصرخ قائلة «أريد أن أعتني بك».
في معزوفة سينمائية متناغمة ينتقل المخرج وبطليه بنعومة من
الاقتراب من الحلم، إلى مأساة واقع تفرضه ظروف وكبرياء ومشاعر.
وقد لمسنا ذلك منذ مشهد البداية، عندما يعبر فرناندو ــ
الذي تم ترحيله من الولايات المتحدة في عام 2013 ــ من المكسيك إلى
الولايات المتحدة في شاحنة مليئة بالمهاجرين غير الشرعيين الآخرين.
أيضا عندما يصل إلى شقة جينيفر الأنيقة، يمارسان الحب ويبدأ
فرانكو في توضيح الخلفية، بما في ذلك لقاءان جنسيان مشحونان للغاية.
تتناول تشاستين دورًا لن يمتلك سوى عدد قليل من النجوم
الشجاعة للمسه، فمن بين نجمات هوليوود من جيلها، كانت جيسيكا انتقائية بشكل
فريد فيما يتعلق بالشخصيات التي توافق على تجسيدها.
في شهادتها قالت جيسيكا شاستاين، إن فيلمها «أحلام» هو
دراما تركز على الهجرة بين المكسيك والولايات المتحدة، «سياسي بشكل لا
يصدق»، رغم مشاهده الدافئة، «وبسبب ما يحدث الآن في الولايات المتحدة»، في
إشارة على ما يبدو إلى سياسات الرئيس دونالد ترامب المقيدة بشأن الهجرة
والتي تشمل الترحيل الجماعي للأشخاص غير المسجلين.
وتابعت أن الفيلم يستكشف هذه العلاقة بين الولايات المتحدة
والمكسيك وكيف يحتاج كل منهما إلى الآخر.
وأضافت: «جعلت من الولايات المتحدة موطني، لأنني شخص
متفائل، وأعتقد أنه يتعين عليك المشاركة في خلق البيئة والثقافة والمجتمع
الذي تريده»، وقالت أيضا: «لن أتخلى عن بلدي، لذلك أود أن أقول إن هناك
الكثير منا هناك ما زالوا متفائلين للغاية ونحن نخوض معركة طيبة».
نعم هنا جسدت امرأة محسنة ثرية تقع في حب فرناندو راقص
باليه مكسيكي شاب يعبر الحدود إلى الولايات المتحدة بحثا عن تحقيق أحلامه،
لكنها احبته بحق وتعاطفت مع قضيته وهدفه، لكنها لن تتخلى عما حققته.
وعندما سُئل عن عنوان «الأحلام»، وما إذا كانت الولايات
المتحدة لا تزال مكانًا يرمز إلى ذلك، قال المخرج ميشيل فرانكو المولود
بالمكسيك: «هل أؤمن بالحلم الأمريكي؟.. أقول لا بعد الآن.. لكن دعونا لا
ننسى أنها دولة قائمة على المهاجرين».
أما إسحاق هيرنانديز - وهو راقص باليه محترف يعمل حاليًا
مديرا في مسرح الباليه الأمريكي في مدينة نيويورك وقد تحول إلى ممثل - قال
أن الرسالة العاجلة التي يبعثها الفيلم تتعلق بالهجرة.
وقال أيضا: «أعتقد أنه من المهم حقًا في الوقت الحاضر أن
ندرك أن هذا الأمر لا يحدث في عزلة، وهذا يحدث في جميع أنحاء العالم، وكانت
الهجرة جزءًا أساسيًا من تطورنا كمجتمع، ومن المهم للغاية أن نتذكر أن
المهاجرين هم بشر معقدون يتمتعون بصفات مذهلة ولديهم أخطاء، وأشعر أنه
عندما ندرك ذلك، فإننا سنكون متحدين في إنسانيتنا».
شعر إسحاق هيرنانديز بثقل القصة، قال: «لقد شعرت بمسئولية
كبيرة تجاه تقديم قصة مثل هذه على أكمل وجه وأكون صادق، لأن ميشيل فرانكو
أعتقد أنني أستطيع القيام بذلك، لقد أعطاني نوعًا ما الخطوط العريضة للقصة،
لقد وجدتها جريئة ومثيرة للاهتمام».
بدأ هيرنانديز، الذي كان راقصًا منذ أن كان في الثامنة من
عمره، في العمل مع فرق الباليه في سان فرانسيسكو وإنجلترا وهولندا، وهو
الآن أحد الراقصين الرئيسيين في مسرح الباليه الأمريكي، مما جعله أول راقص
مكسيكي يحقق هذا الإنجاز، في السنوات القليلة الماضية، بدأ في استكشاف
التمثيل، حيث شارك في بطولة فيلم كارلوس ساورا الأخير «ملك كل العالم» عام
2021، ومسلسل مانولو كارو على «نتفليكس»، «شخص ما يجب أن يموت» عام 2020،
ويمثل دوره في «الأحلام» أول ظهور له في مهرجان سينمائي، ومن المؤكد أن
أدائه المذهل سيؤدي إلى العديد من فرص التمثيل المقبلة.
• ما الذي جذبك إلى «فرناندو» وإلى هذه القصة؟ وكيف كانت
علاقتك به؟
قال: «كانت تجربة عاطفية للغاية لأنها قصة صعبة، وفي
البداية، كنت أشعر بالتوتر والخوف عندما كنت أحاول أن أتخيل نفسي في مثل
هذه المواقف، لذا، كان من المهم بالنسبة لي أن أجد طرقًا للتواصل مع
الشخصية لمساعدتي على فهم المزيد من تجربتها،
لقد سافرت إلى مختلف أنحاء العالم منذ أن كنت في الثامنة من
عمري ــ لقد عشت في هولندا ولندن وكل هذه الأماكن، لذا فقد كنت مهاجر على
الدوام، وأنا مهاجر الآن، بطريقة ما، ولقد كنت محظوظا للغاية لأنني أمتلك
مهنة سمحت لي القيام بذلك بطريقة خاصة للغاية، لكنني أردت التأكد من أنني
أستطيع أن أغوص في هذه القصص، ومن المؤسف أنك عندما تفتح صحيفة تجدها مليئة
بهذه القصص، وشعرت أنه من المهم للغاية بالنسبة لي أن أحاول فهم نوع اليأس
الذي قد يشعر به شخص ما والذي يحفزه على المخاطرة بكل هذا القدر، بحياته
حرفيًا، من أجل هذه الفرص
وحول العمل مع جيسيكا شاستاين.
أضاف: «كان الأمر مرعبًا، بمعنى ما، عندما اكتشفت أن الفيلم
سيكون معها، ألتقينا ربما قبل يوم واحد من بدء التصوير، كانت لطيفة للغاية
ومنفتحة وتحدثنا عن عائلاتنا - لدي ابن يبلغ من العمر 3 سنوات - وكنا على
تواصل بطرق مختلفة، والأمر المضحك أننا منذ ذلك الحين لم نتحدث تقريبًا
طوال مدة الفيلم.. أعتقد أن هذا كان شعوري بأنني لم أرغب في إفساد الفيلم،
كنت أرغب حقًا في الاستمرار في الدور أثناء بنائه.
ومن المذهل أن نرى التزامها الفني بكل مشهد وبراعتها
وحرفيتها، إنه أمر لا يصدق، والعلاقة التي طورتها مع ميشيل لا تصدق أن
نشهدها في موقع التصوير لأنهما يثقان ببعضهما البعض حقًا، لكن كما قلت،
عندما صنعت الفيلم لم أكن أعرف عنها شيئًا تقريبًا، وكان الأمر مثيرًا
للاهتمام لأنني انتقلت بعد ذلك إلى نيويورك قبل بضعة أشهر وطورنا صداقة،
إنها مذهلة حقًا وأنا سعيد حقًا لأنني التقيت بها من خلال الفيلم، ولكن في
الوقت نفسه، أنا سعيد لأننا عملنا بالطريقة التي فعلناها لأن ذلك أعطاني
القليل من الثقة لأتمكن من إنهاء مثل هذه القصة المعقدة.
أتذكر اليوم الأول الذي كنا سنصور فيه أحد هذه المشاهد
المثيرة، حيث قلنا إننا نريد التأكد من أننا لن نفعل أي شيء لا يشكل جزءًا
أساسيًا من القصة، لذا لم نكن نتطلع إلى القيام بأي شيء لمجرد القيام به،
وأعتقد أن هذا كان مهمًا حقًا لجميع المشاركين.
أتذكر المحادثة الأولى التي دارت بيني وبين ميشيل وجيسيكا
حول هذا الأمر عندما بدأنا في تصميم الرقصات ومحاولة التفكير، «ماذا نحاول
أن نقول بهذا المشهد؟، ماذا يعني هذا المشهد لكل شخصية وللقصة الأوسع؟»،
دخلت الغرفة معهما وقلت، «حسنًا، أحتاج إلى معرفة ما هي القواعد؟»، لأنها
كانت المرة الأولى التي أقوم فيها بمشهد كهذا، ولحسن الحظ أجرينا محادثة
مريحة ومنفتحة حقًا وقضينا وقتًا في التدرب وإعداد الكاميرات، كان شعورًا
رائعًا حقًا أن نتمكن من الشعور بالدعم وفي مكان آمن حيث يمكننا جميعًا
تقديم أفكارنا حول هذه المشاهد. |