ملفات خاصة

 
 
 

«المستعمرة»..

وصمات بعضها فوق بعض

أحمد شوقي

برلين السينمائي

الدورة الخامسة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

يحلم أنصار العدالة الاجتماعية بالعالم المثالي، الذي يولد البشر فيه متساويين، لا يتم تصنيفهم وفقًا لطبقتهم الاجتماعية أو وظائف آبائهم، أو طريقة أخرى للتمييز طوّرتها المجتمعات عبر قرون. ورغم الأحلام المشروعة، يظل البشر دومًا محكومين بتلك التفرقة، التي تمنح البعض امتيازات مسبقة لم يجتهدوا كي يولدوا فيجدوها في حوزتهم، وتجعل آخرين يعيشون من يومهم الأول محمّلين بما لم يقترفونه: واقعهم واشتراطات عالمهم، بما يتيحه لهم من خيارات محدودة وعوائق لا تُحصى.

في فيلمه الروائي الطويل الأول، وفيلمه الطويل الثاني بشكل عام، يواصل المخرج المصري محمد رشاد اشتغاله على علاقة الماضي بالحاضر والمستقبل. الموضوع الذي تطرق له من مدخل شخصي في فيلمه الوثائقي «النسور الصغيرة»، قبل أن يعود ويتناوله من زاوية أوسع وبعمق أكبر في «المستعمرة»، الذي استضاف مهرجان برلين السينمائي الدولي الخامس والسبعين عرضه العالمي الأول، ضمن مسابقة «وجهات نظر» التي استحدثها المهرجان هذا العام.

في الوثائقي، حاول رشاد المقارنة بين نفسه وأصدقاءه، فهو ابن العامل اليدوي البسيط الذي يُعاني ابنه كي يوصل له أبعاد مهنته التي لا تبدو إنها تعود عليه بمكسب يُذكر، وبين أقرانه أبناء العائلات اليسارية العريقة، الذين أسس أهلهم ناديًا للأطفال اسموه «النسور الصغيرة» كي يشب الأبناء فيه مشبعين بثقافة رفيعة، يسارية الهوى بطبيعة الحال، فيُكملوا مسيرة آبائهم الفكرية والحياتية. جاء الفيلم مشحونًا بالتساؤلات، المُنطلقة بالأساس من سؤال رشاد لذاته: هل أُشبه أصدقائي فعلًا؟ هل استحق الالتحاق بهم وأنا من تعلم في مدارس حكومية ولم يكن يومًا أحد النسور الصغيرة؟

باختصار، ينشغل محمد رشاد بتيمة الوصم، كل ما يحمله الإنسان على عاتقه، ويتحرك به في سباق الحياة الذي يُفترض أن يكون عادلًا، وهو بالضبط ما ينطبق على بطل حكاية «المستعمرة» حسام (أدهم شكر)، وبدرجة أقل على شقيقه الأصغر مارو (زياد إسلام).

الموت ثمنًا للحياة

شاب في العشرينيات، لم يُكمل تعليمه ودخل في مشكلات قانونية وأسرية، يجد نفسه فجأة مضطرًا لقبول عرض من نوع خاص: أن يحل وشقيقه محل الوالد في المصنع الذي كان يعمل فيه، والذي مات داخله بسبب حادث مشكوك في حقيقته وهوية من تسبب فيه. المصنع يريد إغلاق القضية بعيدًا عن القانون، والأسرة تحتاج إلى المال، والشاب الذي كان ملفوظًا من المجتمع يجد فرصة للاندماج مجددًا في وظيفة محترمة، بينما الأخ الصغير يحلم بحياة الكبار، وبالانتقام ممن تسبب في موت والده.

نظريًا، تبدو الصفقة منطقية لجميع الأطراف، لكننا عمليًا ندرك كم الوصمات التي يعيش حسام بها، والتي تحول بينه وبين ممارسة حياة اعتيادية، حتى لو رغب في ذلك. حسام موصوم اقتصاديًا بسبب فقره، تعليميًا بسبب عدم إنهائه الدراسة، قانونيًا بسبب ماضيه الذي يمنعه من إصدار صحيفة سوابق تُؤهله للحياة المهنية الطبيعية، والأهم إنه موصوم اجتماعيًا، فهو الابن العاق الذي انقلب على أهله وسرقهم وترك المنزل ليعيش مع المجرمين، والذي حكى والده قصته للزملاء فصاروا يقابلون حسام بابتسامة ترحاب مصدرها احترام ذكرى والده، لكنهم يخفون داخلهم أحكامًا عليه وعلى كل ما يفعله.

إذا أضفنا إلى ذلك معرفة الجميع بحقيقة الصفقة التي قبلها حسام مع إدارة المصنع، والتي قد تعني رغبته في الاستقامة ومساعدة الأسرة، وقد تعني في قراءة أخرى كونه مجرد ضبع، وافق على أن يبدأ حياة ثمنها السكوت عن دم والده الراحل، فسنجد نفسنا أمام بطل تراجيدي بامتياز. بطل محكوم على سعيه بالفشل، فحتى وإن أخلص النيّة على أن يبدأ حياة جديدة، فالناس في تلك الحياة لن يقبلوه أبدًا جزءًا عضويًا من مجتمعهم، ولو كان المجتمع نفسه موصومًا بالفقر والتهميش.

عن الإنسان والماكينة

يبرع محمد رشاد في رسم شخصية حسام التي يجسدها أدهم شكر بتفهم شديد لوضع الشخصية المعقد، حيث تتصارع داخله الدوافع التدميرية التي تسببت مسبقًا في توتر العلاقة بينه وبين عائلته، وبين رغبته الصادقة في أن يفتح صفحة جديدة في حياته، في الوقت نفسه يشعر بتوجس الآخرين منه وتوقعهم المستمر أن تكون أفعاله مجرد غطاء زائف لخطة انتقام، أو مرحلة مؤقتة سيعود بعدها لسابق عهده. هذا الوضع المؤسف يجعله قنبلة موقوتة تنتظر فقط الوقت الملائم للانفجار. لكن هل ستنفجر حقًا؟ يتركنا الفيلم نتوقع إجابة هذا السؤال طويلًا.

يقدم «المستعمرة» أيضًا عالمًا بصريًا جديدًا تمامًا على الشاشة. المخرج أوضح هوسه بما أسماه «البيئة الصناعية»، أي بالممارسات المهنية اليدوية للشخصيات. شاهدنا عمل والده كثيرًا في «النسور الصغيرة»، ونشاهد هنا كيف تُشكل علاقة العامل بماكينة الصلب عنصرًا رئيسيًا في شخصيته. تلك الماكينات البالية التي توقفت أغلب دول العالم في الأغلب عن استخدامها، والتي تُمثل لمستخدمها الحياة والموت معًا. فهي مصدر رزقه ورفيقته اليومية لساعات طوال، وهي الخطر الدائم الذي قد يقفز في لحظة انعدام تركيز لتبتر يده أو تأخذ حياته كلها.

لاحظ التصالح في الحوار مع وجود ضحايا دائمين للماكينات، وكأنها عرض جانبي بسيط للعمل في تلك البيئة. لاحظ أيضًا حس الأبدية في علاقة العمال بالمكان. سيموتون هنا وسيرثهم أبنائهم ليستكملوا المسيرة بعدهم. قد تكون «المستعمرة» هنا مقابلًا موضوعيًا للوطن، وتلك القدرية التي تجعل المرء لا يختار أين يولد، وما يترتب على ذلك الميلاد من التزامات أزلية.

في المستعمرة

المفارقة أن مصلح «مستعمرة» يستخدم لغويًا للتعبير عن أمرين: أولهما حضري حول القيام بتعمير مكان خاو، بما تحمله الكلمة من ارتباط تاريخي باحتلال الدول، فهو تطوير واستلاب معًا. التعبير الثاني شديد البدائية عند الحديث عن مستعمرات البكتريا التي تتكاثر في بيئة ملائمة

المدهش أن عنوان الفيلم قد يحمل المعنيين معًا: المصنع الذي كان نقطة مركزية تم تعمير الحيّ السكني حولها، والبشر الذي يعيشون في المستعمرة كالبكتريا، يتكاثرون ويتوارثون صفاتهم ومنظومتهم القيمية من جيل لآخر، وفي الحالتين هم أسرى تلك المساحة المحدودة. يقودنا ذلك مجددًا لكون الحكاية صورة مصغرة لما هو أكبر، لمعنى أن تعيش في مكان وترتبط بقواعده الوراثية، فيصير مصيرك رهين نظرة الآخرين -المنقوصة غالبًا- لحياتك.

«المستعمرة» خطوة كبيرة للأمام يقطعها المخرج محمد رشاد، يواصل فيها التعمق فيما طرحه في فيلمه الوثائقي من أفكار، مع تطور واضح على مستوى السرد والصورة وتوجيه الممثلين، يجعل كونه أول فيلم عربي يتم اختياره لمسابقة مهرجان برلين الجديدة اختيارًا شديد المنطقية والعدالة.

 

####

 

«المسار الأزرق»… تيريزا تريد الطيران

حسام فهمي

تكمن روعة المهرجانات السينمائية الكبيرة في قدرتها على مفاجئتنا بأسماء لم نكن ننتظرها، تأتي إلى المهرجانات حاملة معها رؤى سينمائية طازجة وأسماء جديدة تقف جنبًا إلى جنب مع أسماء صناع سينما كبار، وتمنحنا فرصة مشاهدة تحفة سينمائية غير متوقعة يشبه اكتشافها العثور على قطعة ذهبية في صباح يوم مشمس على رمال البحر أو داخل كومة من الثلج في إحدى حدائق برلين

من بين تلك المفاجآت الطازجة التي أتت بها دورة مهرجان برلين هذا العام، فيلم «المسار الأزرق The blue trail» للمخرج البرازيلي جابرييل ماسكارو، المشارك في المسابقة الرسمية للدورة المقامة حالياص في العاصمة الألمانية.

ثيمة الفيلم الرئيسية هي الحق في الحرية وفي الحياة، نراها في حكاية تيريزا، السيدة السبعينية التي تفاجأ وغيرها من كبار السن بقرار من حكومتهم بعزلهم في مستعمرة بعيدة يقضون فيها أيامهم الأخيرة، عن غير رغبة منهم. حينما تقرأ هذه المقدمة القصيرة عن الفيلم، قد تحتار إن كان هذا القانون حقيقي أم متخيل وبهذه الحيرة بدأت مشاهدة الفيلم

كوميديا التفاصيل البسيطة

يبدأ الفيلم بمشهد نرى فيه تيريزا بطلة الحكاية وهي ترقص على أنغام برازيلية هادئة داخل ما يبدو كمجزر، تتصاعد الأبخرة ونرها في بذلة واقية بيضاء وهي تتحرك وكأنما تتأمل، حينما تخرج «تيريزا» من المجزر وتصل لبيتها، نفاجأ بديكورات احتفالية تشرف عليها موظفة مسؤولة، تسألها تيريزا عن سبب إحاطة تلك الديكورات ببيتها، فتجيبها الموظفة بأن السبب هو أن الحكومة تعتبرها «إرث قومي» وهذا تكريم لها لأنها «عجوز» ثم تسلمها ميدالية لإثبات ذلك.

يترك المشهد ابتسامة لدى المشاهد، نضحك مع تيريزا على هذا العبث، ويصبح المشهد مدخلًا لهذا العالم الغرائبي، الذي يبدو على الرغم من ذلك واقعيًا تمامًا

تستمر الكوميديا من خلال تفاصيل صغيرة لكنها دالة، فالشرطة في هذا العالم تمر في عربات صغيرة تشبه التوكتوك، تفتش عن كبار السن وتجمعهم في صناديق صغيرة أعلى العربات، فيما يُقبل الفقراء والمعدمين في هذا العالم على شراء أناجيل إلكترونية مضمونة الخلود لا يمكن قطعها أو إتلافها. لا يمكن لهؤلاء الفقراء شراء الطعام لكنهم يحظون بكتاب مقدس في أكثر أشكاله التكنولوجية تطورا

نحن أمام ديستوبيا واضحة، لكنها ديستوبيا جميلة الأوان وذات مناظر طبيعية خلابة، والشر قاس لكنه طريف ومثير للضحك. وهكذا، حينما تحاول بطلة الفيلم أن تقاوم وترفض أن تنصاع لأوامر السلطة، تصبح رحلة الحرية على صعوبتها مليئة بالحيوية والضحك، هي أقرب لرحلة من أجل الاحتيال على شر يمكن وصفه بـالتفاهة. يذكرنا هذا بعجوز أخرى وهي الفيلسوفة والمؤرخة الألمانية «حنا آرنت» التي صكت مصطلح تفاهة الشر.  

الطيران دون طائرات

حينما تُفاجأ تيريزا أن السلطة غيرت قانون عزل كبار السن في مستعمرة بعيدة، وأن سن العزل بات 77 عامًا لا ثمانين، تجد أنها باتت مهددة بالعزل في غضون أيام، وتتذكر أنها انشغلت لسنين طويلة في العمل في وظيفتين وتربية أبنائها، وأنها لم تفعل شيئًا أرادت أن تفعله لسنين طويلة، وهو الطيران، لم تركب تيريزا طائرة طوال حياتها، وهكذا تنطلق في رحلة البحث عن وسيلة للطيران

في هذا العالم الغرائبي يتحكم الأبناء في قرارات أهلهم من كبار السن، وحينما ترفض ابنة تيريزا منح أمها الموافقة على الطيران، يصبح حجز تذكرة طيران بالنسبة لتيريزا مستحيلًا، هكذا ينتقل الفيلم في الفصل الثاني لكي يصبح فيلم طريق، في رحلة تخوضها تيريزا من أجل الطيران، وتخرج منها في نهاية الفيلم وهي شخص جديد

مزيج بصري

يعتمد جابرييل ماسكارو القادم من خلفية سينمائية وثائقية على تفاصيل واقعية لخلق عالمه الغرائبي، وبهذا نصبح مشدوهين بينما نتابع لقطات هذا العالم ويكتمل تأثير تلك اللقطات علينا من كونها واقعية للغاية، ويمكن لما نشاهده أن يكون عالمنا الذي نعيشه يوميًا. فالأسلوب البصري في الفصل الأول بسيط تمامًا وأقرب للوثائقي، قبل أن ينتقل المخرج في الفصل الثاني للمزج بصريًا بين كادرات واسعة مضيئة نستمتع من خلالها بشكل تأملي بغابات الأمازون الخضراء والأنهار التي تمر داخله، ثم كادرات مظلمة قريبة مضاءة بألوان زاهية. في الفصل الأخير نصل لكازينو من نوع خاص، حيث يراهن البشر على أسماك ملونة تتقاتل فيما بينها، ولكنه قتال أشبه بالرقص

يصبح الحلزون الأزرق هو الرابط بين تلك العوالم البصرية، الحيوان الذي تؤمن بعض شخصيات الفيلم بأن المسار الذي يتركه وراءه من إفرازات زرقاء، يمكنها أن تمنحهم القدرة على رؤية المستقبل.

هكذا يصحبنا هكذا الفيلم في عالم يختلط فيه الواقع بالسحر والهلاوس، لا يفقد الفيلم رغم ذلك خيوط اتصاله بالواقع، وأهم هذه الخيوط هو القدرة على الضحك من كل ما هو غرائبي

نقد اجتماعي وسياسي

كلما ازدادت غرابة الإجراءات التي تفرضها السلطة داخل عالم الفيلم، كلما ظهرت السلطة أكثر تفاهة، هكذا نصاحب بطلة الفيلم في رحلة للاحتيال على كل هذه التفاهة. يصبح النقد الاجتماعي والسياسي هنا في صلب الكوميديا، ويصبح فعل الاحتيال فعل ثوري، يتجنب «ماسكارو» أي مواجهة مباشرة طوال الفيلم، رغم عدم رضا غالبية من نشاهدهم على إجبار السلطة لأهلهم من كبار السن على الرحيل، لا نرى أي مواجهة عنيفة أو حتى تظاهرة، فقط نشاهد في خلفية أحد المشاهد كتابات على الجدران «لا تأخذوا جدتي» أو «أعيدوا جدي».

نضحك كثيرًا أثناء مشاهدة «المسار الأزرق»، لكنه ضحك مع الشخصيات وليس منها. ينجح الفيلم في تكثيف مشاعر التوق للحرية، ذلك التوق الذي يمكن تفهمه أيا كان سنك أو جنسك أو عرقك أو لونك. يضع الفيلم بطلته، التي تقوم بدورها «دينيس واينبيرج» بتميز شديد، في رحلة لها هدف بسيط. هي بطلة غير اعتيادية على المستوى السينمائي، لكنها عادية تماما على مستوى الواقع، يمكنها أن تكون جدتك بكل بساطة، وهكذا يصبح الصراع متفهمًا تمامًا، وتجد نفسك تسأل: «لماذا تصبح الحياة بهذه الصعوبة؟».

 

####

 

«برج الجليد».. انعكاسات سينمائية في مرايا الأسطورة

مها فجال

تسكن أرواح اليتامى والأطفال البؤساء قصصنا منذ الأزل، كما لو أنه هناك خيط واحد من الدموع بدأ عند فتيات الإخوان جريم المحبوسات في قلاع بعيدة عن الأنظار، ومر على الفتيان المقهورين في حواري لندن تشارلز ديكنز، وانسكب حتى وصل إلينا في ملامح هاري بوتر وهو يحدق في انعكاس والديه المفقودين في مرآة إيريسيد.

تمسك لوسيل هادزيهاليلوفيتش، كاتبة السيناريو والمخرجة الفرنسية، طرف هذا الخيط، وتنسج منه أفلامها التي تستكشف عوالم طفولة تائهة بين البراءة والرعب، يصير فيها المكان فخًا، والعالم متاهة من الأسرار والمخاوف.وفي قلب هذه العوالم، نلتقي بجان، بطلة فيلمها الأحدث «The Ice Tower»، الذي عُرض لأول مرة هذا الأسبوع ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي في دورته الخامسة والسبعين.

تقف جان على أعتاب المراهقة، وتعيش في مكان ناءٍ مع مجموعة من الأطفال اليتامى، وهي أكبرهم. تحفظ عن ظهر قلب قصة «ملكة الجليد» لهانز كريستيان أندرسن.

تروي القصة حكاية كاي، الذي يُصاب بشظية من مرآة سحرية، تجعل قلبه باردًا كالجليد وعينيه غير قادرتين على رؤية الجمال أو الحب. تأخذه ملكة الجليد إلى قصرها المتجمد في أقاصي الشمال، حيث ينسى ماضيه تمامًا، بينما تخرج صديقته المخلصة غيردا في رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر لاستعادته. تعبر غيردا أنهارًا متجمدة وغابات مظلمة، وتلتقي بساحرات وحيوانات ناطقة، لكنها لا تتخلى عن هدفها. وفي النهاية، بقوة حبها ودموعها، تذيب الجليد الذي أسر قلب كاي وتعيده إلى ذاته.

تردد جان هذه الحكاية كما لو كانت تعويذة تستدعي بها غيردا الخاصة بها، ولأن غيردا لا تظهر، تهرب جان من ملجأ الأيتام وتذهب إلى المدينة للبحث عنها. لكن في قلب المدينة البارد، بدلًا من لقاء غيردا، تجد جان نفسها تقف وجهًا لوجه مع ملكة الجليد.

بجمال ناءٍ وعيون تنظر إليك دون أن تراك، تؤدي النجمة الفرنسية ماريون كوتيار دور الممثلة كريستينا فان دير بيرج، التي تلعب بدورها ملكة الجليد في فيلم داخل الفيلم. منذ أن تقع عينا جان على كريستينا في رداء ملكة الجليد، تنشأ علاقة متوترة بين الاثنتين، تكون بمثابة الدينامو – الوحيد ربما – الذي يدفع بالأحداث إلى الأمام في عمل يفضل أن يغرق في شاعريته السينمائية على أن يحكي قصة مشوقة.

في قصص البلوغ، نجد عادةً مرشدًا يساعد البطل على شق طريقه، وشريرًا يضع العراقيل أمامه، ليصبح اجتيازها جزءًا من الرحلة. أما كريستينا، كما تقدمها هادزيهاليلوفيتش، فليست هذا أو ذاك، بل هما معًا متشابكان في كيان واحد.

ففي موقع تصوير الفيلم، يبعث وجود كريستينا في أي غرفة التوتر في الأجواء، ويتعامل معها الجميع بحذر، كما لو أنها قنبلة موقوتة، لا أحد يعرف متى ستنفجر لتجعل حياة الطاقم جحيمًا. لكنها ليست شريرة بالصورة النمطية التي نعرفها، بل أقرب إلى لغز بشري، امرأة تتحرك كما لو أنها محاصرة في عالمها الخاص، تائهة في دورها سواء داخل الفيلم أو خارجه.

هذا الجو من الغموض هو ما يجذب جان إليها، إذ تشعر أن هناك ما هو أعمق مما يبدو على السطح، فتنجرف في حالة من التلصص تحاول معها أن تقتنص أسرارها.

تراقب كريستينا افتتان جان بها بشيء من المتعة، فهذا الهوس مسلٍّ لها. ولأن اللعبة تغريها، فإنها تقرر أن تكشف لها وجهًا آخر، وجهًا قد يُسمى حنانًا لو كان للحنان مكان في عالمها. تُقرّبها منها أكثر، لا تكتفي بأن تكون محط إعجابها، بل تجعلها امتدادًا لها، تدفع بها إلى الواجهة، وتمنحها دورًا رئيسيًا داخل الفيلم.

من هذه اللحظة، يصبح الفيلم مرايا تواجه مرايا، وصورًا تتداخل وتتكرر بلا نهاية. كريستينا ترى في جان نسختها الصغيرة، وترى فيها جان غدًا تحلم أن تبلغه. لكن ما لا تدركه جان هو أن السياج الثلجي الذي يحيط بكريستينا موجود هناك لسبب، فمثل ملكة الجليد، ينتظر كل من يقترب من كريستينا لعنة.

كما هو الحال في أعمالها السابقة (Innocence و Evolution)، لا تعتمد هادزيهاليلوفيتش على السرد التقليدي، بل تفضل إغراق المشاهد في أجواء حسية، حيث تتحول الصورة إلى معادل للعاطفة. فتصوير جوناثان ريكوبورغ السينمائي يستغل الضوء والظل ليخلق إحساسًا دائمًا بالغموض والانفصال عن الواقع، وكأن الفيلم بأسره يحدث داخل حلم بارد.

وفي قلب تلك الأجواء الضبابية، يُبقي أداء كوتيار وكلارا باتشيني – الموهبة الجديدة التي تلعب دور جان – الفيلم واقفًا على أرض صلبة. فحتى نهايته، لا يقدم «The Ice Tower» إجابات قاطعة، بل يترك المشاهد في مواجهة تأمل مفتوح حول الطريقة التي نصوغ بها أساطيرنا ونحيطها بهالة من الكمال، حتى إذا ما اقتربنا منها، تكشفت لنا هشاشتها.

 

موقع "فاصلة" السعودي في

20.02.2025

 
 
 
 
 

المخرج أمير فخر الدين خلال مؤتمر صحفي ببرلين:

«يونان» تجربتي الشخصية مع المنفى من سوريا

برلين ـ «سينماتوغراف»

قال المخرج وكاتب السيناريو أمير فخر الدين، الذي تنحدر عائلته من هضبة الجولان السورية التي تحتلها إسرائيل، إن فيلمه ”يونان“ المشارك في مسابقة مهرجان برلين السينمائي جاء من تجربته الشخصية مع المنفى والحنين إلى الوطن.

الفيلم، وهو جزء من ثلاثية بدأت بفيلم ”الغريب“ عام 2021، من بطولة الممثل والكاتب اللبناني جورج خباز الذي يجسد دور كاتب عربي منفي يجد نفسه في جزيرة ألمانية نائية.

وقال فخر الدين، وهو من أصل فلسطيني وسوري : ”أصبح وطني نفسه منفصلًا عن وطنه الذي هو سوريا .. لا أستطيع الذهاب إلى هناك".

كانت الجولان، وهي هضبة استراتيجية، جزءًا من سوريا حتى عام 1967 عندما استولت إسرائيل على معظمها خلال حرب الأيام الستة، ثم ضمتها في عام 1981 في خطوة غير معترف بها دوليًا.

وتابع : ”إنه وطن لا أعرفه، لم أزره قط. كان ذلك في الستينيات، لكنه وطن تخيلته كثيرًا“.

وأضاف : ”لقد شكلت تجربة المنفى هذه بطريقة ما فكرة الثلاثية بأكملها.. قلتُ: ”سأستكشف موضوع الوطن“، وأسترسل فخر الدين الذي يعيش الآن في ألمانيا: ”قلتُ: ’سأستكشف موضوع الوطن‘.

بدأ المخرج مؤخرًا العمل على الجزء الأخير ”الحنين إلى الماضي: حكاية في فصولها الأولى“.

وقال خباز، الذي اشتهر بفيلم ”تحت القنابل“ عام 2007، للصحفيين في العاصمة الألمانية أنه فوجئ بالاتصال به لأداء هذا الدور لأنه لا يتحدث الألمانية.

وقال: ”لقد ساعدني كثيرًا كوني غريبًا عن اللغة وغريبًا عن المكان وغريبًا عن الناس“.

وأضاف ”خباز“: ”كنت في حالة شديدة من الغرابة عندما ذهبنا إلى الجزيرة، وهي كما ترون خالية وغريبة بعاداتها الطبيعية غير المألوفة“.

فيلم ”يونان“ هو واحد من 19 فيلمًا يتنافسون على جائزة الدب الذهبي للمهرجان، والتي ستُمنح يوم 22 فبراير المقبل.

 

####

 

الروماني «رادو جود» يسعى من خلال «كونتيننتال 25»

إلى الفوز بدب برلين الذهبي للمرة الثانية

برلين ـ «سينماتوغراف»

عاد المخرج وكاتب السيناريو الروماني رادو جود إلى مهرجان برلين السينمائي بفيلم ”كونتيننتال 25“، وهو عمل درامي كوميدي عن أزمة أخلاقية في غير محلها لمأمور قضائي يمثل محاولة لـ جود للفوز بالدب الذهبي للمرة الثانية بعد فوزه بالجائزة الأولى قبل أربع سنوات.

ويستند فيلم ”كونتيننتال 25“ إلى مقال إخباري قرأه جود عن مأمور قضائي يشعر بالذنب بعد طرده لشخص ما والذي يقتل نفسه فيما بعد، حسبما قال المخرج للصحفيين.

وتابع، إن رد فعل مأمور المحكمة ”أدهشني في الوقت نفسه باعتباره مؤثرًا للغاية ومثيرًا للتساؤل في الوقت نفسه“، لأن الشعور بهذه الطريقة بعد وقوع الحادث يمكن أن يُنظر إليه على أنه نفاق.

يركز الفيلم على الأزمة الأخلاقية التي شعر بها الحاجب، الذي يؤدي دوره الممثل الروماني إيزتر تومبا، بسبب الحادث.

وأضاف جود : ”في الواقع، أنا أكره الأفلام التي تتحدث عن الأزمات الأخلاقية. أنا مهتم أكثر بالجانب المادي في السينما، ولكن هنا الأمر مثير للاهتمام لأنه في غير محله“.

فازت جود بالجائزة الأولى للمهرجان في عام 2021 بفيلم الكوميديا السوداء الصريحة جنسياً ”مضاجعة سيئة الحظ أو إباحية معتوهة“.

لم يفز بجائزتي الدب الذهبي حتى الآن سوى المخرج التايواني المولد أنغ لي الحائز على جائزة الأوسكار عن فيلم ”مأدبة الزفاف“ عام 1993 وعن فيلم ”الإحساس والعاطفة“ عام 1996.

كونتيننتال 25“ هو واحد من 19 فيلمًا يتنافسون على الجائزة الكبرى في المهرجان هذا العام، ومن بين الأفلام الأخرى المشاركة فيلم ’ قمر أزرق‘ للمخرج الأمريكي ريتشارد لينكلاتر، وفيلم ’ماذا تقول لك الطبيعة‘ للمخرج الكوري الجنوبي هونغ سانغسو.

 

####

 

يُنافس على «دب برلين الذهبي الـ 75» ..

مراجعة فيلم | «كونتيننتال 25» لـ رادو جود المثل الأخلاقي في مواجهة القوة القاسية للموت

برلين ـ خاص «سينماتوغراف»

تدور أحداث فيلم ”أوروبا 51“ للمخرج روبرتو روسيليني في روما ما بعد الحرب، لكنه يهدف إلى تصوير حالة عدم الاستقرار التي تعيشها القارة بأكملها؛ ومن وحيه مباشرة في العنوان والموضوعات على حد سواء، فإن فيلم ”كونتيننتال 25“ للمخرج رادو جود يجادل بشكل استفزازي بأن كلوج نابوكا المعاصرة في رومانيا هي مثال متوسط لأوروبا اليوم بشكل عام.

تماشيًا إلى حد كبير مع المرحلة الرئيسية الحالية للمخرج الروماني التي بدأها بفيلم ”لا يهمني إذا دخلنا التاريخ كبرابرة“، يواصل صقل تحليله اللاذع لعالم اليوم، مع تبسيطه لوسائله التقنية (تم تصوير الفيلم على هاتف آيفون، دون إضاءة معززة)، وتركيزه على السيناريو الذي يعتمد على تبادل الأحاديث المختزلة - وهو عنصر يحقق نتائج متفاوتة وإن كانت جذابة. وقد عُرض الفيلم في اليوم قبل الأخير من مسابقة مهرجان برلين السينمائي الـ 75.

تدور أحداث فيلم ”كونتيننتال 25“ حول الهزات الارتدادية غير المستعدة للتقدم (من النوع الرأسمالي إلى حد كبير)، والهزات الصغيرة التي يمكن أن تزعزع الثقة والقبول المتسم بالبهجة التي تسمح للنظام بالازدهار عند فحصها لفترة كافية. أيون (غابرييل سباهيو) هو رياضي سابق يعيش منذ بضع سنوات متشردًا في كلوج، ومن المثير للاهتمام أن أسلوب حياته المتمثل في التجول في الأرجاء والسكر والتغوط علنًا والتسبب في مضايقات أخرى مختلفة وخفيفة لا يصور بأي طريقة زائفة. لكن المدينة الحديثة لا تريد أي بقايا من ماضيها، ومن المقرر هدم المسكن الذي يقطن فيه؛ يرفض الانتقال الذي تعرضه عليه السلطة المحلية، فينتحر، ويجعلنا جود نستوعب هذا الفعل المأساوي بصريًا وسمعيًا، متجنبًا قطع الفيلم بسهولة.

إن أورسوليا (إستر تومبا)، المأمورة التي تشرف على قضية إيون، لديها استجابة مقنعة وواقعية للغاية للصدمة التي تعرض لها هذا الفعل؛ والواقع أن أسلوب أداء تومبا الخارجي القوي يجعلها تشعر وكأنها المرة الأولى التي تواجه فيها حقًا القوة القاسية للموت (ومن الجدير بالذكر أن والدتها المجرية، التي تلعب دورها أناماريا بيلوسكا، لا تزال على قيد الحياة، وتمارس دورًا مهيمنًا في حياتها).

وفي كلتا الحالتين، تبدو حواجز السرد متوازنة بشكل فريد في هذه اللحظة بالنسبة لفيلم جود، حيث يمكن أن يكون مثالًا آخر من أفلام الفن على الرضا عن الذات والشعور بالذنب البرجوازي، ليس بعيدًا عن هانيكي أو فرهادي؛ ومن حسن الحظ، يأخذ جود هذه الفرضية المشتركة في اتجاه أكثر حداثة، ويضع التنوع الذي حدد الأسلوب البصري لميزاته الأخيرة في محادثات شخصياته ذاتها، على الرغم من أن هذا يجعلهم يشعرون بشكل أقل واقعية، عندما يخرجون من أفواه الممثلين.

تجلس تومبا وشركاؤها في المشهد معًا في مشهدين من نوع "اللقطتين" على غرار أعمال هونغ سانج سو - المخرج الكوري الجنوبي (والمفضل في مهرجان برلين السينمائي) له تأثير كبير حاليًا على جود - وتشبه تومبا وشركاؤها في المشهد متجرين لبيع الكتب في جامعتين يتبادلان الحديث.

ولكن هذا الخطاب النابض بالحياة ينطلق من الشاشة، فيحيط بك في الحوارات الثنائية كشخصية ثالثة.

وهناك جانب آخر يجعل جود معاصراً بشكل خاص، وهو تصنيفه كمخرج أفلام ما بعد الإنترنت وما بعد الحقيقة، فمقارنة تلميحاته الشاذة بعلامات تبويب المتصفح المفتوحة أمر سطحي للغاية، ولكن في عام 2025 وعلى هذه القارة، يبدو الأمر أحياناً وكأنك لا تستطيع التحقق من أي شيء، أو التوصل إلى استنتاجات حاسمة بالطريقة القديمة.

ونهاية الفيلم، في ضوء نهاية روسيليني الأكثر عاطفية، معبرة للغاية، ففي مواجهة عاصفة من التفسيرات المتناقضة والمغرية لهذا العالم الرهيب، يبدو خيار واحد فقط مقبولاً، قضاء عطلة مع عائلتك على شاطئ يوناني، حيث يمكنك التغلب على كل ذلك من عقلك المتعب، ولو للحظة واحدة.

 

####

 

العربي الوحيد بمسابقة مهرجان برلين الـ 75 ..

مراجعة | «يونان» لـ أمير فخر الدين الفيلم الثاني في ثلاثيته «الوطن»

برلين ـ خاص «سينماتوغراف»

من بين الأعمال المتنافسة في مسابقة مهرجان برلين السينمائي الـ 75، عُرض فيلم (يونان)، وهو الثاني للسوري أمير فخر الدين، كجزء من ثلاثية المخرج (الوطن)، التي بدأت بفيلم (الغريب)، الذي عُرض لأول مرة في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، أما الفصل الختامي، (الحنين: حكاية في فصولها الأولى)، فهو قيد التطوير حاليًا كإنتاج مشترك يضم سوريا وفلسطين وألمانيا وإيطاليا.

دائمًا ما يكون افتتاح الفيلم ببيت من الشعر طريقة إشكالية للبدء، فالكلمات سرعان ما تُنسى بمجرد بدء المشاهد المرئية، مما يجعل الأبيات أكثر جدوى لو كانت قبل التتر الأخير.

في حالة فيلم ”يونان“، تأتي الكلمات من الشاعر العباسي المتنبي وتتحدث عن الاشتياق إلى وجود الشخص، ولكن حتى عندما نكون معًا، ”سيظل البعد بيننا باقٍ“.

إنها جملة ملائمة للفيلم، سواء من حيث عدم قدرة الشخصية الرئيسية على الوصول إلى المسافات المجازية والجسدية على حد سواء، أو من حيث الطريقة التي يبقي بها الفيلم الجمهور في أجواءه الغامرة على مسافة معينة، رافضًا التفسيرات الواضحة أو التنفيس العاطفي البسيط لوجه آخر من أوجه المنفى والانتماء.

في ظل معاناة والدته من الخرف ونسيانها اسمه، يجد منير (جورج خباز)، الكاتب الشهير، نفسه فجأة في أزمة عاطفية لا يستطيع التخلص منها. فيطلب من والدته أن تكرر له قصة روتها له عن راعي مجهول الهوية مصاب بلعنة، لكنها لم تعد قادرة على إكمال القصة على ما يبدو. فيترك كلبه مع امرأة كان على علاقة حميمة بها وينطلق إلى جزيرة نائية حيث يخطط للانتحار.

وبمجرد وصوله، تؤكد له صاحبة الفندق الوحيد على الجزيرة، فاليسكا (الممثلة الألمانية هانا شيغولا)، أنه سيحتاج إلى حجز غرفة. ولكن عندما ترى منير يائسًا ومنهكًا، تسمح له بالبقاء في منزل ضيافة قديم غير مستخدم على بعد بضعة كيلو مترات فقط.

يؤجل منير خططه، ويسمح لنفسه بالتعرض لبعض الاهتمام من قبل فاليسكا، التي تقرضه دراجة ابنها كارل (توم والشيها) وتخرق بعض القواعد الغريبة الأخرى.

يبدو أن كارل ليس متحمسًا جدًا لمنير ويشعر بالفزع عندما تسمح له فاليسكا بالبقاء بينما يتم إخلاء بقية الجزيرة أثناء قدوم عاصفة تعد الأكثر تدميراً من التي رأوها منذ خمسين عامًا.

يظهر الفيلم انبهار فخر الدين بالهجوم الجليدي ويعكسه على أوهام الاكتئاب، وخصوصاً مع حكاية الراعي الملعون وزوجته الثقيلة القلب (يلعب أدوارهما التركية سيبيل كيكيلي والفلسطيني علي سليمان، اللذان يشعران عن غير قصد أنهما غير مستغلين إلى حد ما).

يتجول منير في هذه المناظر الطبيعية إلى جانبهم، ويبدو أن حياته موازية لحياة الراعي، الذي قيل مرات لا حصر لها أنه لا يستطيع أن يرى أو يسمع أو يتكلم وليس لديه أي شيء (باستثناء زوجته، وقطيع من الأغنام).

وتعكس رحلة منير الجسدية، الرحلة الوجودية إلى إحدى جزر المستنقعات المسماة (هاليجن)، والتي تشرح فاليسكا أنها تختلف تقنيًا عن الجزر لأنها عرضة للفيضانات الدورية.

إن التصوير الفوتوغرافي لهذه المنطقة غير المعروفة في ألمانيا مذهل، خاصةً بعد أن تتسبب العاصفة في ارتفاع المياه إلى ما يقرب من تسعة أمتار. وتصبح المنطقة مغمورة بالمياه، هناك الكثير من اللقطات البطيئة واللقطات الطويلة للمناظر الطبيعية.

هذا فيلم تأملي مدته أكثر من ساعتين. ويعتمد جزئياً على تقلبات الطبيعة من أجل دفع السرد إلى الأمام.

تدور أفضل لحظات فيلم "يونان" بين منير وفاليسكا، خصوصا عندما تفاجئه بموسيقى وأغاني عربية، لكنهما يتعرضان لمقاطعة متزايدة من قبل ابنها الفظ كارل، الذي يمد غصن الزيتون في النهاية لسلوكه، لكنه دائمًا ما يشعر بأنه غريب بعض الشيء.

عندما نصل إلى نهاية فيلم يونان، حيث يدرك منير أخيرًا معنى حكاية والدته المريضة، ينجح الفيلم أيضًا أخيرًا في ترسيخ شعور بالبلاغة، على الرغم من أنه لا يمثل كشفًا خاصًا لأي شخص آخر غير منير. ومع ذلك، وباعتباره تمرينًا على القوة الكامنة في لطف الغرباء، فقد تظل الوقفة الشعرية التي يتبناها المخرج السوري أطول من أن توصف، ولكنها تظل رسالة مرحب بها.

يدمج الفيلم بين الحلم والواقع، ويرسم باستمرار أوجه تشابه مع تجربة المهاجرين. وتخبرنا القصة مرارًا وتكرارًا أن الإنسان في حركة دائمة، وأن تجربته مراوغة وعابرة. ولعل ما يفسر هذه الرسالة هو أن المخرج أمير فخر الدين البالغ من العمر 33 عامًا مولود في أوكرانيا لأبوين سوريين ويعيش في ألمانيا.

وفي النهاية يمكن القول، (يونان) فيلم مفتوح على التأويل. تجربة حسية غير دنيوية. ورحلة عودة شخصية للغاية.. إلى مكان لم تغادره أبدًا.

 

موقع "سينماتوغراف" في

20.02.2025

 
 
 
 
 

مهرجان برلين السينمائى يحتفى بالتفاف الجمهور حول صناع الأفلام

برلين ــ خالد محمود:

·        تريشيا تاتل: لدينا أكثر من 1000 عرض فى الدورة 75.. وسعيدة بامتلاء القاعات بنسبة 100% وبيع 285 ألف تذكرة فى ستة أيام

«صناع الأفلام والنجوم من مختلف أنحاء العالم يضيئون مهرجان برلين السينمائى الـ 75، ويسعدون الجمهور».. هكذا علقت إدارة المهرجان التى احتفلت باهتمام الجمهور، الذى يتوافد على دور السينما لمشاهدة أفضل ما فى السينما العالمية، وتحية النجوم على السجادة الحمراء؛ حيث قدم العديد من المخرجين والممثلين من جميع أنحاء العالم أعمالهم خلال النصف الأول من المهرجان، ومنهم تيلدا سوينتون، إدوارد بيرجر، توم تيكوير، نيكوليت كريبتز، لارس إيدينجر، تالا الدين، تيموثى شالاميت، إيما ماكى، إيرا ساكس، بن ويشاو، ريبيكا هول، ريتشارد لينكليتر، إيثان هوك، مارجريت كوالى، برهان كوربانى، بونج جون هو، روبرت باتينسون، نعومى آكى، ستيفن يون، تونى كوليت، جاكوب إلوردى، جوستين كورزيل، لوسيل هادزيهاليلوفيتش، ماريون كوتيار، أوجست دييل، ميشيل فرانكو، جيسيكا شاستين، روبرت فريند، وكلوى سيفينى.

تقول مديرة المهرجان، تريشيا تاتل: «كان من دواعى سرورى الكبير أن أرى الجمهور والمحترفين يحتضنون العديد من الأفلام التى تُظهر تنوع هذا الشكل الفنى. لقد شهد النصف الأول من المهرجان مظاهر ساحرة على السجادة الحمراء، وأيضًا دور السينما كانت ممتلئة، لدينا أكثر من 1000 عرض فى المهرجان، وفى هذه العروض نتعرف على العديد من وجهات النظر المختلفة حول الأفلام وكذلك حول العالم.

وأشارت: يمكن للسينما أن تقدم مثل هذه الإلهامات المتنوعة - الفن والدهشة والحلم بجانب التأمل والتذكر والمقاومة. وقد قدم مهرجان هذا العام فرصة حيوية للاكتشاف والتواصل، ومازلنا نتطلع بشدة إلى الأيام القليلة الأخيرة من هذه النسخة.

وأضافت: ينعكس الاهتمام غير العادى للجمهور أيضًا فى الطلب المتزايد على التذاكر، وحتى 19 فبراير، تم بيع 285 ألف تذكرة بالفعل، وهو ما يزيد بنحو 14 ألف تذكرة عن نفس الفترة من العام الماضى، كما أن حضور العروض من قبل الموزعين والصحافة مرتفع للغاية، وفى كثير من الأحيان يصل الإشغال لنسبة 100% و90%.

كان الحضور فى سوق الفيلم الأوروبى نشطًا؛ حيث كان عدد المشاركين مساويًا للعام الماضى. وشهد السوق نشاطًا كبيرًا وردود فعل إيجابية من المشاركين، حيث سيطر الحضور من ألمانيا والولايات المتحدة وأوروبا، بينما زاد عدد المشاركين لأول مرة من الهند وأوروبا الشرقية.

سيقام حفل توزيع الجوائز فى 22 فبراير فى قصر برليناله؛ حيث سيتم منح جوائز المهرجان للأفلام القصيرة، وللأفلام الوثائقية، وجائزة أفضل فيلم روائى أول فى القسم الجديد «آفاق»، وجائزتى الدب الذهبى والفضى فى المسابقة.

فى اليوم المفتوح لمهرجان برلين، الأحد 23 فبراير، سيتم إعادة عرض العديد من أفلام المهرجان من أقسام مختلفة.

 

الشروق المصرية في

20.02.2025

 
 
 
 
 

فيلم «أحلام».. كابوس ميشيل فرانكو الجديد عن الحب والسلطة والحدود

نسرين سيد أحمد

برلين ـ «القدس العربي»: بعد فيلمه «نظام جديد» (2020)، الذي يقدم فيه رؤية قاتمة دامية لكيفية إحداث تغيير في العالم، يعود المخرج المكسيكي ميشيل فرانكو ليقدم فيلمه الأحدث «أحلام»، الذي يتنافس على الدب الذهبي في مهرجان برلين، في دورته الخامسة والسبعين (13 إلى 23 فبراير/شباط الجاري). «أحلام» فيلم يقدم رؤية لا تقل كابوسية ولا عنفا ولا مأساوية عن «نظام جديد»، ولكن التصور الكابوسي هذه المرة يخرج عن رؤية فرانكو لسبل إحداث تغيير في بلاده المكسيك، إلى العلاقة بين الجارة الشمالية، الولايات المتحدة والمكسيك.

في «أحلام» يعود فرانكو للعمل مع الممثلة الأمريكية جيسيكا تشاستين، بعد مشاركتها في بطولة فيلمه «ذاكرة» (2023). وبعد أن كانت تشاستين تلعب دور امرأة تداوي جراح رجل يعاني من حالة مبكرة من الخرف والزهايمر في «ذاكرة»، تعود هنا في دور امرأة تسبب من الجراح والآلام أكثر مما تداوي. ويعد دورها، والفيلم بأسره، تعليقا على العلاقة السامة بين الولايات المتحدة والمكسيك، وعلى ميزان القوى بين البلدين، من خلال قصة حب وافتتان جسدي جامح بين ثرية أمريكية شابة وراقص باليه مكسيكي.

يبدأ المشهد الأول للفيلم بشاحنة ضخمة، نراها في بادئ الأمر كما لو أنها تصطف في الطريق ثم رويدا نراها تهتز ونسمع الصياح والأصوات المتداخلة الفزعة والقرع على الجدران الداخلية. ثم نرى ما في داخل الشاحنة، إنها كتل بشرية متداخلة يعمها الخوف والفزع، ثم تأتي سيارة أخرى، ثم تفتح أبواب الشاحنة ليخرج من في داخلها ويحاولون أن يجدوا لأنفسهم موطئ قدم في الولايات المتحدة. يركز المشهد على شاب وسيم ممشوق القوام، يستل بعيدا عن المجموعة ويبحث عن سيارة تقله إلى سان فرانسيسكو. لا نعرف ما هي وجهة الشاب على وجه اليقين، ولكنه يبدو مطمئنا واثقا في خطوته متيقنا من طريقه. يغادر السيارة ليسير في طرق منطقة ثرية في سان فرانسيسكو، حتى يصل إلى منزل أنيق، يقرع بابه، ولكنه يبدو خاليا، فيبحث عن مفتاحه في مكان يعلم أنه سيجده فيه. يدخل المنزل يفتح البراد ليتناول بعض الطعام، ثم يذهب إلى الفراش لينام في اطمئنان وهدوء. بعدها تدخل إلى المنزل امرأة ترتدي ثياب سهرة أنيقة يبدو أنها من تصميم أكبر دور الأزياء. ترى الشاب صاحب الجسد الفتي الممشوق نائما في تمام عريه، فيمارسان الحب في نشوة عارمة. يبدو لنا أن لقاءهما هذا ليس لقاء عارضا وأنهما على معرفة وثيقة ببعضهما بعضا، وإن كنا لا نعلم حتى الآن كيف التقيا سابقا.

لا يؤسس فرانكو في هذا المشهد للعلاقة فقط بين الاثنين اللذين لا نعرف من هما ولا اسميهما حتى الآن، ولكنه أيضا يؤسس للعلاقة بين بلديهما. فهي بيضاء ناصعة البياض، ثرية تقطن في بيت فخم تزينه لوحات أصلية، وهو أسمر وسيم ممشوق القوام، أتاها معدما لا يحمل حقيبة سفر أو مالا ولا يملك سوى جسده العاري. ثمة افتتان عارم بين الاثنين واحتياج جسدي وشبق، ولكن يبدو أنها صاحبة اليد العليا في تلك العلاقة. هي أكبر سنا وأكثر سطوة وتملك البيت والمال، بينما هو أكثر براءة ولا يملك سوى جسده وموهبته التي سندركها لاحقا.

تتكشف الشخصيات لاحقا، فنعرف أن الشاب هو فرناندو (إيزاك إرنانديز في أداء مميز)، وهو راقص باليه مكسيكي موهوب، تعرفت عليه جينيفر مكارثي (جيسيكا تشاستين) لأنه كان يدرس الباليه في مدرسة الرقص التي أقامتها المؤسسة الخيرية لأسرتها الثرية في ميكسيكو سيتي. تبدو لنا العلاقة معقدة وذات أبعاد كبيرة من محاولات فرض السطوة والسيطرة. جينيفر امرأة جميلة ذات نفوذ واسع ومطلقة ولا تنجب، يفتنها فرناندو بجسده الفتي، وهي تشجع موهبته الفذة في الرقص، طالما يأتمر بأمرها، وطالما لا يخرج عن دائرة نفوذها. هو يود أن يحصل على وجود شرعي في الولايات المتحدة عن طريق الانضمام لفرقة كبيرة لرقص الباليه، بينما هي تود له أن يبقى في الظل كعشيقها الذي لا تود لوالدها أن يعلم شيئا عن وجوده. أما بالنسبة لشقيقها، فهذا الشاب المكسيكي ليس إلا نزوة من نزوات شقيقته لا تعني له شيئا طالما لا يهدد وجوده صورة مؤسسات والده أو ثروته.

يرفض فرناندو أن يكون مجرد نزوة من نزوات جينيفر، ويحاول الخروج من سطوتها، وتساعده موهبته في الحصول على دور البطولة في عروض فرقة باليه شهيرة في سان فرانسيسكو. يرى فرناندو في نفسه وموهبته ندية لجينيفر، ويود أن يشق طريقه في الحياة بموهبته. ولكنها لا ترى فيه ندا لها ولا ترى فيه سوى صاحب جسد تشتهيه، وتقدم له فتات الدعم طالما بقي تحت سطوتها، وبعيدا عن أسرتها الثرية.

في أفلام فرانكو لا تتحقق الأحلام ولا حتى تتبدد وتنتهي بخيبة أمل صامتة. ولكنها تتحول إلى كابوس صادم مقيم. ولكن حتى قبل أن يخيم الكابوس بشقائه، توحي تطورات العلاقة بما هو مقبل. لا تقدم جينيفر فرناندو لوالدها، الذي يأتي لزيارة مؤسستها الخيرية على أنه صديقها أو حبيبها، بل كمجرد راقص موهوب اكتشفته مؤسستها الخيرية. لا نرى وهي تمارس الجنس معه أنها تحبه لشخصه، أو أن أمره يعنيها بعيدا عن افتتانها الجسدي البالغ به. هو بالنسبة لها جسد ترغبه ليس إلا ذلك، وتظن أنها تمتلكه، عقلا وروحا وإرادة، لأنها تملك الثروة بينما لا يملك هو المال أو الأوراق الرسمية للإقامة في الولايات المتحدة. إنها علاقة سامة قائمة على فرض السطوة والهيمنة والاستغلال الجسدي من جهة، ومحاولة الحصول على الشرعية والندية والاحترام والاعتراف بالموهبة من الجهة الأخرى.

أحلام» يمكن وصفه بأنه سهل ممتنع. هو فيلم بسيط عن علاقة امرأة وشاب يصغرها بعدة أعوام. ولكنه على بساطته يحفل بالتفاصيل ومستويات السرد والمجاز. هو فيلم موجز في كلماته وفي ثوراته أيضا، ولكنه يحمل من العنف والعنف المضاد ما يصدمنا، لاسيما أن العنف فيه صامت أيضا لا يسفر إلا عن تأوه بسيط وتدمير مستقبل بأكمله.

 

القدس العربي اللندنية في

20.02.2025

 
 
 
 
 

"يونان".. تجربة مخرج سوري بالمنفى في فيلم ينافس بمهرجان برلين

برلين -رويترز

قال المخرج وكاتب السيناريو أمير فخر الدين، الذي تنحدر عائلته من هضبة الجولان السورية المحتلة، الأربعاء، إن فيلمه "يونان" الذي يشارك في مسابقة مهرجان برلين السينمائي الرسمية مستوحى من تجربته الشخصية في المنفى وشوقه إلى وطن.

الفيلم من بطولة الممثل والكاتب اللبناني جورج خباز الذي يلعب دور كاتب عربي منفي، يجد نفسه في جزيرة ألمانية نائية، وهو جزء من ثلاثية بدأت بفيلم "الغريب" عام 2021.

وقال المخرج وهو من أصول فلسطينية وسورية: "هذا موطن لا أعرفه، ولم أزره قط. كان ذلك في الستينيات من القرن الماضي لكني حلمت كثيرا بهذا الوطن".

وأضاف فخر الدين الذي يعيش الآن في ألمانيا "تجربة المنفى هذه شكلت بطريقة ما فكرة الثلاثية بأكملها.. قلت لنفسي: سأستكشف موضوع الوطن".

بدأ المخرج في الآونة الأخيرة العمل على الجزء الأخير من ثلاثيته بفيلم (نوستالجيا).

وقال خباز، الذي نال الشهرة بعد أن قام ببطولة فيلم "تحت القصف" عام 2007، للصحفيين في العاصمة الألمانية، إنه فوجئ عندما عرض عليه الدور؛ لأنه لا يتحدث الألمانية.

وأضاف: "ساعدني كتير ها البعد، الغربة عن اللغة، والغربة عن المكان، والغربة عن الأشخاص".

وتابع قائلا "أنا كنت في حالة غربة فظيعة لما رحنا على الجزيرة، مثل ما شوفتوا هذه الجزيرة القاحلة الغريبة اللي عندها طقوسها الطبيعية الغريبة، فكانت كل حالة الغربة.. ساعدتني كتير ببناء الشخصية وبالحالة اللي شفتوني فيها بالفيلم".

وفيلم "يونان" واحد من بين 19 فيلماً تتنافس على جائزة الدب الذهبي الكبرى في المهرجان، والتي سيعلن عن الفائز بها في 22 فبراير.

 

الشرق نيوز السعودية في

20.02.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004